شهادة إبداعية

 نور العتيبي

 كاتبة أردنية

 

اسمي نور العتيبي، كاتبة أردنيّة.. صدر لي إصداران؛ الأوَّل تحت اسم "مهما كلَّف الأمر" ويتحدَّث عن تجربتي الشخصيّة مع السرطان التي أدَّت إلى تركيب طرف اصطناعي. وأمّا إصداري الثاني فهو رواية اجتماعيّة ذات طابع دراميّ لترسيخ الحبِّ في العلاقات الإنسانيّة تحت اسم "فقدته مرتين". وحاليًّا في صدد إصدار روايتي الثالثة.

أنا ممتنَّة للحصول على فرصة للتحدُّث عن تجربتي الأدبيّة على صفحات مجلة "أفكار". 

***

 

كنتُ أعشقُ وأنتظر حصّة الرياضة المدرسيّة لدرجة من الهوس.. لدرجة ربّما كان مُبالغًا فيها بعض الشيء.. فحصّة الرياضة ومدرِّستها كانتا بمثابة السعادة الحقيقيّة لي، وخاصة بعد جدول الامتحانات والحصص المزدحم طيلة الأسبوع..

كنتُ أنتظرُ مجيء الحصّة وأعدّ الأيام لأستعدَّ لممارسة رياضة الجري بكلِّ شغف.. إلى أنْ جاء اليوم الذي شعرتُ به في ألم غير مسبوق في قدمي اليسرى.. كان الوجع شديدًا جدًّا، لم أُرِدْ في البداية أنْ أُعيرَ الموضوع أيّ اهتمام، ولم أخبر والدتي أيضًا على الرغم من قربها لي أكثر من أخواتي الأخريات.... ولكن، صار الوجعُ يزداد يومًا بعد يوم، إلى أن علمت والدتي وعلى الفور أخذتني إلى طوارئ المستشفى القريب من منزلنا، وبعد إجراء الأشعة والفحوصات، قرَّر الطبيب المختصّ أن أتوقَّف عن لعب الرياضة، وأن أتناول بعض الأدوية التي كانت عبارة عن فيتامينات، وأكَّد بأنني سأكون بخير!!

لا ندري تناقضات الحياة، ومن الصعب فهمها أحيانًا! 

هل استمرَّ الوجع؟ هل توقفتُ عن تناول الأدويّة؟ وماذا حدث بعد التشخيص الأوّلي...؟

 

في 25 نيسان/ إبريل انقلبت الأمور بشكل غير متوقع، وبينما كنتُ أغسل مريول المدرسة بنفسي؛ على الرّغم من وجود المساعدة في المنزل، إلّا أنني أفضِّل إنهاء أموري شخصيًّا... وقعتُ في وسط الحمّام، وهنا بدأت حكايتي الحقيقيّة...

أمضيتُ في المستشفى ما يقترب من الثلاثة أشهر بين عملية وأخرى، وقدمي اليسرى محاطة ب"الجبص" الثقيل جدًّا... 

أجريتُ امتحانات الفصل النهائي في المستشفى، فكان من الصعب إجراء الامتحانات كبقيّة الطالبات في المدرسة.. لم يعرف الأطباء السبب الحقيقي للورم الذي اقترب من الركبة بأكملها، وبعد مضيّ أكثر من ثلاثة أشهر تمَّ تحويلي إلى مستشفى أكثر تخصُّصًا، وهناك أعلن الدكتور عن وجود ورم نادر في العظم، وأنه لا بدَّ من إجراء عمليّة بتر -حالًا - للساق! 

لا أبالغ إنْ ذكرتُ أنَّه كان لديَّ شعورٌ غريبٌ وقويٌ بفقدان الساق... كان والدي في حالة من الذُّعر وعدم التصديق.. فقرّروا أن يبحثوا عن حلول بديلة في داخل الإمارات وخارجها، ومن أوَّل الدول التي حصلنا على ردّ منها المملكة المتحدة.. كانت النسبة ضئيلة جدًّا ولكن هناك أمل بعدم فقدان الساق! هناك حلّ آخر وإن كان في مكان بعيد، ولكن لا بدّ من الذهاب إليه مهما كلّف الأمر والثمن!!!

سافرنا أنا ووالدي إلى "مانشستر"، وكانت المرة الأولى التي نسافر فيها إلى بريطانيا، ربما نسيتُ الهدف الأساسيّ للسفر على قدر ما كان تركيزي في جمال المدينة وجمال طبيعتها اللامتناهي..

وبعد إجراء الفحوصات، وللأسف، كان القرار؛ هو القرار نفسه الذي كنّا قد حصلنا عليه أنا وأهلي سابقًا.

ربما الأسباب تختلف، ولكن الهدف هو نفسه، والزمان والمكان هما الفيصل.. 

تقبَّلتُ قرار الطبيب وبسرعة، ولم يكن هناك خيار آخر لكي أختار، فكان كل شيء محدودًا جدًا وبشكل أصعب من أن يُفسَّر....

انتهى الوجع هناك وخرجتُ من غرفة العمليات، وكانت عمليتي قد استمرت لساعاتٍ طويلة بين الخوف والأمل والألم..

هذه أنا. تعلَّمتُ معنى الوجع منذ نعومة أظفاري.

ونضجتُ أكثر، فالتجربة علّمتني الكثير الكثير، وأجمل ما اكتشفته هو الكتابة!

فتمَّ إصدار مولودي الأوَّل تحت عنوان "مهما كلّف الأمر" باللغتين الإنجليزيّة والعربيّة، وهو يتحدَّث عن تجربتي الكاملة.

واليوم أنا بصدد إصدار كتابي الثاني، وهو عبارة عن رواية ذات طابع دراميّ لا تمتّ بصلة بنور العتيبي، وتجربتها مع مرض السرطان.

وأخيرًا، 

لا بدَّ من مواصلة البحث عن السعادة على الرغم من كل الصعاب.

وما تعلمته من هذه التجربة، وبالرغم من قسوتها، أن نتطلّع إلى المستقبل، وأن لا نخضع للألم مهما كلّف الثمن.

لا أقول هذا من باب التنظير، هو ليس تنظيرًا، وإنَّما هو واقعٌ، وهذا ما حصل معي.. قرّرتُ أن أكتب ولولا هذا التجربة المريرة لما كتبتُ وأصدرتُ كتابًا يمسّني شخصيًّا..

وأنا اليوم كلّي أملٌ ويقين بأنَّ القادم أفضل وفي وقته المناسب. وأن تكون لي الفرصة أن يتحوّل كتابي وروايتي القادمة إلى عمل دراميٍّ فنيٍّ..

فرسالتي الأخيرة لكلِّ شخصٍ فقد عزيزًا أو عاش التجربة نفسها التي عشتها أن لا ينتظر الدعم من أحد، وأن يكتشف ذاته من خلال التجربة. 

وكما أقولُ دائمًا بأنَّ في الكتابة حياةً أخرى أعيشها.