الشِّعر الأردنيّ ‏ وتأثُّره بالمشهد الشِّعري في الوطن العربي

د. عماد عبدالوهاب الضمور ‏

ناقد وأكاديمي أردني

 

ارتبط الشعر في الأردن بشكله الناضج ارتباطًا وثيقًا بتأسيس إمارة شرق الأردن، حيث ‏مجالس الأمير عبدالله بن الحسين التي شكلّت نواة انبثقت منها الحركة الشعريّة، ولم يخرج ‏الشعر في هذه المرحلة من قيود القصيدة الكلاسيكيّة، وبقي أثر التيّار الإحيائي ملازمًا ‏للشعر الأردني في مرحلة التأسيس (1921- 1948م). وقد تأثر الشعر الأردني بحركة ‏الشعر العربي الحديث في مصر والعراق وسوريا ولبنان، وبخاصة منذ النصف الثاني من ‏القرن العشرين. وظلَّ الشعر في الأردن مواكبًا للتغيّرات التي طرأت على البناء العضوي ‏للقصيدة العربيّة من ناحية الشكل والمضمون، وما أحدثته الثورة التكنولوجيّة المعاصرة ‏من حالات ومواقف جديدة في التعبير الشعري. ‏

 

يبدو حديث أرسطو عن الشعر مُدخلًا مناسبًا لبيان مدى تأثر الشعر الأردني بالحركات ‏الشعريّة في الوطن العربي، فهو يعزو في كتابه (فن الشعر) نشأة الشعر إلى مكانته التي ‏يحتلها في النفس الإنسانية بنوازعها المختلفة، وبخاصة نزعته إلى المحاكاة، وإلى تحقيق ‏الانسجام والإيقاع. ‏

ارتبط الشعر في الأردن بشكله الناضج ارتباطًا وثيقًا بتأسيس إمارة شرق الأردن عام ‏‏1921م، حيث مجالس الأمير عبدالله بن الحسين التي شكلّت نواة مهمة انبثقت منها ‏الحركة الشعريّة في الأردن، بعدما توافرت أسماء شعريّة مهمة وفدت من الشام والعراق ‏والمغرب العربي إلى الإمارة الناشئة؛ لتحقيق الحلم العربي بدولة عربية موحدة تقاوم ‏القوى الاستعمارية المتسلطة، فنقرأ أسماء شعريّة مهمة من مثل: نديم الملاح، ومحمد ‏الشريقي، وفؤاد الخطيب، وخيرالدين الزركلي، وحمزة العربي، وشكري شعشاعة، ‏وعادل أرسلان، وعبدالمحسن الكاظمي، وسعيد الكرمي، ومحمد الحوماني، ومصطفى ‏الغلاييني، إضافة إلى شعراء أردنيين، مثل مصطفى وهبي التل (عرار)، وحسني فريز، ‏وعبدالمنعم الرفاعي، وحسني زيد الكيلاني، وإبراهيم المبيضين، وعيسى الناعوري، ‏وغيرهم من الشعراء. ‏

وزاد من توهج الشعر في هذه المرحلة نبوغ الأمير عبدالله الشعري، وبلاغته المشهودة، ‏وإسهاماته الأدبية، حيث استطاع تحقيق نهضة ثقافية واضحة. ‏

لم يخرج الشعر في هذه المرحلة من قيود القصيدة الكلاسيكية، حيث الالتزام بعمود الشعر ‏العربي الذي عرفه القدماء، إذ بقي الشعر مواكبًا للبناء التقليدي للقصيدة العربية. ومن ‏المعروف أنَّ مدرسة الإحياء والبعث التي تزعَّمها محمود سامي البارودي، وأرسى ‏دعائمها أحمد شوقي وحافظ إبراهيم وخليل مطران قد سيطرت على المشهد الشعري ‏العربي آنذاك، لذلك فإنَّ أثر التيار الإحيائي في الأدب والنقد بقي ملازمًا للشعر الأردني ‏في مرحلة التأسيس (1921 ـ 1948م). ‏

إنّ تصوير الثورة العربية الكبرى ومبادئها التحررية محور واضح في شعر هذه المرحلة، ‏فضلًا عن مقاومة المستعمر، وبيان أطماع اليهود في فلسطين، وهذا جعل البعد القومي ‏ماثلًا في القصيدة الأردنية حتى يومنا هذا؛ ولا عجب فقد تأسست إمارة شرق الأردن ‏على أساس قومي، جعل المشهد الشعري في الأردن دائم التأثر بالحركات التحرريّة في ‏الوطن العربي. أمّا فلسطين، فقد احتلت مكانة خاصة في وجدان الهاشميين، فكانت حيّة ‏في ضمائر الشعراء، فما من ديوان شعري يصدر في الأردن إلا وتغنى بفلسطين ‏وبمقدساتها، ودعا إلى تحريرها من المحتلّ. ‏

