البُنية الإيقاعيّة في شعر تيسير السبول

د. راشد عيسى ‏

شاعر وأكاديمي أردني

 

 

يلاحِظ الدّارس للبنية الإيقاعيّة في ديوان "أحزان صحراويّة"، وفي ترجمة السبول لرباعيّات ‏الخيّام، تكرار استخدام "فاعلاتن"، فكانت أوفر التفاعيل حضورًا في شعره. ويرى كاتب هذه ‏الدراسة أنه لا يمكن الجزم حول سبب تفضيل السبول لهذه التفعيلة، لكنه يرجِّح أنَّ الوحدات ‏النغميّة التي شكّلها استخدام "فاعلاتن" في شعر السبول ربّما تكون سببًا في تفضيله لها، كما يرى ‏أنَّ "فاعلاتن" كانت وسيطًا ملائمًا لنفثات التأسّي والحزن عند السبول الذي كان أبرز شاعر ‏أردني اندغم بالهمّ الوطني الإنساني والقلق الوجودي الذي واكب هموم القضيّة الفلسطينيّة وقضايا ‏الجراح القوميّة الساخنة.‏

 

من الواضح أنَّ الشعر في الأردن منذ بداية نباته كان متجاوبًا مع أصداء القصيدة العربية في ‏العراق وسوريا ومصر، وباستثناء صوت عرار المتفرد ظهر أغلب الشعراء في بلاط الملك ‏المؤسس مقلدين لاتجاهات الشعر وأشكاله السائدة في الأربعينات والخمسينات.‏

وقد أثبت الباحثون أنَّ (عرار) كتب عددًا من القصائد وفق شعر التفعيلة لكن لم يكتب لها الذيوع ‏بسبب التماعات أسلوبه الساخر، الناقد، الشجاع في توظيف العبارة المحكيّة المؤثرة في وجدان ‏المتلقي..‏

بعد نكسة حزيران اتَّجه الشعر في الأردن إلى الاشتباك مع هموم القضية الفلسطينية وقضايا ‏الجراح القومية الساخنة. وأحسب أنَّ تيسير سبول كان أبرز شاعر أردني اندغم بالهمّ الوطني ‏الإنساني والقلق الوجودي الذي واكب تلك المرحلة الجريحة. ‏

ولمّا كان السياب ونازك والبياتي وصلاح عبدالصبور وأحمد حجازي وأدونيس وخليل حاوي ‏ونزار قباني ومحمود درويش قد قطعوا شوطًا عريضًا في نقل المعمار الشعري من كلاسيكيّته ‏البنائية النمطية إلى حداثته البنائية وفق موسيقى شعر التفعيلة، فإنَّ تيسير سبول لحق بهذه الحداثة ‏وسجّل إضافة فنية ناجحة. فهو كاتب رواية عرفناه من خلال روايته الوحيدة (أنت منذ اليوم) ‏التي فازت بجائزة لبنانية مرموقة آنذاك. وهو إعلامي يُعِدّ ويقدّم برامج إذاعية قبل رحيله. ‏وبسبب فوزه عمَّت شهرته روائيًا على حساب أحقيّة شعريّته بالالتماع.‏

عُرف عن تيسير انتماؤه القويّ إلى عروبته وقضايا أمته، وقد قادته حساسيته الشديدة إلى اليأس ‏الذي أدّى به إلى الانتحار.‏

لتيسير ديوان شعري واحد اسمه "أحزان صحراوية"، طُبع في كتاب ضمَّ أيضًا روايته الوحيدة ‏‏"أنت منذ اليوم"(1).‏

‏"فاعلاتن" في شعر تيسير السبول ‏

يبدو أنَّ الموهبة الشعرية لدى تيسير انبجست وهو في العشرينات من عمره؛ فثمّة قصائد عديدة ‏تعود تواريخ كتابتها ما بين 1960-1968 وهي أغلب قصائده عدا ثلاثًا كتبهنّ في 1973م. ‏وذلك يتوافق مع ما قالته زوجته في مقدمة الأعمال من أنه بعد هزيمة حزيران أعلن موت الشعر ‏وعكف على كتابة روايته "أنت منذ اليوم"(2).‏

