الاتجاهاتُ النقديّةُ في الأردن

مداخلة د. زياد أبو لبن

ناقد وكاتب

إذا سلمنا أنَّ العملية النقديّة تسبق رصد الاتجاهات في النقد الأدبيّ، فإنّنا نكون قد حدّدنا مفهوم الاتجاهات النقديّة ألا وهي عملية وصفية محايدة؛ أي لا تسعى إلى الكشف عن مكنونات النص الأدبيّ، ومن خلال الورقة التي قدمها الدكتور عماد الضمور بعنوان: "حركة النقد الأدبي في الأردن (واقع وتطلعات)" نتبيّن أنَّها جاءت لتحدّد الاتجاهات النقديّة؛ أي أنّها عملية وصفية لما آل إليه النقد في الأردن.

قبل الوقوف على رواد الحركة النقديّة في الأردن لا بدّ من الإشارة إلى المحاولات النقدية الأولى قبل الريادة، فالجهود التي قام بها حسني فريز، ويعقوب العودات، وعيسى الناعوري، وعبدالحليم عباس، ومحمود سيف الدين الإيراني، وغيرهم، هي في باب التأسيس الذي سبق الريادة، وتلك الكتابات لم ترسم معالم اتجاهٍ نقديٍّ محدد، بل ترسّلًا في استكشاف مضامين النصوص الأدبيّة، ومحاكاتها للواقع في أطر النظام الاجتماعيّ الأخلاقيّ، وعلاقة تلك الأعمال الأدبية بسيرة كاتبها، فقد نهج هؤلاء نهج التحليل الأدبي المرتبط بالتجارب الحياتيّة للكاتب نفسه، فنحت كتاباتهم منحى المنهج الشمولي أو التكاملي.

أمَّا جيلُ الرواد فقد انشغل في النقد الأكاديميّ الذي يقوم على أسس علميّة في دراسة النصوص الأدبية وبصرامة المنهج الذي تقوم عليه تلك الدراسة أو تلك، ومعظم هذا الجيل هم من أساتذة الجامعات، أمثال: د. ناصر الدين الأسد، وسمير قطامي، وخالد الكركي، وعبدالرحمن ياغي، وإحسان عباس، وغيرهم، ولا ينتمي هؤلاء الروّاد لمدرسة نقديّة محددة أو اتجاه أو تيار نقدي.

وبرز تيار نقدي متزامنًا مع جيل الروّاد ومتخطيًا له، حيث اشتغل على النصوص الأدبيّة في إطار مفاهيم القراءة ونظريات التلقي، أمثال: فخري صالح، وإبراهيم خليل، وعبدالقادر الرباعي، وأحمد الزعبي، وبسام قطوس، وغسان عبدالخالق وغيرهم.

كما ظهر جيل من النقاد اتخذ من النقد النصيّ منطلقًا لكتاباته، فجاءت تلك القراءات النقديّة انطباعيّة في جانبٍ منها، وفي جانبٍ آخر تركّز على المكوّن النصي، فلم تظهر ملامح واضحة للمنهج النقدي الذي اتبعوه، بل وقعوا في تعدد المنهاج؛ أي يتناولون في كل دراسة من دراساتهم على منهجٍ مختلف عن الآخر، ومن هؤلاء: محمد القواسمة، وعماد الضمور، ونضال الشمالي، وزياد أبو لبن، وعبدالله رضوان، ونزيه أبو نضال، وراشد عيسى، ومريم جبر، ورزان إبراهيم، وغيرهم. 

يبقى القول إنَّ النقد يعيش أزمةً لا تختلف عما يعيشه الإبداع، ليس فقط في الأردن بل في الوطن العربي برمّته، ولا توجد مدرسة نقدية عربيّة لها محدّداتها أو ملامحها، فالمدارس النقديّة التي ظهرت في الغرب يتلقفها النقّادُ العربُ على علّاتها ويشتغلون عليها سواء اتّفقت مع المكّون الثقافي لبيئة النص أو اختلفت، مما أوقعهم في فهم المصطلحات النقدية، ولعلَّ الترجمات الرديئة هي السبب الأكبر في بروز ما يسمى بأزمة المصطلح.