معايير تصنيف الأمراض النفسيّة والسلوك ‏ من منظور نفسي اجتماعي

 

معاذ قنبر

كاتب وباحث سوري

 

ما هو المرض؟ سؤالٌ يبدو بديهيّ الإجابة عندما نتحدَّث عن الأمراض العضويّة؛ إنه ‏خلل يصيب عضو ما، لسبب ما وراثي أو غذائي أو ميكروبي... لكنَّ الأمر يختلف ‏تمامًا عندما نناقش الخلل في السلوك، أو ما يسمّى المرض النفسي، فالهامش هنا بين ‏السَّويّ والشّاذ يغدو بالغ الضآلة بدرجة يصعب تصوُّرها، حيث يبدو التشخيص هنا ‏ليس سريريًّا بقدر ما هو ثقافي واجتماعي وفلسفي، بكل ما في هذه التحليلات من ‏تحيُّز وخداع. من هنا تظهر إشكاليّة تشخيص المرض النفسي، ومن ثم التعامل معه ‏سلوكًا وعلاجًا.‏

 

لم تخرج الأمراض النفسيّة حتى عهد قريب -وربّما حتى الآن- من إشكاليّة أحكام ‏القيمة، حيث تقييم الناس تبعًا لقدرتهم على ضبط سلوكهم، دون النَّظر إلى الخلل الذي ‏قد يسبِّبه هذا الضغط الذي لا يلاحظه أفراد الثقافة التي يحيا فيها الفرد، بل وقد لا ‏يلاحظه الشخص المعني نفسه. وفيما يلي نقدِّم إضاءة على التصوُّر العام لمفهومي ‏السَّوي والشّاذ من المنظور النفسيّ، وأهمّ السّمات السلوكيّة العامّة التي تميِّز ‏الشخصيّات العصابيّة والمنحرفة.‏

 

التصوُّر العام للسويّ والشاذّ من المنظور النفسيّ ‏

لفهم مصطلح الشخصية الشاذة، لا بد بداية من التفريق بين الشخصية العادية، ‏والشاذة، أي يجب أن نتساءل أولًا، عن معنى العادي. فالعادي هو أسلوب السلوك ‏الذي يقوم به أكبر عدد من الأفراد بالنسبة إلى صفة خاصة، وكما هي الحال في ‏الإحصاء، فالمتوسط يمثل عادة، العدد الأكثر شيوعًا، بين مجموعة من المقاييس كأن ‏يكون مثلًا، متوسط وزن الطفل عند الولادة بين 5 – 7 كيلوغرامات، وهذا يعني أن ‏معظم الأطفال يزنون عند الولادة بحدود هذه الأرقام، وأيّ انحرافات ملحوظة، نحو ‏الهبوط أو الصعود، لا يمكن اعتبار أفرادها عاديين. وعليه يمكن اعتبار الشخص ‏عادي، بمقدار ما يتبع سلوكًا مشابهًا لما يتبعه معظم الناس، أي عندما يتكيَّف مع ‏بيئتهم، وهذا لا يعني أنَّ كل شخص يتصرَّف كما يتصرَّف غيره من الأفراد بالضبط، ‏بل هناك فروقًا في التصرُّف بين كل منّا، لكن حينما تنحرف هذه الفروق بشكل ‏ملحوظ، وبدرجة تمنع الفرد من أن يتكيَّف مع بيئته، عندئذ، يمكن القول إنَّ الشخصية ‏غير عادية، وينبغي الإشارة إلى أنَّ للمجتمع وقيمه الثقافية، أثر ملحوظ في تعريفنا ‏للشخص العادي أو الطبيعي. فلا يوجد سلوك عادي بالمطلق، وإنَّما بالنسبة للمعايير ‏الاجتماعية ومستوياتها الفكرية والثقافية. ‏

فإذا انطلقنا من التوصيف السابق، سنجد أنفسنا أمام ثلاثة معايير عامة لوصف ‏السلوك الشاذ: ‏

‏1ـ الالتزام بالمعايير: فعندما يميل السلوك إلى الامتثال إلى المعايير الاجتماعية ‏السائدة، أو عندما تُلاحظ سلوكيّات معيَّنة لديه، بصورة متكررة، فإنه من المرجح ألا ‏يقع ضمن اهتمام أخصائيي الصحة النفسية، لكن حين يصبح سلوك الفرد منحرفًا ‏بشكل واضح، أو فاضحًا ومتجاوزًا للحدود، أو غير ممتثل بطريقة أو أخرى، عندها، ‏فإنه من المرجَّح أن يتم تصنيف ذلك الشخص، على أنه شاذ أو غير سوي.‏

