دراسةٌ تفكيكيّةٌ لقصيدة (صنعتي) للشاعرة مها العتوم.

ياسر وقاد.
كاتب وباحث أردني
تقديم
تسعى التفكيكية لأن تكون استراتيجيةً لقراءة النصِّ في معزل عن كاتبه، وأحيانًا عن النصِّ ذاته، وفق أدوات القارئ المعرفية وحده. ولا تعترف بنفسها كمنهج ذي أصول مثبتة مسبقًا، لكونها ترفض المركزية، وتسعى إلى تسليط الضوء على المناطق الهامشية، التي تحمل آثارًا مسكوتًا عنها، فتقوم بتفكيكها، وإيجاد علاقات جديدة، تبرز قيمًا تنتج الدوال الجديدة، تشير إلى مدلولات لم تكن حاضرة في ظاهر الخطاب الأدبي، وفق إجراءات هدم وبناء مستمر، ينتج قراءاتٍ متعددة، تغيّب كل قراءة منها سابقتها. فدور التفكيك يبدأ من "الهدم والتخريب"، وهي دلالاتٌ تقترن عادةً بالأشياء المادية والمرئية، لكنَّه في مستواه الدلالي العميق، يدلُّ على تفكيك الخطابات والنظم المعرفية، والاستغراق فيها وصولًا إلى الإلمام بالبؤر الأساسية المطمورة فيها" فهي _ التفكيكية _ قراءة تهدف إلى " إيجاد شرخ بين ما يصرح به النص وما يخفيه" للدخول إلى أعماق صامتة في النص، تؤكد على عدم وجود الحقيقة المطلقة النهائية، التي ترتكز على أحادية المعنى، ودحض الآخر. مما يجعل منها - التفكيكية- استراتيجية قائمة على نفي مركزية العقل، والاعتراف باللامعقول، ومن ثم البحث فيه عن دوال ومدلولات غائبة، نتيجة للحضور القصري للعقل، بوصفه مرجعية وحيدة للمعرفة، التي ينبثق منها المعنى. فالتفكيك " قراءة في محنة المعنى وفضائحه، للكشف عن نقائض العقل، وأنقاض الواقع.. ولا يعني هذا إحلال طرف من الثنائية محل طرف، وتغليب نقيض على آخر. إنَّه القبض على المعنى الذي هو دومًا مثال الاختلاف والتعدد، أو الانتهاك والخروج، أو الالتباس، أو التعارض"
مها العتوم، شاعرةٌ وأكاديميّةٌ أردنيّةٌ، صدر لها ستة دواوين شعرية: دوائر الطين، نصفها ليلك، أشبه أحلامها، أسفل النهر، غرف علوية، وحياتي ذاكرة والكتابة نسيانها؛ الديوان الذي ضمَّ بين طياته القصيدة موضوع الدراسة: ( صنعتي).
تتألف القصيدة من أربعة مقاطع، ينتهي كل منها بالوقفة العروضية: القافية التي تنتهي بالميم الساكنة، المردوفة بألف صائتة. وهذا ما سنتحدث عنه لاحقًا في البنية الصوتية. ما يهمنا في البداية دراسة اللفظة ( صنعة ) التي جاءت استهلالاً في كل مقطع شعري، مسبوقة باسم الإشارة (هذه)، وأخذت دور العتبة النصية، واللازمة، والخاتمة. المقطع الأول من القصيدة استهلته الشاعرة بالجملة الاسمية (هذه صنعة الليل) ومن ثم ( هذه صنعتي ). وفي المقطع الثاني أيضًا استهلته بذات الجملة مع تغيير طفيف على المضاف إليه ( هذه صنعة الورد ). ومن ثم تكرار ذات الصيغة السابقة الخاصة بالمتكلم (هذه صنعتي). وكذلك الأمر في المقطع الثالث الذي استُهل ب( هذه صنعة الحرب ) مع حذف اسم الإشارة الخاص باللازمة المتعلقة بالمتكلم؛ لتصبح(صنعتي). وهذا ما تكرّر أيضًا في المقطع الرابع (هذه صنعة الشعر) ... ( صنعتي).

