د.عطالله الحجايا
شاعر وأكاديمي
سرّان
( إلى روح الشاعر حبيب الزيودي)
سرّانِ في العدوة القصوى من القلب ذابا
عينان...
دمعتان...
جمرتان...
يا أيّها الولدُ المدلّل بالبهاء
كم أتعبتني!!
وأنا تتعبني الطريقُ
كيف لي أن أنزعَ من القلب
شبّابةَ الروح
قوسَ الربابة
أنّةَ العشاق
سحره الذي كنّا نباهي به؟
شعره..
صباه...
ضحكته الماجنة
المواعيد التي كان يخلفها
حديثًا لم نستطع بوحه لسوانا
رغيفًا دعتنا قسوتُه للزهد.. طوعًا
فكنّا صعاليكَ ذاكَ الزّمان الذي لم يخن عريَه
بل أباح شوقنا ورمانا
دينارًا تقاسمناه مرارا
القميص الذي تنازعته الأكفُّ
الحذاء الذي ملّ الطريق إلى "الضاحية"
تسرقنا المدينة في الصبا
في المشيب
وعندما نحمل أحلامنا تبكي علينا
آه كم تغتال المدينةُ صوت البلابل والسنابل!!
حكايات الطفولة
بوح العجائز للصبايا
قصّة الروح التي تحمل البذرةَ الأولى
الجراح المتوارثة
رنّة الخلخال
عودة الفارس محمولًا
أنين الفأس التي تشقُّ لك الدرب
إلى الآخرة
مثقلًا بالحديثِ
أتيتُ لأصمتَ في حضرتك
فكلُّ الذي لا يُقال يُقال
حديث الصبايا
بوح الزنابق
لهفة الأطفال
ودمع الرجال
كل الذي لا يُقال يُقال.
توزّعت فينا أشمُّ نواياك في الأزهار
في الدحنون
في البلوط
في الأقمار التي لم تخن المواعيد
ولم تخنّا
وكنت وكنّــــــــــــا
وداع حبيب.
كتَبوكَ شعرًا إذْ سكبتُك أدْمُعا
ما جادَ فيك الدهرُ حتّى روّعا
أخلصتُ فيك القولَ نزْفًا صادقًا...
وحفظتُ فيك الودَّ حتّى أيْنـَـعا
وفيّت حــــقَّ الصبر إلا أنــّــــه
قد آن للمكــلوم أن يتوجـّـــعا
ما ظلّ في العالوك* طيرُ محبّــة
إلا أكبّ على الغصونِ ورجّــعا
ما ظلّ في العالوك جرحُ قصيدةٍ
إلا عليك مع الحنين تفجّـــــعا
ما ظلّ في العالوك قلبُ صَبيّةٍ
إلا توسّل من قصيدِك موضِـــعا
في ساحة الآداب عرشُك قائمٌ
وتركت -عادتك- المكان مودعا
حنّت لك الأدراجُ في سكناتها
وصبت إليك تودّدًا وتضــــــرّعا
أن لا تغيب فقد أعدت شبابها
وتركت روحك في المكان تضوّعا.
***
مـــُتْ يا حبيبُ
مُتْ يا حبيبُ
ليس لمثلِك أن يظلَّ على قيدِ الحياة
ليس لمثلِك أن يجوبَ الأرضَ مع سُودِ الجِباهْ
مُتْ يا حبيبُ
فالشعرُ يجهِش بالبُكاء
مُتْ يا حبيبُ
فلو قرأتَ ما أصدرَ الشعراء ُبعدَكَ
لانتحرت.
مُتْ يا صديقي هانئًا بالموتِ
فالسبعُ العِجافُ التي مرّت بعد موتِك
لا يطيقُ العيشَ فيها
من كان مثلَك في الحياةْ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*العالوك: بلدة الشاعر حبيب الزيودي ودُفن بها.