"رفقة دودين".. عشر سنواتٍ على الرحيل

شوقي بدر يوسف
كاتب وناقد مصري

عشرُ سنواتٍ مرّت على رحيل الكاتبة الدكتورة رفقة محمد دودين إحدى العلامات البارزة في الأدب الأردني المعاصر، وإحدى قاماته السامقة التي كانت لها بصمة شديدة التميز مهرت بها المشهد السردي الأردني إبداعًا ونقدًا بتنوّعٍ سرديٍّ غير مسبوق شمل القصة والرواية والنقد.
ففي مساء التاسع من سبتمبر 2013 رحلت رفقة دودين أثناء مشاركتها فعاليات مؤتمر حقوق الإنسان في مدينة بروكسل عاصمة بلجيكا، وفقد الأردن في ذلك الوقت واحدةً من كاتباته الرائدات اللائي حققن له جانبًا ثريًّا من الإبداع والنقد في مرحلة من أهم مراحل أدبه الحديث.
ولدت الدكتورة رفقة محمد دودين بـبلدة "راكين"، محافظة الكرك في الأول من مايو عام 1958، حصلت على الثانوية العامة عام 1979، وبكالوريوس اللغة العربية في الجامعة الأردنية عام 1981، وعلى ماجستير اللغة في جامعة مؤتة عام 1996، وعلى الدكتوراه من الجامعة نفسها عام 2004. عملت الراحلة في حقل التدريس ثم مديرة لمدرسة "أدر" الثانوية للبنات منذ تخرجها في الجامعة الأردنية وحتى عام 2004، ثم أصبحت مستشارةً في وزارة التنمية السياسية منذ عام 2008. نالت في مسيرتها الإبداعيّة عدة جوائز؛ منها جائزة التأليف من اللجنة العليا لإعلان عمان عاصمة للثقافة العربية عام 2002 عن روايتها "سيرة الفتى العربي في أمريكا"، وجائزة رابطة الكتاب الأردنيين لغير الأعضاء في حقل القصة عام 1987.
كانت حياتها الخاصة والعامة رحلة حياة اتسمت منذ بداياتها بطموحات ومثابرة لا حدود لها في عشقٍ للعلم والتحصيل حتى أوصلتها طبيعتها الطموحة إلى ما وصلت إليه من حضور أدبي وثقافي كبيرين في المشهدين الأردني والعربي، كما تميزت أعمالها بروح الإرادة الصلبة المعبرة عن مخزون فكري وعلمي كبير، ووعي سوسيولوجي عميق تاقت كثيرًا لترويجه في عالمها السردي.
وتخليدًا لاسمها ومكانتها الأدبية الرفيعة أنشأت رابطة الكتاب الأردنيين جائزة سنوية حملت اسمها تُمنح في ثلاثة حقول: الإبداع السردي، النقد الأدبي، العمل التطوعي، وهي تقتصر فقط على الشأن الثقافي الداخلي عند المبدعين الأردنيين.


راكمت الراحلة المشهد الأدبي الأردني بالعديد من الإبداعات السردية في مجالات القصة القصيرة والرواية والنقد الأدبي، ففي مجال القصة القصيرة صدرت لها مجموعة "قلق مشروع" 1990، وفي مجال الرواية صدرت لها أربعُ رواياتٍ هي: "مجدور العربان" 1994، "أعواد ثقاب" 2000، "سيرة الفتى العربي في أمريكا" 2002، "أهل الخطوة" 2013، وفي مجال النقد صدر لها "توظيف الموروث في الرواية الأردنية المعاصرة"، 1996، و"خطاب الرواية النسوية العربية المعاصرة" 2007، و"دراسات في الأدب الأردني الرؤية والتشكيل" 2009.
