شعر: حميد سعيد
شاعر عراقي
البعيدةُ..
حتى كأنّي وإياكِ في منزِلٍ واحدٍ
والقريبةُ..
حتى إذا ما صَحوتُ وجدتُك..
أبعدَ ممّا تخيَّلتُ..
خاصمتُ ما تَركَ الليلُ منكِ على وردِ نافِذَتي
وارتضيتُ شذاكِ دليلًا..
إلى ما حلمتُ به من ثماركِ..
في حقلكِ الغجريِّ..
كنتُ أُرافِقُ أفراسَ عاصفةٍ بانتظاري..
وخبَّتْ بِنا..
ورحلنا معًا..
ودَّعتنا الرياحُ المضيئةُ..
واستقبلتنا المراثي
أكُنتِ تظنِّينَ أنَّ البلادَ التي فَرَّطتْ..
بقبائلِ أنهارِها
وسُلالاتِ أشجارِها
سَتُعيدُ إلينا الأناشيدَ.. تلكَ التي رافقتنا من المهدِ..
ثمَّ افترقنا.. إذْ استوقفتها الظنونْ
يا بلادي التي أنشأتني كما النّخل..
أوصيكِ بالنّخل..
إني على موعدٍ والغيابْ
وأوصيكِ بامرأةٍ.. ستكون معي حيثما كنتُ
تنذرُ أنْ ستقصَّ جدائلها..
كيْ يعودَ الذي راحَ منها
......
......
يا بلادي التي أتقصى عذاباتها في اغترابي
ولأني أخافُ عليها..
أُخبِّئُ عنها عذابي
أُكَتِّمُ حبًّا برى جسدي..
وأَعيشُ على أمَلٍ.. أَنْ أَراها تُطِلُّ بفتنتها
حينَ أفتحُ بابي
على صفحةٍ من كتابِ القرنفلِ..
كُنتُ.. كتبتُ إليها..
أَقولُ لها... كيفَ ترضى الذي أنا فيهِ؟
......
......
لي عليها من العَتَبِ المُرِّ..
ما حجَّر الكلمات الطريَّة طيَّ لساني
يبابٌ هي الأرضُ
لا الأخضر الفتيُّ تزهو به الحقولُ..
ولا طيلساني
أظلُّ يقظان في تذكُّرِهِ
حتى إذا نمتُ صارَ لي حُلُمًا
أبو نواس
يُحاوِلُ أَن يتناسى الذي كانَ..
كُلَّ الذي كانَ..
ينسى التي...
فيراها كما يتمنى
ابتعدنا..؟
أَشُكُّ..
فأنتِ معي في مدارات صحوي
وأنتِ معي في فضاء منامي
الفراتان والنّخل..
والفلُّ والكحلُ..
والأمهات الحييّات.. والعاشقاتُ..
والفتيةُ الكادحونَ
أَنتِ معي في منامي وفي الصّحوِ..
أهديتِني من كنوزكِ أَوَّلَ ملحمةٍ في الزمانِ
وآخرَ ملحمةٍ في الزمان
أعطيتِني صولجانَ القصيدِ وبيرقَهُ
فلِماذا أقيمُ بعيدًا عن الحُلُمِ البابليِّ
يتبعني الموتُ حيث أكونُ..
يُشاركني قهوتي في الصباحِ
وعند المساء.. يقراُ لي في كتاب المراثي
......
......
يا بلادي التي انشأتني كما النّخلُ..
حاولتُ أن أتعلَّم منها.. وما زلتُ..
حاولتُ أنْ أكتبَ النشيدَ الأخيرَ للقادمين..
وأرحلُ..
أتركُ في الأرضِ ما يتركُ العابرونْ.