أولاً: العنوان؛ صنعتي.
شغل العنوان نحويًّا محل المبتدأ المعرف بالإضافة. وهو ركنٌ من أركان الجملة الاسمية، لا خبر له. مما جعل المعنى غير تام، والخبر الذي لم يصّرح به، كان الغياب الأول الذي يواجه القارئ، قبل الدخول إلى القصيدة. ومن هنا تبدأ المماحكة الأولى للقارئ مع النصِّ. وتبدأ الرقصة الأولى كما يصفها "بولمان" بين العنوان غير التام من حيث المعنى، مع القارئ من خلال آلية التأويل، التي يصبح أولى مهامها، إيجاد المخبر عنه لإتمام المعنى.
ثانيًا: تعريف الصنعة
الصنعة هي عملُ الصانع. وهي المهنةُ أو الحرفة. المثير للاهتمام أنَّ الشاعرة اختارت لفظة (صنعة) وكان في مقدورها أن تستخدم لفظة ( حرفة ) دون أن يختلَّ الوزن. وهذا ما يقودنا لمسألة مهمة أو فارقٍ جوهريٍّ بين الصنعة والحرفة. فالصنعةُ أنْ تُوجِدَ معدومًا، كصانع الأكواب، أو صانع النَّجَفَ، أو صانع الكراسي، أمَّا الذي يقوم على صيانة الصنعة فهو الحرفيُّ. أي أنَّ الحرفة هي العمل بما هو موجود مسبقًا أو ما هو مصنوع. وفي السياق القرآني جاءت لفظة الصنعة للدلالة على الابتكار ( وعلمناه صنعة لبوس لكم) وفي سياق آخر( واصنع الفلك بأعيننا ووحينا) . ولعلَّ القصد من وراء هذا إضفاء نوع من القدسية، على الذات التي تواجه أو تصارع شؤون كونية ووجودية كما سيتبدى لاحقًا. والصنعةُ مصدرٌ، والمصادر تشير إلى فعلها، لكن دون دلالة زمنية. وتفيد الثبوت حالها حال الأسماء. والقارئ للقصيدة يلاحظ التكرار المكثف للفظة ( صنعة ) ابتداءً من العنوان، وحتى آخر القصيدة. مما يستدعي التوقف عندها، والبحث عن دلالاتها، بعيدًا عن مركزية حضورها النصّي، من خلال ارتباطاتها اللغوية، خاصةً ارتباطها باسم الإشارة ( هذه). واسم الإشارة "اسم يعيّن مدلوله تعيينًا مقرونًا بإشارة حسيّة .. إن كان المشار إليه حاضرًا.. وإشارة معنوية إذا كان المشار إليه معنى، أو ذاتًا غير حاضرة " يتكوّن اسم الإشارة (هذه) من هاء التنبيه، و( ذي) التي تفيد الإشارة إلى القريب الحسي أو المعنوي، ويساندها في ذلك التنبيه. لكن ثمة مدلولات أخرى هامشية تتعلق باسم الإشارة ( هذه). فقد تأتي في مواضع الذم للمشار إليه كما في قوله تعالى ( قالوا ما هذا إلا رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد آباؤكم) . وفي موضع آخر ( أهذا الذي بعث الله رسولا ) . وقد تستخدم أيضًا في سياق المدح والتعظيم كما في قوله تعالى (إنّ هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم) . ولو تأملنا المقطع الأول، والثالث من القصيدة، سنجد أنَّ المشار إليه ( الليل، والحرب ) كلاهما بغيض وكريه على النفس، وكلاهما يحمل مدلولاتٍ لا نهائية للاغتراب والخوف والقلق والتشظي في مواجتهما. وفي المقابل نجد أنَّ اسم الإشارة (هذه) حمل معنى التعظيم والمدح في المقطعين الثاني والرابع، حيث أشار إلى ذاتين أو قيمتين جماليتين: الورد والشعر.. (هذه صنعة الورد)، (هذه صنعة الشعر) . فالوردُ جاء في سياق ( ينفث السرَّ في غرفتي)، والشعر جاء في سياق ( يولم الأرض للحب).