بدأت رفقة دودين رحلة الإبداع بالقصة القصيرة في نهاية الثمانينيات بمجموعة "قلق مشروع" وهي مجموعةٌ ضمّت أربع عشرة قصة قصيرة وضعت فيها الكاتبة ملامح البعد الأنثروبولوجى للواقع العشائري في ريف الأردن، وانسحاق المرأة تحت وطأة هذا الواقع، وقد شغل السرد الواقعي القائم على أطر تقليدية حيزًا كبيرًا في قصص المجموعة، وكان هاجس انشغال الكاتبة بقضايا المرأة والمجتمع هو الشغل الشاغل لبدايات رفقة دودين في حقل الإبداع، وقد ظهرت بداياته جلية في هذه المجموعة القصصية التي حاولت فيها أن تحيط بمنحى البيئة الريفية وإنسانها، وما يتعرض له في ظلِّ حياة لها هواجسها وتأزماتها، وكان الاشتباك الموضوعي للمجموعة من وجهة نظر محددة؛ هي هموم الحياة الريفية بآلامها وذكرياتها وما تحتويه من تأزمات عانت منها رفقة نفسها في بحثها الدؤوب عن العلم والثقافة منذ حداثة عهدها بالمدرسة في قريتها "راكين" حتى أنَّها قالت في ذلك: "في المدرسة أحسست أنَّني أحيا، وعندما التحقت بالجامعة، شعرت كأنَّني خرجت من الظلمات إلى النور، إذ إنَّ تعليم المرأة في ذلك الوقت كان يضحى به، فإذا ما (طوّلت) الفتاة، يُقال لأهلها: "صارت البنت طويلة، ولا بدَّ أن تخرج من المدرسة"، وتضيف بحسرة: "يبدو أنَّنا نعادي القامات"، (1) وذكرت أنَّها: "في الرابع الابتدائي كتبت أول محاولة إبداعية بعنوان "هذه أسطورة كركية" سارت فيها على منوال قصة الراعي الذي استطاع بمزماره أن يجمع الفئران التي هاجمت حقول القرية، ويجرّها ضاحكًا عليها بالتطريب إلى البحر، كما كان لجدها الشاعر الشعبي دورٌ مهمٌ في بناء ذاكرتها التاريخية، ما أسهم في صوغ مفردات ذاكرتها جماليًّا، وأبقاها في منطقة بين فصيحة نخبوية بنبرة الصهيل، وعامية بجماليات ثرية وسرديات شفاهية لا تقلُّ أهميةً عن أدبيات السرد الحديث" (2)
وفي مجال الرواية كانت باكورة أعمالها هي رواية "مجدور العربان"، وهو نصٌّ قصصيٌّ شبه روائي بحسب ما ذكرت الكاتبة، تحتكم في فضائه السردي سوسيولوجيا البيئة الريفية في مكوناته وشخوصه وأحداثه، كما أنَّه يلملم أنثروبولوجيا العادات والتقاليد وطبيعة ما تحتويه البيئة بموروثاتها وصورها الشعبية التي برعت دودين في رسم دقائقها من خلال تجسيد صورة الحارة والزقاق الريفي والفلاح والمخيم، وواقع المرأة المزري، وظلال قرى الجنوب بمكوناتها وهمومها وإشكاليات قضاياها الاجتماعية ولغتها، وما تحتويه حياة القرية من تفاصيلها العامة والخاصة، كما عاشتها في بلدها "راكين".
وفي روايتها الثانية "أعواد ثقاب"، تتحدث الرواية عن الحقبة السياسية المبكرة في عمر الأردن، وكيف كانت القضية الفلسطينية والنازحين حاضرة بقوة كعادتها في أغلب الأعمال الأردنية، خاصةً تلك الفترة التي عبرت عنها رفقة في أعمالها الروائية، وكانت مدن الأردن في ذلك الوقت أكثرها استقبالاً لأفواج النازحين الفلسطينيين الذين تركوا ديارهم قسرًا وقهرًا إلى الشتات الذي كان الأردن أبرز تجمعاته لقربه من الأرض المحتلة الفلسطينية. كما كانت المضامين السياسية التي تواجدت في السرد الروائي عند رفقة دودين المحكي عن الحرية والثورة على العبودية، والعمل حتى في الأعمال الصعبة مثل المحاجر وما إلى ذلك، وكان يعمل فيها الكثير من أبناء المجتمع: "أكل المحجر مني وما شرب، ولم تكن لي حيلة ب(المهدّة)، (المهدّة) هدّت حيلي تمامًا". (3) كما تعتبر الرواية مرحلة تاريخية موثقة بجانب أنَّها تسجّل أحداث النزوح وأحوال النازحين، فإنَّها تمثل أيضًا السمات التسجيلية لهذه الأحداث حيث شخصيات الرواية في أحلامهم المتخيلة للوطن السليب، وما يعايشونه من قهر وظلم وانكسار، لقد كانت الشخصيات النمطية العادية في نسيج الرواية هي المواطن الذي ترك وطنه وهو يمسك بمفتاح داره كرمز للعودة لا يفارقه مهما كانت الظروف والأحوال. وتذكر الرواية في ذلك "أم أحمد الداية"، "الحاج عبد الله"، "الحاج بدوي" الذي رفض ما حدث ولفظ أنفاسه وهو في الطريق. الرواية في مجموعها تمثل بعض المذكرات الشخصية الموثقة لمرحلة مصيرية في تاريخ النزوح والشتات والصراع الذي لن ينتهي بين العربي والإسرائيلي.
