قراءة في كتاب:‏ ‏"محمّـد جمال عمـرو ‏ أميرُ شُعراءِ الطُّفـولةِ بلا مُنازع" ‏

 

تأليف: عبدالله لالي

أمل المشايخ

كاتبة أردنية

 

في هذا الكتاب يسلِّط الكاتب عبدالله لالي الضوء على التجربة الفذّة للأديب محمّـد جمال عمـرو في ‏مجال أدب الطفل، وهي تجربة تنمُّ عن خبرة ودراية في عوالم المعرفة والإبداع واستلهام التراث ‏واستثمار معطيات العصر، من أجل إيصال رسائل تعليميّة وأخلاقية وجماليّة للأطفال، فقام لالي ‏بالتعريف بأبرز الدواوين الشعرية لمحمد جمال عمرو، كما تناول كتاباته القصصية والمسرحية، ‏وأفلام الكرتون، ورصد أبرز السمات الأسلوبية في كتابات محمد جمال الذي تنبّه إلى قضيّة مهمّة في ‏وقت مبكّر، وهي تعليم العربيّة لغير الناطقين بها، فكان من أشعاره وقصصه ما هو موجّه للأطفال ‏غير الناطقين بالعربية.‏

 

تكريم الأديب في حياته بالالتفات إلى نتاجه هو واجب الرّوابط والهيئات والمجموعات الأدبيّة؛ ذاك أنّ ‏تكريمَ الأديب في حياته شكرٌ للجهود واعترافٌ بمقادير الرِّجال، وخير وسيلة لتقديم نتاجهم للآخرين... ‏من ذلك ما وقع في يديّ وهو كتاب: (محمّـد جمال عمـرو أميرُ شُعراءِ الطُّفـولةِ بلا مُنازع) من تأليف ‏عبدالله لالي من الجزائر.‏

بدأ د.سعيد يحيى بهون علي بتقديم الدّراسة مشيدًا بجهود الأستاذ عبدالله لالي الذي سلّط الضّوء على ‏تجربة الأديب الأردني محمّـد جمال عمـرو في مجال إبداع الطّفولة واصفًا إيّاها بقوله: "ولا غرو فإنّ ‏الأديب الفذّ محمّد جمال عمرو بما قدّمه لطفولتنا العربيّة من المحيط إلى الخليج من إبداعات أدبيّة ‏متعدّدة وثريّة، عبر وسائط عدّة؛ ما بين مجلّات للأطفال، ودواوين شعريّة، وكتب قصصيّة، ‏ومسرحيّات فنيّة.. إلخ، هذا الزّخم الإبداعيّ مضاف إليه خبرات ميدانيّة لدُنيا الأطفال، وأعباء إداريّة ‏ولقاءات علميّة ثريّة، كلّ هذا في مجال أدب الأطفال، ولأجل الأطفال، لأمر جدير بوسام الرّيادة ‏والإمارة".‏

يبدأ عبدالله لالي كتابه بالتّعريف بمحمد جمال بأنّه أمير الشّعراء بلا منازع؛ لأنّه يكاد يكلّم الأطفال ‏شعرًا، ويعرّفه بأنّه أردنيّ الجنسيّة فلسطينيّ الجذور إسلاميّ الهوى والرّوح.. عمرو الذي وصفه بأنه ‏بشوش الوجه حسن المعشر، وأشار إلى جهود سليمان العيسى وشوقي قبله، ومحمد أحمد السّائحي في ‏الجزائر، واستنتج أنّ محمّد جمال عمرو هو الأكثر غزارة، وجمع بين المكتوب النّظريّ والفعل ‏المجسّد عمليًّا من مثل: مجلّات الأطفال، ومسرح الطّفل، و"فرقة زها الإذاعيّة"، ومشروعات أفلام ‏الكرتون، وأشار إلى أنّه كان مرشدًا لعدد من المجلات من مثل: مجلّة (أروى) عام 1991، مجلّة ‏‏(براعم عمّان) عام 2000 (وكان رئيس تحريرها)، مجلّة (فرسان) في أبوظبي، مجلّة (القمر ‏الصّغير) في سوريا، مجلّة (أدهم) في الأردنّ.. وغيرها. ‏

كما شارك عمرو في عدد من المهرجانات والمؤتمرات منْ مثل: ندوة حول أدب الخيال العلميّ وأثره ‏في تكوين عقل الطّفل العربيّ، وندوات أخرى في العواصم العربية.‏

