د.أحمد عبدالرازق عبدالعزيز
كاتب وباحث مصري
تُعدُّ جزيرة "فيلكا" أهم جزر الكويت؛ لأنَّها إحدى المراكز الحضارية في منطقة الخليج العربي، ورغم أنَّ الدراسات عنها قليلة إلا أنَّنا سنحاول عرض لهذه الجزيرة بشكل عام، مع ذكر أهم آثار هذه الجزيرة.
عموماً يُعتبر الخليج العربي من أهم مناطق الشرق الأوسط التي كانت تمرُّ بها الطرق التجارية القديمة، ويعتبر همزة الوصل بين حضارات وادي السند، وحضارات وادي الرافدين وحوض البحر المتوسط؛ وبالرغم من أهمية هذه المنطقة التي مازالت قوية بارزة، حيث أنَّ الحركة التجارية بين الشرق الأوسط، وبقية بلدان العالم التي تعتمد على هذا الطريق الدولي نشطة قوية.
تاريخها
حظيت فيلكا منذ القدم بمكانة مرموقة بين جزر الخليج العربي، وفيلكا هي تسمية يونانية تعني الجزيرة البيضاء، وتُسمّى الجزيرة تاريخيًّا (إيكاروس) Ikaros (1) ويقول المؤرخُ الشهيرُ"Arrian ": إنَّ "الاسكندر" قبل وفاته عام 323 ق.م أخذ يرسل البعوث الصغيرة إلى الخليج العربي لاستكشاف سواحله وجزره، وكان من خططه إعمار المناطق الساحلية الواقعة على الخليج العربي مع جزره، وإخضاعها لسلطانه، لاعتقاده بأنَّها سوف لا تقلُّ ثروتها بعد إعمارها عن ثروة فينيقية. وكان غرضه إرسال الأسطول إلى الخليج، وإخضاع العرب الذين لم يرسلوا إليه الوفود لإعلان طاعتهم له، وهكذا كانت "إيكاروس" إحدى مراكز الحضارة الهلنستية، ولكن ما زالت المعلومات حول الوجه الحضاري لهذه الجزيرة قليلة". (2)
أهميتها وآثارها
تقدر مساحة الجزيرة بأربعة وأربعين كيلو متر مربع، وهى تتخذ شكل المثلث قاعدته في الشمال الغربي، ورأسه في الجنوب الشرقي، وهى على بعد عشرين كيلومترا من الكويت، وطولها اثنا عشر كيلومترا، وعرضها ستة كيلومترا، وبها تلالٌ أثريّةٌ، ومياهها عذبةٌ، وتربتها خصبةٌ، ولها موانئ طبيعية صالحة لحماية المراكب عند هبوب الرياح، وحيث أنَّها كانت واقعة على الطرق البحرية التجارية بين وادي الرافدين وبقية مناطق الخليج، لذلك فقد توفّرت فيها جميع الأسباب لقيام حضارة غنية تعتمد على التبادل التجاري، ونظراً لكثرة تلالها الأثرية قرّرت حكومة الكويت استدعاء البعثة الدنماركية للتنقيب فيها، وقد عرفت الجزيرة بحكم موقعها الملائم على طريقة الملاحة الرئيس في الخليج العربي كمرفأ للسفن التجارية منذ القدم، ومن ثم بدأت البعثة عملها لتكتشف بوجود تلال عديدة يعود بعضها إلى العصر البرونزي القديم؛ أهمها تلال سعد والتل الشمالي (3) وقد قال أحد المستشرقين الأمريكان عن جزيرة فيلكا: "أينما تحفر؛ فإنَّك تجد الآثار حيث إنَّها متحف أثري هائل مليء بالقيم التاريخية المجهولة، وهذه الكنوز الأثرية تقتصر على جزيرة فيلكا ولا تشاركها الجزر الأخرى". وعلى الرغم من أنَّ هذه الآثار المكتشفة لا تشمل سوى 15% من جملة الآثار التي لم يكشف عنها كما يقول علماء الآثار، إلا أنَّها دلّت على وجود سلسلة من الحضارات المتصلة والمتعاقبة لشعوب بحرية عديدة استقرت بالجزيرة منذ عصور ما قبل التاريخ، ومن أبرز المواقع الأثرية الحاوية لحضارة هذا العصر في الجزيرة ما نجده ممثلاً في آثار (تل سعد)،(التل الشمالي) وهي عبارة عن مجموعة من الأواني الفخارية ، وبعض القطع النحاسية، والأختام العديدة المصنوعة من حجر (الأستاتيت) الهش،ّ هذا بالإضافة إلى مجموعة من الحراب البرونزية، ومجموعة من الكتابات والنقوش المدونة على حجر "إيكاروس"، وبعض مظاهر الفن المعماري، الممثل في الزخارف والتيجان المتعددة، علاوةً على مجموعة من الأختام المستديرة والمتنوعة، والتي يعود تاريخ بعضها إلى عام 2500ق.م إلى جانب مجموعة كبيرة من التماثيل، من بينها تمثال واضح لرأس الاسكندر. (4)