وفي روايتها "سيرة الفتى العربي في أمريكا" التي فازت مناصفةً مع رواية الكاتب جمال حمدان بجائزة مسابقة اللجنة الوطنية العليا لعمان عاصمة للثقافة العربية، ومع ذلك صادرها الرقيب ومنعها من دخول البلاد بعد أن أصدرتها في بيروت "المؤسسة العربية للدراسات والنشر عام 2002، والرواية في مجملها تستند إلى سيرة الفتى "عبد رمضان" منذ انتمائه وهو في الصف الخامس الابتدائي إلى جماعة إسلامية سلفية من خلال ابن عمٍ له، لكنَّه لا يلبث أن ينسحب من الجماعة بضغط من والده، وحين تحدث مصادمات بين الحكومة والجماعات الأصولية، وتجرى عدة اعتقالات ومطاردات، وتنشط الأجهزة الأمنية في البحث عن أفراد هذه الجماعات واعتقالهم. يُعتقل الفتى بتهمة التحريض والتخريب خلال الحوادث التي حدثت للممتلكات العامة والخاصة، خاصةً بعد إجراءات رفع أسعار الخبز، في تلك الفترة، وتتواتر الأحداث حين ينتقل الفتى إلى بغداد للدراسة، ومن ثم تتوقف الرواية في عدة مواقف حول حرب العراق، ثم لا تلبث الأحداث أن تنتقل إلى أمريكا حين يُبتعث الفتى لاستكمال الدراسات العليا، وهناك يتعرف إلى الفتاة الأمريكية "سندى"، ونراه بعد ذلك ضمن وفد في مؤتمر المرأة في بكين، وتنتقل الأحداث إلى فلسطين ضمن وفد طبي أردني يتابع شؤون الانتفاضة والجرحى والشهداء، ومن ثم يكتشف ارتباطه بجذوره هناك في قرية من قرى الخليل هي قرية (دورا) وهي القرية نفسها التي انحدرت منها عائلة الكاتبة. ويستشعر الفتى أجواء جديدة حين يرى أنَّه في البترا، وأن لا فارق بين جنوب الأردن الذي عاشه في طفولته وجنوب فلسطين الذي جرى تهجير أهله منه، ويكتشف خلال ذلك تقارب الشبه بين وحدتي المكان، وتنتهي الرواية بنشيد محمود درويش عن أجمل الأمهات التي انتظرت ابنها وعاد شهيدًا.
أمَّا رواية "أهل الخطوة" وهي الرواية الأخيرة في منجزها الروائي والتي صدرت بعد رحيلها عن مكتبة الأسرة عام 2013، فتجسد هي الأخرى البعد الأنثربولوجي الخاص بحياة البيئة الريفية العشائرية شأنها شأن الرواية الأولى "مجدور العربان"، وهي تبرز إلى حدٍّ كبير القرية الجنوبية بلغتها وعاداتها ومكونات همومها وما تعايشه وتتفاعل معه، حيث المعاناة التي يعيشها الناس في طبيعة حياتهم الخاصة والعامة خلال الفترة الزمنية التي تحدثت عنها الرواية من خلال "يعقوب الأرمني" الذي فزع الكركية له عندما ولدته أمه على طريق القطرانة في القطار، وتداعيات الحياة في هذه المنطقة حيث تظهر الصورة السردية ظاهرة "الفزعة" التي تجمع حولها الجميع في مثل هذه الظروف الطارئة، وما حدث من تواتر أحداث الرواية على الصورة التي جاءت بها.
