الخُصُوصِيَّةُ وَالحَسَاسِيَةِ فِي رِوَايَاتِ الفِتْيَانِ وَاليَافِعِين

يوسف البري
كاتب وباحث أردني
عِنْد اَلحدِيث عن أدب الفتْيان والْيافعين بِشَكل عامٍّ، فنحْن نُطِلُّ على فِئة عُمْرِية تَتَمتَّع بِذائِقة مَرْكَبة، اِمْتزَجتْ مَا بَيْن ذَائِقة الطُّفولة بِكلِّ مُكوِّناتهَا الجميلة، ومَا بَيْن ذَائِقة الكبَار، المبْنيَّة على قُوَّة الفكْرة وَجَزالَة المفْردة وَعُمق ترْكيبهَا، لِذَلك عليْنَا أن نُدْرِك أنَّ الرَّغْبة وحْدهَا فِي الكتابة لِلْفتْيان والْيافعين لا تَكفِي أبدًا، بل مِن الضَّروريِّ أن يَتَمتَّع الكاتب بِالْكثير مِن المهارات اَلتِي تُؤَهله لِلْخوْض فِي الكتابة بِهَذا المجَال بِحرفِيَّة وإتْقَان، وأن تَكُون لَديْه القُدرة على مَهارَة إِرسَال أفْكاره ومضامينهَا بِوَعي كبير مُراعِيًا الخصوصيَّة اَلتِي تُحيط بِهَذه اَلفِئة العمْريَّة بِكلِّ أبْعادهَا فاليافعين لَديهِم خَيَالٌ عالٍ وَقُدرَة كَبِيرَة على الرَّبْط والتَّأْويل وفهْم المغْزى ويدْركون بِسهولة أيَّ هَفوَة قد يقع بِهَا الكاتب مِثْل المراوغة العبثيَّة اَلتِي لا تَستَنِد لِهَدف وَاضِح.
رُبمَا أنَّ أدب الفتْيان والْيافعين لا يَختَلِف كثيرًا فِي آليَّة الطَّرْح والْخطاب عن الأدب المُوجه لِلْكبَار مع ضَرُورَة وُجُود بَعْض الخصوصيَّة المهمّة لَه، لِذَلك فنحْن نَتَحدَّث عن كَاتِب مِن نَوْع خاصٍّ يَمتَلِك أَدوَات طَرْح عَمِيقَة قَادِرة على بِنَاء جُسُور التَّواصل والْمحاكاة مع هَذِه اَلفِئة، ويكوِّن فِي الوقْتِ ذَاتِه قَارِئًا عميقًا لَديْه ثَقافَة عَالِية ورصيد غَنِي مِن الأفْكار والْجَمل والْمفْردات لِيَبث إِبْداعه اَلفكْرِي والْأدبيَّ لِهَذه اَلفِئة بِمهارة عَالِية وَفْق خُصوصِيَّة الطَّرْح اَلتِي تُشكِّل الفارق عن الكتابة فِي أدب الكبَار وَهِي: مُراعَاة المواضيع والْأفْكار اَلتِي تَتَناسَب مع هَذِه اَلفِئة والْخَوْض فِي اِحْتياجاتهَا واهْتماماتهَا واحْترام أفْكارهَا، ونسْج شَخصِية البطل أو البطَلة فِي الرِّواية بِحرفِيَّة مُتقَنَة، بِحَيث يَكُون البطل مِن اَلفِئة العمْريَّة نفسها لِهَذه اَلفِئة يتبنّى أفْكارهَا ويطْرحهَا بِعناية فَائِقة بِمَا يَنسَجِم مع عاداتنَا المجْتمعيَّة، وبالتَّالي يَجِب أن تُركِّز الفكْرة بِشَكل مُبَاشِر على أهمِّ التَّحدِّيات اَلتِي تُوَاجِه الفتْيان والْيافعين وَالتِي قد تَكُون فِكْريَّة أو اِجْتماعيَّة أو اِقْتصاديَّة أو وَطَنيَّة، لِذَلك يَجِب التَّنْويع فِي الطَّرْح وَتوفِير جُملَة مُتكاملة مِن أشْكاله مِن خَيَال عِلْمِي، وأفْكَار بِهَا أَبعَاد سِياسِيَّة، ومغامرات وأحْدَاث شَيّقَة، واكْتشافات وتجارب عِلْميَّة، وَعلَى الكاتب اِنتِهاج أُسلُوب التَّشْويق اَلعمِيق اَلذِي يُفْضِي فِي كُلِّ حَلقَة مِن حلقاته إِلى فَضَاء جديد يُحفِّز على حُبِّ هذَا النَّوْع مِن الأدب.
