مراسم الأفراح من الزَّمن الجميل

فضية المقابلة

كاتبة أردنية

 

 

يحفل التراث الأردني بالطقوس الاحتفائيّة في جميع المناسبات، ومنها الخطوبة والزواج، حيث ‏نجد مراسم خاصة بكل فقرة وخطوة: الخطوبة وتجهيز بيت الزوجيّة والاستعداد للزفاف ومراسم ‏الزفاف، طعام القرى، وليلة الحنّاء... يصاحب ذلك التأهُّب بكل حماسة للعرس، والأقارب ‏والجيران أمام مسؤوليّة جماعيّة لكثرة إجهادات ومتاعب المهرجان المهيب الذي ينتظره الكل ‏بفارغ الصّبر. طقوس متنوّعة في كل خطوة، وأغانٍ وأهازيج شعبيّة ما زالت حيّة في الوجدان ‏تثير الحماسة والنخوة والإحساس الفطري الصادق النّابع من قلوب نقيّة تربَّت على الخير والنّخوة ‏والودّ بين الناس.‏

 

 

 

 

سأكتب عن فضاءات جميلة من ماضينا الجميل، وتحديدًا عن مراسم الخطوبة والزواج وفقرات ‏الزفاف بكل تفاصيلها وجماليّاتها الأصيلة.‏

غالبًا ما تكون العروس ابنة العم (ابن العم بنزِّلها عن ظهر الفرس) أو من بنات الحارة والأقارب ‏والجيران.. من البلد نفسه ونادرًا ما تكون من خارجه. التعارف سهل عن طريق لمحة يلمحها ‏الشاب للفتاة أثناء الروحة أو الغدوة لجلب الماء من البئر للمنزل أو عند سقي الأغنام وحلبها.. أو ‏الحصيدة.. البيدر... الحقل أثناء النقاه والحشيش، وغيرها، هذا إن لم يكونا تربَّيا معًا وقضيا ‏معظم الوقت في البيت نفسه وداخل الحوش... خاصه إن كانا أبناء عمّ.‏

وأحيانًا كانت تتمّ الخطوبة ومراسمها كامله دون رؤية أحد العرسان للآخر؛ عن طريق الأهل ‏والأقارب، ولا حول أو قوّة لأحد في الاختيار... غالبًا كان ابن العم يتحذى ابنة العم "حذية طبق" ‏من لحظة ولادتها، وتكبر وهي على اسمه، وتصبح منطقة محرَّمة لا يجرؤ أحد على الاقتراب ‏منها أو التعرُّض لخطبتها.‏

تبدأ مراسم الخطوبة بالجاهة من قبل أهل العريس؛ يجتمع أقاربه من النساء والرجال في بيت ‏والد العريس للاتفاق على كيفية التفاوض على المهر وشروط ومطالب أهل العروس‎...‎

تبدأ أهازيج الفرح قبل توجُّه الجاهة سيرًا على الأقدام إن كانت العروس من البلد نفسه.. تبدأ ‏الخطبة من قبل أحد الوجهاء وكبار العشيرة عند تقديم فنجان القهوة يضعه قبل شربه...‏

بعد التقدُّم لخطبة العروس يلحّ الناطق باسم الجاهة: "لا نريد أن تبرد قهوتكم"، وهذه العبارة ‏لاستعجال الردّ.‏

وهنا يتمّ الردّ، وقد يكون برضى أو عدم رضى العروس. وكم سمعتُ قصصًا عن أنهم كانوا ‏يُحضرون فتاة تتقمَّص شخصية الفتاة المخطوبة أمام القاضي عند عقد القران وذلك لرفض ‏العروس الحقيقيّة الزواج، أو لصغر سنّ العروس؛ حيث كانت الفتاة في ذلك الزمن تتزوَّج في ‏سنّ صغيرة جدًا، ولصغر حجمها وسنّها يتمّ إحضار فتاة ناضجة ومكتملة من قريباتها لتمثل ‏شخصيّتها أمام المأذون ليتمّ العقد الشرعي.‏