وفي عام 1962م أظهرت الحفائر في تل سعيد (القلعة اليونانية) التي يرجع عهدها إلى القرن الثالث قبل الميلاد؛ يحيطها خندقٌ دقيق الصنع، والقلعة على شكل مربع، ولها بوابتان واحدة شمالية والأخرى جنوبية، وعلى مقربة من هذه التلال تم اكتشاف آثار بيت مؤلف من اثنتي عشرة غرفة، وهى مبنية في بعض أجزائها من الآجر المربع من النوع المعروف في بابل، وأحد الغرف بها ورشة حدادة وقوالب وجد فيه صور الاسكندر، وقوالب أخرى بها تماثيل صغيرة، كما وجدت بالدار كميات كبيرة من الفخار المكسور، وهذا ما كشفت عنه الحفريات الأثرية باسم دار الضيافة (الخان) في الجنوب الغربي، وهو المكان الذي كان يأوي إليه بحارة السفن، بعد تجوالهم الطويل في مياه الخليج حيث ينزل طاقم السفن للجزيرة ليجدوا الماء والطعام، وهو في طريقهم إلى بلدان المشرق وعند عودهم منها، وفي زمن الاسكندر استخدمها قاعده لجنده، واستفاد من دار الضيافة كي ينال جنده قسطًا من الراحة لمواصلة طريقهم بجدية ونشاط، وذلك أثناء توسعه في الشرق (5). وتدلُّ الآثار التي عُثر عليها أنَّ حضارة الجزيرة كانت معاصرة لأقدم الحضارات المجاورة في بلاد الرافدين وفارس، كما أنَّها تشبه حضارة البحرين، لدرجة أنَّه اتفق على وضعها في نطاق الحضارة الدلونية. وكانت هذه التسمية تُطلق على الإقليم الممتد من البحرين جنوبًا حتى جزيرة فيلكا شمالاً، وعدت فيلكا مركزًا لتلك الحضارة في الغالب، بحكم موقعها المناسب، فقد توفّر للإنسان القاطن في الجزيرة جميع الأسباب المؤدية لقيام حضارة، لها طابعها المحلي، ويظهر بها تأثيرات حضارية محلية. (6)
سياحتها
تُعدُّ فيلكا وتوابعها (عوهة ومسجان) نقط مراقبة بحرية أمامية، حيث تقوم زوارق الأمن الكويتية بالتردد عليها، للحفاظ على الأمن ووقف التسلل غير المشروع من خلالها إلى البلاد، ونظرًا لقرب الجزيرة من الكويت اتخذها السكان مكانًا مناسبًا لقضاء أوقات الفراغ ، وطلبًا للراحة والاستجمام، حيث الشواطئ الرملية، والهدوء التام، هذا ويلاحظ توافد أعداد كبيرة من الزائرين إلى الجزيرة، خلال أشهر الصيف، والأعياد الرسمية والعطل، وبشكل عام فإنَّ طبيعة المياه الساحلية من حيث قلة الشعاب المرجانية، وأعماق المياه المناسبة، مع تعرجات خط الساحل كلها ساعدت على إقامة العديد من الموانئ؛ بالإضافة لذلك وفرة المياه العذبة في الجزيرة وعلى أعماق قليلة، وقديمًا كان ينظر إلى فيلكا على أنَّها مقر لإله المياه العذبة "إنكي" Inki عند السومريين، ويعود تاريخه إلى 4000 عام، وما زالت فيلكا إلى الوقت الحاضر تحمل طابعًا مقدسًا؛ حيث يقول "لوريمر" Loimer : "تُعرف فيلكا بكثرة أضرحتها ومزاراتها، حيث يوجد فيها قبور الأولياء الذين لعبوا دورًا كبيرًا في تاريخ الجزيرة، ومن هؤلاء نحو 60-70 مقبرة حول قرية الزور (7) بالإضافة لذلك صحة وجود مقام الخضر، والذي تم إزالته في صيف 1977م بناءً على طلب من وزارة الأوقاف؛ لأنَّ هذا المقام مشكوك في صحته، وكان هذا المقام من أشهر المزارات الدينية، وكان يفد إليه العديد من العائلات من البلدان المختلفة، وقد اتفق البعض مع رأي أنَّ هذا المقام مشكوك في صحته، حيث يشير الشيخ عبدالله النوري(رئيس لجنة الفتوي بدولة الكويت)، أنَّ للخضر مقامات عديدة، ففي العراق وحده رأيت مقامات منها ما بين الناصرية، والسماوة في قرية سميت باسمه، وفي الموصل له مقام ومسجد، وغير ذلك من مقامات منتشرة بالدول العربية منها الشام، والأردن، ومصر، وليبيا. ثم يسأل أي من هذه المقامات صحيح؟. وللأسف لا نملك الإجابة على سؤاله (8) عمومًا تمتعت جزيرة فيلكا بدولة الكويت بطبيعة ساحرة، ومناظر خلابة بفضل موقعها الجغرافي، والملاحي ومناخها المعتدل؛ بالإضافة لآثارها؛ إلى أن تصبح أحد أهم المزارات السياحية بالوطن العربيّ.
الهوامش:
(1) حمد محمد السعيدان، الموسوعة الكويتية المختصرة،(دار لبنان، الكويت، 1972م)، ج3، ص1155.
(2) تقرير شامل عن الحفريات الأثرية في جزيرة فيلكا عام 1958-1963م ،(وزارة الآثار والأنباء، ادارة الآثار والمتاحف، الكويت)، ص6، 7.
(3) نفسه، ص9-12.
(4) عمر ذيب مصطفى، جزيرة فيلكا، (ادارة التأليف والنشر، الكويت، 1988م)، ص42-46، 48.
(5) تقرير شامل عن الحفريات، ص9-12، 18.
(6) سليمان البدر، منطقة الخليج العربي خلال الألفين الرابع والثالث ق.م، (ذات السلاسل للطباعة، الكويت، 1974م)، ص104.
(7) عمر ذيب، المرجع السابق، المرجع السابق، ص41، 42، 52؛ ج.ج لوريمر، دليل الخليج،(القسم الجغرافي، الدار العربية، بيروت، 1969م)، ج2، ص66.
(8) عمر ذيب، المرجع السابق، ص53؛ أحمد بن عبدالعزيز الحصين، جزيرة فيلكا وخرافة أثر الخضر فيها، (الدار السلفية، الكويت، د.ت)، ص64.