ثالثًا: الحضور والغياب / طمس الأثر السابق بأثر لاحق.
منهجية الحضور والغياب في القصيدة، جاءت بؤرة للحراك في القصيدة، بين متناقضات تتصارع بينها، ليدحضَ كلُّ طرفٍ منها الآخر، ويشغل مكانه. فنجد أنَّ بنية القصيدة الرئيسة قامت على هذا الحراك المنضبط بين نقيضين؛ فالذات الساردة تقف موقف الأنا والهو. فمرةً تتحدث عن ذوات أخرى مشار إليها وتبرزها، ومرةً تطمسها لتبرز نفسها، بوصفها النقيض. وهنا تتبدى قصدية الحضور والغياب، بوصفها ثيمةً أساسية في بنية القصيدة، تسعى إلى تجديدها، ومنحها فضاءً واسعًا يتناسب مع كثرة القراءات التي يحدثها غياب الأثر السابق بأثر لاحق، أو المعنى السابق بمعنى جديد.
وفيما يلي شواهد ذلك:
- المقطع الأول: صنعة الليل الذي يأوي إلى وحدة الشاعرة، تقابله صنعة الشاعرة التي تهرب منه (أقضيه خارجها ). فالأثر الثاني طمس فاعلية الأثر الأول.
- المقطع الثاني: صنعة الورد الذي ينفث السرَّ في المكان، تقابله صنعة الشاعر التي تفضحه في الكلام ( هذه صنعتي فضحه في الكلام ) . نلاحظ أنَّ الأثر الثاني طمس فاعلية الأثر الأول، وهدم معناه.
- المقطع الثالث: صنعة الحرب التي تقابلها صنعة الشاعرة التي تبحث عن السلام. نلاحظ أيضًا أنَّ الأثر الثاني طمس الأثر الأول، وقوّض وجوده.
- المقطع الرابع: صنعة الشعر الذي يولم الأرض للحب تقابله صنعة الشاعرة التي تدل الحمام. الملاحظ في هذا المقطع أنَّ المقابلة بين الأثرين أو المعنيين فقدت حدتها وتوترها إلى حد بعيد، بلغ معنى المساندة، لكن في سياق يبقي أو يحافظ على الدور الذي تلعبه الشاعرة، ذلك الذي ينتج أثرًا خاصًا بها. ومن المظاهر الدلالية البارزة في هذا المقطع، ذلك الالتباس بين الشعر والحب والحمام. فالشعر هو ذات الشاعرة، والشعر مسعىً للحب، والحمام رسول هذا الحب. وذكر الحمام في هذا السياق أيضًا علاوةً على رمزيته، يشير إلى الحركة، فاستدعاؤه ما هو إلا استدعاء للحرية في ثنائيتي الصعود والهبوط التي تشي بالحراك الذي بدوره يؤدي وظيفة وجودية، دونها تأسن الحياة وتفسد. ثم إنَّ الحراك الذي يستدعيه (الحمام) حراكًا تزامنيًّا علاوةً على كونه تعاقبيًّا. وهذا ما تفيد به صيغة الجمع. فلم يذكر الحمام لفظًا مفردًا. مما يثير في الذهن معاني أخرى تتعلق باتساع الحياة في الحب والشعر وكثرتها وتمايزها وديمومتها. ومن هنا تبدأ المشاكلة مع الوجود ككل، ذلك أنَّ الحركة وإن بدأت تعاقبية، إلا أنَّها تزامنية في صورتها الأعمق بفعل تعداد الذوات الوجودية، لا وحدانيتها.
من الجدير ذكره في هذا السياق، أنَّ الذات الساردة أشارت إلى نفسها مرتين باسم الإشارة (هذه) الذي شغل نحويًّا موضع المبتدأ، وذلك في المقطعين الأول والثاني: (هذه صنعتي). بينما حُذف اسم الإشارة (هذه) المتعلق بالذات المخبرة مرتين في المقطع الثالث والرابع: صنعتي. وحذفُ المبتدأ هنا جاء من باب العناية بالخبر والتعجيل به لغايات المسرة، كما أنَّه أيضًا " من الأساليب البلاغية المتبعة لإنشاء المدح والذم " وهذا ما نستكنه من السياق: صنعتي أن أفتش عن صنعة للسلام، وصنعتي أن أدلَّ الحمام.