مشكلة هذا التصنيف، أنه يهتم بالفروق الإحصائية فقط، متناسيًا أنَّ التراتب ‏الإحصائي نفسه، لا يخلو من مشاكل، فإذا اتفقنا أنَّ مَن يُظهر درجة ذكاء تساوي 69 ‏وما دون، على مقياس "بينيه- ستانفورد" للذكاء هو متخلف عقليًا، فهل علينا أن نمايز ‏تمامًا في التصنيف بين من تبلغ نسبة ذكائه 69 باعتباره متخلّفَ العقل، ومن ثم شاذًا، ‏ومَن تبلغ نسبة ذكائه 71، باعتباره سويًّا! كما أنَّ هذا المعيار أهمل مفهوم النسبيّة ‏الثقافيّة، فما يعتبر شاذًا في مجتمع ما، قد يكون صحيحًا في مجتمع آخر، وهذا ما أكد ‏عليه "فرويد" خلال نقده لهذا المعيار، فشخص شديد التطرُّف في معتقداته الدينية ‏والأخلاقية، قد يُعتبر غير طبيعي في مجتمع منفتح، وطبيعي جدًا في مجتمع محافظ. ‏

‏2ـ الضيق الشخصي: وهنا ننتقل من تصوُّرات الملاحظ، إلى تصوُّرات الشخص ‏المصاب، أي إلى شعوره الذاتي، وإحساسه بالصحة، فالعامل الحاسم هنا، هو شعور ‏الشخص بالسعادة أو الحزن، بالسكينة أو الحرمان، فالشخص المُثقل بالقلق، هو ‏شخص غير متكيِّف، بغضّ النَّظر عمّا إذا أدّى ذلك لسلوكيّات منحرفة أم لا. وهو ‏المعيار الذي اعتمد عليه التحليل النفسي في تفسير وتشخيص السلوك اللامتوافق، أو ‏الشاذ (العُصابي)، إذ ركّزت على طريقة التمركز حول الذات، وهذه الطريقة ترى أنَّ ‏المشاعر الداخلية للسعادة، والشعور بالصحة والتناسق، والخلوّ من الألم والصراع ‏الداخلي، هي معايير التوافق، فالشخص الذي يشعر أنه أكثر تعاسة، هو الشخص ‏الأسوأ توافقًا، وأساليب السلوك والأفكار والمشاعر التي تنجم عنها مشاعر التعاسة، أو ‏الشعور بسوء الصحة، هي أعراض لسوء التوافق.‏

مشكلة هذا المعيار أنَّ ليس كل مَن يعانون من مشكلات معيَّنة، يعترفون بأنهم يعانون ‏منها. فالتحريف، والخوف الاجتماعي، وإنكار الحالة، تلعب دورًا مهمًّا في عدم ‏اعتراف الشخص بشذوذه، بل وإخفائه أحيانًا وإنْ عانى كثيرًا. ‏

‏3ـ العجز أو الاختلال الوظيفي: وفق هذا المعيار، لكي يُعدُّ السلوك شاذًا، يجب أن ‏يسبِّب شيئًا من المشكلات الاجتماعية، أو المهنية للفرد، وهذا يتّضح للفرد، والملاحظ ‏معًا، فمثلًا: يُعدُّ نقص الصداقات أو العلاقات، نتيجة تدني التواصل الشخصي، مؤشرًا ‏على الاختلال الوظيفي من الناحية الاجتماعية، أمّا فقدان الفرد لعمله نتيجة المشكلات ‏الانفعالية، كالاكتئاب، فمؤشر على اختلال وظيفي، من الناحية المهنية. وعلى الرغم ‏من معقولية هذا المعيار، إلا أنَّ الأحكام المتعلقة بالوظائف الاجتماعية أو المهنية تكون ‏نسبيّة وليست مطلقة. ‏

وبالإطار العام، فإنَّ ما تُجمِع عليه المعايير السابقة هو أنَّ الأعصبة أو الأمراض ‏النفسية إجمالًا، هي أساليب وأنماط من التوافق المضطرب، فيما يتعلق بالإدراك ‏والوجدانات والوظيفة العقلية. فإذا افترضنا بأنَّ الطَّبع يمثل مجموعة التدابير والقدرات ‏التي توجِّه طريقة حياة الفرد، وردود فعله في علاقاته مع العالم الخارجي، ومع نفسه ‏بالذات، فإنه وفق هذا المنظور، نعتبر الشخصيّات المَرضيّة تمثل انحرافات في طباع ‏الشخصيّة، لا تتميَّز فقط بوجود أعراض نفسيّة، وإنَّما بأسلوب الحياة، والطريقة التي ‏يحيا بها الفرد، أي بأنماط السلوك التي تُعتبر مَرَضيّة. ‏