للخطوبة حفل ومراسم، ويقوم والد العريس بعمل القرى (طعام الفرح) ببيت أهل العروس ودعوة ‏الناس لتناوله وما يرافقه من مباهج ومراسم يعبِّر بها الناس عن فرحهم، من الرجال والنساء ‏والكبار والصغار.. يجلس العروسين على كراسٍ قديمة من الخيزران توضع فوق طاولة تمّ ‏صنعها من الخشب المُلقى؛ متهالكة تموج من من أركانها الأربعة... وأحيانًا يوضع سطل من ‏الحديد بدل الكراسي، وترتدي العروس الحطّة والعرجة المثبّت على حوافها عملات معدنيّة من ‏الذهب والفضة بأحجام مختلفة، وهو ما يسمّى "اللبسة" التي تطوَّرت إلى الذهب العصملّي ولبس ‏العروس لثياب ملوّنة ومفرحة... الفرح يعمّ الجميع، وكل يبرز مواهبه وقدراته وخاصة أنَّ ‏طقوس الفرح تتضمّن مطعم ومخشرم وفيصلية و"توفي"، والأهمّ كف الطبيخ مع اللحم ‏والشراك.. شرابه من الجميد الخالص المذاب بيد نسوة "معدّلات".‏

المهور كانت بسيطة ورخيصة، وكذلك تكاليف العرس، فالمهر المؤجَّل والمعجَّل لا يتجاوز مئات ‏الدنانير، ويتم تقديم المهر نقديًّا أو على شكل المقايضة بأغنام وخيل وجِمال (إحدى عمّاتي كان ‏من ضمن مهرها جمل أجرب انتقلت العدوى منه إلى جميع أغنام جدّي وانقرض القطيع كاملًا ‏عام 1945) أو قطعة أرض. وياما كان لبعضنَّ مهر من الأرض، وهو الآن يعادل ملايين ‏الدنانير! وذلك لكثرة الأرض وندرة المال أيام ما قبل ستينات القرن الماضي!‏

الخطوبة كانت تطول أحيانًا، ويُمنع على الخاطِب منعًا تامًا الحديث مع خطيبته أو مشاهدتها، ‏وهنالك إجراءات مشدَّدة تصدر من أبيها وأخوتها وتحمّل الأم كامل المسؤولية عند أيّ تجاوز...!‏

هذا إنْ سلمت العروس من عقاب بدني شديد إنْ بدا منها أيّ تهاون، وهذا يرفع من قدرها وقيمتها ‏في المستقبل... تطول الخطوبة، وغالبًا يبدأ موسم الأعراس بعدما "يطير البيدر"، بعد بيع ‏الحبوب لتجهيز تكاليف العرس.‏

كان تجهيز الأثاث بسيطًا؛ بضع فرشات ولحاف من الصوف و"سبت" (صندوق من خشب ‏الجوز مزيَّن) وبعض الأواني البسيطة.. وتطوَّر "السبت" فيما بعد لـ"النمليّة"... ثم خزانة ‏ضرفتين... فثلاث ضرفات... أربع ضرفات.. فغرفة نوم... ثم كنب، حتى وصل لتكدُّس ما ‏نراه في يومنا هذا‎!‎

كان البيت غرفة واحدة داخل الحوش بجانب صف من غرف الطين.. تطوَّرت لبناء غرفة من ‏الرّمل والإسمنت.‏

نسوة الحارة كنَّ يجتمعن بشكل إجباري لغسل الصوف وندفِه وشدِّه وخياطة وجوه الفرش ‏واللحف وحشو المخدات ذات الجانبين من الأطلس الملوَّن يتوسَّطها ثوب أبيض مطرَّز يدويًّا. ‏وتتساعد النسوة بتنظيف وتجهيز بيت الزوجيّة، وأمّا "المطوى" فيكون من اختصاص سيدة معيّنة ‏في الحارة معروف عنها الطيّ المرتَّب الصحيح، ويُجلّل المطوى بجلالة مشدودة إلى حبل ‏مربوط بمسمارين يثبّتان أعلى الحائط.‏