وفي أعمالها النقدية كان كتاب "توظيف المورث في الرواية الأردنية المعاصرة" 1997 والتي خلصت فيه: "إلى أنَّ النصوص الروائية الأردنية قد أفادت من مجمل الموروث الديني والتاريخي السامي، والفكري والأدبي؛ منتجةً ما يُسمّى بقوانين تناص المعرفة، كما تناقش إجرائيًّا تفكيك بعض جوانب هذا الموروث وإعادة بنائه في متون روائية توسّع من آفاقها الإبداعية وتثري تجربتها، وتغنيها أصالة ومعاصرة، حيث أنَّ جاهزية المادة الموروثة كونها حاضرة مما يتيح للروائي فرصة التنويع والإجادة، كما وأفادت الرواية الأردنية المعاصرة من معطيات ومفردات مدرسة التحليل النفسي التي تعنى بلا شعور المبدع ولا شعور النص الأدبي المنطلق من اللاشعور الجمعي، بعيدًا عن الاجترار والاستنساخ لتجارب ماضية تحققت سلطتها الأدبية. ومن ثم كانت الرواية الأردنية في تماسها الحضاري وفي لقائها مع الموروث كغيرها من الروايات العربية التي تحاول التأسيس لسردية عربية مفيدة في موروثها، غير مغلقة النوافذ أمام ما يستجد على ساحة الأدب والنقد والفكر العالمي". (4)
واستكمالاً لرؤيتها النقدية حول الرواية الأردنية في منعطفاتها الآنية كان كتابها "خطاب الرواية النسائية العربية المعاصرة.. ثيمات وتقنيات". وتناولت فيه رفقة دودين الرواية النسوية العربية من خلال نماذج روائية انتخبتها برؤية نقدية واعية، حاولت أن تضع فيها قراءة صحيحة لتجربة الكتابة النسوية العربية في ضوء طروحات المنهج النسوي الذي أفاد من مختلف طروحات فكر ما بعد الحداثة، والذي انتقل من منطق الشبيه الحداثي إلى منطق المختلف وما بعد الحداثي، حيث جذور النسوية الحديثة التي تمتد في أعمال "سيمون دي بوفوار" والتي صاغت السؤال الأساسي لنظرية النسوية والمتمثل بكون المرأة هي الجنس الثاني. الذي يسعى الجنس الأول إلى مصادرة غيريته ممتحنة الدراسة هذه المقولة وغيرها من المقولات التي انبنت عليها بالاستناد إلى عينات مختارة من الرواية النسوية العربية". (5) كان أبرز هذه الروايات "وصف البلبل" للمصرية سلوى بكر، و"حكاية زهرة" للبنانية حنان الشيخ، وقد طرحت دودين في هاتين الروايتين جدل التحرر في كتابات المرأة وطبيعة استقلاليتها الخاصة والعامة. أمَّا روايتي "وسمية تخرج من البحر" للكويتية ليلى العثمان، و"من يرث الفردوس" للعراقية لطفية الدليمي فقد تناولت فيهما القضايا المجتمعية المرتبطة بسوسيولوجيا حياة البيئة والمجتمع، كما عرجت على البعد السياسي المغلّف بالفانتازيا في رواية الكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي في روايتها "فوضى الحواس"، ورواية "خشخاش" للروائية الأردنية سميحة خريس، حيث أبرزت البنية الميتا سردية والترميز في أبعاده المحسوسة قائمًا ومؤولاً، كما كان اللقاء مع الغرب بملامحه الاجتماعية والسياسية مثار قراءة لرؤية الكاتبة السورية "حميدة نعنع" في روايتها "الوطن في العينين"، والكاتبة التونسية آمال مختار في روايتها "نخب الحياة"، والكاتبة الفلسطينية سحر خليفة في روايتها "الميراث"، وقد راعت الدكتورة دودين تحليل هذه النصوص من خلال منهج النقد النسوي القائم على معايير عدة أهمها تبنيها لقضايا المرأة وموقعها في نسيج المجتمع، ومحاولة ضبط المصطلح النقدي المرتبط بهذه الظاهرة في حقول معايير التناول.