السمات السلوكيّة العامّة ‏

للشخصيّات العصابيّة والمنحرفة

يمكننا بشكل عام التحدُّث عن سمات خاصة، تشمل كل حالة من حالات الاضطراب ‏السلوكي أو حالات انعدام و سوء التكيف.‏

 

ـ الشخصيّة الهستيريّة: ‏

تتَّصف الشخصية الهستيرية سريريًّا -لا سيما عند المرأة- بالحركات البهلوانية، ‏وتصنُّع المؤثرات، ونمط التفكير الخيالي، والارتكاسية الانفعالية مع فرط الحركية ‏الاندفاعية، وقابلية الإيحاء، والولع بالكذب، والتعلق العاطفي، وأخيرًا الاضطرابات ‏الجنسية. ومن السمات العامة للشخصية الهستيرية: الأنانية والغرور، الاسعراضية ‏والمسرحة، والمبالغة في التعبير العنيف عن الوجدانات والعواطف، الضحالة ‏الوجدانية، تحويل المواقف غير الجنسية إلى مواقف جنسية، خوف شديد من الجنس، ‏وبرودة جنسية على الرغم من الادِّعاء المُفرط بالقدرة الجنسية، الاعتمادية، ‏والمطالبة. ‏

إنَّ نمط هذه الشخصية، لا يستطيع أن يجابه الواقع كما هو كذلك. والكبت بمعناه ‏الدقيق، هو الميكانيزم الرئيس في الهستريا، الذي يقوم على معاملة الشيء المُستهجَن، ‏وكأنه ببساطة غير موجود. وكون الحفزات الجنسية تتعرَّض في الأغلب للكبت، بينما ‏الحفزات العدوانيّة تتعرَّض في الأغلب لميكانيزمات أخرى، فذلك يمكن إرجاعه إلى ‏التربية، التي كثيرًا ما تعامل الجنس وكأنه غير موجود ببساطة، فلا تتحدَّث عنه، ‏بينما تعترف بوجود العدوان، ولكنها تصفه بالسوء، وفي ذلك ما يشجع في الأطفال ‏المزيد من الكبت بالمعنى الدقيق. ‏

 

ـ الشخصيّة الوسواسيّة: ‏

يتَّصف النمط المهيمن في هذه الشخصية، بشبكة من الإكراهات التي تمارس على ‏أنماط السلوك الشخصية والأفعال، فيتصف الطبع الوسواسي، بالتقتير، أو حتى البُخل، ‏والشعور بالرضا من خلال التَّكديس والجَمع، وكذلك التنظيم المتزايد، مع التدقيق ‏والعناية، وكره القذارة والإسراف وكل ما هو غير كاف، والعناد المتصلّب، فيتميَّز ‏هؤلاء الأشخاص بأنهم مثابرون، مسيطرون، متصلّبون، خُلقهم صارم، وإحساسهم ‏بالواجب لا ينقصه شيء، وهم يتطلعون إلى بعض النفوذ والسيطرة على أنفسهم وعلى ‏الآخرين. ففي التكوينات القهريّة، يمكن أن تمثل أفعالًا نفسيّة أشد ما تكون تنوُّعًا ممّا ‏يمكن تصنيفه بشكل متميِّز في رغبات وغوايات وحفزات وأفكار وشكوك وأوامر ‏ونواهي. ‏

