النقدُ والمتلقي والذائقة

 

 

مداخلة أ. أكرم الزعبي

رئيس رابطة الكتاب الأردنيين

أعترفُ بأنَّني لستُ ناقدًا، ولم أكتب في النقد يومًا، لكن، ولعلّي بصفتي متلقيًّا أشيرُ إلى بعض الأفكار التي تراودني كلّما استمعتُ أو قرأتُ منتجًا إبداعيًا، فأتساءل عن النقد أينه؟، ومن المسؤول عن تردّي الذائقة في الآونة الأخيرة؟، ومع علمي بأنّ الأمر أكثر تعقيدًا من أن ألقي اللوم على النقد أو النقّاد، لكن ولأنّ هذه الورقة تتحدث عن النقد، فأحصر حديثي عن النقد في عجالة.  

من المعروف أنّ للنقد الدور الأبرز في توجيه بوصلة الأدب والإبداع بالاتجاه الصحيح، ولا يستقيم حال الأدب والإبداع من دون حركة نقديّة تصحّح وتصوّب المسارات الأدبيّة والإبداعيّة، فإذا انحرف الأدب والإبداع عن مسارهما جاء النقد للتصويب والتصحيح، ولكن ماذا لو انحرفت البوصلة النقديّة؟!.

لا شكّ أنّ المشهد الأدبي والإبداعي خاصّة مع وجود وسائل التواصل الاجتماعيّ يعجّ الآن بفوضى يمكن تسميتها (فوضى المشهد الثقافيّ)، وتتعاظم هذه الفوضى مع تراجع واضح في الحركة النقديّة، وقلّة عدد النقّاد، وندرة النقّاد الحقيقيين الذين يبتعدون عمّا نراه الآن من (نقد مجاملاتي) يقوم على العلاقات الشخصية للترويج، بغض النظر عن جودة المنتج أو محتواه.

من أهم  وظائف النقد إبراز الجماليات في أيِّ منتجٍ أدبي أو إبداعيّ، والإشارة إلى الهنات أو حتى السلبيات في هذا المنتج، وهو بذلك يقوم بوظيفة أهم من الوظيفة السابقة، وهي وظيفة الارتقاء بالذوق العام عند المتلقي، فإذا علت ذائقة المتلقي أصبح لزامًا على المبدع أو الكاتب أن يكون حذرًا عند نشر منتجه، فيصبح هو نفسه الرقيب على إنتاجه، والناقد الأول له، ثمّ يكون المتلقي الناقد الثاني لهذا المنتج، ومن بعده يكون الناقد المتخصّص الذي يؤكد على صحة النقدين الأول والثاني، أو خطأ هذين النقدين على أسس تبتعد عن الشخصنة أو المجاملات الاجتماعية.

إلى ماذا نحتاج إذن؟؟، برأيي أنّنا نحتاج إلى إعادة الذائقة التي أكلتها وسائل التواصل الاجتماعي، وإلى جرأة في الطرح تصلُّ إلى أن نقول لمن يفرض نفسه على المشهد الإبداعي فرضًا، بأنّ هذا المكان ليس لك، وأن نزيد من المساحة المخصّصة للنقّاد الحقيقيين على المنابر والمجلات الورقيّة والإلكترونيّة، كي نتمكن من تصحيح الذائقة، ومن بعدها تكون مهمة الناقد أسهل في التعامل مع المنتج الإبداعيّ.