وليد سليمان
كاتب وباحث أردني
الراحل سعود الفياض المخرج التلفزيوني الأردني الشهير لا يمكن أن ننسى مسلسلاته التلفزيونية الشعبية التي لاقت رواجاً كبيراً من قِبل المشاهدين الأردنيين ثم العرب كذلك؛ وذلك منذ أواخر السبعينيات وفي الثمانينيات من القرن الماضي؛ عندما كانت العائلات الأردنية تتحلق معاً أمام شاشة التلفزيون الأردني ليلاً لمتابعة المسلسلات المشوّقة للمخرج سعود الفياض.
وكان الناس والأطفال هنا في الأردن يرددون بعض جملٍ وعباراتٍ من مسلسلاته؛ بسبب التفاعل القوي مع أحداثها ومعالجاتها لقضايا فئات من المجتمع والتي كان من أشهرها:
(شمس الأغوار، الطواحين، ام الكروم، قرية بلا سقوف، وجه الزمان... وغيرها.
والمخرج الدرامي التلفزيوني سعود الفياض هو من خريجي الجامعة الأردنية عام 1967 تخصص علم نفس .. لكنَّه أحبَّ الفنَّ الدرامي فذهب ليدرس هذا العلم باحتراف إلى كلٍّ من بريطانيا وأمريكا بعد ذلك.
دراما الفلاحين والأرض
وتميّز المخرج سعود الفياض في مجمل أعماله الدرامية التلفزيونية بتمسّكه بالأرض وتراب الوطن وإدانته هجمة الانفتاح الاستهلاكي، وعدم الوعي بالأصالة والجذور، والاتجاه للتقليد الفارغ من المعنى الإيجابي لدى فئات عديدة من المجتمع الأردني.
وهذا ما عالجه عبر إخراجه سلسلةً من الأعمال الدرامية التلفزيونية كان أولها المسلسل الدرامي الشهير (شمس الأغوار) عام 1979- 1980 للكاتب محمود الزيودي، وكذلك مسلسل (قرية بلا سقوف) التي عرض فيه سلبية الهجرة من الريف الزراعي إلى المدينة، وكذلك المسلسل الذي اقترب فيه من العاصمة مسلسل (الطواحين) حيث الهجمة على القديم والتراثي، وكأنَّ التحضر والمدنية لا يكون إلا بالغاء القديم، وفي مسلسل (المحراث والبور) كانت فيه عينة اجتماعية أخرى تكافح بالتمسك بالأرض وزراعتها وأخرى تستخف بذلك، مع إبراز دور المرأة التي بدأت كعنصر فاعل تكافح من أجل إثبات مشاركتها في المجتمع والحياة.
وتكرّر ذلك التركيز على هموم الفلاحين ومشاكلهم وأصحاب الأرض في مسلسلات أخرى مثل (أم الكروم) وغيرها ذلك.
حتى شاركت بعض المسلسلات تلك وغيرها لسعود فياض في مهرجانات عربية، ونالت الاستحسان والمشاهدة والتفاعل من مشاهدي الدول العربية الذين شعروا أن تلك المواضيع والشخصيات كأنَّها تحكى عنهم وعن أحوالهم في مناطق عربية بعيدة.
مسلسل "شمس الأغوار"
وبشيء من التفصيل حول مسلسل " شمس الأغوار " نشير إلى أنَّه شارك فيه نخبةٌ من الفنانين الأردنيين منهم: نبيل المشيني، أسامة المشيني، جولييت عواد، جميل عواد، يوسف الجمل، حسن ابراهيم، محمد القباني، تيسير عطية، أمل الدباس، رشيدة الدجاني، ربيع شهاب، يوسف يوسف، وآخرون.
وقد عالج هذا العمل الدرامي حكاية الأرض والإنسان؛ التي اعتمدها الكاتب محمود الزيودي والمخرج الفياض؛ من حيث التركيز على مشاكل المزارعين في منطقة الأغوار الأردنية، وقضايا تسويق المنتج الزراعي، وتحكم الوسطاء وجني الأرباح من شقاء المزارعين البسطاء.
