النقد والإبداع ثنائية جدليّة؛ تسعى إلى التكامل.

 

 

تقديم

بخصوص المشهد النقديّ الأردنيّ

د. أماني سليمان

أكاديمية وكاتبة

أرحبُ بكم جميعًا، وأحييكم في ندوتنا/ مائدتنا المستديرة هذه التي تأتي في سياق توجّه هيئة تحرير مجلة أفكار؛ لعقد سلسلة من الندوات الخاصّة تحت عنوان: (المشهد الثقافيّ الأردني) بحيث يتمُّ فيها استقطاب خبراء ومختصين للتحاور في مناحٍ ومحاورَ متعددة لرسم مشهدٍ للحركة الثقافيّة والفكريّة في الأردن، وذلك لرفد المجلة بمحتوى فكريٍّ نقديٍّ ومعرفيٍّ رزين يصعد بالمجلة ويثريها، ويمنحها شيئًا من الحيويّة يربط محتواها بالواقع والمأمول. 

وستشكّل هذه الندواتُ جزءًا من محتوى مجلة أفكار يتجاور مع المحاور التي اعتادت أفكار أن تشتمل عليها عبر سني صدورها.

تنعقدُ المائدةُ المستديرة اليوم حول (المشهد النقديّ في الأردن)، حيث سيكون النقدُ المحليّ وقضاياه وإشكالياتُه موضعَ حوارنا وجدلنا، واتفاقنا واختلافنا.

وهنا أطرحُ مجموعةً من التساؤلات التي يمكن أن تكون منطلقًا لتداخلاتكم ومحطًا لنقاشكم وإبداء رؤاكم حولها، وما يمكن أن تتفرع عنها، ومنها:

ما هو النقدُ المحلي الذي نتحدث عنه اليوم، ماهيته، مفهومه، قضاياه؟ وما هي وظيفته وقواعده؟ وهل نعيش أزمةَ نقدٍ محليّة؟

من هو الناقد، متى يكون الناقد ناقدًا، أي متى يكون حصيفًا مستحقًا لصفة الناقد؟. 

هل كل ما نقرأه من كتابات حول الأعمال الأدبيّة والإبداعيّة في الأردن تُعد نقدًا؟ ماذا عمّا يُسمّى بالنقد الأكاديميّ وغير الأكاديميّ، النقد الانطباعيّ، والنقد الصحفيّ، والنقد الأخويّ أو الإخوانيّ؟.

ما أثر العلاقات الشخصيّة في النقد في ساحتنا المحليّة؟.

بمَ يهتمُّ النقد عندنا، بمَ يهتمُّ النقّاد عندنا؛ أي بأيّ أدب؟!! هل هو المحليّ أم العربيّ أم العالميّ، وبأيّ نوع من الأجناس؛ السرد أو الشعر، وأيّ نوع من السرود، وأي نوع من الشعر؟ وبمن يهتمون من المبدعين؛ بالمبتدئين، بالمخضرمين، بالمحترفين، بمن نالوا جوائز، بمن تشابكوا في علاقاتِ صداقةٍ معهم/ مع النقاد؟

ما هو العملُ الأدبيُّ الذي يستحق النقد، في ظلِّ توسّع سبل النشر وسهولته؟ إلى أي حدٍّ يجاري النقد المحليّ ما يُنتج أو يُنشر من أعمال إبداعيّة محليّة؟

هل النقدُ يؤثرُ في الأدب؟ هل يؤثر في الأديب ونتاجه وأعماله؟

هل لدينا مدارس نقديّة لها ملامحها وسماتها الفارقة؟ وما نوع النقد عندنا؟ وهل يمكن منهجة حركة النقد الأدبيّ في الأردن؟  وما إشكاليات النقد التي نواجهها؟ أين يمكن تصنيف النقد الأردنيّ في ظلِّ ما يُنتج من نقد في الوطن العربيّ؟

ماذا عن التأثر والتأثير في النقد المحليّ، والترجمة وإشكاليات المصطلح، ونظريات النقد الحديثة؟

هذه وغيرها من التساؤلات والمحاور، يمكن أن نتفكّر بصوتٍ عالٍ حولها، ونبدأ بورقة الدكتور عماد الضمور، الذي سيعرض لنا بانوراما خاطفة سريعة للمشهد النقديّ في الأردن وفق رؤيته، ومن ثم نفتح باب التداخلات التي قد تكون مع أو ضد طروحات هذه الورقة، وقد تأخذنا إلى رؤى خاصة بالمتداخل، ويمكنها أن تقف عند التساؤلات التي طرحتُها قبل قليل.*

*رُتّبت المداخلات في هذا الملف من منظورٍ موضوعيٍّ وتاريخيٍّ وفني.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

  

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ا

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مداخلة مخلد بركات

روائي وكاتب دراما

لعلَّ الارتباطَ واضحٌ بين عمل الصيرفي فهو الذي يميز النقود الزائفة من الحقيقية، والخبير بالنص، الباحث عن دلالاته الخفيّة، والذي يسمى اصطلاحا بالناقد، فكلاهما يميز الخبيث من الطيب، ولديه الخبرة في هذا الكشف الذي يضع الأشياء في مسارها الصحيح تحقيقًا للفائدة، وتأكيدًا لفرضية أنَّ النقد والإبداع عينان في وجه واحد.