أمّا ملابس العروس "الجهاز" فتتكوَّن من قطع قليلة حفظتها وعرفتها نسوة الحيّ من كثرة ‏مشاهدتها وعرضها.‏

تمَّت الخطوبة بنجاح وجُهِّز بيت الزوجيّة، وتم الاستعداد للزفاف على أكمل وجه.. التعب للكبار ‏والفرحة للصغار، ولمراسم الزفاف حكايات‎.‎

 

صُبّوا القرى...‏

 

تجاوزنا تفاصيل الخطوبة ووصلنا للحدث السعيد الجميل؛ فرحة الزفاف للعروسين وفرحة ‏العريس وأهله التي لا تضاهيها فرحة.. وفي المقابل الحدث السعيد الحزين للعروس وأهلها وهي ‏تستعد للانفصال عن البيت الذي تولَّعت به، وارتباطها الشديد بأهلها على الرغم من قصر ‏السنوات التي قضتها عندهم؛ كانت الروابط الأسريّة قويّة جدًا.. حيث إنَّ أفراد الأسرة يعيشون ‏كل الوقت مع بعضهم بعضًا وفي مساحة ضيقه، فيعيشون كل التفاصيل معًا لحظة بلحظة، وفي ‏كل الظروف بحلوها ومرِّها يعتمدون على بعضهم بعضًا.. فلا توجد زركشات تشغلهم.. فكانت ‏الأسرة هي المؤسسة والوحدة الواحدة القادرة على توفير كل وظائف الحياة للفرد.‏

انتهينا من جهاز العروسين وبدأت حالة التأهُّب بكل حماسة للعرس، فكان الأقارب والجيران أمام ‏مسؤولية جماعية لكثرة إجهادات ومتاعب المهرجان المهيب الذي ينتظره الكل بفارغ الصبر.‏

يُحدَّد موعد العرس وصارت الدعوة في زمن لاحق تُطبع في بطاقات "كروت"، وتكون مهمّة ‏توزيعها على صبية الحارة الذكور بتكليف من قبل العروسين لجميع سكان القرية، وإن كان ‏أكثرها لا يصل وقصص العتب لا تنتهي بعدم الدعوة، وقد تستمر حتى يأتي المولود الأول.‏

العروس في زمن سابق كانت تبعث بصرر حناء ناشف كرمز للدعوة بدل بطاقة الدعوة.‏

الكهرباء لم تكن موجودة، فيبدأ الشبان بجمع شمعدانات الحارة وتفقدها للإناره وتجهيز ساحة ‏الدَّبكة وتتظيفها.. يبدأ وصول الذبائح وشوالات الأرز والبنّ والرّايب من الأحبة لبيت والد ‏العروس يرافقها البارود والزغاريد وغيرها.‏

التعليلة عند العريس تكون عدة ليالٍ يشارك فيها الشيب والشباب والصبيان بالسامر والدبكة ‏والدحيّة، وفي الوسط لعّيب المِجْوِز أو الشبّابة أو القربة ويكون مُحاطًا بكل مباهج ومشاعر ‏الفرح.. زغاريد النساء تزيد الحماسة.. وفي آخر ليلة في السهرة ينفضّ الحضور باكرًا لإعطاء ‏فرصة لأهل العرس بالذبح وتقطيع اللحم وإعداد الحطب للطَّهو، يكون ذلك مصحوبًا بالانفعال ‏والغضب.. فضغوطات العرس كبيرة.‏

يكون طهو اللحم على الرجال بإشراف (الكررجي)، والكررجي ذلك الرجل العملي الجريء له ‏ألف عين وعين متفتحة خوفًا على اللحم من الفوضى؛ وكما يقولون: (سواد الوجه في القرى).‏

وعلى النساء مرس الجميد وخبز الشراك وتنظيف الرّوس.. والجلي وطبخ الأرز وقديمًا عيش ‏السميدة!‏‎ ‎