رابعًا: ياء المتكلم/ الملكية.
وتعرف ب "ياء الإضافة.. وياء المتكلم وهي ضمير متصل بالاسم والفعل والحرف " فإذا اتصلت بالاسم تكون ياء الملكية. ظهرت الذات المخبرة من خلال ياء المتكلم، وهي ياء تفيد التملك. وتدل على ارتباط الشاعرة بالكلمة ( صنعة )، وبذلك تبرز قيمة الأنا المتكلمة، لتكون محورًا للحضور الذي يفيد العلو في المنزلة والقوة والسيطرة. وهنا تتوهج الذات الساردة (الأنا) وتتغلب في خطابها على الذوات الأخرى المخبر عنها، التي تأتي في منزلة المستكين. مما يخلق ثنائية جديدة، طرفيها القوة والضعف، تمنح القصيدة نوعًا من الصراع الخلاق الذي يبقي على تماسك النص، في جو من الحراك الذي يمنع تأسن المعنى أو الخطاب.
خامسًا: البنية الزمنيّة
وردت الأفعال المضارعة في القصيدة أربع مرات (يأوي، أقضيه، يضل، تبذره). بينما وردت الأفعال المعطلة زمنيًّا؛ تلك إلى تدلُّ على الحدث مجردًا من الزمان ( الأفعال المؤولة ) أربع مرات ( أن ينفث، أن أفتش، أن يولم، أن أدل ) وهي مصادر صريحة تُعنى بالحدث دون التطرق إلى زمنه. أمَّا الأفعال المعطلة من حيث الحدث والزمن ( المنفية) فقد وردت مرة واحدة ( لا أنام).
ولعلَّ هذا التساوي بين الأحداث المجردة من الزمن، والأحداث المستمرة تحت غطاء زمني (الأفعال المضارعة) تشكّل بنية هندسية، أفقية ثابتة على طول القصيدة، تختصُّ بالحدث المصدري الثابت، وبنية أخرى رأسية تتعلق بالمضارعة. مما أسهم في خلق حراك داخلي حافظ على تماسك القصيدة من جهة، وقابليتها للتطور بفعل الاستمرارية التي تنشأ عن الأفعال المضارعة من جهة أخرى. وهذا يقودنا إلى حركة المعنى، وتوتره أيضًا وقدرته على المراوغة التي من خلالها يتجدد باستمرار، في قراءات تختلف وفقًا لثقافة المتلقي، ودربته. وهذا بدوره يشكّل سياقًا للهدم والبناء وفقًا للإجراءات التأويلية التي تبحث عن المعنى، مع حفاظ القصيدة على بنيتها وديمومتها. فالنصُّ بقدر ما هو منغلق على ذاته، منفتح على المتلقي من خلال علاقات خاصة، ومعايير نقدية مختلفة، تسوقه إلى الدلالة المتبدلة في كل قراءة جديدة.
سادسًا: ثنائية السرد الشعري
في القصيدة نجد أنَّ المتكلم (المخبر) ذات واحدة تمارس الفعل الشعري - السردي مرةً بالحديث عن ذات أخرى غير عاقلة، ومرةً عن ذاتها العاقلة، في متوالية شعرية سردية، تبقي على هذا التعاقب منضبطًا وفق منهجية واحدة؛ فتتجه الذات الشعرية الساردة أولاً للحديث عن ذات غير عاقلة، ثم تقوض هذا الحديث، بالعودة إلى حديث آخر عن ذاتها الخاصة. والملاحظ أنَّ ثمة علاقة واضحة، وارتباط وثيق بين شكلي السرد الشعري، فالذات المخبر عنها تبني صورة تهدمها الذات المخبرة، بانتقالها إلى(صنعتها) التي تبني من خلالها صورة مضادة للصورة المهدومة.
