جماليّات قصر عمرة

محمد محمود فايد

باحث في الثقافة الشعبية والفنون وعلم النفس- مصر

 

لم يقتصر الغَرَض من تشييد القصور الصحراويّة عند الأمويّين على نشدان الهدوء ‏والرّاحة، وممارسة الصَّيد، بل كانت تلك القصور متعدِّدة الوظائف ومنها تعزيز ‏السلطة والاقتصاد. ولا تزال القصور الأمويّة في بلاد الشام، ومنها قصر عمرة في ‏الأردن، تقدِّم ثبتًا لشخصيّة معماريّة وطرز أصيلة كانت سائدة منذ القدم ثم انتشرت، ‏وانتقلت وترسَّخت تأثيراتها خارج بلاد الشام، فيشتهر قصر عمرة بقبّته الرائعة، ‏وزخارفه الجميلة، ورسومه المشغولة بطريقة فن الفريسكو الإيطالي.‏

 

انبثقت العمارة الإسلامية عن مجموعة كبيرة ومعقدة من الأشكال المعمارية السابقة ‏عليها والمعاصرة لها، مثل الفارسية والبيزنطية، فقد كان من الطبيعي، أن تتأثر ‏بغيرها طالما أنَّ الفنون التشكيلية -ومنها فنّ العمارة- يجمعها في معظم الحضارات ‏كثير من السمات والملامح المشتركة باعتبارها فنونًا عالميّة مشتركة لا تحدّها حدود ‏لغويّة، حيث تنتقل وتسافر معطياتها وآثارها الفنيّة من بلد إلى آخر بأكثر من طريقة. ‏

قبل العصر الأموي، كانت مفاهيم عمارة القصور لم تزل في مرحلة النشوء ‏والارتقاء، ممّا أدّى لاستعارة بعض النماذج المعمارية الخاصة بالحضارات المجاورة ‏في المنطقة الغنية بالتراث المعماري القديم في بلاد الشام. حيث أدّى الاحتكاك ‏والاتصال المباشر مع الحضارات المجاورة من جهة، وازدياد الموارد الاقتصادية من ‏جهة أخرى، إلى الرّخاء، وانعكس ذلك بوضوح على عمارة القصور الأموية. ‏

وعلى الرّغم من أنَّ الجزيرة العربية "لم تكن ذات تنوُّع واختلاف في الشعوب ‏والحضارات، إلّا أنَّ الشام كانت متعددة الحضارات. ولمّا كان الأمويون هم الحكام، ‏فقد رغبوا في الترف والفخامة، مجاراةً للموجود. لذا، لم يكن من الغريب أن تنشأ ‏أوائل نماذج القصور الإسلامية في بلاد الشام ثم العراق، باعتبارهما منطقتين ‏متميزتين بوجود حضارات عريقة ذات سمات متطورة في مفاهيم الملكية وعمارة ‏القصور"(1).

ولم يكن الغرض من تشييد القصور الصحراوية، مجرَّد الترفيه، بل كانت متعددة ‏الوظائف التي فرضتها طبيعة تكوين الدولة الأموية الوليدة، مثل: تعزيز مفهوم السلطة ‏والاقتصاد. ولقد "وضع الأب لامنس، وهيرزفيلد قائمة بدور الأمويين الصحراوية، ‏كما عدَّد سوفاجيه ثلاثين قصرًا، تقوم وفق مخطط متشابه وشكل معماري موحَّد يقوم ‏على مبدأ السور المحيط والصحن الداخلي الذي تشرف عليه أروقة تعقبها غرف في ‏طابق أو طابقين، وتأخذ الأسوار الخارجية طابعًا حصينًا بعيدًا عن الفتحات ‏والزخارف، فزوِّدت بالأبراج التي دعمتها من جهة، وأظهرت البناء بمظهر المنعة ‏والقوة من جهة أخرى(2).

