ثـلاثيـّة الشَّهيــــد

ثـلاثيـّة الشَّهيــــد

شعر: عمر أبو الهيجاء

شاعر أردني

 

 

‏(1)‏

الشَّهيدُ

الشَّهيدُ ماءُ الأرضِ

رقصةُ اللغةِ على شفاه الموتِ

ما الذي يفعلُهُ المخبرُ عند تأويلِ الدمِ؟

لمّا يخيطُ شرشفَ الكفن ‏

ويسيرُ بِمَوْكِبِ الجرحِ والرّحيلِ

الشَّهيدُ/‏

رايةٌ بيضاءُ في كفِّ البلادِ

يحفرُ الأسئلةَ في عظام الوقتِ

كاسرًا مرايا الضّحكِ في نُباحِ المخبرين

الشَّهيدُ/‏

واضحٌ في غيابهِ

يستمطرُ عُمْقَ اللحظةِ

على أدراجِ كيمياءِ الجسدْ

الجسدُ المصابُ بالجمرِ المتَّقدِ

هو إيقاعُ الطينِ في مفرداتِ المكان

نخلةُ الصوفيِّ في التحليقِ

الشَّهيدُ/‏

طلقةُ الروحِ

تمتمةُ المتوحّدِ في لحم الترابِ

موسيقى التجلّي في لغة الدمِ

الشَّهيدُ..الشَّهيدُ‏

الشَّهيدْ.‏

 

‏(2)‏

ترتيـــلةُ الشَّــــهيد

في البَدْءِ/‏

كان يمشي خلفَ حلْمهِ كفراشِ الوردِ

لم يرَ سوى نعشِهِ عاليًا ‏

كان يمشي كطفلٍ تليقُ بهِ

مزاميرُ السَّنابلِ ‏

ذاهبًا في رؤاهْ

لم يسمعْ غيرَ أنينِ الليلِ

حين توضّأَ بماءِ ضحاهْ

مستويًا في حلْقِ الفجرِ عاشقًا

يرشُّ بين البيوتِ ملحَ الرّوحِ

يعجنُ دمَهُ تعويذةً على الجدرانْ

في البَدْءِ/‏

قال: أنا وشمُ الأرضِ والمتعبينْ

فصلُ البلادِ لمّا تعانقُ معنى الوردِ

سرُّ الجرحِ على بوّابةِ الأرضِ

سرُّ اليَدِ على سلالمِ البرقِ

حين تلوحُ لتوقيعةِ الشهداءْ

أنا ما تركتُ في الجهةِ الأخرى

غيرَ قلبي يُصلّي

يا الله ‏

كم خبَّأتُ في قميصِ الذاكرةِ

‏ وجه أمّي وغربته

لأرى نصوصَ المطرِ ‏

والتصاويرَ التي مررتُ بها

مناديلَ مبللةً في الحقولِ

ولم أصغِ لبرمجةِ الأيامِ

في صفحةِ العمرِ

جسدٌ تسلَّلَ منّي

لم يُكْمِلْ نشيدَهُ الأوَّلَ ‏

في آنيةِ الترابْ

في البَدْءِ/‏

كان يمشي عاليًا بِدَمِهِ

عاليًا بالنَّشيدِ الصُّعودْ

عاليًا في سريرِ العاشقينْ

في البَدْءِ/‏

كان ولم يزلْ ‏

رقصةَ الخيلِ

سيفَ الريحِ

حكمةَ العاشقِ

سيرةَ وطنٍ

وترتيلةَ شهيدْ.‏

 

‏(3)‏

مقـــامُ الشـَّـــهيد

هنا شهيدٌ ومقامُ ‏

ماءٌ يفيضُ على وجه الأرضِ

دمُهُ طريٌّ يُبللُ حريرَ الترابِ.. ويعلو

دمُهُ يُصلّي في بريدِ القلبِ

يرسمُ لوحةَ العِناقِ في اخضرارِ الروحِ

يُرَتِّبُ الأشياءَ على شرشفِ السَّماءْ

لم يتركْ نصوصَ الرّيحِ بلا مأوى

لا.. ولم يتركْ اقتسامَ الغيمِ في غموضِ الطينْ

كان رعدَة ليلٍ على بوّابةِ البلادِ

كما الطيرِ كان ‏

وحيدًا يتموَّجُ بالرَّقصِ

ماضٍ نحو جبةِ الوردِ

في ضُحى القصيدةِ ‏

يُغنّي على مرمى جرحٍ في خندقِ الحياةْ

هنا مقامُ شهيدٍ

يُنَقِّطُ ضوءًا

في دفتر السهولِ

قارئًا

على

الفجرِ

أحوالَ الناسِ ‏

ويمضي ملتفًّا ‏

بكوفيّةِ الوطنِ ومشطِ الرّصاصِ

يمضي نحو جنّةِ معناهْ ‏

هنا مقامُ شهيدٍ

‏...مقااااام حياة.‏