بعد منتصف الليل تحضر الشَّوايا "لبو موزة" (أي بوفرة) من المعاليق وأطايب اللحم، ومحظوظ ‏مَن حضر... شوايا ولوايا مع خبز الشراك والجميع مغمور بالفرح الذي يفيض ليملأ المكان ‏والأركان، والمتخاصمون اصطلحوا، والصلح خير والكل حضر من البعيد للقريب وأهل الحارة ‏جميعًا متكاتفون لإيواء الضيوف.‏

طعام القرى قبل صلاة الجمعة تمَّ فرده وإعداده.. بعد الصلاة يتوجَّه الجميع لبيت والد العريس ‏لتناول الغداء. والد العريس في المقدِّمة لجمع النُّقوط الذي يُدخِل السُّرور والمودَّة بين الناس..‏

‏"وصبّ القرى يالّي معلم عالقرى

وصبّوا القرى ومشوشب ومنادي".‏

بعد الغداء يكون العريس قد استعدَّ للزفَّة بمساعدة أقرانه الذين بذلوا أقصى جهد لإخراجه بأجمل ‏هيئة.‏

في الزفّة -والزفّة أهم فصل في العرس بعد القرى- يكون العريس في المقدمة يمسكه أقرب ‏أصحابه إليه من ذراعيه، وفي الصف الأوَّل الأحبّة والأصحاب... الرجال في المقدمة وخلفهم ‏النساء، ولكل جنس أهازيجه الخاصة في الزفّة.‏

الرجال:‏

‏"يالله توكلنا عليك... ياسيد المتوكلين

‎.......‎‏".‏

أغاني النساء:‏

‏"يانويعمه يانويعم الريّانه... والسمسم لخضر جلّل الحيطانه

نادو الخواجا يفتح الدُّكانه... نلبس حرير ونخلع الدِّكانه

وهيتو الحطايط كلّلو العرساني

ويا رايحه عمِّ العريس قوللها... عريسنا طاح الزفة جيعاني

ودّيتله ميتين جاجه محمَّره

يوكل ويطعم جميع العرساني...".‏

وهنالك تقليد سائد بزفّ العريس عند الفقير للتبرُّك وذلك بحسب مفهوم الناس آنذاك.. وفي بلدة ‏‏"بليلا" قرب جرش تقليد أن يمُرّ العريس من حارة إحدى العائلات، وممالحتهم (أي أكل شيء ‏مملّح من عندهم حيث يتفاءلون ويستبشرون بهذا الفرع... من اسمهم نصيب فأل خير".‏

أثناء الزفاف يخرج جميع أهل القرية لمشاهدة الزفّة ورشّ الحلوى وإطلاق البارود وزغاريد ‏النسوة من كل بيت تمرّ الزفة من أمامه.‏

في الزفة هنالك رجل "حِمِش" يمسك عصا طويلة لفصل الرجال عن النساء ومنع الاقتراب لأنها ‏فرصه لـ"البصبصة" وخاصة لمن يبحث عن عروس، فالصبايا أتين بأجمل حللهنّ وعيون ‏الشباب "مغاريف" تلقط "عالطاير"، خاصة أنَّ الفتيات مخفيّات وفرص المشاهدة قليلة ونادرة ‏وفيها حرج ومعايير اجتماعيّة متينة، لا يمكن تجاوزها.‏

يكون العريس قد تمَّت دعوته للصَّمدة في بيت "أبو فلان".... عند وصول الزفة لهذا البيت ‏يستقبله المعازيب بالبارود وكلمات الترحاب يقابلها كلمات الشكر والثناء من قبل أهل العريس ‏وأغاني المدح للمعزِّب من الصبايا:‏

‏"فرش النا الساحه يابيّ محمد.. فرش النا الساحه

طالبات الراحه جنك صبايا.. طالبات الراحه

وسع الميداني يابيّ محمد وسع الميدان... الفرح للصبياني والعز الك والفرح للصبيان....".‏

