‏ معركة الكرامة: ‏ سجلّ البطولة.. مُدَوّنة النصر!

 

وأنتَ يا "الجيش العربي"، كنتَ مذ كان البدء، معصمًا يلتفُّ على ساعد الوطن، زنّار البلاد، ‏وهالة المَهابة، وطالع السَّعد.. نغنّيكَ كلّ حين، ونفيء إليكَ في كلّ الأزمنة.. أنتَ على عهدنا بكَ، ‏لا تخذل تراب وطنك، صامد كما الجبال، ملتزم بعهدكَ الإنسانيّ المجيد.‏

‏***‏

ويكون الحضور المهيب أكثر للجيش العربيّ- القوات المسلّحة الأردنيّة، بكل دلالات البطولة ‏والنصر والتضحية والفداء عندما تحضر ذكرى معركة الكرامة التي كانت ساحتها شرق نهر ‏الأردن في الحادي والعشرين من آذار عام ألف وتسعمئة وثمانية وستين، وكل عام في مثل ذاك ‏اليوم تطلُّ حكايات الجنود الذي روّوا بدمائهم ثرى الأردن، دفاعًا عن وطنهم الغالي، وعن كرامة ‏الإنسان والمكان على امتداد هذه الأرض الطيّبة.‏

للوطن، ولهؤلاء الجنود الأردنيين الذين حطّموا أسطورة جيش العدوّ الصهيوني الموهوم بأنه لا ‏يُقهر، رواية لا بدّ من كتابتها؛ سرديّة عزّ وفخار، منقوشة من تفاصيل أحداث معركة الكرامة ‏التي دارت رحاها هناك حيث ميدان المعركة، وبطولات الجيش، وصمود الأهل في مواجهة ‏غطرسة الأعداء.. وتعود مع هذه المناسبة كل تداعيات الذاكرة، وحنين نابض بالحياة والأمل لكل ‏ذلك التاريخ المرتبط بتلك المعركة، مكانيًّا، واجتماعيًّا، وعسكريًّا، وسياسيًّا، ولا تنفصل تلك ‏المرحلة في عناوينها عن نهر الأردن والرموز والدلالات المرتبطة به.‏

يأتي يوم الحادي والعشرين من آذار، فيكون الوقوف على أرض معركة الكرامة له معانٍ كثيرة، ‏وقوفًا بخشوع ومهابة، لنُعيد في هذا اليوم قراءة زخم الحدث، وما ارتبط به من مكان وإنسان، ‏وبطولات، ونتأمَّل بكل فخر ذاك المحيط الذي شكّل فضاءً مقدّسًا، ذا بُعدٍ معنويٍّ ارتبط بكل ‏هالاته مع "الكرامة"، فصارت الجبال تشهد، والمياه تُسبِّح، والجنود أُسُود محمولة على أكفِّ ‏المعنويّات المتراصَّة كلها، والتي كان نشيدُها مُعلنًا واضحًا بأنه عند حدّ الكرامة يكون الدفاع عن ‏الحق، والأمة، والتراب، وكل المتعلقات بهذا الوطن، ولا تراجُع عن هذا الحق.‏

‏***‏

لم يكن يوم الكرامة كأيّ يوم في روزنامة الوطن، وفي سجلّات الجيش العربيّ الأردنيّ، فقد ‏كانت المعركة، وكانت ساعة الصفر في الخامسة والنصف من صباح يوم 21 آذار 1968م، ‏وجبهة القتال واسعة، امتدَّت من شمال جسر الأمير محمد في وادي الأردن، وحتى غور الصافي ‏جنوب البحر الميت. واستمرَّت الحرب ست عشرة ساعة، في قتال حقيقي، مرير، على طول ‏الجبهة، حيث اقتحم العدوّ الواجهة الغربيّة للأردن من أربعة محاور هي محور العارضة من جهة ‏جسر الأمير محمد إلى مثلّث المصري، إلى طريق العارضة. ومحور وادي شعيب من جسر ‏الملك حسين إلى الشونة الجنوبية. ومحور سويمة من جسر الملك عبدالله إلى غور الرامة إلى ‏ناعور. ومحور الصافي من جنوب البحر الميت إلى غور الصافي. كل تلك المحاور تؤدّي إلى ‏مرتفعات السلط وعمّان والكرك.‏

ولكنَّ أولي الحق، جنود الجيش العربيّ الأردنيّ، فتية آمنوا بربهم ووطنهم، فكانت المواجهة قويّة ‏بين هؤلاء الفرسان الأردنيين، وبين قوى الشرّ؛ الأعداء الصّهاينة، بغطرستهم، وكبريائهم. ‏واستمرّت المعارك على كل تلك المحاور التي شاركت فيها كل صنوف أسلحة الجيش العربي ‏وتشكيلاته. ‏

وكان النصر.. وكانت تكبيرات الجنود، وأهازيجهم، تتداخل مع زغاريد الأردنيّات، وهتافات ‏الشعب لجيشه الشجاع.. وكان في المقابل العدوُّ يجرُّ أذيال الهزيمة، منسحبًا من ميدان القتال، ‏تاركًا معدّاته، وأسلحته في ساحة المعركة.‏

وفي مقام النصر والبطولة هذا، تجلّى صوتٌ يعرفه كلّ الجنود في معركة الكرامة، وكل الشعب، ‏كانت نشوة عزّ وعنفوان وفخار حين أعلن النَّصرَ المغفورُ له الملك الحسين بن طلال -رحمه ‏الله- قائلًا: "في فجر ذلك اليوم، مشى الصّلف والغرور في ألوية من الحديد ومواكب من النار، ‏وكانت الأسود تربض في الجنبات، على أكتاف السّفوح وفوق القمم، بيدها القليل من السلاح ‏والكثير من العزم، وفي قلوبها العميق من الإيمان بالله والوطن، وتفجَّر زئير الأُسُود في وجه المدّ ‏الأسْوَد.. الله أكبر".‏

‏***‏

كل هذه التفاصيل والأحداث ومجريات المعركة ورسائل ومذكّرات الجنود عن معركة الكرامة، ‏صار من الواجب علينا تدوينها، وإعادة قراءتها، وتوثيق هذه السرديّة الملحميّة لتكون مدوَّنة خاصّة بمعركة الكرامة وببطولات الجنود وتضحياتهم، ووفاءً للشهداء ولدمائهم، كما هي ‏اعتزاز بالجنود وبطولاتهم.‏

في إطار هذا التوجُّه لتوثيق ذاكرة الوطن، وتدوين نبض ومعاني معركة الكرامة، يأتي هذا الملف ‏الذي يضمُّ مجموعة من الكتابات الإبداعيّة، لكُتّاب عملوا على إعادة استحضار دلالات معركة ‏الكرامة وفاءً لتضحيات جنود الجيش العربيّ واعتزازًا بالشهداء الذي روّوا بنجيع دمهم ثرى ‏الوطن ليبقى عاليًا مهيبًا.‏

مفلح العدوان