أظهر الشعر الأردني في مرحلة التأسيس تأثرًا واضحًا بالحركة الشعريّة الخصبة في ‏البلاد العربية، وبخاصة في مصر وسوريا ولبنان والمهجر، فضلًا عن أثر المجلات ‏الأدبية المصرية في إحداث النهضة الفكرية وبخاصة مجلات: "المقتطف"، و"الهلال"، ثم ‏‏"الرسالة"، و"الثقافة"، حيث أصبح الشعراء الأردنيون يتابعون ما يُكتب في هذه ‏المجلات، ويدخلون في مناقشات فكرية عميقة حول ما يُنشر فيها من أشعار، لذلك ظهر ‏تأثرهم بالعقاد، والمازني، وعبدالرحمن شكري، وبعضهم تأثر بمحمود محمد شاكر، ‏وسعيد العريان، "ولم تكن تُنشر قصيدة، أو يصدر ديوان لأحد الشعراء المشهورين حتى ‏يسارعوا إلى قراءة القصيدة أو اقتناء الديوان، فيحفظوا كثيرًا منه، ويتناشدوه، وخاصة ‏شعر شوقي، وحافظ، والزهاوي، والرصافي، وإيليا أبوماضي، وبشارة الخوري، ثم عمر ‏أبوريشة، وإبراهيم ناجي، وعلي محمود طه المهندس، ومحمود حسن إسماعيل، ‏وأبوالقاسم الشابي"(1). ‏

إلى جانب ذلك ظهر التأثر بالأدب الغربي، وبخاصة أدب "إليوت"، و"شيلي"، ‏و"كولردج"، وذلك عن طريق حركة الترجمة، والقصائد الأجنبية المترجمة المنشورة في ‏المجلات الثقافية، وظهرت بصمات للسياب، ونازك الملائكة، وصلاح عبدالصبور، ‏وخليل حاوي، في استغلال الرموز التراثية، والأسطورية، واللغة الموحية، كما نجد عند ‏عبدالرحيم عمر، وفدوى طوقان، وكمال ناصر، وتيسير سبول، وخالد الساكت"(2). ‏

وجاءت وحدة الضفتين عام 1950م؛ لتكسب الشعر في الأردن طابعًا خاصًا اتّسم ‏بالنضج الفكري، ووحدة المعاناة، "فقد ارتبطت حركة الشعر الأردني بحركة الشعر ‏العربي، وعايشت طبيعة المرحلة الزاخرة بالأحداث الوطنية والسياسية، والمدّ الوطني، ‏والزهو القومي، والأماني الكبيرة، بتحقيق الوحدة العربية"(3). وظهر في هذه المرحلة ‏شعراء أبرزهم: فدوى طوقان، وثريا ملحس، وعيسى الناعوري، وأمين شنار، وكمال ‏ناصر.‏

لم يكن الشعر الأردني بمنأى عن حركة الشعر العربي الحديث في مصر، والعراق، ‏وسوريا، ولبنان، وبخاصة منذ النصف الثاني من القرن العشرين، حيث ظهرت حركة ‏الشعر الحر في العراق، فضلًا عن نشاط حركة الترجمة إلى اللغة العربية، الأمر الذي ‏أسهم في تهيئة الأمور النفسيّة، والذهنيّة لتذوُّق شكل شعري جديد مختلف عمّا عرفه ‏الشعراء في طور التأسيس، وهذا أسهم في ظهور جيل جديد من الشعراء في الأردن ‏يُؤسس لريادة واضحة للمرحلة الشعريّة الجديدة، حيث شكّل عام 1947م بداية الشعر ‏الحر في العراق؛ لتمتد بعد ذلك إلى البلاد العربية. ‏

يذهب كثير من الباحثين إلى أنَّ حركة الشعر الحُر وُلدت على يد الشاعرة العراقية نازك ‏الملائكة عندما نظمت قصيدة (الكوليرا) مع وجود آراء تذهب إلى أنَّ شعراء عرب قد ‏سبقوها إلى ذلك، منهم شاعر الأردن مصطفى وهبي التل، وهذا يعكس حداثة شعريّة ‏مبكرة شهدتها القصيدة الأردنية، وإن كانت البدايات التي سبقت شعر نازك الملائكة لم ‏تصل إلى الفاعلية الفنيّة التي شهدتها حركة الشعر الحُر في العراق. ‏