 

وعلى الرغم من أنَّ بعض الآراء تعتبر العمارة الأموية قد تأثرت بالمناذرة وغيرهم، ‏إلا أنَّ د.عفيف بهنسي يخلص إلى أنَّ "العمارة الأموية فن أصيل نشأ عن تقاليد الحياة ‏العربية، ووفق الظروف المناخية القاسية وبالمواد المتاحة المنسجمة مع هذه الظروف ‏والتقاليد، واستعان متفنِّنا في عمارته بما انتقاه من تقاليد زخرفية ومعمارية شائعة، ‏رومانية أو ساسانية أو بيزنطية. بل من الصواب أن نلاحظ أنَّ الفن الهلنستي وخاصة ‏الفنون التي اشتقت عنه، قد أخذت قسمًا من خصائصها من الشرق وتشرَّبت بالتقاليد ‏الشرقية والعربية". ‏

من ناحية أخرى، لم يُقم الخلفاء الأمويون في دمشق بشكل متواصل، بل أقاموا في ‏قصور شيّدوها على تخوم البادية بالقرب من الأراضي الزراعية، نظرًا لعدم ألفتهم ‏التامة لحياة المدينة التي تأثرت بالحضريّة السالفة، والزحام المُرهق، وتوالي الأوبئة ‏والأمراض على دمشق، والرغبة في التقرُّب من أهل البادية لكسب تأييدهم؛ فسعى ‏الخلفاء إلى الهدوء والراحة في الأماكن الخلوية، حيث كانوا يمارسون الصيد ثم ‏يلجأون إلى قصور ظليلة يستجمّون فيها. لذلك، لم تكن المنشآت الأموية في البادية ‏على مستوى واحد من الاكتمال. فكانت في البداية على شكل سرادق، ثم تطوّرت ‏لتضمَّ حمّامًا ومسجدًا. ولم تلبث –أحيانًا- أن توسَّعت لتضمّ قصرًا يليق بالخليفة. ‏استتبع ذلك، استغلال الماء في الاستحمام، والزراعة، وإنشاء الأقنية. ومن خلال هذه ‏القصور، برزت أسس الفن والعمارة التي أقامها الأمويون لتصبح نواة الشخصية ‏العربية في عمارات وفنون المستقبل. ‏

ولم تزل القصور الأموية في بلاد الشام كالمشتى، والحير، وخربة المفجر، وعنجر، ‏وأسيس، والطوبة، والمنية، والموقر، وعمرة، تقدِّم ثبتًا لشخصية معمارية وطرز ‏أصيلة كانت سائدة منذ القدم ثم انتشرت، وانتقلت وترسَّخت تأثيراتها خارج بلاد الشام ‏وخاصة باتجاه المغرب العربي والأندلس. ولعلَّ من أهم هذه التأثيرات: المخطط ‏المستطيل لمبنى مكوَّن من طابق أو طابقين، يضمّ مجموعة من القاعات التي تتجمَّع ‏حول فناء مربَّع مركزي يحتلّه غالبًا رواق يلتفّ على جميع جوانب الفناء بحيث تنفتح ‏عليه الغرف مباشرة، حيث تخلو الجدران الخارجية من النوافذ بالطابق الأرضي. ‏فضلًا عن انفتاح قبوات بارزة من الخارج في صدر القاعات العريضة، وامتياز ‏الأسوار بأبراج جانبيّة. ‏

فضلًا عمّا شكّلته هذه القصور البعيدة عن مراكز المدن، من فضاءات فنيّة. فكانت ‏الأفضل للاستجمام والراحة، بل وشكّلت هاجسًا وحلمًا بالنسبة لطبقة السلطة. لذلك، ‏شهدت الكثير من مظاهر الثراء الجماليّ.‏

 

‏*القصر الذهبيّ

تفاعل الأردن بمؤسساته ووزاراته المختلفة لتهيئة وتوفير البنية التحتية للاستثمار، ‏بهدف اجتذاب رؤوس الأموال لمشروعات السياحة التراثيّة والصحراويّة، وذلك ضمن ‏ما أطلق عليه الخبراء العالميون "المثلث الذهبي" ‏Golden Triangle‏ للسياحة ‏الأردنية. ليأتي "قصر عمرة" ضمن مناطق هذا المثلث الغنيّ بمزارات السياحة ‏التراثية (بعض المصادر تطلق عليه "قصير عمرة"، وسوف نستخدم هذه التسمية حين ‏ترد في المصدر الأصلي المقتبس عنه).‏