وغيرها من الأهازيج الجميلة التي تثير الحماسة والنخوة والإحساس الفطري الصادق من قلوب ‏نقيّة تربَّت على الخير والنخوة والودّ بين الناس.‏

أخيرًا وصل العريس وجلس في صدر المضافه على الفرش يحيطه الشباب لإكمال ما لم يتم ‏إفراغه من مواهب ومشاركات وجدانيّة وأهازيج متوارثة في الأفراح.‏

هنا، يعود أقارب العريس للبيت مسرعين مهرولين من أجل أعمال التنظيف والجلي والتصرُّف ‏بما تبقّى من الطعام، وتجهيز الفاردة للذهاب لبيت العروس.‏

هنالك مراسم أخرى لتفاصيل العرس عند العروس:‏

العروس أنهت تحضير ملابسها (جهاز الرقبة) كانت تقوم بخياطتها خيّاطة القرية المحترفة.‏

ومثلما يوجد القِرى عند العريس.. كذلك العروس.. تكاليف القِرى على أهل العريس كاملة ‏يحضرونها قبل الزفاف بيوم، وتحملها مجموعة من النساء والرجال يذهبون بها سيرًا على ‏الأقدام إلى بيت العروس إن كانت من البلد نفسه، أما إن كانت من خارج البلد فبواسطة وسيلة ‏نقل، وكان أهل العريس يحرصون على الذهاب لبيت العروس لأخذ مكاليف القرى قبل مغيب ‏الشمس (على الضوّ) حتى يراهم أهل القرية وذلك كتعبير عن قيمتهم، وإشهاد الناس على عدم ‏تقصيرهم‎!‎

ويستقبلهم أقارب العروس ويتم إطلاق البارود والزغاريد والأغاني من الطرفين، وياما حدثت ‏خلافات ومشاكل على لوازم القِرى بين أهالي العريسين (جابو بس ذبيحه وما جابو سمن أو ‏سكر....) وفعلًا تصل الخلافات للذروه أحيانًا حتى يتدخل العقلاء لحلّها.‏

كما تكون سهرة عند العريس هناك سهرة العروس، وهي ليلة واحدة فقط "ليلة الحنّة"، وتكون ‏قبل الزفاف بليلة واحدة... "حنّة العروس" مهمة جدًا.. لأنها ليلة الوداع وتفريغ مشاعر الحزن.. ‏حيث يحضر لبيت والد العروس الأهل والأقارب والجيران، والصديقات والكل قلبه يعتصر حزنًا ‏على فراق العروس، والكل يبذل أقصى جهده ليُدخل الفرح لقلب العروس بالغناء والرقص ‏وأهازيج مدح للعروس ووالدها وإخواتها حتى أعمامها وأخوالها‎...‎

تبدأ نقطة الصفر عند حنّاء العروس وتبدأ التراويد المحزنة وينهال الجميع بالبكاء وكأنه مأتم... ‏العروس صغيرة السن لكنها مهيّأة لبيت الزوجيّة بحسب العادات والتقاليد... وهي أيضًا حزينة ‏جدًا على فراق أهلها وجيرانها ووو.... خاصة إن كانت ستتزوج خارج البلد... إضافه للحرج ‏والخجل الشديد وكأنّها ستساق لحبل المشنقه!؟‎ ‎

تبدأ تراويد النسوة يردّدن ترويدة الحنّة:‏

‏"سبل عيونه ومدّ ايده يحنونه

شعره قصايب ذهب تضوي على هدومه

ياريحة الطيب فواحه من ردونه

خصره رقيق وبالمنديل يلفونه

غزال زغير وكيف اهله يبيعونه".‏

ويتعالى النحيب وخاصه من والدة العروس وأخواتها... تختلط دموع العروس مع كحلتها ويسيل ‏اللون الأسود على وجهها وتتشاءم بعض النساء بأنه فأل شر.. ويحاولن تهدئة العروس.‏

يقع الاختيار على مَن تقوم بالحنّاء بحيث تكون امرأة محظوظة عند زوجها، أو أن تكون معظم ‏خلفتها صبيان، لجلب الفأل الحسن!‏

