د. فرحان الياصجين
أكاديمي وباحث أردني
عرّفت منظمةُ الصحة العالمية الصحة بشكل عام بأنَّها حالةٌ من العافية الجسدية والنفسية والاجتماعية، وليست فقط حالة عدم وجود مرض أو ضعف. وهذا يدل على أنَّ الصحة النفسية تعتبر أمراً ضرورياً للتمتع بالصحة بشكل عام. وتُعرّف الصحة النفسية بأنَّها حالة من العافية يدرك الفرد من خلالها قدراته ويستطيع أن يتكيف مع الضغوطات الطبيعية في الحياة، وأن يعمل بشكل منتج ومثمر، كما ويكون قادراً من خلالها على الإسهام الفعّال في مجتمعه.
وقد أظهرت الدراسات منذ سنوات أنَّ الصحة النفسية تؤثر بشكل متأصل على الصحة الجسمية. كما تؤثر الصحة الجسمية بدورها على الصحة النفسية، فلا يمكن الفصل بينهما لتحقيق حالة أكمل من العافية.
وتعتبر الصحة النفسية أساساً للصحة الشخصية والعلاقات الأسرية والإسهام الناجح في المجتمع، كما وترتبط بتطوّر المجتمعات والدول. أمَّا الأمراض النفسية والفقر، فهما يتفاعلان معاً بطريقة سلبية في دائرة مغلقة، حيث تعيق الأمراض النفسية قدرة الأشخاص على التعلم والإنتاج، وهذا يؤثر سلباً على الاقتصاد. أمَّا عن الفقر، فهو يزيد بدوره من احتمالية الإصابة بالأمراض النفسية، كما ويقلّل من قدرة الأشخاص على الحصول على الخدمات الصحية اللازمة.
وقد أظهرت الأبحاث أنَّ هناك ثلاثة عوامل تسهم بالوقاية بشكل كبير من تطور الأمراض النفسية، وخاصة الاكتئاب. وهذه العوامل هي ما يلي:
1. امتلاك القدرة الكافية للسيطرة على الحالة النفسية عند مواجهة الأحداث الصعبة.
2. توفر المصادر المادية التي تمكن الشخص من اختيار الأفضل له عند مواجهة الأحداث الصعبة.
3. الحصول على الدعم النفسي من العائلة أو الأصدقاء أو الأطباء.
• حقائقُ أظهرتها إحصائيات منظمة الصحة العالمية.
• تشيع الاضطرابات النفسية والعصبية والسلوكية في جميع أنحاء العالم وتسبب الكثير من المعاناة. كما ويتعرض المصابون بهذه الاضطرابات عادةً إلى العزل عن المجتمع. إضافةً إلى ذلك، فهم عرضة لأن تكون حياتهم سيئة، وعادةً ما تكون نسبة الوفاة بينهم مرتفعة.
• يعاني مئات الملايين من الأشخاص حول العالم من الاضطرابات النفسية والسلوكية والعصبية والاضطرابات الناتجة عن الاستخدام السيء لبعض المواد. فعلى سبيل المثال، تقدر منظمة الصحة العالمية أنَّه في العام 2002، كان عدد المصابين بالاكتئاب في العالم يقدر بـِ 154 مليون شخص، وعدد المصابين بالفصام يقدر بـِ 25 مليون شخص، وعدد المصابين باضطرابات ناتجة عن تعاطي المخدرات يقدر بـِ 91 مليون شخص. كما وقد أظهر تقرير حديث أنَّ مصابي الصرع يقدرون بـِ 50 مليون شخص، ومصابي مرض ألزهايمر وحالات الخرف يقدرون بـِ 24 مليون شخص.
• يعاني 1 من كل 4 مرضى يراجعون الأطباء من أحد الاضطرابات النفسية أو العصبية أو السلوكية، إلا أنَّه لا يتم التشخيص ولا العلاج لمعظمها.
• تؤثر الأمراض النفسية وتتأثر بالحالات المرضية المزمنة مثل السرطان، وأمراض القلب والشرايين، والسكري والإيدز. وإن لم يتم علاج الأمراض النفسية، فإنَّها قد تؤدي إلى قيام المصاب بسلوكيات غير صحية تؤثر بشكل سلبي على علاج الأمراض الجسدية. وتتضمن هذه السلوكيات عدم الانتظام في تناول العلاجات الطبية الموصوفة له من قبل الأطباء، وتؤدي كذلك إلى القصور في مناعة الجسم وعدم تحسن الوضع الصحي.
