البكاءُ على كتفِ النبع

حنين أبداح
قاصة أردنية
أخذ الجهاز المُثبت فوق رأسي يُصدرُ صوتًا مُتقطعًا، يتزامن مع صوت ضربات قلبي، كان الصوتُ مُنتظمًا وهادئًا، أمعنتُ النظر في الستائر التي تفصلني عن جارتي في المكان، كانت تحملُ رسومات متشابكة تراءت لي كأفاعٍ تتدلى من السقف، وتفتح فمها نحوي، تسارع صوت الجهاز، فجاء الطبيب:
- لا داعي للقلق
وأضاف:
- الصورة ستتم بسرعة، وبدون مشاكل.
أشحتُ بنظري للجهة المقابلة بعيدًا عن الستارة فقابلتني ابتسامة صديقي الودودة... قال:
- هوني عليك، الأمور بسيطة.
قالت الممرضة:
- والآن عليك خلع ما تلبسينه من حلي.
- ماذا؟؟ لا لا .. إلا الطوق، والخاتم لا، لا أستطيع! أرجوك. كأنَّك تطلبين مني أن أخلع ذراعي من مكانها.. هذي ليست مجرد حلي، إنَّها امتداد لجسدي.
- أتفهم ذلك
قالت الممرضة، وأردفت:
- لكن ذلك يُشكل خطورة على حياتك، ولا بُدَّ من إزالتها.
هكذا قالت، ومالت برأسها إلى اليمين، كمن تتألم.
في تلك الأثناء مدَّ صديقي كفه، لا تقلقي.. اتركيها معي، دعينا ننتهي من مسألة الصورة. ففعلت.
دخلت في سرداب الصورة المُعتم، الهواء بارد وصوت طنين الأجهزة، نحلات تُحلِّق قربي وتهرب منها، عُدت طفلة هناك، وحملتني ريح خفيفة إلى طريق النبع، جلستُ ووضعتُ ساقي في مائه البارد وحطَّ عصفورٌ على ركبتي..
ثم أضاء المكان ودفعني الجهاز بلطفٍ خارج السرداب فطارَ العصفور!
في اليوم التالي؛ رأيت صديقي وشكرته.. سألته عن الحُليّ، فصمت للحظات، وقال:
- لا أعرف ما أقول.
بدأت أحثه على الكلام..
- قل. لا عليك، ماذا هنالك؟
- ابنتي احتاجت مالًا، فتشت جيوب معطفي، فلم تجد سواها، وبدأت تقفز فرحًا لظنّها أنَّها هديتي لها.. ولم أعرف ما أقول. وقد سافرت صبيحة اليوم حيث تكمل دراستها.
- هكذا ؟؟ ببساطة؟؟ قلت..
- وشاهدت أفعى تتدلى عن قميصه وتفتح فمها نحوي.
- خذي ثمنها؟
- لا .. لا المسألة لا تتعلق بالمال.
ثم رأيتني أعود من النبع حاملًا العصفور بين كفي ملويًا عنقه، وقد أسلم الروح.
كان البرد قارسًا، وكنت أبكي كما لم أفعل من قبل!!.