إِنَّ حَساسِية طَرْح فِكْرَة مَا أو التَّعْبير عن مَشاعِر يعيشهَا بطل أو بَطلَة الرِّواية يُشكِّل حَالَة مِن الإرْباك لَدى الكاتب ويجْعَله فِي حَالَة مِن الاشْتباك والصِّراع الدَّاخليِّ حَوْل آليَّة طَرْح فِكْرته دُون أن تُثير الجدل اَلمبْنِي على رُدُود أَفعَال اِجْتماعيَّة، ومَا بَيْن قُدْرته على مُحاكَاة الهُموم والصُّعوبات اَلتِي قد تعيشهَا شَرِيحَة مِن هَذِه اَلفِئة، وبالتَّالي فَإِنَّ أيَّ كَاتِب مُحْتَرِف لَديْه لُغَة خِطَاب عَمِيقَة وأسْلوب سَرْد مُحكَم قَادِر أن يُعَالِج ذَلِك الطَّرْح بِطريقة لا تَجعلُه يَستَخِف بِعَقل اليافع وَوعيِه، وَثمَّة اَلكثِير مِن الأعْمال الرِّوائيَّة العربيَّة فِي أدب اليافعين اَلتِي بَرعَت بِذَلك وَفْق أَعلَى مُسْتويات الخطَاب اَلذِي اِسْتطَاع أن يَجذِب اليافع لَهَا بِبراعة كَبِيرَة، وَعلَى الصعِيد المحَلِّيِّ فَلَدينَا فِي الأُردن مَجمُوعة كَبِيرَة مِن الأعْمال الرِّوائيَّة الموجَّهة للفتيان والْيافعين اِسْتطاعتْ أن تَكُوّن حَالَة إِبْداعيَّة غَنيَّة وَمِنهَا الكثِير مِن الإبْداعات اَلتِي فَرضَت نَفسُها بِقوَّة على اَلصعِيد المحَلِّيِّ والْعربيِّ وحصدتْ أهمُّ الجوائز العالميَّة والْعربيَّة وَمِن هَذِه الأعْمال رِواية «أَصدِقاء دِيمة» لِلدُّكْتورة سَنَاء الشَّعْلان الحاصلة على "جَائِزة كثارا عن فِئة رِواية الفتْيان غَيْر المنْشورة" لِلْعَام 2018 وللدُّكْتورة شَعْلان مَجمُوعة كَبِيرَة مِن الأعْمال الرِّوائيَّة المهمّة التِي اِسْتطاعتْ أن تُثْبِت وُجودَهَا وَتفرِض حُضورَهَا على السَّاحة الأدبيَّة العربيَّة، أَمَّا فِيمَا يَتَعلَّق بتَجرِبة الكاتبة تَغرِيد النَّجَّار نَجِد أَنفُسنا أَمَام جُملَة مِن الأعْمال الرِّوائيَّة المهمّة وَمِنهَا رِواية « لَمِن هَذِه الدُّمْية ؟» الفائزة بِجائِزة اِتِّصالات لِلْعَام 2019، وَفِي حَالَة إِبْداعيَّة نَوعِية تَمثلَت فِي رِواية «وَاحِدة تَكفِي» لِلدُّكْتور رَاشِد عِيسى والْفائزة بِجائِزة مُصطَفَى عزُّوز نَجِد أَننَا أَمَام عمل رِوائيٍّ شَكْل نَقلَة نَوعِية فِي مِثْل هذَا النَّوْع مِن الطَّرْح الأدَبيِّ بِالْإضافة إِلى رِواية «لَم أَكُن أَتوَقع» وَالتِي وَصلَت إِلى القائمة القصيرة فِي جَائِزة الشَّيْخ زَايِد، وَأَمام تَجرِبة الكاتب رَمزِي الغزَوي نَقِف أَمَام حَالَة إِبْداعيَّة مِن نَوْع مُخْتَلِف فقد اِسْتطَاع مِن خِلَال أعْماله الرِّوائيَّة الموجَّهة لِلْفتْيان والْيافعين أن يُبرْهِن أنَّ لا حُدُود تَحكُم الفكْرة والْإطْلالة مَفتُوحة على مُصْرْعيهَا أَمَام البحْث والتَّأْويل، مِن خِلَال طَرْح تَجارِب عِلْميَّة ومعْلومات فِيزْيائيَّة تَحُثُّ على التَّفْكير خَارِج الصُّنْدوق، وَمِن أهمَّ تِلْك الرِّوايات «قِرْش فِي كَأْس ماءٍ»، وَ»قمَر ورد» الفائزة بِجائِزة عَبْد اَلحمِيد شُومان لِلْعَام 2014، وعن تَجرِبة الدُّكْتور مَحمُود أَبُو فَروَة اَلرجْبِي فِي مَجَال الرِّواية لِلْفتْيان والْيافعين فَثمَّة مَجمُوعة كَبِيرَة مِن الأعْمال الرِّوائيَّة المهمّة اَلتِي كَسرَت حَاجِز حَساسِية الطَّرْح وبرعتْ فِي تَسلِيط الضَّوْء على اَلكثِير مِن المشْكلات اَلتِي قد يَتَعرَّض لَهَا اليافع فِي هَذِه المرْحلة العمْريَّة وَمِنهَا رِواية «جُود فِي مهبِّ الرِّيح» التِي تَتَحدَّث عن مُشكلَات البنَات فِي سِنِّ المراهقة، أَمَّا رِواية «الثَّلاثة الشُّجْعان» لِمؤلِّفهَا الكاتب مُحمَّد جَمَال عَمرُو فنحْن أَمَام عمل رِوائيٍّ نجح فِي صِياغة لُغَة حِوَار تَتَناسَب مع الفِئة المسْتهْدفة وقد طرح مِحوَرًا مهمًّا تُفَضله فِئة الفتْيان والْيافعين وَهُو عُنصُر التَّشْويق مِن خِلَال مُغامرات مَجمُوعة مِن الفتْيان، وبالطَّبْع ثَمَّة الكثِير مِن الأعْمال الرِّوائيَّة المهمّة وَالتِي أَذكُرها لا على سبيل الحصْر مِنهَا: رِواية «أَسرَار صَغِيرَة» لِلْكاتبة سَنَاء الحطَّاب، ورواية «الودَاع الأخِير» لِلْكاتب نِضَال البزْم، ورواية «الدُّكْتورة آمنَة» لِلْكاتبة رَيَّا الدَّبَّاس، ورواية «نِفرْتاري الرقِيم» لِلْكاتبة صَفَاء الحطَّاب، والْكثير مِن الأعْمال الرِّوائيَّة المميَّزة وَالتِي خَطّهَا نُخبَةٌ مِن الكتَاب والْأدباء الأرْدنِّيِّين على مَدَار سَنَوات طَوِيلَة مِن التَّمَيُّز والْإبْداع