• تشمل موانع العلاج الفعّال للأمراض النفسية عدم الاعتراف بخطورتها وعدم فهم فوائد العلاج النفسي.
• إنَّ أكثر من 75% من الأشخاص الذين يعانون من الاضطرابات النفسية في الدول النامية لا يحصلون على العلاج أو الرعاية.
• يتعرض العديد من مصابي الاضطرابات النفسية إلى الشجب والتنديد، كما ويكونون عرضة للإهمال وسوء المعاملة.
الصحة النفسية للمرأة
رغم انتشار الأمراض النفسية، إلا أنَّه في كثير من الأحيان لا يتم تشخيصها، كما أنَّ العديد من المرضى يترددون في طلب المسـاعدة الطبية. لذلك؛ فإنَّ 2 فقط من كل 5 أشخاص يعانون من اضطرابات في المزاج أو من التوتر أو من اضطرابات بسبب الاستخدام السيء لبعض المواد يطلبون المساعدة الطبية خلال السنة الأولى من إصابتهم بهذه الحالات.
وعلى الرغم من أنَّ نسب الإصابة بالاضطرابات النفسية تكاد تتساوى بين النساء والرجال، إلا أنَّ هناك فروقات كبيرة بين الجنسين في نمط المرض النفسي، حيث يحدّد الجنس الفرق في القوة والسيطرة لدى الرجل والمرأة على العوامل الاجتماعية والاقتصادية الخاصة بصحتهم النفسية وحياتهم ووضعهم الاجتماعي ومنزلتهم الاجتماعية وعلاجهم. كما ويؤثر نوع الجنس على قابلية التعرض للعوامل التي تزيد من احتمالية الإصابة بالأمراض النفسية.
تحدث الفروقات بين الجنسين بشكل خاص في معدلات الإصابة بالاضطرابات النفسية الشائعة مثل الاكتئاب والتوتر والقلق والأعراض الجسدية. ومن الجدير بالذكر أنَّ هذه الاضطرابات—والتي تحدث بشكل أكبر لدى النساء—تصيب واحداً من كل ثلاثة أشخاص في المجتمع وتُشكِّل مشكلة صحية عامة وخطيرة.
يعتبر الاكتئاب—والذي يتوقع أن يكون ثاني الأسباب المؤدية للإعاقات في العام 2020—أكثر شيوعاً بين النساء مما هو لدى الرجال بما يقدر بضعفي النسبة. أمَّا إدمان الكحول، فهو أكثر شيوعاً بين الرجال مما هو لدى النساء بأكثر من ضعفي النسبة، ففي الدول النامية، يعاني حوالي 1 من كل 5 رجال من إدمان الكحول، بينما تعاني 1 من كل 12 امرأة منه.
بالإضافة إلى ذلك؛ فإنَّ اضطرابات الشخصية اللااجتماعية تزيد لدى الرجال عما هي لدى النساء بما يقدر بثلاثة أضعاف النسبة. أمَّا عن الإصابة بالاضطرابات النفسية الشديدة، مثل الفصام، فليس هناك فرق واضح في نسبة الإصابة بين الجنسين.
حقائق حول الصحة النفسية للمرأة
• تصل نسبة الإعاقات الناتجة عن الاكتئاب إلى 41,9 % عند النساء مقارنة بـِ 29,3% عند الرجال.
• يعتبر الاكتئاب والخرف أكثر المشاكل النفسية شيوعاً عند تقدم العمر، وهي أكثر انتشاراً بين النساء.
• إنَّ حوالي 80% من 50 مليون شخص تعرضوا للنزاعات العنيفة والحروب الأهلية والكوارث وتغيير مكان السكن هم من النساء والأطفال.
• يتراوح معدل العنف ضد المرأة بين 16% إلى 50%.
• يؤثر الاكتئاب والتوتر والآلام النفسية والعنف الجنسي والعنف الأسري وتزايد الاستخدام السيء لبعض المواد على النسـاء أكثر من تأثيره على الرجال، وذلك في كل البلاد وتحت كل الظروف. حيث تجتمع على النساء الضغوط بسبب تعدد أدوارهن والتمييز ضدهن وعوامل أخرى مجتمعة من الفقر والجوع وسوء التغذية وإجهاد العمل والعنف الأسري والعنف الجنسي، مما يؤدي إلى سوء الصحة النفسية لديهن.