وبصورة عامة، ينزع المرضى إلى طمس هذه التمايزات، فيعتبرون ما تبقّى من هذه ‏الأفعال النفسية، بعدما تكون قد تجرَّدت من شحنتها الوجدانية، مجرَّد أفكار قهريّة. ‏وفي تلك الحالات نجد أشكالًا عديدة من الحاجة المسرفة للتحدُّث إلى الآخرين، أو ‏الثرثرة القهريّة، وهي تباينات لنزعة الشعور بالإثم والتخفيف عنها، فهي تنشأ ‏بالأصل من الحاجة لكسب موافقة الآخرين على شيء يستشعر الفرد في أعماقه أنه ‏محرَّم. واللوحة الإكلينيكية تكشف بدرجة أكبر عن التناقض السلوكي بين الفعل وكف ‏الفعل عند العصابي الوسواسي، فالمريض بقهر الاغتسال، إذْ يستشعر الأمر "اذهب ‏اغتسل"، إنَّما يكرِّر ببساطة ما سمعه مرَّة وهو طفل، وليس من المهم أنَّ الآباء قد ‏أعطوا هذا الأمر في الواقع من أجل النظافة البدنيّة، بينما يستخدمه "العُصابي القهري" ‏دفاعًا ضدّ الأفكار القذرة، لأنَّ المريض حين كان طفلًا، كان يشعر بأنَّ الأبوين لو ‏عرفا أفكاره القذرة لأمراه أن يغتسل، ويصدق الأمر على الأفكار القهرية التي لا ‏يستشعرها المريض في صورة أوامر موجبة، بل في صورة تهديدات مثل "إنْ فعلتَ ‏هذا، أو أغفلتَ هذا، ستموت"، أو "إنْ فعلتَ هذا، أو أغفلتَ هذا، فسيكون عليكَ ‏التفكير بهذا أو ذاك، وإلّا سيموت أبوك". ‏

لذلك نجد الكثير من العصابيين القهريين، يتحتّم عليهم أن ينشغلوا مهمومين بدرجة ‏مسرفة بأشياء هي بشكل ظاهر تافهة وصغيرة، وتتكشّف هذه الأشياء الصغيرة في ‏التحليل، بدائل لأشياء مهمّة، وأشهر مثال على ذلك "قهر التفكير" حيث يجبر ‏المريض على قضاء الساعات الطويلة يجترُّ أفكارًا مسرفة التجريد، وهذا العرض ‏يقوم على محاولة لتجنُّب انفعالات مستهجنة، بالهروب من عالم الانفعالات، إلى عالم ‏التصوُّرات والكلمات.‏

 

ـ الشخصيّة الزوريّة:‏

السمة الرئيسة للشخصية الزورية (بارانويا العظمة والاضطهاد) هي تضخُّم الأنا، مع ‏الكبرياء، ومشاعر الفوقيّة، تترافق بمزاج مرتاب وحذر، مع ميل للتنكُّر المعادي ‏للوسط المحيط وللتأويلات التي تسيء الظن بالآخرين، وخطأ المحاكمة العقلية مع ‏استدلال زائف لا يُقهر، يعتبر مسؤولًا عن الاضطهاد، أو العظمة وفقًا لهيمنة الريبة ‏الحذرة، أو الكبرياء الطموح لدى الشخص. فسمات هذه الشخصية إذًا، تضخُّم الأنا، ‏الريبية، خطأ المحاكمة العقلية، عدم التكيُّف الاجتماعي. ‏

تلك الشخصية، شبه الفصامية، والتي يكون لديها مقدرة بارزة على استخدام ميكانيزم ‏الإسقاط، تكشف عن ميلها إلى التدليل على أنَّ الشخص الآخر هو أسوأ منها، وذلك ‏برؤيتها للقذى في أعين جيرانها، فإذا نجح هذا الإسقاط، فإنَّ شعور الإثم يتحوَّل إلى ‏حملة أخلاقية ضدّ كبش فداء، فكثيرون من الأشخاص يحاربون الجنسية المثلية في ‏المجتمع، بدلًا من أن يستشعروا الإثم في جنسيتهم المثلية اللاشعورية، أو أنهم لا ‏يتسامحون مع نوع بعينه من السلوك عند الآخرين، دون أن يكونوا على وعي بأنهم ‏يكشفون أيضًا عن هذا السلوك نفسه. ‏

 

ـ الشخصيّة القلقة:‏

يتميَّز القلق بحالة توتريّة مؤلمة، فهو يتمثَّل بترقُّب وشعور مُسبَق بتهديد مُبهَم، يؤدّي ‏إلى شعور دائم بعدم الأمان. إنَّ القلق العائم، الذي لا موضوع له، يجتاح الكيان ‏النفسي، ويجعل من أكثر الأحداث بساطة، مصادر تهديد حقيقية. وغالبًا ما يتركز ‏القلق على الماضي، الذي ينظر إليه المريض بطريقة إزدرائية، في إطار اجترارات ‏مطبوعة بالأسف، هذا القلق يجعل الحاضر غير مؤكد، والمستقبل مشكوكًا فيه. وكل ‏حدث خارجي ينشط من جديد، يولِّد هذه الحالة من التوتر المُضني الذي يعانيه ‏الشخص، فأقل ألم يغدو مؤشرًا لمرض خطير، ولكن بسرعة تضع هذه الفرضية ‏نفسها موضع شكّ، لتحلّ محلها مخاوف تشاؤميّة.‏