وهذا المسلسل كان قد وضع الدراما الأردنية في مسارها الصحيح منذ البدايات، وما زال لهذا المسلسل وقعه الجميل من خلال إعادات بثّه على شاشات التلفزة الأردنية في عصرنا الحاضر.
مسلسل "السقاية"
ومن المسلسلات الشهيرة الأخرى للمخرج سعود الفياض (السقاية) قصة علي الدلاهمة وسينايو وحوار محمد العبادي، ومن إنتاج التلفزيون الأردني عام 1999. حيث كانت تدور أحداث المسلسل حول رصدٍ واقعيٍّ لسيدة مكافحة اختفى زوجها في ظروف غامضة، فاضطرت على إثرها أن تعمل على جلب الماء من عين القرية (بلدة صويلح) وبيعه لأهالي الحي، لتعيل أبناءها الصغار وتنشئهم، حيث يتزامن ذلك مع المتغيرات التي حدثت لاحقاً من مدِّ شبكات المياه للبيوت في بداية فترة الستينيات من القرن الماضي، وما طرأ من ثورة في العمران وبيع للأراضي في تلك المنطقة، ودخول عناصر الجشع والاستغلال من قبل فئة متنفذة لا ترى إلا مصالحها.
وتتمحور هذه الأحداث حول شخصية أم عدنان (قام بدورها الفنانة قمر الصفدي) تلك السيدة التي استطاعت بجهدها وعرقها أن ترسل ابنها لدراسة الطب في القاهرة، وكانت نموذجاً لأكثر من سيدة أردنية وفي ظروف مشابهة، استطعن أن ينشئن جيلاً يشار له في حركة المجتمع الأردني والمجتمعات العربية.
هذه العينة الاجتماعية التي تدور قصة المسلسل حولها رصدها الكاتب المرحوم (علي الدلاهمة) عن أحداثٍ واقعيّة وضع لها الأطر الدرامية من خلال كتابة السيناريو والحوار (الفنان محمد العبادي) وجاء المسلسل تمثيلاً واقعياً معيشاً تتمثل فيه صدق الأحداث والشخصيات على أرض الواقع أصدق تمثيل. كما وضعت مسارات وخطوط درامية لأحداثٍ تمسُّ جوانب الحياة العامة للناس، وأمثلة معيشة؛ فمثلاً طُرحت في المسلسل مسألة عدم تكافؤ الزواج بين من هم كبار السن والفتيات صغيرات العمر، وما ينشأ عن ذلك من معاناة لكلا الطرفين.
ولعلَّ صدق الطروحات التي جاءت في المسلسل أعطته مصداقية عالية وقبولاً منقطع النظير لدى المشاهد، وهذا ما يسر له النجاح وحصوله على الجائزة البرونزية في مهرجان القاهرة للإذاعة والتلفزيون في العام 2000م.
وقد شارك فيه نخبةٌ كبيرة من نجوم الفن الأردني منهم: قمر الصفدي، محمد العبادي، نبيل المشيني، جولييت عواد، حسين أبو حمد، هشام هنيدي، مارغو أصلان، ريم سعادة، نادرة عمران، سميرة خوري، لارا الصفدي، عبدالكريم الجراح، عيسى الصويص، إبراهيم القواسمي، وليد البرماوي، أشرف اباظة، يزن عثمان الشمايلة، وبمشاركة للفنان محمد القباني، ولأول مرة إياد نصار، ونخبة أخرى من الفنانين الشباب.
وهذا العمل الدرامي الشهير كان قد حقّق دفعة كبيرة للمعرفة الإنتاجية لدى الإداري والمالي في مؤسسة التلفزيون في ذلك الوقت، فقد حظي هؤلاء بتفاصيل العملية الإنتاجية، رغم المعاناة التي تعرض لها طاقم الإنتاج، إذ احتاج الأمر إلى الكثير من الوقت في إقناع موظفي القطاع العام بالقبول بالكثير من المتطلبات الإنتاجية وضرورتها، واستدعى الأمر في كثير من الأوقات إلى تدخل المخرج في عملية الإقناع.