 للنقد ما يبرره، ويجعل منه حاجةً معرفيّة وقيميّة لا سبيل إلى غيابها، فهو المعادل والمكافئ للنص الإبداعي، في الإثراء المعرفيّ وتحسين مناظيرنا للجمال، ورفع الذائقة لفهم النصوص وامتثالها في الحياة. وحين نطالع تاريخ أي أدب في العالم نجد هذه الثنائية المتسايرة معا، النقد والإبداع، في جدليّة تسعى إلى التقريب والحفر والاكتشاف، حينًا، وحينًا آخر وخاصّة في معظم البلدان العربيّة نجدها تنحى في المجمل نحو الاختلاف والقطيعة، أو التطبيل لأعمالٍ لا ترقى للفنيّة السويّة، أو الإبداعيّة الأصيلة، إذن هناك إشكالية لا تخفى في العلاقة الملتبسة بين النقد بوصفه أداوت تحلّل النص وتفككه بغية سبر أغواره والنص الإبداعي بوصفه بوحًا جماليًا يحمل قيمه ومحمولاته الفكريّة، وبذور استمراره نصًّا فاعلًا ومؤثرًا في المتلقي.

وتتشابك ظروف وملابسات عديدة في رسم أطر هذه العلاقة، تكمن في غياب تقبّل النقد في سياقاتنا الثقافيّة والاجتماعيّة واعتباره نوعًا من التجريح والتقليل من قيمة الشيء عن قصد، وهذا الأمر ولّد فينا ثقافة المسايرة، أو المديح الزائف، أو النفاق الاجتماعيّ، وتقبّل الفكرة الغوغائيّة الخياليّة الخارجة عن النطاق العقليّ، والتقنع بخطاب لا يمثل ذائقتنا النقدية الأصيلة، ولعلَّ في ثقافتنا الشعبيّة العديد من الأمثال التي تدعم فكرة التقبّل بلا تمحيص؛ من  مثل " إذا اثنان قالا على رأسك بطيخة تحسّس رأسك". ولعلَّ غياب التفكير الناقد كمنهجٍ علميٍّ تربويٍّ عن مناهجنا ومدارسنا جعل من الأغلبية تأنف النقد وتنفر منه، وصرنا نتقبل الأشياء كما هي دونما بحثٍ أو تمحيص، ونتصارع مع جهات النظر الأخرى بالرفض بحجّة أنَّها تنال من خصوصيتنا.

إذن النقد وتقبل الرأي الآخر والحوار المنتج البناء في صيغ من العصف الفكريّ والتسامح، يحتاج تربةً خصبةً، تتمثل في نضوج الفكر والعقل التحليليّ والابتعاد عن التحسس والمحسوبيات والتفكير الضيق المحدود، وحين تتوفر هذه المعطيات ربما ينجح النقد في مجتمعاتنا على مختلف الصعد، ونحقّق تطورًا في مختلف المجالات، وحينها يمكث ما ينفع الناس والزبد يذهب جُفاءً، ولن نستنوق الجَمل.  

وأعود للبدء للعلاقة المركبة الجدليّة بين النقد والنصِّ الإبداعيّ هذه العلاقة إن سارت في طريقها العقلانيّ والموضوعيّ، ضمن آليات علميّة وذوقيّة محترمة في النقد؛ فهي تسهم في ازدهار الكتابة الإبداعيّة وفي تنشيط الحركة الأدبيّة، وتوفير نصوصٍ عملاقة تؤثر وتبني الإنسان، والإبداع من جهة أخرى حينما تتوافر مقومات نجاحاته كنصوصٍ إنسانيّة فذّة فهي تخلق بالمقابل حركة نقديّة نشطة وعميقة كي تسايره. وحينها يتحقّق ما نصبو إليه.. تكاملية مفيدة تخلقُ فضاءاتٍ رائعةً من التحليق الأدبيّ، وحينها يُرى النصُّ الإبداعيُّ من بعيد، على حد تعبير "رولان بارت".