الدراما والسينما في الأردن/ محطاتٌ وإنجازاتٌ

ناجح حسن
كاتب وناقد سينمائي أردني
اختارت هيئة تحرير "أفكار"، موضوع الدراما والسينما الأردنية، ليكون ملف عدد هذا الشهر، وذلك انطلاقًا لما يمثله هذا الحقلُ الإبداعيُّ من أهمية في الحياة الثقافيّة الأردنيّة.
فالملفُ يضمُّ جملةً من الموضوعات المتنوّعة، التي تبحث عبر القراءة النقدية، والشهادات الشخصية لقامات من الرواد الأوائل، هم اليوم من بين أبرز مبدعي الدراما الأردنية في حقلي السينما والتلفزيون، يجري فيها مجتمعةً تسليط الضوء على تلك البدايات الأولى، وما واجهته من تحديات وعقبات، فضلًا عن تناولها الفطن لأبرز القضايا والموضوعات في المجتمع المحلي، التي عالجتها في مجموعة من المسلسلات التلفزيونية والأفلام، خلال أزيد من ستة عقود زمنية فائتة، بحثًا عن وجود، وسعيًا لإيجاد هُويةٍ خاصة.
تدور محاور الملف، التي تتنقل بأقلام نخبة من الكتّاب والنقّاد والأكاديميين الأردنيين، بحثًا عن الرؤى الجمالية والدرامية والبنى التأسيسية في عوالم الدراما الأردنية، وما قدّمه فيها صانعوها الأفذاذ سواءً من أفراد أو مؤسسات، من قدرات بديعة في وضع الأردن على خريطة الدراما التلفزيونية العربية، بكونه دولةً رائدةً في هذا الحقل التعبيري، ومثل ذلك هذا الحضور الحالي في المشهد السينمائي العربي والعالمي.
كما تتبعت أغلب المقالات والشهادات في هذا الملف، بعضًا من تجلّيات الدراما التلفزيونية إبّان حقبتي السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، وأبرز نتاجاتها، "المحراث والبور"، "شمس الأغوار"، "حارة ابو عواد"، "قرية بلا سقوف"، "هبوب الريح"، "الطواحين"، "قلوب حزينة"، "حارة الزين"، "فيروز والعقد"، " الوحل"، "السياط"، "وتعود القدس"، "الكفن"، "التائه"، "التجربة"، "أبناء الضياع"، وسواها كثير، فضلاً عن التعريف باشتغالات عددٍ من مبدعيها مثل نصوص محمود الزيودي وإخراج "حسن أبو شعيرة" وجلال طعمة، إلى جانب ذلك التأريخ لدنيا الأطياف والأحلام وما واجهته من عثرات وحالات نهوضها تحت وطأة ظروف متعددة، تشرحها وتفسرها أكثر من شهادة مبدع في هذا الملف، بدءًا من انطلاقة أوّل فيلم روائي أردني العام 1959 إلى يومنا هذا.
وهناك تركيزٌ على أهمِّ القضايا التي عالجتها مجموعةٌ من المسلسلات والأفلام الأردنية المنجزة، حتى يدرك الجيل الجديد من عشاق الفرجة التلفزيونية وروّاد السينما والمتطلعين إلى احتراف العمل فيهما، تلك الأسس والقواعد التي اتكأت عليها قدرات صنّاعها، وهي ترصد وتحلّل وتدقق وتقوّم مزنرة بإشارات ودلالات مفردات لغتها السمعية البصرية، مثلما تسلّط هذه الكتابات الضوء على أساليب المعالجة التقنية، التي اتبعها أولئك النفر القليل من المخرجين والمخرجات، فضلاً عمّا جسدته من ظواهر ومسارات في رحلة الفيلم والمسلسل التلفزيوني الأردني، وما شابها من عثرات وثغرات، وهي على موعد في مستقبل أكثر توهجًا وإبداعًا وازدهارًا.
ولئن كانت السينما الأردنية ظلّت راكدةً بعد سلسلة من المحاولات المتعثرة، إلا إنَّها بعد سنوات من الانتظار الطويل، أخذت تقف على قدم المساواة إلى جوار الإبداع السينمائي العالمي في كثير من المهرجانات، كما في أفلام مجموعة من الشباب الجدد: "الجمعة الأخيرة" ليحي العبدالله، "كابتن أبو رائد" لأمين مطالقة، "ذيب" ل"ناجي أبو نوار"، "إعادة تدوير" لمحمود المساد، "طرفة" لماجدة الكباريتي، و"فرحة" لدارين سلام، التي شقّت طريقها بنجاح في أرجاء المعمورة، ولاقت هناك الثناء والإعجاب والجدل من النقّاد والحضور المتنوّع الثقافات.
ومن دون أدنى شك، أُنجزت تلك الأفلام في ميزانيات محدودة التكاليف، ووفق قواعد وأحكام السينما المستقلة، حظيت أغلبيتها بدعم من الهيئة الملكية الأردنية للأفلام، وكانت النتيجة لافتة بإيقاع العمل الهادئ، والأداء البديع، عدا عن تلك المُناخات التي سارت فيها الأحداث، منحتها جوانب من الحيوية والألق، وهي بذلك تتأسس على تجارب أردنية سابقة: " صراع في جرش" لإبراهيم سرحان، "وطني حبيبي" للأخوين عبدالله ومحمود كعوش، و"الأفعى" لجلال طعمة، والشحاذ" لمحمد عزيزية، و"حكاية شرقية" لنجدة أنزور، وهو ما مكّنها في القدرة على الإصرار والتصميم والتحدي في تقديم منجزٍ سينمائيٍّ أردنيّ، يتوازى في قيمته الجمالية والدرامية مع ما طرحته من تصاوير لهموم وآمال إنسانية في عناق مع أسئلة وهواجس الفن السابع.
في النتيجة، أثّثت تلك الاشتغالات الدرامية التلفزيونية والسينمائية، المشهدَ الثقافي الأردني، وأضاءته بأشكالٍ من التعابير الجمالية الممتعة والجريئة في جنوحها الآسر إلى البهجة الآتية من بطون الواقع وأسئلته الفطنة.