في ديوانه الوحيد "أحزان صحراوية" 38 قصيدة مكتوبة على نظام التفعيلة، عدا الأبيات التي ‏ترجمها من رباعيّات الخيام، فجاءت وفق شعر الشطرين على غرار ترجمة أحمد رامي وأحمد ‏صافي النجفي وقد تمّت الترجمة عام 1973م.‏

نستنتج من ذلك أنه وعى معمار قصيدة التفعيلة على النحو الذي سلكه روّادها ولاسيّما السياب.‏

وهذا جدول بأسماء القصائد وتفعيلاتها:‏

 

التفعيلـــــة المسـتخـدمـــة عنــوان القــصــيــدة ‏ الرقـم

فاعلاتن مرحبا ‏1‏

فعولن شتاء لا يرحل ‏2‏

فاعلاتن لحظات من خشب ‏3‏

فاعلاتن المستحيل ‏4‏

مستفعلن من مغترب ‏5‏

فاعلاتن المهجورون ‏6‏

فاعلاتن

أشباح الرجال ‏7‏

فاعلاتن ملاح ‏8‏

الخبب ثلاث أغنيات للضياع ‏9‏

فاعلاتن الشواطئ الأخيرة ‏10‏

مستفعلن قطعة قلب للبراءة ‏11‏

الخبب رعب ‏12‏

فعولن لو ‏13‏

فاعلاتن أحزان صحراوية ‏14‏

فاعلاتن غجرية ‏15‏

 

فاعلاتن عودة إلى الرفاق المتعبين ‏16‏

الخبب النسر الغائب ‏17‏

فاعلاتن العقد المفروط ‏18‏

مستفعلن نيسان وحكمة الجدار ‏19‏

فاعلاتن كلمات ثقيلة ‏20‏

الخبب عصفورة قلبي ‏21‏

مستفعلن حلولية ‏22‏

فاعلاتن العجاج ‏23‏

فاعلاتن ما لم يُنقل عن شهرزاد ‏24‏

متفاعلن قرارة موشح أندلسي ‏ ‏25‏

فاعلاتن أحزان صحراوية2‏ ‏26‏

فاعلاتن عودة الشيخ ‏27‏

مستفعلن شهرة التراب ‏28‏

فاعلاتن أحزان صحراوية3‏ ‏29‏

فاعلاتن مرثية الشيخ ‏30‏

فاعلاتن بلا عنوان1‏ ‏31‏

‎متفاعلن مرثية القافلة الأولى ‏32‏

فاعلاتن الأسرار ‏33‏

فعولن الحلم ‏34‏

فاعلاتن السؤال ‏35‏

فعولن بلا عنوان2‏ ‏36‏

فاعلاتن الرحلة ‏37‏

 

يرينا الجدول أنَّ "فاعلاتن" مستخدمة 22 مرَّة، و"فعولن" 4 مرّات، و"مستفعلن" 5 مرّات، ‏والخبب (فعِلن، فعْلن) 4 مرّات، و"متفاعلن" مرتين. أي أنه استخدم خمس تفاعيل من التفاعيل ‏الأصلية الثمانية المعروفة في علم العروض العربي باعتبار (فعِلن، فعْلن) متحورتين عن ‏‏"فاعلن". وبذلك تكون "فاعلاتن" التي تكرّر استخدامها إلى أكثر من نصف العدد الكلي للتفاعيل ‏المستخدمة أوفر التفاعيل حضورًا في شعر تيسير.‏

لا يستطيع باحث أن يطمئن إلى سبب واحد يجعل شاعرًا يستخدم تفعيلة أو بحرًا في شعره ‏بصورة أوفر من غيرها، وقد واجهتُ هذه المسألة في أثناء دراستي لحضور متفاعلن في شعر ‏محمود درويش حضورًا طاغيًا لكني اجتهدتُ في تفسير ذلك وأرجعتُه إلى المرونة الموسيقية ‏العجيبة الغنية في هذه التفعيلة.‏

