ريبيكا كراوس غالوني
ترجمة: آرام ملكاوي
كاتبة ومترجمة أردنية
يشعر الناس بالارتياح أثناء اكتشاف وجهات نظر في الخيال، يتقبَّلونها مع أنَّها يمكن أن تكون شديدة التهديد في الحياة الواقعيّة، فهل يمكن للتقبُّل أنْ يمتدَّ للشرّ، للأخلاقيّة أو الشخصيّات المرفوضة التي تبدو مألوفة بشكل ما؟ إذا كان بإمكان الخيال أنْ يزيل الخوف من الأشرار المألوفين، فكل ما سيبقى هي فوائد شخصيّة يمكننا الارتباط بها وذات صلة بحياتنا. إنَّ تفضيل الأشرار المماثلين "لنا" يعتمد على قدرة الخيال بتقديم التَّماثل مع الأشرار على أنه غير ضار.
هل لديك جانب مظلم؟ إذا كان كذلك، فهل تشعر بعدم انزعاج من اكتشافه؟ بعض الباحثين يقترحون أنَّ الإجابة يمكن أن تكون غير كبيرة. نحن نتوق لنرى أنفسنا "جيدين". بشكل عام، فإنَّ الأشخاص الذين يشعرون بذلك في أعماقهم هم في الأساس صادقون وأخلاقيون. في محاذاة هذا نميل إلى تفادي فكرة أنَّ الظلام يمكن أن يكمن بداخلنا. مثلًا، الأشخاص لا يشعرون بالراحة عند مواجهة آخرين يبدون مماثلين لهم لكنّهم، بشكل ما، سيئون، مثلما يحدث حين يعلمون عن قاتلٍ متسلسلٍ ما والذي يصدف أنه يشاركهم بعض الصفات.
أن تكون شبيهًا بشخص يبدو غير مستقرّ عاطفيًّا، أو غير مهذَّب ومخادع، أو سيئ، هو أمر مقلق لأنه يقودنا للتساؤل: ما الذي يمنعني من أن أكون مثله أيضًا؟
لكنَّ الجانب المظلم قد لا يكون دائمًا رادعًا. خصوصًا، أنَّ الباحثين أظهروا أنَّنا نتجنَّب الأشخاص السيئين الذين يشابهوننا. لقد تساءلتُ إن كان الانغماس في العوالم الخياليّة يسمح للشخصيّة المظلمة بداخلنا بالانفتاح. الخيال تعريفًا هو الانفصال عن الواقع. لذلك يشعر الناس بالارتياح أثناء اكتشاف وجهات نظر في الخيال، والتي قد تكون شديدة التهديد في الحياة الواقعية. هل يمكن للتقبُّل أنْ يمتدَّ للشرّ، للأخلاقيّة أو الشخصيّات المرفوضة التي تبدو مألوفة بشكل ما؟ إذا كان بإمكان الخيال أن يزيل الخوف من الأشرار المألوفين، فكل ما سيبقى هي الفوائد: شخصيّة يمكننا الارتباط بها وذات صلة بحياتنا.
لاختبار النظرية، أنا والمؤلف المشترك "ديريك روكر" استطعنا الوصول لبيانات من منصة ترفيه عبر الإنترنت تدعى CharacTour. الموقع لديه أكثر من 350 ألف مستخدم والذين يمكنهم تصفُّح أكثر من 5300 شخصيّة من أفلام شهيرة، وعروض تلفزيونية وكتب. المنصة توصي أيضًا بالشخصيات بناء على اختبارات الشخصيّة والتصويت عبر الإعجابات.
دراساتنا قارنت السِّمات الفرديّة للشخصيّة الخياليّة الشريرة مع معجبيها. كمثال، أردنا أن نعلم إذا كانت شخصيّة شريرة مثل "فولدمورت" التي تتَّسم بسرعة الغضب، من شأنها أن تتنافر أو تجذب المستخدمين سريعي الغضب (يتمّ تمثيلها إمّا بنسبة منخفضة جدًا أو نسبة عالية جدًا من معجبي فولدمورت الذين يعرفون بأنَّهم سريعو الغضب). لم نجد أدلة تشير على التنافر من قبل شخصيات شريرة كهذه، كما قد توحي به الأبحاث السابقة حول الخوف من اكتشاف الجانب المظلم للفرد. بدلًا من ذلك، أظهرت دراستنا أنه عندما يصبح الشرير أكثر تميُّزًا بسمة معيَّنة، فإنَّ نسبة أكبر من معجبيه يميلون إلى تملُّك هذه السمة أيضًا. بكلمات أخرى، فالمستخدمون الثرثارون يميلون للأشرار الثرثارين، والمستخدمون الأذكياء يميلون للأشرار الأذكياء، والمستخدمون سريعو الغضب يميلون للأشرار سريعي الغضب، وهكذا.