أنشأه الوليد بن عبدالملك (705- 715م) واكتشفه فريق من علماء الآثار برئاسة ‏الرحالة والباحث النمساوي "ألوي ميوزيل" عام 1898م الذي كتب عنه، ثم قام ‏بترميمه علماء من المتحف الوطني الإسباني. ويُعتبر قصر عمرة واحدًا من أهم نماذج ‏الفن العربي الإسلامي المبكر والهندسة المعمارية، والأكثر شهرة بين القلاع ‏الصحراويّة الواقعة شرقيّ الأردن في محافظة الزرقاء، حيث يبعد حوالي 85 كم من ‏العاصمة عمّان، ويقع في أرض صحراوية منبسطة، ودون عوائق بصريّة حول ‏القصر تؤدّي إلى تجزئة البناء أو فصله بصريًّا، ممّا يجعل رؤيته ممكنة من الجهات ‏الأربع. وقد شُيِّد بمحاذاة وادي البطم. ‏

ولصغر تكوينه المعماري نسبيًّا بالقياس لباقي القصور، سمّي "قصير عمرة". ويُقال ‏إنه استُخدم كمقر لاستجمام أمراء بني أميّة خلال رحلات الصيد. ويُقال أيضًا إنه ‏ينتمي، وظيفيًّا، إلى القصور الصغيرة التي أُنشأت بهدف تأمين طرق القوافل ‏التجارية، وخدمةً أصحابها. ‏

تشير آثار الجدران الحجريّة التي تحيط بموقعه، إلى أنه كان جزءًا من مجمَّع تصل ‏مساحته إلى 62 فدانًا، وتوجد بقايا قلعة تهدَّمت بفعل عوامل التعرية، فضلا عن ‏تضرُّر بعض المباني، وهو في رؤية د.خليف مصطفى غرايبة، تحفة فنيّة معماريّة ‏إسلاميّة نادرة في قلب الصحراء، ويشتهر بقبته الرائعة، وزخارفه الجميلة، ورسومه ‏المشغولة بطريقة فن الفريسكو الإيطالي التي تمثل مشاهد من رحلات الصيد، ‏والحيوانات التي وُجدت في المنطقة في تلك الحقبة، ومنها الأسود والنمور والغزلان ‏والنعام. وعلى الجدران رسوم لملوك الأرض، ويبدو سقف قبّة القصر التي تغطي ‏الحمام وكأنه منطقة من السماء تظهر فيها الأبراج السماوية المرسومة بمهارة فائقة. ‏

تحتوي ساحة قصر عمرة على بئر ماء يصل عمقه إلى 40م تقريبًا وقطره حوالي ‏‏1,8م ويسع 100م3، وكان يمتليء خلال مواسم الأمطار الغزيرة من وادي البطم، ‏ليتمّ رفعه بواسطة ساقية، وعن طريقها كان يتم ملء الخزان بجانب البئر، وكان الماء ‏ينساب في خطين: أحدهما يتجه إلى الساحة الداخلية ليغذي النافورة الموجودة على ‏يسار المدخل، وثانيهما يزوِّد الحمّام وغرفه من خلال مواسير وأنابيب فخارية دُفنت ‏تحت الأرض لتدفئة البناء وفق نظام يشبه نظام التدفئة المركزيّة المعمول به حاليًّا. ‏