لكن الدموع تتحوّل إلى نحيب، وخاصة عندما تصل الترويدة:‏

‏"يالمي يالمي حاشّي لي مخداتي

طلعت من البيت وما ودّعت خياتي

يالمي يالمي شدّي لي عالمربع

والليله عندك وبكره الصبح بنتودع

يالمي يالمي شدّي لي قراميلي

طلعت من البيت وما ودعت انا جيلي

يالمي يالمي شدّي لي على الخاطر

‏ والليله عندك وبكره من الصبح خاطر

يالهل يالهل ياما احلى لياليكوا

وياما حلا النومه بفية علاليكوا

وياهل الغريبه وحنوا عا غريبتكوا ‏

وان قصرت خيلكوا شدّوا مروّتكوا

‏.........".‏

ترويدة الحنّاء طويلة جدًا ولا يتَّسع المجال لذكرها هنا.‏

عند اقتراب موعد الزواج تكون العروس قد وصلت إلى حالة من الضجر والخوف من الحياة ‏القادمة، وذلك بسبب كثرة النصائح والتوجيهات، فالكل لا يألون جهدًا في تقديم النصح والمشورة ‏في إطاعة زوجها وخدمة أهله وإثبات "عدالتها" وتربيتها وعكس صورة طيبة عن أصلها.‏

في يوم العرس تحضر النساء باكرًا لتجهيز العروس... وغالبًا ما تقوم بذلك عروس مدنيّة حديثة ‏الزواج لها خبرة بسيطة في مجال التجميل.. على "الحارك" تلبس العروس فستان العرس الأبيض ‏ذا التصميم البسيط والمحتشم وقد يكون استعارة بعد أن دارَ على عرائس البلد كاملة منذ سنوات‎..‎

المصفِّفه تثني الجزء العلوي من شعر العروس وتثبّته بالدبابيس (البُكَل) لعمل تسريحة ما يسمى ‏‏"السد العالي".. وتضع الكحل (الموعه) في عينيها تمدّها للخارج لتكبير العين وتضع أحمر الشفاه ‏الثقيل الغامق ثم تضع دائرة كاملة أعلى الخدين من اللون الأحمر وتمدّها لنهاية الحنك.. ورشّ ‏زجاجة عطر كاملة مهما كان حجمها بينما الحضور يتسابقون كل يريد رشّة عطر.‏

ومع ذلك العروس جميلة.. جميله بأنها على طبيعتها، بطهرها وعفتها.. بخجلها.. ببراءتها... ‏

قديمًا كان اختيار العروس شرطًا واحدًا: فقط أن تشبه خصال أمّها الحميدة (وطبّ الجرة على ‏ثمّها بتطلع البنت لأمها)‏‎!!‎‏.‏

تجلس العروس على المصمد: طاوله قديمه وكرسي متهالك، وخلفها توضع سجّادة لإعطاء منظر ‏جمالي وحمايتها من بياض الحائط‎!‎

تأتي المدعوّات ويتناولن الغداء وأحيانًا كانت تُصمد العروس من الصباح.. كل تدلي بدلوها ‏وتبرز مواهبها ومشاعرها.. الهجيني والدبكة والأغاني الشعبيّة تردّدها النساء بالتناوب.. مدح ‏وثناء للعروس وأقاربها وعزوتها ورجالها وخاصة عند النقوط (مبلغ بسيط من المال يدخل ‏أقاربها ويقدّمونه لها):‏

‏"واربع خواتم بديها

والخيّر منكوا يعطيها

ماخيّر غير ابو محمد

يقدم عليها ويعطيها".‏

حماسة وفرح ممزوج بالحزن مع تعالي البارود والزغاريد:‏

‏"حلفت الناس ماطخ البارودي

قوس ابو....خلي الصيت لينا".‏

وكذلك هنالك نقوط من النساء، وأحيانًا تجلس امرأة بجانب العروس لتصيح للملأ عن المبلغ، وقد ‏يكون دفتر يُسجّل به قائمة بالنقوط‎!‎