ليس بالمستطاع الجزم مثلًا بأن "فاعلاتن" محببة سائغة للذائقة الموسيقية عند سبول، فالتفاعيل ‏الأخرى المستخدمة سائغة أيضًا، ولكن بالإمكان تحرّي السبب عندما نستعرض الفاعلية ‏الموسيقية لـِ"فاعلاتن" في الدرس العروضي.‏

‏"فاعلاتن" في الدرس العروضي

تأتي "فاعلاتن" ثلاث مرّات متتالية في بحر الرمل (فاعلاتن، فاعلاتن، فاعلاتن) ومرَّتين في ‏بحر المديد أولى وثالثة وبينهما فاعلن (فاعلاتن، فاعلن، فاعلاتن) ومرَّتين في بحر الخفيف ‏تتوسطهما مستفعلن (فاعلاتن، مستفعلن، فاعلاتن) ومرَّة بعد مفاعيلن في بحر المضارع ‏‏(مفاعيلن، فاعلاتن)، ومرَّة قبل مستفعلن في بحر المقتضب (فاعلاتن، مستفعلن). ومرَّة بعد ‏مستفعلن في بحر المجتث (مستفعلن، فاعلاتن). وبالضرورة فإنَّ "فاعلاتن" تحضر أيضًا في ‏مجزوءات بحور الرمل والخفيف والمديد.‏

أمّا تحوُّلاتها (صورها) فهي:‏

فاعلاتن ــ ب ــ ــ

فعِلاتن ب ب ــ ــ

فاعِلاتْ ــ ب ــْ

فاعِليّانْ ــ ب ــ ــْ

فعْلاتن أو فالاتن ــ ــ ــ

ومن بعض صورها أيضًا فاعلاتُ ــ ب ــ ب وهي نادرة غير مستحبة(3).‏

أمّا "فاعلاتن" في ديوان "أحزان صحراوية" الذي يضم جميع قصائد السبول، فقد أقام بها ‏الشاعر 22 قصيدة؛ أي بما يزيد على نصف العدد الإجمالي لقصائد الديوان، ولا أحسب أنَّ ثمة ‏سببًا واضحًا لذلك سوى أنَّ لكل شاعر ما يستهويه من الوحدات النغميّة في موسيقى الشعر، أو ما ‏يفضّله وينسجم مع ذائقته من البحور. وبالرغم من ذلك لاحظتُ أنَّ "فاعلاتن" في شعر السبول ‏وسيط ملائم لنفثات التأسي والحزن عند الشاعر قريبًا جدًا مع فيوض التحسُّر في قصيدة الأطلال ‏لإبراهيم ناجي، وتلك التي بُنيت على بحر الرمل بمداميك ثلاثيّة من "فاعلاتن". كأني أريد القول ‏إنَّ "فاعلاتن" توفر للشاعر قسطًا أكبر من غنائيّة الحزن وترانيم الأسى على غرار لحن قصيدة ‏‏(جادك الغيث إذا الغيث همى/ يا زمان الوصل بالأندلسِ) غناء فيروز.‏

وهذه أبرز التنويعات الموسيقيّة التي شكّلها استخدام "فاعلاتن" في شعر السبول:‏

أولًا: التوازي في بحر الرمل في شعر الشطرين

أ‌-‏ التفعيلات الثلاث لبحر الرمل السالم

ما الذي نخسر إنْ نحن التقينا(4)‏

فاعلاتن/ فعِلاتن/ فاعلاتن

ب‌-‏ ‏ تفعيلتان في نصف الشطر، مجزوء بحر الرمل ليصير البيت أربع تفعيلات:‏

لا وعمق السِّرّ في عينيكِ ما كان غراما

فاعلاتن/ فاعلاتن/ فاعلاتن/ فعِلاتن

وانكفاءاتي ونزْفـي وأناشـــيدي اليتامى(5)‏

فاعلاتن/ فاعلاتن/ فعِلاتن/ فاعلاتن

ومثل هذا النمط من البناء الموسيقي في الشعر سائد متداول على غرار قول إيليا أبوماضي في ‏القصيدة التي يغنيها عبدالحليم حافظ:‏

