القصيدةُ الصِّفْر

شعر: د.طارق مقبل

شاعر سوري

 

 

‏(1)‏

سَيَمْلأُ عُمْرَكَ صِفْرٌ

وتُنْسى ‏

كَلَفْظٍ ‏

على شَفَةِ الذّاكِرَةْ

سيَمْشي طريقُكَ

دونَ احترامٍ

لخُطْوَتِكَ السّائِرَةْ

سَيلقاكَ صِفْرُكَ ‏

أَنَّى ذَهَبْتَ

فَصِفْرٌ ‏

طويلٌ عَريضٌ

وصِفْرٌ ‏

حَلالٌ حَرامٌ

وآخِرُ صِفْرٍ ‏

يُلاحِقُ صِفْرًا

وكُلٌّ يَدورُ، يَدورُ

مَعَ الدّائِرَةْ.‏

 

‏(2)‏

توقَّفْ ‏

لتَنْحَتَ وَجْهَ الفَراغِ

لكي يَعرفُوهُ

يكونُ الفَراغُ

إذا قيلَ شِعْرٌ

ولَمْ تُمْطِرِ الغيمةُ العَاقِرَةْ

يكونُ الفَراغُ ‏

إذا كُنْتَ تَبْدأُ

أوَّلَ بَدْءٍ

مِنَ الآخِرَةْ

ويَطْغى الفراغُ ‏

بصِفْرٍ يموتُ

ويتركُ أصفارَهُ عاثِرَةْ.‏

 

‏(3)‏

هُنا أو هُناكَ ‏

دموعُكَ تَجثو على رُكْبَتيها

وها أنْتَ ‏

يَغرقُ فيكَ انتظارٌ

إلى أيِّ صِفْرٍ ‏

مِنَ الغَيْبِ يأتي

ولكنْ تأخَّرتَ

وَمْضَةَ شِعْرٍ عَنِ القاطِرَةْ

وأحرقْتَ عُمْركَ

في ساحَةِ اللُّغةِ الماكِرَةْ.‏

 

‏(4)‏

تَكُونُ وقَدْ لا تَكُونُ

فماذا يُهِمُّ؟!‏

وما زلتَ تَسْعى

لتُصبحَ رَقْمًا

ورَقْمُكَ يرجِعُ صِفْرًا

وصِفْرُكَ يَهوي ‏

إلى ذُروةِ اللُّعبةِ الخاسِرَةْ.‏

 

‏(5)‏

تماهيتَ فِيَّ ‏

فأنْتَ أنا

غيرَ أنِّي تَركْتُكَ

فوقَ السُّطورِ

لتَحملَ أوجاعِيَ السّاهِرَةْ

على كلِّ دربٍ ‏

يُلاقيكَ مَنْفًى

يُقابِلُ منفًى

يُعِدُّ لِعَينيكَ منفًى جديدًا

تموتُ الطُّيورُ ‏

على ضِفَّتيهِ

وتبقى رجاءاتُها السّاهِرَةْ

وفي الطُّرقاتِ ‏

ازدحامٌ مِنَ الغائبينَ

يعيشونَ لا يعرفونَ لماذا؟

لماذا؟

لأنَّهُمُ لَمْ يموتوا

على ضِفَّةِ الدَّمْعةِ السَّاخِرةْ

يَنُوسُونَ في كُلٍّ تيهٍ

فَنِصْفٌ يَضيعُ

ونِصْفٌ

يَضِيعُ

وحيرةُ أنصافِهِمْ حائِرَةْ.‏

 

‏(6)‏

على أيِّ حالٍ

أنا أنتمي ‏

للذي لا يَجِيءُ

فَكَمْ أنا دَرْبِي

الذي لَمْ يَزَلْ

يَرْتَدينِي

ولَكِنَّ رِيْحًا ‏

بِكُلِّ الذي "لَمْ يَزَلْ"‏

غادِرَةْ

بِنَاءً عليهِ

فلا مرفأٌ كَي نُغَنِّي

ولا مِنْ نِساءٍ

حِصارٌ، حِصارٌ

بِتِسْعِ جهاتٍ

حَذَارِ مِنَ الجِهةِ العاشِرَةْ.‏

 

‏(7)‏

وأنتَ تنامُ مَعَ الكَلِمَاتِ

وُقُوفًا كَآهٍ

وَتَلْتَفُّ واوًا

لتَجْلِسَ في حِضْنِ نونٍ

حَزِينٍ

يعيشُ سُكُونَاتِكَ الخائِرَةْ

إذَنْ؛ قُلْ: وداعًا

فقَدْ ماتَ شِعْرُكَ

خَلْفَ المَرايا

وأُغْلِقَ بابُ التَّجَلِّي

سَلامٌ عَليهِ

يموتُ

ويُبْعَثُ

في نَجْمَةٍ لَمْ تَعُدْ شَاعِرَةْ.‏