العوامل التي تزيد من احتمالية إصابة النساء بالأمراض النفسية
هناك عوامل تزيد من نسبة تعرض النساء للاضطرابات النفسية. وتشمل هذه العوامل العنف الذي يُمارس ضد المرأة، والنقص الاجتماعي والاقتصادي، والدخل المتدني وعدم تساوي الدخل مع الرجل، وتدني المكانة الاجتماعية والترتيب بالمقارنة مع الرجل، إضافة إلى المسؤوليات المتواصلة للمرأة في رعاية الآخرين.
التحيز في طريقة العلاج بين الرجل والمرأة
• يحدث هذا التحيز في علاج الاضطرابات النفسية، حيث يقوم الأطباء بشكل عام بتشخيص الاكتئاب عند المرأة أكثر من الرجل، حتى عند وجود الأعراض نفسها لديهما.
• يتم عادة وصف العلاجات التي لها علاقة بتغير المزاج للنسـاء بشكل أكثر مما يتم للرجال.
• تظهر الفروقات بين الجنسين في أنماط طلب العلاج، حيث تقوم المرأة بطلب العلاج بشكل أكبر من الرجل، كما وتقوم بشرح مشاكلها النفسية. أمَّا الرجل، فهو عادةً ما يطلب المساعدة من الأخصائي، وعادةً ما يتلقى العلاج في المستشفى.
• يقوم الرجل بمواجهة مشاكله الخاصة بتعاطى الكحول بشكل أكبر من المرأة.
• يتم تشخيص المشاكل النفسية الناتجة عن العنف بشكل نادر، حيث تتردد المرأة بالكشف عن تعرضها للعنف إلا إن سألها الطبيب عن ذلك بشكل مباشر.
أنواع الأمراض النفسية
تتعدد الحالات التي تعرف بأنَّها أمراض نفسية. وتعتبر الحالات التالية أكثرها شيوعاً:
• اضطرابات القلق: يستجيب المصابون بهذه الاضطرابات لأشياء أو أوضاع معينة بالخوف والفزع، كما وتظهر عليهم الأعراض الجسمية للقلق، مثل تسارع ضربات القلب والتعرق. ويتم تشخيص هذه الاضطرابات إن كان رد فعل الشخص غير مناسب للوضع، أو إن لم يستطع السيطرة على ردة فعله، أو إن أثّر القلق بشكل سلبي على وظائفه الطبيعية.
• اضطرابات المزاج أو الاضطرابات العاطفية: تشمل هذه الاضطرابات الشعور الدائم بالحزن، إضافة إلى فترات من الشعور بالسعادة الكبيرة، أو التنقل بين السعادة الشديدة والحزن الشديد. ويعتبر الاكتئاب والهوس أكثر هذه الاضطرابات شيوعاً.
• الاضطرابات الذهانية: تؤثر هذه الاضطرابات بشكل سلبي على الإدراك. وتعتبر أكثر أعراضها شيوعاً الهلوسة البصرية والسمعية (أي رؤية خيالات وسماع أصوات غير حقيقية، على التوالي) والتخيّل (أي تصديق اعتقادات غير صحيحة رغم منافاتها للحقيقة). ويعتبر الفصام أحد هذه الاضطرابات.
• اضطرابات الأكل: تشمل هذه الاضطرابات التطرف في العواطف والتصرف تجاه الوزن والطعام. ويعتبر فقدان الشهية المرضي والشهوة البقرية من أكثر هذه الاضطرابات شيوعاّ.
• الاضطرابات الاندفاعية واضطرابات الإدمان: يكون مصابو الاضطرابات الاندفاعية غير قادرين على مقاومة الإغراءات، كما ويكونون مندفعين للقيام بأمور قد تؤذيهم أو تؤذي الآخرين. ويتضمن هذا النوع من الاضطراب مرض إشعال النيران، ومرض السرقة، والهوس في المقامرة. أمَّا مصابو اضطرابات الإدمان، كالإدمان على الكحول والمخدرات، فهم يكونون شديدي التعلق بالمواد المدمن عليها، مما يؤدي بهم بعد ذلك إلى إهمال مسؤولياتهم وعلاقاتهم.
• اضطرابات الشخصية: يملك مصابو هذه الاضطرابات صفات شخصية متطرفة وغير مرنة. وتسبب هذه الصفات التوتر للمصاب وتؤدي إلى المشاكل في عمله ومدرسته وعلاقاته الاجتماعية. ومن الأمثلة على ذلك الشخصية غير الاجتماعية والوسواس القهري وجنون العظمة (البارانويا).
• حالات وأمراض أخرى: تشمل حالات اضطرابات النوم، وحالات الخرف، وتشمل هذه مرض الزهايمر.