عبد الرحمن مقلد
شاعر مصري
- يا الله -
احملني فوقَ حِمَارةِ عمّي درويشِ
واتركها تلجُ اليومَ الآخرَ
لا تنساني في الظلماتِ وحيدًا مخذولًا
هرب النومُ وترك على عينيّ أرامِلَه
وأنا جَدُّ قصيرٌ ليس تطاولُ قدمَاي
ولستُ الأمهرَ بين الفتيةِ
حتى أقفزَ دون يديْن ... على البرذعةِ
****
أعِرْنِي في ليلِي
مِقْلاعًا
علّي أخلعُ من نفسي
الحزنَ الأسودَ
وأعرني "جاكوشًا"
لأهشّم عقلِي
وأنامَ بلا كُرهٍ
واغسلْنِي من وَحْلِي
فالماءُ الآسِنُ يطفحُ فيّ
وأنا لستُ نظيفًا من أمسٍ أعلقُ فيه
هواءٌ عكرٌ يحجبُ عني الرؤيةَ
لا أنفذُ لليومِ التالي
مشبوكٌ من طرفِ ثيابِي
عُلّقتُ بآخرِ خيطٍ من بين سوادِ الليلِ
وعرْقَلَ قدمي من لا أعرفُ
فسقطتُ خلاسيًا مُرْتابًا في من حوْلِي
والرحلةُ بادئةٌ وأنا لم أجهزْ بالرَحْلِ
****
هبني مِخلاةً
وارفعْنِي فوق حمارةِ عمي درويشٍ
اعْتقنِي من ظِلِي
واجْعَلْنِي من آياتِك
برهانَ القدرةِ
وأمتِنِي وابعثْنِي وحمارَي
وطَعَامِي وشَرابِي لم يَتسَنَه
في يومٍ آخرَ غيرَ اليومِ
لا تتركني مثل "عوليسَ" أسيرًا
في أزمنةٍ ما تتسع تضيق
لا "أوديسةَ" من أجْلِي
لستُ أريدُ قصائدَ سودًا
أحزنُ فيها أكثرَ
أو أورِثُها أبنائي
أو يعْرِفُنِي الناسُ
وأنا ألهجُ
نبْضِي منْخَطِفٌ
ويرونَ هنالك عندَ الماضي
رجلًا غيرَ حليقِ الذَقْنِ
لا يعرفُ كيف ينامُ
طعينًا بالكلماتِ السيئةِ
وبالخذلانِ
يقرْفِصُ خلفَ التَلِّ
تباكى من داخلِه
****
منْ يطْلقْني إلاك وأنا «عبدُ الرحمانِ»
مضافٌ ومضافُ إليه
اسمٌ أمثلُ فيه
قميصٌ أزليّ لا أخلُعه
وليس لدي قميصٌ آخرُ
بجلالِ الاسمِ اعْتقنِي من هذا اليومِ
وأنا لن أبتعدَ كثيرًا
عن بستانِك
أقسمُ
أنّي خلف التلِّ كما تترُكنِي
أتَقَرْفصُ
إن يخطفني شيطانٌ
أو تغْرِينِي حواءُ لأقضمَ من ثمراتٍ تخْفِيها عني
لأشتَّ قليلًا وأعودَ أُصلِّي
لكنّي لم أتوضأْ بعدُ
النهرِ تلوثَ
ليس طهورًا ماءُ المِيضَةِ
لا أتيمَمُ في رمْلِي
فالصحراءُ انساحَ عليها الدَمُّ
وهذا البحرُ قريبٌ وبعيدٌ
لا يبتعدُ مسافةَ نصفِ الساعةِ
لكني لا ألحقُه
مهما اشتدَ السيْرُ
وزادتْ سرعاتُ السيارةِ
مهما سافرتُ
وكان براقٌ خلفَ البابِ
لكني أخذُلُه
وأريدُ حمارةَ عمي درويشِ البنيةَ
ليس سواها
لأنفذَ من ليلِي
ألجَ اليومَ الآخر
نعسانًا فوق البرْذَعةِ
يكون نهارٌ طلع عليّ
أصل إليه خفيفًا من حمْلِي
مبتسماً
أهبطُ هذا الجبلَ أخيرًا دون الصخرةِ
وأخيرًا ليس عليّ ضرائبُ أدفعُها
كعقابٍ أزليٍّ!!.