العروس "استوت" تعبت، من الجلسة على اللوج المهزهز، وأحيانًا تسقط العروس على الأرض.‏

لحظة الوداع اقتربت.. نفد صبر الحضور، فالجماعه أتوا لأخذ العروس بعد أن دفعوا حقوقها... ‏هذا إن لم تبرز حقوق الآن؟؟

‏(الفاردة)، السَّير بالعروس، إمّا سيرًا على الأقدام أو بالسيارات... قدم أهل العريس بالهجيني ‏والدبكة، والكل تحزَّم ويده على قلبه خوفًا من حدوث "هوشة"/ معركة!‏

طلعتهنَّ صعبة، وكما يُقال: "ما شوفوها إلا اليوم.."، وهنا قد يلعب مغرض بعقل والد العروس ‏كي يتراجع عن تزويجها بذلك العريس حتى يزوِّجها لابنه (ابن المغرض): "وكيف تطلع...؟ ‏وماعنّا شباب... إلخ".‏

وأحيانًا تسير الأمور بخير إن لم تستجدّ طلبات من قبل أقارب العروس (عباية العم والخال ‏والشباب من أجل رفع قيمة العروس وإظهار أنَّ وراءها رجال وعزوة).‏

وياما حدثت قصص من هذا النوع عند طلعة العروس، فتبدأ قريبات العريس بالغناء والمدح لوالد ‏وأقارب العروس لتسهيل الوضع والتنازل عن مطالبهم:‏

‏"ويخلف على ابو.. يخلف عليه خلفتين

‏ طلبنا منه النسب... اعطانا بناته الثنتين‎!‎‏".‏

بعد إزالة العوائق والاتفاق على طلعة العروس أحيانًا لايجرؤ والدها على الاقتراب منها ومشاهدة ‏فلذة كبده وهو يشيّعها.. وكأنها لمثواها الأخير... يتقدَّم الأخ الأكبر أو العم أو الخال... ويلفّها ‏بعباءة ويغطّي وجهها بغماوة (قطعة شاش رقيقه) ويمسكها من ذراعها‎...‎

وصلت العروس عند أهل العريس وهنال المهرجان... حضور يفوق السهرة والفاردة ويجتمع ‏أهل العريسين وأقاربهما والعريس مصمود ببيت بعيد قليلًا.. كي تبقى المفاجأة... أي لا يشاهد ‏العروس إلا وهي داخل بيتهم‎!!‎

تضع العروس "الخمرة" على باب البيت (والخمرة عجينة مثبَّتة على ورق عنب) بصفعة قويّة ‏لأنها إن ثبتت من أوَّل صفعة فإنَّ الزواج يدوم ويستمر، هذا كان المعتقد الشعبي.‏

وهنا دبكة وأغانٍ و"هيزعيّة" جديدة؛ فرح ورقص وغناء بصوتٍ عالٍ، ورشّ الحلوى على ‏العرسان وبعدها ينفضّ الحضور ويودَّع أهل العروس باحترام وعبارات شكر وثناء ووعود ‏بإكرام ابنتهم.‏

وهنا، تأتي العونة الحقيقيّة لإنهاء آخر فصل من تعب وتحضيرات العرس‎...‎

انتهى العرس بسلام. الشغل بطاقة إيجابيّة وراحه نفسيّة... يتمّ التخلص من كل "كراكيب" القرى ‏وتوزيع ما بقي وإرجاع الأدوات لأهلها... والشطف والجلي... ثم سهرة في بيت "أبو العريس" ‏وأحلى "كبّاية" شاي بعد التعب،.. يتنفس الجميع الصعداء ويبدأ الحديث عن سير الأحداث.... ‏و(الفرح لاثنين والتعب لألفين).‏

على العروس أن توظّف أقصى طاقاتها لإرضاء الجميع... هنا رضا الزَّوج من رضا أهله ‏وخاصة الحماة "والدة الزوج".‏