حريّة .. غزّة

شعر: غازي الذيبة

شاعر أردني

 

 

فوق سمائك يا غزّة ‏

فوق عيون الأطفال الرضّع في أحيائكْ ‏

فوق الجثث المحروقة بالفسفور الأبيض

في أرجائكِ  فوق الموتْ ‏

فوق أغاني الصيادين على بحركِ ‏

فوق الصمتْ ‏

فوق الليل المنتشر على الأرجاءْ ‏

فوق الأشلاءْ

فوق أهازيج النسوة في حقل الزيتونْ ‏

فوق جنازير الدبّابات المسعورةْ ‏

فوق رقاب القتلةِ ‏

صوتك يتزنّر بأغاني البحرْ ‏

وعلى كتفيك نجوم المحترقين  ‏

فوق صواري سفن التوّاقين إلى الحريّةِ  ‏

نشتعل كزهرة حبّ في أوراق التاريخْ ‏

نكتب فوق الأسوار المحروسة بالألغامْ ‏

حريّةْ ‏

‏..‏

فوق هدير الطيارات على "تل الكاشف"‏

فوق المنكبين على وقف النبضْ  ‏

فوق الأمم المتّحدةْ ‏

وبيارقها الخرساءْ ‏

فوق رصاص الغدرْ

وشماتة إخوتنا في القهرْ ‏

فوق ظلال النهرْ ‏

فوق قيامتنا المنسوجة في ليل القمم الضوئيّةْ  ‏

ننسج رايات الفجرْ

لنطوّق بستانَ الله الأخضر في غزَّةَ بالحريّةْ ‏

‏..‏

فوق مجازرهم في "الفاعورة"‏

فوق "المعبر" في قلب رفح

فوق النار على الأسوارْ ‏

فوق رصيف الأزهارْ ‏

ننقش عند القمر الناشف يا غزّة هاشمْ ‏

اسم الحريّة بالدمّْ ‏

ونلوّنه بالأقلام المكسورة في الكلماتْ ‏

فوق الطعناتِ ‏

وغدر العم وابن العمّْ ‏

نرفع رايتك الخضراءْ ‏

لا نستسلمْ ‏

نتلعثم باسمك ‏

لا نستسلمْ ‏

نتعثّر بالجثث المحروقة فيكِ ‏

ولا نستسلمْ ‏

نتعلّم أنّ الله قريب جدّا منكِ ‏

ولا نستسلمْ ‏

ونطير إلى ضوء العزّة فيك ولا نستسلمْ ‏

ونردّد أسماء الشهداء الحسنى في نبضكْ ‏

فوق القصف وتحت النارِ ‏

ولا نستسلمْ ‏

ونعيد إلى الكلمات توهّجها الأولْ ‏

ونرتّب بيت الحبّ الأولْ ‏

وندوزن قيثارتنا الأولى ‏

ونغنّي باسم فلسطينْ

‏ أمّ الشهداءِ ‏

ولا نستسلمُ ‏

نحمل أحلام الأطفال المفقوءةْ ‏

ورفيف الآه المهدورة فوق الرمضاءِ

ولا نستسلمْ ‏

ونحطّ القلب على أجنحة الريحْ ‏

كي يعزف أنشودته الأولى الأبديّة: حريّةْ ‏

‏..‏

الله هنا ‏

والحب هنا ‏

والخير هنا ‏

ودماء الشهداءْ ‏

وأغاني العودةِ ‏

والأحرار

وبقايا الدمّ على شجر الدارْ ‏

والأسوارْ ‏

والنور الآتي من أقصى نقطة دمّْ ‏

حتى النور النائم في طرف الغيم: ‏

حريّة ‏

‏..‏

الحزن هنا ‏

يزرع قذلته المرخيّة فوق الرأسِ ‏

ويمشي بين الناسْ ‏

ويغنّي باسمك يا غزّة ‏

باسم الأطفال الرضّع ‏

والخِيَم المنصوبة في أهواء الطعناتْ ‏

باسم الحريّة ‏

باسم مناديل النسوة حين يودّعن بقاياهن قبيل الظهر

سيجيء العصر على فرس النهر