وحول أدب المرأة بصفة عامة تقول دودين: "إنَّ الأدب النسوي يعني الكتابة بإيجابية عن المرأة وقضاياها، بقصدية مسبقّة تروم إلى تغيير النظرة السائدة عن المرأة وإشكاليات قضاياها، وخلخلة الخطاب السائد حول هذا الموضوع، وذلك بتبني ثقافة "أندروجينيه" تتلاعب بين الذكورة والأنوثة بما يلغى الثبات والجوهرية، فحتى "سقراط" حدّد معايير الفضيلة بالاستناد إلى الرجل، فثمة ميراث من أنثروبولوجيا التفرقة الإنسانية تراكم عبر أزمنة طويلة تعايش فيها الأسطوري والمقدس والمدنّس والأيديولوجي والأنثروبولوجي مفرزًا سياسات جنسانية تعطي أحد الجنسين حق الهيمنة على الجنس الآخر اجتماعيًّا وأيديولوجيًّا ونفسيًّا وثقافيًّا. ومثل هذه المنظومة الراسخة لا يمكن تفكيكها إلا بدخول الهوامش بخطاب أصيل يغاير ويختلف، أمَّا الأدب الذي تكتبه المرأة فهو أدبٌ يتعامل معه كأي أدب في ساحة الإبداع، ويُحتكم فيه لأعراف المؤسسة النقدية الأكاديمية. (6)
وحول المركزية والأطراف في الشأن الثقافي، أجابت دودين على هذه الإشكالية المهمة للغاية والمتواجدة في كلِّ المشاهد الثقافية والإبداعية على إطلاقها حين حاورها المحاور بقوله: "تعيشين في جنوب الأردن "الكرك" بعيدًا عن العاصمة ومركزيتها الثقافية، كيف تبدو لك مسألة العلاقة مابين العاصمة والأطراف؟، هل ثمة ظلم يقع على الكاتب الذي يعيش في تلك المناطق من ناحية الاهتمام بتجربته وتسويقها؟، وقد أجابت دودين على هذا السؤال بقولها: "هذا السؤال يطرح إشكالية العلاقة ما بين الغنى الثقافي والإبداعي في العاصمة حدَّ التخمة، والفقر الثقافي في الأطراف حدَّ الجوع، وهي كالعلاقة ما بين القلب والرأس والأطراف، الأطراف جسمٌ كبيرٌ وممتدٌ برأس صغير أشبه بالديناصور، وفي العاصمة يكون العكس تمامًا، العاصمة الزخم والوهج، وفرص "التسويق" تسويق الإبداع مع تحفظي الشديد على المفردة واضطراري لاستخدامها، وفي الأطراف والأرياف ومدن الأرياف اغترابٌ شديدٌ للكاتب وإبداعه معًا؛ لأنَّه قد لا يشكل أولوية قصوى، وفرصة التعليم، ثمة مسألة أخرى على غاية من الأهمية: الأطراف تهتم بما هو ساخن من الفعاليات والأحداث، العناوين السياسية الآنية المرتبطة بأحداث ساخنة، جاذبة، وناجحة ومستقطبة، ثم يأتي دور الإبداع والثقافة المتخصّصة، هل نقول إنَّنا ننحت في الصخر، وإنَّنا نرضى أحيانًا من الغنيمة بالإياب، والبعيد عن العين بعيد عن القلب كما يقال، جعلتنا نحن كتّاب الأطراف "شكّائين بكّائين"، رغم أنَّ مثل هذا الأسى لا يليق بنا، نعتمد الحمام الزاجل في إيصال كلماتنا إلى المنابر الثقافية المهمة في العاصمة، ولكن هذا ليس على إطلاقه، ولا يعني أنَّ الأطراف تخلو من أقلام تصافح الظلمة بأصابع من نار ونور، وأنَّ الفراديس الملفقة لوهج آني زائف لا يغرينا بالاقتراب، فكثيرًا ما سرق الوهج والعمل الإعلامي الكثير والكثير من المواهب الإبداعية المهمة، ورغم ذلك فنحن لا نكره عاصمتنا الحبيبة وكتابها سفراء لنا، يعينوننا ويوصلون كلماتنا، كما أنَّ أطرافنا في تغيّر وتقّدم جميلين، ولم تعد الأريافُ معاقلَ للاستبداد والتزمت بالتأكيد". (7)
الإحالات
1- رفقة دودين الكلمة ملاذا ومناه، حسين نشوان، مجلة السجل، ع 8 فبراير 2010 ص 14
2- المصدر السابق ص 15
3- أعواد ثقاب (رواية)، ص 31
4- توظيف الموروث في الرواية الأردنية المعاصرة، وزارة الثقافة، عمّان/الأردن 1997 ص 123
5- خطاب الرواية النسوية العربية المعاصرة، منشورات أمانة عمان الكبرى، عمّان/الأردن، الغلاف الأخير.
6- ذاكرة الينابيع.. حوارات الثقافة والأدب، عزيزة على، دار الشروق للنشر والتوزيع، عمّان، 2005 ص 91
7- رفقة دودين (حوار) أنا مثل شهرزاد أكتب لكى أحيا، المحرر، القدس العربى، لندن، ع 3826 س 13، 31 أغسطس 2018 ص 10)