 

ـ الشخصيّة السيكوباتيّة:‏

يضمُّ مصطلح الشخصية السيكوباتية مجموعة من اضطرابات الطَّبع، والأنماط ‏السلوكية التي تنم عن ميول معادية للمجتمع، تتصف بالاندفاعية، وعدم الاستقرار ‏الانفعالي والمهني- الاجتماعي، دون أن تندرج هذه المجموعة بوضوح في إطار بنية ‏عصابية، والعنصر الأكثر تميزًا، كعدم التوازن العقلي، هو في الواقع سيرة حياة هذه ‏الشخصية، حيث تكون مرصَّعة بوقائع مَرَضيّة مبكرة غالبًا، تبدو من خلالها ‏الاندفاعية، وعدم الاستقرار، وغالبًا ما تتصف طفولة السيكوباتي، بتظاهرات كحالات ‏الغضب المتكررة، والمعارضة المبكرة للأهل، والعدوانية إزاء الأطفال الآخرين، هذه ‏الحالات لا تتحسن مع مرحلة الدراسة، التي تكون عمومًا صعبة ومتواضعة. إنَّ ‏غالبية الشخصيات العدوانية، نشأت في بيئات لا تجد فيها العطف والحب، ودائمًا ما ‏يشعرون بأنهم كانوا غير مرغوب فيهم في بيئتهم الأسرية، فجميعهم، لم يخبروا قط ‏الشعور بالأمن في معظم مراحل حياتهم، وبالتالي فهم لا يعرفون معنى التضحية، ‏والسمو بالأخلاق، إذ حدث تعطّل، وفشل في نموهم الانفعالي، وفي إقامة علاقات ‏اجتماعية سويّة، نتيجة الاتجاهات السلبية التي يحملونها تجاه المجتمع منذ طفولتهم، ‏بسبب النبذ، والانفصال، والتصدُّع داخل أسرهم المضطربة التي عاشوا في ظلها. ‏

ومن أشكال العدوان المنحرف، ظاهرة الإدمان، إذ إنَّ جميع الحفزات المرضية، ‏وجميع الإدمانات (مخدرات أو غيرها) إنما هي، محاولات فاشلة للسيطرة على الإثم، ‏أو القلق، عن طريق النشاط، وإنها من حيث هي كذلك، تتصل بالاتجاهات ضدّ ‏المخاوفيّة، إنَّ المرضى يحاولون أن يعيشوا من جديد بشكل "لعبي" الأخطار التي ‏يرهبونها، ومن ثم يتعلمون السيطرة عليها، ولكن كثيرًا ما يحدث أن تنقلب اللعبة إلى ‏‏"الشيء الواقعي" فيغمرهم هذا الخطر الذي حاولوا السيطرة عليه. ‏

 

 

المراجع:‏

‏1-‏ بيير داكو، الانتصارات المذهلة لعلم النفس الحديث، ترجمة وجيه أسعد، مؤسسة ‏الرسالة، بلا تاريخ.‏

‏2-‏ ‏ مختار حمزة، سيكولوجيا المرضى وذوي العاهات، دار المعارف، مصر، ط2 ‏‏1964.‏

‏3-‏ د.تيموثي- ج. ترول، علم النفس الإكلينيكي، ترجمة د.فوزي داوود- حنان زين الدين، ‏دار الشروق، عمّان، ط1، 2007. ‏

‏4-‏ مطيع رئيف سليمان، الأمراض النفسية المعاصرة، دار النفائس، بيروت، ط1، ‏‏2001.‏

‏5-‏ سيجموند فرويد، النظرية العامة للأمراض العصابية، ترجمة جورج طرابيشي، دار ‏الطليعة، بيروت، ط2، 1986.‏

‏6-‏ أوتو فينيخل، نظرية التحليل النفسي في العصاب، ج2، ترجمة د.صلاح مخيمر- ‏د.عبده ميخائيل رزق، مكتبة الأنجلو مصرية، القاهرة، 2006.‏

‏7-‏ ‏ نيفين مصطفى زيور، في التحليل النفسي، مكتبة الأنجلومصرية، القاهرة، ط1، بلا ‏تاريخ. ‏

‏8-‏ سيجموند فرويد، خمس حالات من التحليل النفسي، ترجمة د.صلاح مخيمر- د.عبده ‏ميخائيل رزق، مكتبة الأنجلو مصرية، القاهرة، 2007.‏