من حيث تصميمه الداخلي، يوصف قصر عمرة بأنه يشبه القلعة أو الحصن، فقد كان ‏يضم حامية حربيّة لمواجهة التهديدات. وهو يحتوي على لوحات جداريّة تزيِّن ‏الجدران والسقوف من الداخل، كما أشرنا سابقًا، بالإضافة إلى رسومات تصوِّر ‏رحلات الصيد، وغيرها. وتُعدُّ قاعة الاستقبال والحمّام من أفخم وأجمل معالمه، ‏لاسيما وأنهما مزيّنان بالكثير من الرسومات التعبيرية الجميلة. ويعدُّ "عمرة" من أبرز ‏المزارات المعمارية المدرجة على لائحة مواقع التراث العالمي لمنظمة اليونسكو منذ ‏العام 1985م، فضلًا عن اعتباره أقدم حمّام عربي إسلامي أنشئ في بلاد الشام، ‏حيث يشكِّل حلقة مستقلة من نشوء الحمّامات الشاميّة التي كانت قد ظهرت شخصيّتها ‏الجماليّة الجديدة واتَّخذت مكانتها الكبيرة في هندسة وعمارة الحمّامات، مستلهمة ‏مظهرها الخارجي من النظام الرافدي الأصيل، لدرجة أنَّ بعض الحمّامات الأخرى ‏شُيِّدت على غرارها، مثل: حمام الصرح، وحمام قصر خربة المفجر، وحمام قصر ‏الحمراء بغرناطة، وبعضها آية في فنّ العمارة والزخرفة وأصول توزيع المياه. ‏

يشتمل قصر عمرة على وحدتين رئيستين هما قاعة الاستقبال، والحمّام.‏

قاعة الاستقبال: ‏

وهي قاعة مستطيلة الشكل، وتنقسم إلى ثلاثة أقسام بواسطة عقدين مستعرضين، لكل ‏قسم منها سقف من قبو نصف دائري، ويتصل الرواق الأوسط في الجهة الجنوبيّة ‏بحنية كبيرة على جانبيها غرفتان صغيرتان دون نوافذ (كانتا تطلّان على الحديقة ‏وتُستخدمان في القيلولة).‏

الحمّام: ‏

وهو شبيه بالحمّامات الرومانيّة شكلًا وتكوينًا، أمّا حالته المعماريّة فجيدة، ويتكوَّن من ‏ثلاث قاعات صغيرة. ‏

الأولى: باردة (ذات سقف من قبو نصف دائري).‏

الثانية: فاترة (سقفها من قبوين متقابلين). ‏

الثالثة: حارَّة قريبة من الموقد ومجهَّزة بأنابيب البخار (تعلوها قبّة نصف كروية).‏

يتمّ الدخول إلى قاعة الاستقبال عبر بوّابة بالجدار الشمالي، ويوجد على محور المدخل ‏نحو الجنوب حنية العرش المسقوفة بقبو برميلي، يحاذيها من الشرق والغرب غرفتين ‏معتمتين نسبيًّا، رصفت أرضيّتهما بمكعّبات الفسيفساء الملوّنة. أمّا جدران القاعة ‏وسقوفها، فامتلأت بالرسومات والجداريات، وحُلِّيت بالكتابات والنقوش التي بهتت ‏معظمها مع الوقت‎.‎‏ ‏

وطبقًا لعالم الآثار د.خالد الدالي؛ فإنَّ قصير عمرة يُعتبر من أكثر القلاع التاريخيّة ‏التي تمثل نموذجًا للفن العربي القديم؛ سواء من حيث هندسته المعمارية أو تزيينه ‏بالكثير من الجداريّات المهمّة التي رُسمت بأسلوب فن "الفريسكو" الإيطالي الذي يجمع ‏بين التنوُّع والاختلاف والجرأة والتصوير العاري للجسم البشري، وهو أحد الفنون ‏التي استخدمها المسلمون في العصور الوسطى لزخرفة مبانيهم بالألوان المائيّة. فضلًا ‏عن التفرُّد الجمالي للجداريات في تصويرها لقيم وعناصر الطبيعة، والبيئة، والجسم ‏الإنساني، والأنشطة الحركيّة والفنيّة. ‏

