المشهدُ النقديُّ اللاهث

 

 

مداخلة د. حسن المجالي

ناقد وأكاديمي

 

لا يمكن إنكار مجموعة من الجهود النقديّة التي دأب بعضها على مقاربة الظواهر الأدبيّة عبر قراءات اعتمدت  بعض آليات مناهج النقد القديم تحديدًا  -كالمنهج التاريخي والاجتماعي والنفسي - ومال البعض باتّجاه اجتراح قراءات لم تستطع أن ترقى إلى مستوى المنهج؛ كتلك التي حاولت قراءة الشعر الجاهليّ قراءةً أسطوريّة؛  كما صنع نصرت عبدالرحمن مثلا ...

لكن لا مناص من تلخيص أبرز الملحوظات الجوهريّة حول المشهد النقديّ الذي حاول الدكتور عماد تقديم قراءة بانورامية له على النحو التالي:

-لا ينفصل المشهد النقديّ في الأردن عن المشهد العربيّ عمومًا، من حيث فوضى المصطلحات وغياب المرجعيّة الواضحة، والاكتفاء باستجلاب بعض المفاهيم والإجراءات المنهجية من مناهج نقديّة شتى، والاتكاء عليها في عملية القراءة والتحليل. 

-تقوم معظم القراءات على فكرة الانتقاء وفق رغبة الناقد من جهةٍ، أو قابلية النص لتطبيق آليات قراءة بعينها وإجراءاتها.. الأمر الذي يشكّك بمصداقية المنهجيّة المتبعة وتعسّفها أحيانًا .

-تتبدى فكرة الحداثة بوصفها مفهومًا مضطربًا وشائكًا وملتبسًا رآه البعض مناقضًا للتراث؛ الماضي، ومتجاوزًا له، شكلًا ومضمونًا، وهو ما قاد البعض إلى البحث عن النصوص (الحداثيّة !!) دون سواها .

-لا بدَّ من الإقرار بأنَّ النقد العربيَّ بعامة والأردنيّ بخاصّة، ما زال يلهث وراء تلك الحركة المتسارعة التي تتوالد فيها مناهج النقد في عملية تتصارع فيها الفلسفات الكامنة وراءها، والتي يمكن أن يلحظها أيُّ دارسٍ للنقد منذ مناهجه القديمة: التاريخيّ والاجتماعيّ والنفسيّ، وصولًا إلى المناهج الحديثة: السيميولوجيّ والبنيويّ، بتحولاتها المتعاقبة: البنيويّة التكوينيّة والاجتماعيّة... فالتفكيكيّة، وصولًا إلى نظريات القراءة والتلقي والتأويل ...

فلسفاتٌ تُعدُّ مرجعياتٍ راسخةً لأصحاب هذه المناهج بعضها يعاند كل منظوماتنا الفكريّة والقيميّة والأخلاقيّة، التي لا بدَّ أن ننسج منها وبها فلسفتنا العربيّة الخاصّة القادرة أكثر من سواها على مقاربة المنتج الأدبيّ العربيّ، وإبراز خصوصيته ومساعدة المبدعين على تأكيد هذه الخصوصيّة، لا مقاومتها أو الحكم على جودتها أو تواضعها وفق معايير الآخر، تلك التي إذا قبلنا بعض إجراءاتها، فمن غير المعقول الاستلاب التام  إلى مقولاتها التي بدأت بسلطة المؤلف، وانتهت بموته، وإعلان سلطة النص، ثم اغتالته بإعلان سلطة القارئ، ولا نهائيّة القراءات عبر تأويلات لا تحدُّ.. وهو ما يعني اغتيال المعنى /الحقيقة الذي لا بدَّ وأن يبقى غاية كل نص؛ حتى لا يكون الأدب والفن عمومًا لعبة عبثيّة لا غاية لها خارجها، وهي مقولة بعض المناهج التي ما زال بعضنا يدافع عن إيمانه بها، وأنَّها النموذج الأرقى في التعامل مع الأدب والفن .