جئتُ لا أعلم من أين ولكنــي أتيتُ

ولقد أبصرتُ قدّامي طريقًا فمشيتُ

أو قول الهادي آدم في قصيدة أغدًا ألقاك التي تغنيها أمّ كلثوم:‏

آهِ كم أخشى غدي هذا وأرجوه اقترابا

كنت أستدنيــــهِ لكنْ هِبتُـــــهُ لمّا أهابا

واستخدام تفعيلتين في كل شطر معروف وشائع في الأناشيد:‏

يا بلادي يا بلادي/ أنتِ حبي وفؤادي

ثانيًا: ثلاث تفعيلات في السطر الواحد (من غير توازٍ مع بحر الرمل في وحدة القافية):‏

كان إحساسًا عميقًا لا يُسمّى ‏

فاعلاتن/ فاعلاتن/ فاعلاتن

ثالثًا: تفعيلتان في السطر الواحد (من غير توازٍ مع مجزوء الرمل في وحدة القافية):‏

كلمــا أحســســتُ أني

فاعلاتن/ فاعلاتن

بعضُ دفء الآخرين(6)‏

فاعلاتن/ فاعلاتن

رابعًا: تفعيلة واحدة في السطر:‏

غجريّةْ

فاعلاتن

أمطريني(7)‏

فاعلاتن

خامسًا: التدرُّج من تفعيلة واحدة إلى خمس تفعيلات:‏

كنتُ أدري

فاعلاتن

رحلةٌ أمعِنُ فيها خلفَ سرٍّ

فاعلاتن/ فعِلاتن/ فاعلاتن

هو في أعماقِ عينيكِ ولن يصطادَ هذا السرَّ غيري(8)‏

فعِلاتن/ فاعلاتن/ فعِلاتن/ فاعلاتن/ فاعلاتن ‏

سادسًا: استخدام "فاعلن" و"فعِلن" و"فاعلان" و"فعِلانْ" في نهايات الأسطر:‏

أ‌-‏ فاعلن

واهتفوا(9)‏

فاعلن

ب‌-‏ ‏ فعِلن

المسا يمطر حبًّا وأسى

فاعلاتن/ فعِلاتن/ فعِلن

‏  ج- فاعلانْ

دمعتان(10)‏

فاعلانْ

‏  د- فعِلانْ

لمَ أسْرتْ بي حكاياكِ إلى أمس دفينْ(11)‏

فعِلاتن/ فاعلاتن/ فعِلاتن/ فعِلانْ

سابعًا: تناوب "فاعلاتن" مع "متفاعلن":‏

تحققت هذه الظاهرة في قصيدة (قرارة موشَّح أندلسي)، ففي منتصف القصيدة القائمة على ‏متفاعلن انتقل الشاعر إلى تفعيلة فاعلاتن:‏

يأتيكَ حامِلُها يُغنيكَ الرجـاءُ

متْفاعلن/ متَفاعلن/ متْفاعلن/ مُ

وأنتِ صامتــــةٌ عصيّــــــةْ

تفاعلن/ متفاعلان

ترقصُ الشامُ على قلبي نُســيمات خفايا

فاعلاتن/ فعِلاتن/ فاعلاتن/ فاعلاتن

‏-آه ما أحنى- فحتى الميْت تعطيه شغافا

فاعلاتن/ فاعلاتن/ فاعلاتن/ فعِلاتن

وبعد سبعة أسطر من السطرين السابقين نجد الشاعر عاد إلى متفاعلن

الراقصة المجزوءة:‏

ويطوفُ ساقينـا ‏

متفاعلن/ مُتْفا

كأسًا تلي كأسا

متْفاعلن/ مُتْفا

إلى "وهْم ولو حينا" ثم يعود إلى فاعلاتن:‏

بَردى في العين صبحًا ومساءْ

فعِلاتن/ فاعلاتن/ فعِلانْ

أتوقع أنَّ سبب هذا التشكيل الذي يقوم على تناوب متفاعلن مع فاعلاتن هو أنَّ جوهر القصيدة ‏يتّجه إلى الاحتفاء بالروح العربية الأندلسية التي تمثلها الموشحات القائمة في أغلبها على فاعلاتن ‏في بحر الرمل، ودليل ذلك أنَّ الشاعر ضمّن آخر القصيدة بموشح معروف:‏