وتُعتبر هذه الجداريات من أهم الآثار الفنية ذات الموضوعات المتعددة، حيث تضفي ‏على "قصير عمرة" أهميّة فائقة بتمثيلها لمرحلة مبكرة من مراحل نشأة الفن ‏الإسلامي، وتغطيتها لمعظم مسطحاته الداخلية، تقريبًا، بما فيها أسقف الأقبية ‏البرميلية، والأقبية المتقاطعة، والقبّة الكروية. وهي تضم مناظر متنوعة للصيد ‏والاستحمام والرقص والموسيقى ورسومًا رمزية لآلهة الشعر والفلسفة والنصر ‏والتاريخ عند الإغريق، ورسومًا للطيور والحيوانات، وزخارف نباتية، ومناظر ‏مستوحاة من الحياة الريفية. ‏

تزدان أرضيّة القاعة الرئيسة بالفسيفساء التي تمثل زخارف نباتية. أما الغرف ‏الأخرى، فمكسوّة بالرّخام. وكانت هناك كتابة تشير لاسم الخليفة، غير أنها تلفَتْ ولم ‏يتمكَّن أحد من قراءتها‎.‎‏ تمَّ تنفيذ الرسوم عن طريق كساء الجدران بطبقة من الجص، ‏ومن ثم تنفيذ الرسوم فوقها بالألوان المائية باستخدام ألوان: الأزرق الزاهي، والبني ‏الغامق، والبني الفاتح، والأصفر الداكن، والأخضر اللازوردي‎.‎‏ ولعلَّ من أهمّها:‏

‏- الجدارية المشهورة باسم "صورة ملوك الأرض"، وتوجد في قاعة الاستقبال، وتمثل ‏ستة ملوك انتظموا في صفين الواحد خلف الآخر، وكُتبت فوق صور أربعة منهم ‏بالعربية واليونانية أسماؤهم: كسرى، وقيصر، والنجاشي، وروديرك ملك القوط. أمّا ‏الباقيان فيمثلان: إمبراطور الصين، وخاقان تركيا. ويشير بعض المؤرخين إلى عدم ‏وضوح معنى هذه اللوحة، لكنها قد تشير إلى التفوُّق السياسي للخليفة الأموي على ‏الإمبراطوريات الأخرى.‏

‏- في نهاية الرواق الأوسط لقاعة الاستقبال، عُثر على جداريّة مشهورة أخرى تصوِّر ‏الخليفة جالسًا على العرش، وحول رأسه هالة، وفوقه مظلّة يحملها عمودان ‏حلزونيّان، يحفّ به شخصان، وكان على عقد المظلّة عصابة من الكتابة الكوفيّة ‏وصل التَّلَف إلى معظم أجزائها، ويُستنبَط من الكلمات الباقية أنّها كانت تشتمل على ‏عبارات دعائية.‏

‏- يطالعنا منظر فوق المدخل مباشرة، يصور امرأة متوَّجة بعلامة النصر‎.‎‏ ‏

‏- يوجد في قاعة الاستقبال الكبرى أيضًا، صورة لامرأة اختلفت الآراء حول هويّتها، ‏فمنهم مَن يرى أنها زوجة الخليفة، بينما يعتبرها فريق آخر إحدى المحظيّات، وقد ‏اتكأت وحولها أناس يُعتقد أنَّ الخليفة أحدهم.‏

‏- صورة غامضة لملاك على شكل إنسان يحدِّق في السماء. ‏

‏- يوجد على السقف صورة لثلاثة وجوه تمثِّل مراحل الحياة، ويرى بعضهم أنَّ الوجه ‏الأوسط يرمز إلى سيدنا عيسى، عليه السلام.‏

‏- عند الدخول إلى الحمّام، يطرأ تغيير جذري على الموضوعات والطرز لتصبح ‏أشكالها أقرب إلى الواقعية، فيظهرُ شكل معين تحدّده أوراق شجر، وبداخله أشكال ‏آدميّة وحيوانيّة، مثل دبّ يعزف على آلة موسيقيّة، وغزلان في أوضاع مختلفة، وقرد ‏يقف على رجليه الخلفيتين‎.‎‏ فضلًا عن تزيين غرفة تغيير الملابس بمشاهد لحيوانات ‏وأنشطة بشرية، وخاصة الرقص والموسيقى.‏