تبدأ الحداثة الشعريّة في القصيدة الأردنية بمرحلة مجلة "الأفق الجديد" (1961ـ ‏‏1966م) ونشر جيل جديد من الشعراء على صفحاتها، ممّا أسهم في إبراز وجه جديد ‏للشعر الأردني مختلف عن الجيل السابق، حيث حداثة اللغة والصورة الفنية والرؤى ‏الشعريّة، ومن أبرز شعراء هذا الجيل: تيسير سبول في (أحزان صحراوية) وعبدالرحيم ‏عمر في (أغنيات للصمت) وعزالدين المناصرة في (يا عنب الخليل) وأمين شنار، وأحمد ‏أبوعرقوب وغيرهم، حيث نلمس توظيفًا ناجحًا للأسطورة بتقنياتها الفنية الخصبة، ‏ورؤاها الفكرية العميقة. ‏

لقد حملت حركة الشعر في الأردن بعد نكسة حزيران1967م مضامين شعريّة مختلفة، ‏عبّرت عن الواقع الوطني والقومي، فنجد الدعوة إلى استنهاض الهمم، والإصرار على ‏النضال، لاسترجاع الوطن السليب، والدعوة إلى الوحدة العربية، فضلًا عن نقد الحكام، ‏والشعوب. ‏

ومن الناحية الفنيّة، أفرزت المرحلة التي أعقبت نكسة حزيران حالة من التمرُّد على ‏قواعد القصيدة التقليدية، فظهرت قصيدة التفعيلة، أعقبها قصيدة النثر، التي استطاعت أن ‏تغزو نتاج كثير من الشعراء، أمثال: محمد القيسي، وأمجد ناصر، وأمينة العدوان، ولم ‏يكتف الشعر بهذا الخروج الجريء على نمط القصيدة التقليدية، بل تبع ذلك نزوع إلى ‏تصوير الأحزان الجماعية للأمة، وتنامي حالة الاغتراب، وتراكم المعاناة الجماعية. وكان ‏من نتاج هذا التمرُّد الفني، ميل بعض الشعراء إلى القصيدة الطويلة ذات النزعة الدرامية، ‏التي تعتمد على الحوار، إذ ظهر أثر الفنون المسرحية، والدراما في الشعر(4). ‏

ويظهر المعجم اللفظي المستقى من الحدث، إذ ينبض بمضامين الشهادة، والفداء، ويحمل ‏واقع الأمة الحزين المتخم بالجراح، كما في شعر خالد محادين، وإبراهيم نصرالله، وعلي ‏الفزاع، وأحمد المصلح، وتيسير سبول، وغيرهم من الشعراء الذين تركت النكسة ‏بصماتها في أشعارهم. ‏

‏ لقد تأثر الشعراء في الأردن بما شهده العالم العربي بعد النكسة من هروب إلى الواقع، ‏وترسيخ مبدأ الالتزام في الأدب، وقد رافق ذلك نفورٌ من النموذج التقليدي، ورغبة ‏جامحة في التميّز، والاستقلال عن طابع الشعر التقليدي. ‏

وقد واكبت الحركة الشعريّة في الأردن الأحداث القومية التي عاشتها الأمة العربية بعد ‏حرب حزيران، فنجد صدى لحرب تشرين التحررية عام 1973م، والحرب اللبنانية، ‏والحرب العراقية الإيرانية 1980م، والانتفاضة الفلسطينية، فضلًا عن حربي الخليج ‏الأولى والثانية، وهذا منح الشعر في الأردن بعدًا فكريًا واضحًا، وجعله أكثر التصاقًا ‏بجسده العربي، إذ تعلو أصوات شعريّة تقطر دمًا لما حلّ بالأمة من انتكاسات، مما جعلها ‏أكثر قدرة على تصوير حالة الفقد الجماعي، وتحفيز الأمة على المقاومة، كما عند ‏الشعراء: إبراهيم نصرالله، وحيدر محمود، ومؤيد العتّيلي، ويوسف العظم، وخالد ‏محادين، ومحمود فضيل التل، ومحمود الشلبي، وعبدالله منصور، وعبدالله رضوان، ‏وسعد الدين شاهين، وراشد عيسى، وغيرهم من الشعراء الملتزمين بقضايا أمتهم(5). ‏