في دراسة أخرى، قدَّمنا للمشاركين العديد من اختبارات نموذجية للشخصيّة عمّا يراه المرء على الإنترنت: "ما هو الحيوان الأكثر تشابهًا مع شخصيتك؟"، "أيّ نوع من البطاطا أنت؟"، إلى آخر مثل هذه الاختبارات. جميع المشاركين عبَّروا عن عدم ارتياحهم لمثل هذا النوع من الاختبارات. بما يتفق مع فكرة أنَّ الخيال يجعل التشابه مع الشرير آمنًا، وجدنا أنَّ الناس توقَّعوا أخذ اختبار "أيّ شخصيّة شريرة خياليّة أنت؟" بحيث يكون أقل إزعاجًا من أخذ اختبار "أيّ شخصيّة شريرة من الواقع أنت؟". كان هناك اختلاف في عدم الارتياح حتى لأخطر الأشرار: أشار المشاركون إلى أنَّ إجراء اختبار "أيّ قاتل متسلسل من الأفلام أنت؟" سيكون أقل إزعاجًا من "أيّ قاتل متسلسل حقيقي أنت؟".
بعد هذا اختبرنا الفرضيّة عبر عرض فرصة على المتطوّعين لمشاهدة فيلم جديد افتراضي عن شخصيّة تدعى "سام". لقد وصفنا "سام" إمّا أنه مشابه للمتطوِّع أو غير مشابه، واكتشفنا أنَّ الناس كانوا مهتمين أكثر في الفيلم الذي يحتوي على الشخصيّة الشريرة المماثلة لهم. كان هذا التفضيل للتَّشابه مع "سام" الشرير قويًّا، بغضّ النَّظر عمّا إذا كانت السِّمات المشتركة إيجابيّة (ذكاء) أو سلبيّة (مراوغة). مرَّة أخرى يبدو أنَّ السِّياق الخيالي للفيلم سمح للمشاركين بالافتتان بالشخصيّة الشريرة والتماهي معها بطريقة تماهيهم نفسها مع بطل الفيلم، من دون الشعور بعدم الراحة المرتبط بهؤلاء الناس في الواقع.
أكَّد البحث أنه عند موضوع الشخصيات الشريرة الخيالية، فإنَّ التشابه هو افتتان قوي. لكن هل القضية هكذا دائمًا؟ هل هناك مواقف تكون التشابهات فيها مع الشخصيّة الشريرة من المفضَّل تجنُّبها، حتى في الخيال؟ الأشرار كهؤلاء يكونون جذابين فقط لأنَّ الخيال يجعلهم غير ضارين. ولكن ماذا لو كان الشرير الخيالي يمكن له أن يجلب المخاطر أيضًا. مثلًا، عندما يواجه المرء الشرير تحت مجهر المجتمع.
تُظهر الأبحاث أنَّ إيماننا ضئيل جدًا بأنَّ الآخرين سيأخذون سياق العالم الخيالي في الاعتبار بالنسبة لنا. نحن نميل إلى افتراض أنَّ الآخرين سيحكمون علينا بناء على الانطباع الأوَّل، ولن يجهدوا أنفسهم بتمعُّن السياق الكامل. في هذه الحالة، قد لا يثق الناس بالآخرين لمنحهم خيار الشك، وسيتوقعون أنْ يتمّ الحكم عليهم بقسوة بسبب تشابهاتهم مع شخصيّة شريرة خيالية. لذلك، يتوجب على الناس تجنُّب مشاهدة الأشرار المشابهين لهم في سياق اجتماعي في حال قيام الآخرين بافتراضات حول الجانب المظلم لهم.
في دراسة أخيرة، قدمت قصة تعرض شخصيّة شريرة يمكن مشاهدتها من قبل المشاركين كل لوحده. أظهر المشاركون تفضيلًا أكبر قليلًا للفيلم مع الشرير المماثل مقارنة بالشرير المختلف، بما يتفق مع دراساتنا السابقة. ومع ذلك، عندما كانوا سيشاهدون الفيلم خلال موعد غرامي، ويفكرون في إمكانية الحكم المجتمعي، فإنَّ الناس أظهروا تفضيلًا أكبر للفيلم مع الشخصيّة الشريرة المختلفة عنهم. أيَّد ذلك فكرة أنَّ تفضيل الأشرار المماثلين يعتمد على قدرة الخيال بتقديم التماثل مع الأشرار على أنه غير ضار.
حين يأتي الأمر للخيال، يحب الناس التماثل مع الشخصيات في القصص، حتى حين تمثل هذه الشخصيات ذروة الشر.
يوفر هذا نظرة ثاقبة أوليّة حول كيف يجد الناس أحيانًا متعة في استكشاف التجارب حول النُّسخ الأكثر ظلمة من أنفسهم، ولكن هناك عمل إضافي يتعيَّن القيام به. فبينما يشير هذا العمل إلى أنَّ الناس يحبون المتشابهين من الأشرار على المختلفين، فإنَّ الدراسات المستقبليّة قد تختبر حين يفضل الأشخاص الشخصيات الشريرة على الأبطال؛ أي حين يكون للجانب المظلم قوة جذب أكبر من الجانب المضيء. قد نستكشف أيضًا كيف أنَّ الرغبة في رؤية أنفسنا في الشرير تؤثر علينا في الحياة الواقعية. يعتمد تفضيل الأشرار المماثلين على افتراض أنَّ ما يحدث في الخيال يبقى في الخيال، ولكن هل هذا صحيح فعلًا؟ أو، هل راحتنا في رؤية أنفسنا في شرير بعالم خيالي ستظهر في ظلام العالم الحقيقي أيضًا؟
- - - - - - - - - - - -
* ريبيكا كراوس غالوني: طالبة دكتوراه في جامعة نورث وسترن في إلينوي الأميركية.
* المصدر: https://psyche.co