‏- لوحة تجسِّد امرأة عارية تقف على حافة حوض استحمام وخلفها رجل. ‏

‏- صور أخرى لبعض الإناث العاريات في أوضاع مختلفة.‏

‏- تبرز الجداريّات أيضًا، موضوع ممارسة الرياضة، فنرى في إحداها رجلًا يصارع ‏غريمه، وشخصًا آخر يُعتقد أنه الخليفة يقوم بحركات رياضيّة تدلّ على قوّته‎.‎

‏- توجد العديد من الصور التي تجسِّد مرحلة حضاريّة مهمّة من تاريخ الدولة الأموية ‏والإمبراطوريات القائمة آنذاك‎.‎

‏- كما توجد على الجدران وسقف الحمّام الساخن، زخارف وأشكال لأشجار ونباتات ‏كثيرة كعناقيد العنب، وأوراق زهور الداليا واللوتس؛ كما توجد أشكال هندسية نُفِّذت ‏بالفسيفساء الحجريّة لتزيين أرض إحدى غرف النوم؛ وهي تشبه المَشاهد الموجودة ‏في فسيفساء الجامع الأموي بدمشق. ‏

يُلاحَظ أنَّ جميع اللوحات سواء التي في قاعات الاستقبال أو في الدهاليز، قد نُفِّذت ‏طبقًا للطراز الكلاسيكي الإغريقي والروماني والبيزنطي، وبعض هذه الزخارف تشبه ‏تلك المنفَّذة في بناء قبّة الصخرة بالقدس. ‏

أمّا قبّة "قصير عمرة"، فتُعتبر من أشهر التشكيلات الفنيّة وأجملها، نظرًا لانفرادها من ‏الداخل برسم منظر لقبّة السماء بأبراجها الاثني عشر. وهي ذات أهميّة خاصة ‏باعتبارها أقدم المحاولات والنماذج المعروفة في تصوير الأبراج السماويّة على سطح ‏كرويّ. ومن المؤسف أنَّ عددًا كبيرًا منها قد تلف، ولم يبق إلا برج القوس وهو الأكثر ‏اكتمالًا. ‏

الجدير بالذِّكر أنَّ هذه الجداريّات تمثِّل بداية تطوُّر مرحليّ جديد اتُّبِعَ آنذاك في الفنّ ‏العربيّ، حيث ضُمَّت مناظر الصَّيد إلى مناظر الحمّام والأنشطة الرياضيّة والثقافيّة، ‏لتمثِّل حركة فنيّة أكثر محاكاة للطبيعة والتعبير عنها. وكان ذلك، بمثابة خطوة إبداعيّة ‏في الاتِّجاه المُغاير للفنّ البيزنطي والساساني الجامدين، وتجديدًا في فنون التشكيل ‏والرسم. وتمثّلت هذه الإضافة في استلهام بعض الموضوعات البيزنطيّة الدينيّة، في ‏الترميز إلى أحداث الحياة وعناصر الطبيعة والقيم الإنسانيّة. حيث تعكس هذه الرسوم ‏الجداريّة، بما فيها الكتابات اليونانيّة والعربيّة، تأثيرات كلاسيكيّة ذات صبغة محليّة ‏شرقيّة. كما تُعدُّ، مثالًا فريدًا للتَّصوير العربيّ الإسلاميّ المبكر‎.‎

 

 

‏* الهوامش:‏

‏(1) نايف عادل يوسف حداد: عمارة القصور الأموية في بادية الشام- دراسة تحليلية في ‏الخصوصيّة، مجلة الإمارات للبحوث الهندسية، 14، 2009، ص3.‏

‏(2) د.عفيف بهنسي: جمالية الفن العربي، المجلس الوطني للثقافة، الكويت، 1979، ‏ص132.‏