وقد أظهرت هذه المرحلة تأثر الشعراء الأردنيين بشعراء المقاومة الفلسطينية، وبخاصة ‏محمود درويش، وسميح القاسم، وتوفيق زيّاد، فطالبوا بالتحرير، ومواجهة الاحتلال حتى ‏تحقيق النصر.‏ ‏ ‏

لم يستطع الشعر الأردني التحرر كليًا من قيود القصيدة الكلاسيكية بقوانينها الشكليّة من ‏التزام بالوزن والقافية، والزخرف اللفظي، وهذا ما استطاعت القصيدة التحرر منه في ‏مرحلة الثمانينات حيث شهدت ازدهارًا في حركة ترجمة الشعر الأجنبي، وبخاصة ما ‏أحدثته مجلة شعر اللبنانية في ستينيات القرن الماضي من بزوغ قصيدة النثر في الوطن ‏العربي، الأمر الذي أسهم في تهيئة الأجواء لاستقبال نماذج جديدة من الشعر وبخاصة ‏قصيدة النثر التي شهدت ولادة ناجحة على الساحة الشعريّة الأردنية كما عند الشعراء: ‏محمد القيسي، وأمجد ناصر، وعزالدين المناصرة، ونادر هدى، وعمر أبوالهيجاء، ‏وغيرهم من الشعراء الأردنيين. ‏

ومع كلِّ ذلك تبقى قصيدة النثر أكثر تمثيلًا لحراك إبداعيّ جديد، يُنجز أسئلته بعيدًا عن ‏القياسات والأُطر التقليدية، ويفتح صفحة جديدة تسمح للجسد المقهور أنْ ينتج علاماته في ‏حرب ثقافيّة هي الأقسى في تاريخ الشعر العربي، فهي قصيدة ذات بنية سائلة في طبيعة ‏التعرّج، والتشعّب، فضلًا عن أنّ فضاءاتها الُلغوية، والإيقاعية مفتوحةٌ دون حدود أو ‏قيود، وهذا ما يمكّن الشاعر من التعبير عن تجارب داخلية معقدة، ومكبوتة. ‏

وعلى غرار ما حققه الشعراء العرب في المهجر، وعلى وقع أشعارهم الوجدانية يمكن ‏الحديث عن أدب أردني في المهجر؛ لتوافر عناصره من شعراء مجددين، وتجربة فكرية ‏ناضجة، وشعريّة واضحة في كثير من قصائدهم، التي تطرح قضايا إنسانية، تعكس قيمًا ‏روحية وتأملية واضحة، وتنبض بحب الوطن والشوق للاتحاد فيه منذ وقت مبكر، بعدما ‏أسس الأديب عيسى الناعوري (1918ـ 1985) لبداية قوية تعدّ حلقة وصل واضحة ‏تُعرّف المبدعين في الأردن بالأدب المهجري، وأعلامه من الأدباء العرب، فكان كتابه ‏القيِّم "أدب المهجر" عام 1959م الذي بيّن من خلاله دعائم وأعلام الأدب العربي في ‏المهجر، وكان بمنزلة الجسر الذي يربط الشعراء في الأردن بشعراء العرب في المهجر.‏

لعلّ الشاعر الأردني حسن بكر العزازي (1936ـ 1983) من أوائل الأصوات الشعريّة ‏المهاجرة إلى أوروبا (هولندا) حيث أصدر ديوانه "عيون سلمى" عام 1983م الذي ‏اشتمل على قصائد غزل جميلة بمعشوقته (عمّان)، فضلًا عن حنينه الجارف لوطنه ‏الأردن.‏

كذلك تجلّى الإبداع الشعري الأردني في المهجر من خلال أصوات مهاجرة أبدعت شعرًا ‏رومانسيًّا كما في شعر سرحان النمري، وعيسى قنصل، وعيسى بطارسة، كذلك جاءت ‏تجربة الشاعرة سلوى السعيد صوتًا إعلاميًّا وشعريًّا متميّزًا في هذا الاتجاه. وقد أظهر ‏الشعراء الأردنيون في المهجر تأثرًا واضحًا بشعر المهجر العربي، وبخاصة شعر ‏الرابطة القلميّة التي أسسها جبران خليل جبران، وضمّت أعلامًا من الشعراء العرب، مثل ‏مخائيل نعيمة، وإيليا أبوماضي، ونسيب عريضة، وغيرهم من الشعراء المهجريين، حيث ‏برز في أشعارهم الحنين الرومانسي، والانصهار بالطبيعة بوصفها روحًا خالدة. ‏