وأشار لالي إلى أنّ فلسطين حظيت بموقع الصّدارة في شعر محمد جمال عمرو، فخصّها بقصائد ‏كثيرة، أبطالها أطفالٌ أو شهودُ أحداثِها من الأطفال من مثل: (باسم الجريء) الذي كان ضحيّة مجزرة ‏المسجد الإبراهيميّ في الخليل عام 1994م، و(محمّد الدرّة) في قصيدة تحمل الاسم نفسه.‏

قام لالي بالتعريف بأبرز الدواوين الشعرية لمحمد جمال عمرو، ورصد التنوُّع في تقنيات القصيدة عند ‏الشاعر، ومن هذه الدواوين:‏

‏-‏ ‏(باسم الجريء)، وهو ديوان من قصيدة واحدة يمكن أن يطلق عليها "القصيدة الدّيوان".‏

‏-‏ ‏(درّة الأقصى)، وهو ديوان يروي قصّة محمد الدرّة الذي استشهد برصاص الصّهاينة عام ‏‏2000، وهي قصيدة يصحّ أن يُقال فيها إنّها "القصيدة القصّة".‏

‏-‏ ‏(طه الحبيب)، وهو ديوان من تسع قصائد تغرس في الطّفل الإيمان بربّه وتشحن مشاعره ‏الإيمانيّة، أمّا العنوان (طه الحبيب)، فهو اسم قصيدة من الدّيوان يمتدح فيها الرّسول صلّى الله ‏عليه وسلّم، وهي قيم إيمانيّة تربّي على التّواضع وحبّ النّاس والمُساواة بينهم بأدب التّحيّة ‏والتّعامل مع النّاس بلباقة. ‏

‏-‏ ‏(بنت الخيمة)، وهو ديوانٌ من عشر قصائد منها: (دانة الفنّانة)، (أحلام صيتة)، (حصان ‏فاخر)، (سيف والغنمة)، (تيمور المخرج الصّغير)، (أبي يشبهني)، (أحلى ماما)... هذه ‏القصائد موجّهةٌ للمرحلة العمريّة ما بين السّادسة والثّانية عشرة.‏

في قصائد محمد جمال عدد من فنون البيان، كالجناس والطّباق والتّكرار والحوار وأسلوب الاستفهام، ‏وأحيانًا ترك السّؤال بلا جواب، وطرافة الأسلوب والألفاظ المحبّبة للطّفولة. ‏

قضيّة مهمّة تنبّه إليها محمّد جمال عمرو في وقت مبكّر، وهي تعليم العربيّة لغير الناطقين بها، يتوقّف ‏الأستاذ عبدالله لالي عند القصائد وألفاظها بتأنٍ، ولا يغيب عنه الهدف التّعليميّ المناسب للأطفال؛ ‏فالقصائد لا تتجاوز العشرة أبيات منها: "ألوان"، "سامي والوقت"، "نبني الوطنا"، "حمارٌ ذكيٌّ"، ومن ‏سمات القصائد التي تعلّم العربيّة لغير النّاطقين بها: الأسلوب القصصيّ، الحوار الدّاخليّ والخارجيّ، ‏سهولة الألفاظ، استخدام الأمثال، التّجديد في الفكرة.. وغيرها.‏

 

محمد جمال عمرو قاصًّا

ألَّف محمد جمال الكثير من المجموعات القصصيّة الموجّهة للأطفال، منها:‏

‏-‏ سلسلة أبطال الإسلام.‏

‏-‏ سلسلة العشرة المبشّرين بالجنّة.‏

‏-‏ سلسلة حكايات عمّو خالد (طيور الجنة)‏‎:‎

قصّة (الورقة الضّائعة)، قصّة (رحلة إلى الشّاطئ)، قصّة (مدرسة الأصدقاء).‏

‏-‏ سلسلة إتقان لتعليم العربية لغير الناطقين بها.‏

‏-‏ قصص مشروع مؤسسة مناهج العلميّة.‏

 

أمّا أبرز تقنيات القصّة عند عمرو، فتتمثّل بما يلي:‏

‏- اختيار الأبطال بعناية.‏

‏- حضور الطّفل كشخصيّة أساسيّة في القصص.‏

‏- تطعيم القصص بالشّعر.‏

‏- التّصوير بدقّة عالية بأسلوب بيانيّ جميل.‏

من مشروعاته القصصيّة لغير النّاطقين بالعربيّة (مشروع مؤسسة المناهج العالميّة)، وفيه خمس ‏قصص:‏