ونديمٍ همتُ في رفقتــــــه

وبشُـرْب الراحِ من راحتهِ

كلما اســـــتيقظ من غفوتِهِ

جذب الـزّقَّ إليـــه واتكـــا ‏

وهي أبيات تمثل حالة النشوة والازدهار الانفعالي المنحاز للغنائية الأندلسية، وفي الوقت نفسه ‏يوحي إلى تأثر الحياة الأندلسية ولاسيّما جماليات أبنيتها وقبابها بما هو في الشام، وبخاصة في ‏الصفحة الأولى من القصيدة(12).‏

ثامنًا: كان تيسير السبول يقسّم بعض قصائده إلى مقاطع، كل مقطع مستقل برقم، ثم يقيم بعض ‏المقاطع على تفعيلة مختلفة عن التفعيلة الرئيسة في المقاطع الأخرى، على نحو قصيدته (مرثية ‏الشيخ) التي تكونت من ستة مقاطع، فجعل المقطع الرابع قائمًا وفق تفعيلة (مستفعلن) والمقطع ‏السادس وفق تفعيلة (فاعلن) وتداخلها مع (فعولن).‏

ويتراءى لي أنه كان يفعل ذلك استجابة لأمواج انفعاله وتحوّلات فكرته. ولا شكَّ أنَّ هذا السلوك ‏الفني ظاهرة شجاعة تنسجم وحجم الحرية البنائية في القصيدة المتَفْعلة التي تمنح الشاعر فضاء ‏أوسع في التعبير عن رؤاه عبر تعدُّد الأوزان وتعدُّد القوافي ليناسب هذا التعدُّد مستجدات الفكرة ‏الشعرية.‏

تاسعًا: حاول تيسير ترجمة قسم من رباعيات الخيام بلغ (35) رباعية وكان عرار قد سبقه إلى ‏مثل هذه المحاولة فترجم مجموعة من الرباعيات نثرًا(13).‏

في حين كانت ترجمة تيسير قائمة على مجزوء بحر الرمل الذي تتكرر فيه "فاعلاتن" مرتين في ‏كل شطر، لكنه لم يعتمد تحديد كل شطر إنّما جعل التفعيلتين متداخلتين في السَّطر على الأغلب:‏

لحظةٌ لا غير لاحت في قفار العدميـةْ

لحظةٌ لا غير في الحلق مذاقُ الحيوية

وأحيانًا تتضح أواخر التفعيلتين دون تداخل:‏

يا أخـي حين نُـــوارى

يُسْدِلُ الموتُ الحـجابْ

مَـن يبـالـي بحضــــورٍ

نحنُ منــه أو غيـــابْ(14).‏

ومن المعلوم أنَّ رباعيات الخيام تُرجِمت عشرات المرات بدءًا من مترجمها الشهير الأوَّل "فيتز ‏جيرالد" تواصلًا مع أحمد الصافي النجفي التي ترجمها مستخدمًا بحر الخفيف، وأحمد رامي الذي ‏استخدم في ترجمته بحر السريع؛ فاشتهرت الرباعيات عربيًا بسبب تحويلها إلى أغنية من ألحان ‏رياض السنباطي وغناء أم كلثوم.‏

ولعلَّ ترجمة سبول للرباعيات وفق ثنائية "فاعلاتن" ترينا مدى تعلُّقه بهذه التفعيلة التي حازت ‏النصيب الأكبر في الحضور في شعره وفق كيفيات معمارية متعددة.‏

عاشرًا: التدوير. اتَّخذ التدوير في شعر تيسير مفاصل هندسية متباينة منها:‏

أ‌-‏ إبقاء المقطع القصير الأول من التفعيلة في السطر وتكملة المقاطع الأخرى من التفعيلة في ‏بداية السطر الثاني:‏