وفي بداية التسعينات من القرن الماضي برزت جماعة (أجراس) الشعريّة مواكبة لإيقاع ‏الحياة الجديدة، وما أحدثته من تطورات جذريّة وعميقة في المفردة، والصورة الشعرية ‏والموسيقى؛ وهي أصوات شعريّة دعت إلى التجديد بعدما تعمّقت ثقافتها الأدبية، وتكوَّنت ‏في البداية من خمسة شعراء هم: باسل رفايعة، ومحمد العامري، وعلي العامري، وغازي ‏الذيبة، ومحمد عبيدالله، ثم ما لبثت أن توسّعت لتشمل شعراء آخرين. ‏

‏ أمّا حركة (شعراء نيسان) فقد تأسست قبل ما يقارب عامين من ثلاثة شعراء تجمعهم ‏تجربة قصيدة النثر أولًا، والرغبة في التجديد الشعري ثانيًا، وهم: سلطان الزغول، ‏ومهدي نصير، ونضال القاسم الذين مضوا في مشروعهم التجديدي غير آبهين بالانتقادات ‏الموجَّهة له، فأصدروا ثلاث مجموعات شعريّة: "حِضنُ الأفول" للشاعر سلطان ‏الزغول، و"امرأة حجرية" للشاعر مهدي نصير، و"أحزان الفصول الأربعة" للشاعر ‏نضال القاسم. ‏

لقد واكبت الحركة الشعريّة المعاصرة في الأردن التغيّرات التي طرأت على البناء ‏العضوي للقصيدة العربية من ناحية الشكل والمضمون، وما أحدثته الثورة التكنولوجية ‏المعاصرة من حالات ومواقف جديدة في التعبير الشعري. ‏

ويبقى تفاعل الشعراء في الأردن مع نماذج من الشعر العالمي شاهدًا على ثقافة الشعراء، ‏وقدرتهم على التعبير الشعري بدلالته الواسعة، وعوالمه المدهشة، وذلك استنادًا إلى اللغة ‏الإنسانية المشتركة التي لا تغادر نطاقها القومي، إنما تُضيف إليه ملامح فنية مشتركة، ‏كما في شعر عزالدين المناصرة الذي يُظهر تأثرًا واضحًا بالشاعر الإنجليزي ت. س. ‏إليوت، والشاعر الأمريكي روبرت فروست، والشاعر الإسباني لوركا. ‏

إنّ الشعر الأردني في مئوية الدولة الأولى خضع لمؤثرات أيديولوجية متعددة، تنطلق من ‏وحدة الأمة العربية، ومقاومتها للمستعمر، فضلًا عن التمسك بأصالة التراث الحضاري ‏بوصفه أهم أسلحة المقاومة، والنهوض الشامل.‏

ولا يعني امتلاك الشعراء في الأردن لأدوات الحداثة الشعريّة انسلاخهم عن القصيدة ‏العمودية، إذ راوح كثير من الشعراء بين القصيدتين: العمودية، والتفعيلة، كما عند ‏الشعراء: حيدر محمود، وعبدالرحيم عمر، وحكمت العتّيلي، وخالد محادين، وعبدالله ‏منصور، وغيرهم من الشعراء. ‏

 

الهوامش:‏

‏1 ـ ناصرالدين الأسد، محاضرات في الشعر الحديث في فلسطين والأردن، جامعة الدول العربية، ‏معهد الدراسات العربية العالمية، القاهرة، 1961، ص74ـ75. ‏

‏2 ـ ينظر: سمير قطامي، الحركة الأدبية في الأردن (1948ـ 1967)، ط1، منشورات وزارة ‏الثقافة، عمّان، 1989م، ص77ـ78. ‏

‏3 ـ محمد عطيات: الحركة الشعريّة في الأردن (تطورها ومضامينها 1921- 1967م)، ط1، ‏منشورات لجنة تاريخ الأردن، 1999، ص60. ‏

‏4 ـ انظر: سمير قطامي وآخرون، الشعر في الأردن، وموقعه من حركة الشعر العربي، أوراق ‏ملتقى عمّان الثقافي الخامس، ط1، وزارة الثقافة، عمّان، 2001، بحث بعنوان: تطور القصيدة ‏الأردنية بين 1967- 1980، ص57 وما بعدها. ‏

‏5 ـ انظر: سمير قطامي وآخرون، الشعر في الأردن وموقعه من حركة الشعر العربي، بحث ‏لطارق المجالي بعنوان: الهم القومي في القصيدة الأردنية المعاصرة (1967- 1991)، ‏ص105 وما بعدها. ‏