البحر فكرة الماء

 

رشاد رداد

كاتب أردني

 

البحر فكرة الماء ‏

وفلسفة اللُّغة بين قصيدتين ‏

متشابكتين كراقصين على الجليد

خفيفين كريشة طاووس

رقيقين مثل ورق الياسمين

عبقريّين كنبع الماء

ساحرين كالموسيقى

حين يرسمان بصمت وفرح ومتعة ‏

لحظة نجاة عصفور من مكيدةِ فخٍّ منصوب

أو تصوير وجع لغصن وردة كسرته ريح عمياء.‏

البحر فكرة الماء وفلسفة اللُّغة

من أوَّل قطرة نثر سالت من خدِّ غيمة

إلى أقصى امرأة مكتنزة بالشِّعرِ والإيقاع

أيا امرأة

حين كنتِ تبتسمين

كان يبزغ قمران من خدَّيكِ ‏

كافيان لإضاءة مدينة مقذوفة بالسَّواد

كم كنتُ أحبُّ رائحة الحطب حين يختبئ في ثوبك وأنت تفتحين باب الفجر على ‏أرغفة الطابون

لم يكن التوقيت عبثيًّا لعشّاق الأرض ‏

لكنَّنا نحن عشّاق منهكون من الانتظار

منسيّون في عربات قطار العمر العجوز

إذن ماذا ينتظر العاشق الأخير؟

لن ينضج كرز الغياب في سلال المنافي المحايدة

لا أحد يصدِّقنا

حين نقول: الطيور لا تنسى درب عودتها لا تحتاج لبوصلة الجهات

وكنّا نعرف الوسمَ من سهوة جدّي حين كان يحدِّق في الأزرق البعيد

ثم يفرك مسبحته بين كفَّيه ويناديني

‏"تعال" ثم يحضنني

ويقول لي: أخبِّئكَ لأنَّ الموتَ يتجوَّل في المكان

ـ وهل يرى الموت يا جدّي؟

ـ أجل

لكنَّ الشُّهود مصابون بالعمى

والقصيدة لم تكتمل بعد

سرقوا من خيمة الشاعر عنب الفكرة وسلال المجاز

وصارت الأسئلة مؤجَّلة

حين هربت من صندوق القافية

وسقطت في بئر الغياب

ماذا لو نسينا القصيدة يومين بلا ماء؟

حتمًا سيموت الشاعر ويتلاشى في الاستعارات

دون أن تنتبه الفراشات الواقفة على غصن الوقت المهدور

وتسقط الأحرف حرفًا حرفًا

كحبّات العنب اليابسة

فتلتقطها الطيور الجارحة

تمضغها ثم تقذفها في البحر!‏

هل أصبح الشِّعرُ مُرَّ المذاق كالجعدة

وليس ضروريًّا لصلاة الحُبّ

ولا يحمي سيدة في الأربعين من سكتة قلبيّة؟

إذن، ثمّة شيء خطأ

في الأسماء والأوسمة.‏

لنعترف أنَّ الشعراء أفسدوا القصيدة ‏

وباعوا قوافيها لتاجر الخردة

ورحم الله الشعراء.‏