ويُعلِّي رايته لترفرف فوق الأقواسْ

حريّة ‏

‏..‏

فوق الصور المثلومة للأطفالْ ‏

فوق الصمت القاهرِ ‏

والصمت الغادرِ ‏

تخرج من غيم دخان الصليات على غزّة ‏

نار الله الموقدةِ... ‏

تتدفّق صرخات من أطفال رضّعْ ‏

من أشلاء نساء تتضرّعْ ‏

من جثث تتفحّم تحت القصف الهمجيّْ

من قلب مغروز بالسمّْ ‏

من أول نبض يتحرّك حذرًا فوق اللغمْ ‏

نطلق عصفور الضوء ونصرخُ ‏

في حفل التفجير الأمميْ ‏

حريّة ‏

‏..‏

من أمنية النبض الدافق في شريان السجنْ ‏

من آهات الأبّْ

‏ مفجوعًا برحيل الزوجة والابنْ

من تحت ركام الحزنْ ‏

من قطع اللحم البشري المتوهّج بالفسفور الأبيضْ ‏

من ريح تصعد أعلى الضوءِ ‏

وتبني بيتا هدمته الإف 16‏

من وسط العتمة في جامعة الدول العربية ‏

حريّةْ ‏

‏..‏

يا غزّة

علمنا الحزن بأنْ نحتمل الحزنَ ‏

وعلّمنا السجن بأنْ نتدرّب في الليل على الآهاتْ ‏

الليل طويل فينا والكلماتْ

طعنات ترقد في جسد الطعناتْ

لم نحملها في الموت إلى مقبرة الخوفْ ‏

ووقفنا مذهولينْ ‏

نزرع من خفقات الريح خيولًا وسهولًا ‏

ومنازل من أقمارٍ ترقص للحريّةْ ‏

وهتفنا باسم الثورةِ ‏

والعصفور المطلق في فلوات النارْ ‏

باسم الأحرارْ

باسم القبلة والريش على فوهات بنادقنا ‏

باسم الثوارْ

سنغني تحت سمائك يا غزّة: ‏

حريّةْ ‏

وسنرفع فوق مآذنك المحروسة بالأزهارْ

أنشودة حراس البياراتْ

وأغاني الصيادين السُّمرْ ‏

وهتاف الصبية في يوم مختنق بالغاراتْ ‏

وتراتيل الناياتْ ‏

‏..‏

ستحلّق في أجواء نهاراتك أسرابٌ من ومض نبويّْ ‏

لنضيء الليل النائم في قاعات المؤتمرات ‏

أصوات تطلع من قلب الليلْ

‏ باسم النهرِ وباسم البحرْ ‏

سننادي يا الله: حريّةْ ‏

‏..‏

يا غزّة ‏

يا امرأة  مزّقها القصفُ

وحاصرها القتلة من كل جهات العسفْ

يا غزّةْ ‏

يا أسراب سنونو تَمْرُق برقًا في الحريّةْ ‏

لتضيء على قلب المتوسط في عتمته ‏

أجنحة طيور تتقافز فوق كراريس الرسم بمدرسة الفاعورة ‏

وعلى أطراف حناياها رسموا بالحزن منازلهم تُهدمْ ‏

‏..‏

باسم الحريّةِ ‏

باسم الشمع المتدفّق من أصواتٍ ثكلى ‏

لينير الدنيا بالحريّةْ ‏

سنعلق فوق البرِّ وفوق البحرِ ‏

هواء يكتب فوق الشطآن المحروسة بالخذلانْ .. ‏

حريّة ‏

يا ربّ الحريّة ‏

لا تتوقّف عن منح نياشينك للمكلومينْ ‏

لا تُسقط نعش الشهداء عن الأكتاف؛

فالشهداء هنا في آهتِك المصلوبةِ  ‏

يرتجفون من الطعناتْ  ‏

أطلقهم في جنّة مجدكْ ‏

يحتفلون مع الكلمات المنسوجة في قلب العتمة ‏

حريّةْ ‏

حريّةْ ‏

حريّةْ.‏