وَحَبَبْناكِ ‏

فعِلاتن/ فَ

حَبَبْناكِ كثيرا(15)‏

عِلاتن/ فعِلاتن

ب‌-‏ ‏ إبقاء المقطعين الأول والثاني في آخر السطر وتكملة التفعيلة في السطر الذي يليه:‏

فأرى الطوفانَ

فعِلاتن/ فاعِ

يجتاحُ الجزيرة(16)‏

لاتن/ فاعلاتن

ت‌-‏ ‏ إبقاء المقاطع الثلاثة الأولى في آخر السطر وتكملة التفعيلة في السطر الذي يليه:‏

فَلْنَقُلْ

فاعِلا

داختْ أخيرًا(17)‏

تن/ فاعلاتن

ث‌-‏ ‏ التدوير السيميائي (في متفاعلن)‏

استخدم السبول التدوير السيميائي العمودي الذي يقدّم صورة نفسية متحركة شفافة، بحيث تكون ‏العين المبصرة واسطة للإحساس بالمشهد، على غرار هذا المقطع الذي تتوزع الكلمات فيه ‏عموديًا بهيئة تناسب كلمة (العمدان) فتحققت وحدة الشعور والبصر:‏

يتسلَّقُ العمدان ملهوفَ الحنينْ(18)‏

مُتَفاعلن/ متْفاعلن/ متْفاعلن

ويشفُّ

مُتَفاعِ

يقطرُ

لن/ مُتَ

والِهًا

فاعلن

عذْبًا

مُتْفا

حزينْ

علنْ

ففي هذا التدوير صورة نفسية للصورة البصرية، واجتماع الصورتين يؤلف لقطة سينمائية تجسد ‏الانفعال الحركي في تسلُّق العمدان بلهفة الحنين.‏

ولعلَّ السياب في قصيدته "أنشودة المطر" أبرز مَن قدَّم التفعيلة مجزّأة بشكل عمودي في:‏

مطرْ

مطرْ

مطرْ

فكانت الأولى "مُتَفْ" والثانية "عِلُنْ" والثالثة "مُتَفْ" (نصف مُتَفعلن) التي سادت في نهايات ‏أغلب الأسطر.‏

 

 

المراجع والهوامش:‏

‏1-‏ تيسير السبول، الأعمال الكاملة، عمّان، وزارة الثقافة، دار أزمنة، ط2، 1998.‏

‏2-‏ المرجع نفسه، المقدمة، ص8.‏

‏3-‏ لمزيد من التفاصيل والأمثلة ينظر كتاب الوافي في العروض والقوافي، الخطيب التبريزي، تحقيق ‏فخر الدين قباوة، دار الفكر، سوريا، ط4، 1986، ففي هذا الكتاب أمثلة لجميع زحافات فاعلاتن ‏في بحورها.‏

‏4-‏ الأعمال الكاملة، أحزان صحراوية، مرجع سابق، ص103.‏

‏5-‏ المرجع نفسه، ص109.‏

‏6-‏ المرجع نفسه، ص134.‏

‏7-‏ المرجع نفسه، ص135.‏

‏8-‏ المرجع نفسه، ص118.‏

‏9-‏ المرجع نفسه، ص170.‏

‏10-‏ المرجع نفسه، ص144.‏

‏11-‏ المرجع نفسه، ص151.‏

‏12-‏ المرجع نفسه، ص165-167.‏

‏13-‏ اعتمادًا على نص تركي وآخر فارسي وأعاد الترجمة عام 1925م. انظر: زياد الزعبي، ‏مصطفى وهبي التل، مجموعة أبحاث، المؤسسة العربية للنشر، وزارة الثقافة، عمّان، مؤسسة ‏شومان، ط1 ،2002، ص34.‏

‏14-‏ المرجع نفسه، ص199-209.‏

‏15-‏ المرجع نفسه، ص162.‏

‏16-‏ المرجع نفسه، ص174.‏

‏17-‏ المرجع نفسه، ص178.‏

‏18-‏ المرجع نفسه، ص165.‏