‏(التّحدّي)، (في ساحة المعركة)، (لينا ميدس)، (مسابقات)، (مصباح نورالدين)، وهو عمل مؤسسيّ.‏

ثمّ يحلّل الكاتب عبدالله لالي قصّة (التّحدي) والشّعر فيها خاصّة. ويلفت النظر إلى المزج بين القيم التي ‏نربّي عليها الصّغار من مثل: حبّ العلم، والانتماء للعروبة.‏

يُظهِر محمد جمال في هذه القصص النّصيحة والعبرة على لسان الحيوانات والحشرات، وهي أنجع من ‏كونها على لسان طبيب مثلًا.‏

ويشير عبدالله لالي إلى أنّ هذه القصص الخمس هي من أصل عشرين قصّة، ويدعو الدّارسين -وأضمُّ ‏صوتي إلى صوته- لتكون موضوع دراسة جامعيّة.‏

 

المسرح وكتابة سيناريو أفلام الكرتون

 

تناول عبدالله لالي أبرز أعمال محمد جمال عمرو في الكتابة المسرحية، وكتابة سيناريو أفلام ‏الكرتون، ومن أبرز هذه الأعمال:‏

ـ مسرحيّة صلاح الدّين الأيوبيّ.‏

ـ سلسلة حكايات "عمّو خالد"، وتمَّ بثُّها على قناة "طيور الجنّة" التي أنشأها خالد مقداد (عمّو خالد)، ‏منها:‏

قصّة (المدير النّاجح) للأطفال من 4- 5 سنوات.‏

قصّة (رحلة إلى الشّاطئ) للأطفال من 4- 5 سنوات.‏

قصّة (مدرسة الأصدقاء) للأطفال من 6- 7 سنوات.‏

وإيمانًا منه بأهميّة التّعامل مع القنوات الفضائيّة في نشر الفكرة وتربية النّشء كتب محمد جمال أيضًا ‏عددًا من سيناريوهات أفلام الكرتون:‏

‏- فيلم رحلة الخلود (75 دقيقة).‏

‏- فيلم مسرور في جزيرة اللؤلؤ (70 دقيقة)‏

‏- فيلم فتح القسطنطينيّة/ محمد الفاتح (110 دقائق)، تُرجم في الولايات المتّحدة الأميركيّة من ‏العربيّة إلى الإنجليزيّة.‏

 

محمد جمال عمرو وتوظيف التراث

يختار الشّاعر محمد جمال القصص من التّراث ويقدّمها زبدة طازجة للصّغار، أمّا ظلال المعنى ‏في هذه القصص فتخلق متنًا ثانيًا موازيًا للنّص، وهو الأمر الذي يرسّخ الحكاية في الذّهن.‏

ومن أبرز القصص التي وظَّف فيها عمرو التراث نذكر: قصة "حذاء الطّنبوري" وفيها يكرِّس رفض ‏صفة البخل، وهي قصة شعريّة من 54 بيتًا. وقصّة "مواعيد عرقوب" ويكرِّس فيها الدّعوة إلى الوفاء ‏بالوعد، وهي قصة موجَّهة إلى فئة اليافعين.‏

وبعد:‏

علينا -نحنُ الكبار- ألّا نستعجلَ، فخبرتنا في أربعين عامًا لا تُعطى في عامٍ أو اثنين، بل جرعةً ‏جرعة، عميقة ولكنْ ليست معقّدة، سهلة ولكنْ ليست ساذجة، تجمَع الفكرة النّابهة العميقة التي تحترم ‏عقل الطّفل وفكره، بلغة فيها العذوبة بحيث يكون مجموع العمليّة أدبًا يصنع الفرح للأطفال والنّشء، ‏فالغاية الأسمى من أدب الأطفال ليست إذكاء الخيال لديهم وحسب، وإنّما تتعدّاهُ إلى تزويد الطفل ‏بالمعلومات العلميّة، والتّاريخيّة، والدّينيّة، والتّقاليد الاجتماعيّة، وغرس القيم النّبيلة، وإلى توسيع ‏مداركه، وقاموس اللغة لديه؛ لأنّه يطلب الواقع عن طريق الخيال، فجيل اليوم لم يستيقظ على ألف ليلة ‏وليلة، فيلزمنا معانٍ من العصر تجمع بين الواقع والخيال، وهذا ما يظهر واضحًا فيما كتبه الأستاذ ‏محمّد جمال عمرو للطّفل.‏