سابعًا: البنية الإيقاعيّة
نظمت القصيدة على بحر المتدارك، وهو بحر ذو صخب وضجيج، يلائم الصراع الداخلي في القصيدة. ما يهمنا هنا هو النظر إلى القافية وهي " فاصلة موسيقية تنتهي عندها موجة النغم وسيل الإيقاع" والرويّ؛ الحرف الأخير من القافية المأخوذ من الارتواء، لأنَّه تمام البيت الذي يقع به الارتواء " . اللافت للنظر أنَّ القصيدة مكوّنة من أربعة مقاطع، نهاية كل منها قافية مقيدة موحدة الرويّ؛ الميم الساكنة المردوفة بألف صائتة. وهي القافية التي تمثل العصب الحقيقي للبنية الإيقاعية في القصيدة، رغم وجود قواف أخرى فيها مختلفة في الروي. المثير للاهتمام أنَّ هذه القوافي الأربعة المقيدة، تغيب لعدة أسطر، ثم تعود لتحضر خاتمة للمقطع الشعري، كقفلة موسيقية، بين غيابها وحضورها تتشكل مساحة للعب الموسيقي الحر، الذي تتنوع فيه الأصوات، وتسترخي فيه الدفقات الشعورية، قبل توترها الذي يبلغ أوجه في آخر المقطع الشعري، عند بلوغ القافية التي تشكل نهاية للحركة الدائبة، بوقوفها على الميم الساكنة؛ والميم من الأصوات المجهورة التي تمتلك حدة وارتفاعًا في شدة الصوت، ما يثير اهتمام السامع ويعكس حدة الصراع في القصيدة بين النقائض التي تتصارع ما بينها. ففي المقطع الأول تظهر القافية في السطر الخامس (نام)، وفي المقطع الثاني تعود القافية في السطر الرابع (لام)، وفي المقطع الثالث تعود القافية في السطر الخامس ( لام )، وفي المقطع الرابع تحضر القافية في السطر الرابع ( مام) ثم تغيب في السطر الخامس، لتحضر في السادس (مام).
ثامنًا: مضمون القصيدة
التعبير باستخدام اسم الإشارة، المقترن بهاء التنبيه التي تفيد القرب، عن صنعات ترتبط بذوات غير عاقلة ( الليل، الورد، الحرب، الحب) ما هي إلا تعابير مجازية، تغيّب خلفها حضورًا لحقائق تتعلق بالمستوى الباطني للذات العاقلة للشاعرة، فهي تنقلها من حالة التماهي والغياب الداخلي، لحالة التجلي الخارجي القريب، لاستحضارها من جهة، وجعلها موضوعًا للفعل السردي- الشعري، من جهة أخرى. وهذا بدوره يقودنا إلى معان تتعلق بالجانب الجواني للنفس، ومتناقضاتها، وصراعها مع الأضداد. فدالة الليل تشير إلى مدلولها: الخوف، والحرب للشر، والورد للجمال، والحب للعطاء. وهي جميعها صفات تلازم الإنسان، لا يمكن عزلها عنه، لأنَّها جوهر الفاعلية التي تجعل من الإنسان ذاتًا قائمة. ومن هنا نعثر على أثر للمماحكة بين العقل المكلف، والغريزة غير المكلفة. فالعقل هو داعي التكليف، الذي يهدم ما تبنيه الغريزة من فعائل ( صنعات ) بوصفه متحكمًا ومراقبًا رئيسًا للأحداث. فهو يجابه الليل/ الخوف، والحرب/ الشر، ويؤازر الورد/ الجمال، والحب/ العطاء. وهذا ما نلحظه في المقاطع الشعرية الأربعة.

خاتمة: القصيدة.
صنعتي

هذه صنعة الليل
يأوي مساء إلى وحدتي
وأقضّيه خارجها
هذه صنعتي..
لا أنـامْ

هذه صنعة الورد:
أن ينفث السرّ في غرفتي
هذه صنعتي..
فضحه في الكلامْ

هذه صنعة الحرب
كالموت غامضة
صنعتي..
أن أفتش في السخريات القديمة
عن صنعة للسلامْ

هذه صنعة الشّعر:
أن يُولم الأرضَ للحبّ
والريح تبذره في الطريق
لئلا يضلّ الحمامْ
صنعتي..
أن أدلّ الحمامْ.