لكن وللحقيقة عندما خرج المسلسل للنور واعتمد بثه على الشاشة الأردنية تغير الكثير في الأسلوب والفهم للغة التعامل، وإن أخذت استمراريتها في المسلسلات اللاحقة.
الأعمالُ البدويّة
وكان للمخرج المثقف سعود الفياض أعمال أخرى، فقد عمل في برامج أسبوعية تلفزيونية، وأخرج نشرات الأخبار، وعمل بشكل ثنائي ناجح مع كاتب السيناريو الشهير محمود الزيودي.. حيث أخرج العديد من الأعمال الوثائقية والمسلسلات البدوية الأردنية، كان منها مثلاً: (من بوادينا) وهي سلسلة وثائقية تلفزيونية من (9) أفلام.. حيث تنقل سعود الفياض في بوادي الأردن وعايشها ونام هناك الليالي للمعرفة وللاطلاع وللتصوير لعمل هذه الأفلام البدوية عن حياة سكان البادية من كل الجوانب.. حيث شكّلت تلك الزيارات والأعمال والمعايشة في الطبيعة الصحراوية أرضية وفكراً جيداً للمسلسلات البدوية الأخرى التي أخرجها فيما بعد.
وعن أعماله البدوية الأخرى التي أخرجها الفياض فهي عديدة منها أيضاً: الصقر، لحن البوادي، الوافي، الغريب، القضية، الأنباط.
تكريمٌ وجوائز
هذا وقد حصل المخرج الراحل سعود الفياض في حياته على عدة تكريمات وجوائز منها: جائزة فنية في مهرجان "شاليمار" في الباكستان عن فيلمه (القضاء العشائري)، وجائزة أخرى عن فيلمه (حياة البادية) في مهرجان اتحاد الإذاعات الآسيوية في طوكيو.. الخ.
ومن البلاد التي شارك في مهرجاناتها الدرامية التلفزيونية مثلاً: المغرب حيث حصل على جائزة حول مسلسله (وجه الزمان) الذي أعدَّ السيناريو له محمود الزيودي عن رواية الروائي والصحفي المعروف طاهر العدوان، وكذلك في بغداد وتونس والقاهرة التي شارك فيهما لعدة مرات بأعماله الدرامية المميزة، ومنها ملسلسل "السقّاية" حيث نال الجائزة البرونزية في مهرجان القاهرة للإذاعة والتلفزيون عام 2000.
في مغاريب السلط
ومن عشق سعود الفياض للتراث والأرض سواءً في مسلسلاته وبرامجه وأفلامه، أو في حياته الخاصة، أنَّه قرر العودة من (عمان) للاستقرار في مغاريب (السلط)، حيث أخذ يبني منزله على مراحل كلما توفرت معه بعض النقود، حيث قام ببنائه على مزاجه الفنيّ الهندسيّ، وأسّس فيه ما يشبه المتحف التراثيّ العربيّ المستمد من البيئة الفلاحية المهنية والاجتماعية.
ففي منزله هناك جماليات المعروضات الشعبية من أدوات الزراعة التي كانت خاصةً بأهله؛ مثل "لوح الدراس" الخاص بالبيدر و"الشواعيب" و"القادم" - وعاء لحمل قشّ السنابل - والمذراة، مع الاحتفاظ بأنواع متعددة من البُسط والسجاجيد الشرقية السلطية والأردينة، كذلك التونسية والإيرانية والباكستانية التي كان يشتريها عند زيارته قديماً لتلك الدول.
عدا عن مقتنيات أخرى من أدوات الطعام والشراب النحاسية والمعدنية مثل أوعية الحليب والزبدة والزيت ودلال القهوة والملاعق و"مغارف المناسف" والأوعية والأواني كذلك.
ثم بعض الملابس التراثية السلطية للنساء كبار السن "الخلقة" و"المدارق" وحطات الرأس النسائية السوداء والحمراء اللون، وعصبات الرأس وأثواب الصبايا.
وكذلك وجود مكتبة ضخمة من الكتب والمراجع والأشرطة في معظم مجالات الحياة الثقافية باللغات العربية والأجنبية.. وكانت مكتبةً مشتركة له ولزوجته المخرجة هيفاء كتّاب الفياض.