المثقَّف وإنتاج المعرفة: ‏ وطأة الماضي واستهلاك الحاضر

‏ رياض الصبح

باحث أردني

riyadrights@yahoo.com

 

ما زال المثقف العربي يقف عند سؤالٍ طُرح قبل أكثر من قرن: لماذا تقدَّم الغرب وتأخَّرنا نحن؟ ‏ممّا جعله ينتهج إمّا إلى نقد التراث العربي الإسلامي ودونما جرأة كافية، وإمّا الذهاب إلى الآخر، ‏وهو الغرب، ومحاولة محاكاته والتعلُّم من أدبيّاته الفلسفية، وإمّا التوفيق بينهما. وهي جميعًا ‏خطابات استلاب وتلقٍّ وتلقين أكثر من أن تكون إنتاجًا للمعرفة، ذلك الإنتاج الذي يتطلب إعادة ‏النظر بسياسات التعليم، والبحث في عصرنة العلوم، وتحقيق الشروط الموضوعية للإبداع، ‏وصولًا إلى كيفية التشابك مع الخطاب العالمي، والتفكير في دور المثقف السياسي والإنتاجي ‏والصناعي.‏

 

يواجه مجتمعنا الأردني، والعربي عمومًا، إشكالية إنتاج المعرفة في زمننا المعاصر، حيث نعيش ‏حالة من اجترار المعرفة من الموروث الثقافي الذي نمتلكه، أو من الغرب بما لديه من تطوّر ‏علمي وتقني وفكري، ما أنتجَ تحديات أساسية من ضعف للبنى السياسية وعدم القدرة على تقرير ‏مستقبلنا، وضعف في البنى الاقتصادية من وهن الإنتاج الوطني وعدم استثمار الموارد الطبيعية، ‏وأصبحنا مجتمعات تستهلك ما ينتجه الغرب وبعض الدول الأخرى، وضعف في البنى ‏الاجتماعية من أزمات في التعليم والتشظّي الاجتماعي والنّزاعات ومشاكل أسريّة وغيره.‏

فما هي شروط إمكان الإنتاج المعرفي لدى العرب؟ ‏

لكي نجيب عن هذا السؤال، نحن بحاجة إلى الوقوف على أبرز مكامن ضعف إنتاج المعرفة ‏وكيف يمكن تجاوزها وحلّها.‏

 

التَّعليم وتكوين المثقَّف

إذا نظرنا إلى التعليم في الأردن، سنجده قد خطى خطوات جيِّدة على المستوى الكمّي، ولكن لم ‏ترتقِ أدوات التعليم إلى إنتاج المعرفة حقًا، حيث يشكّل أسلوب التلقين الذي يُنتهج في مدارسنا ‏وجامعاتنا حالة طاغية. يقدِّم المعلم في المدرسة وأستاذ الجامعة المعلومات إلى الطلبة ممّا تعلَّمه ‏من العلم الحديث أو القديم، ويطلب من الطالب إعادته إلى المعلم، وليس أنْ يقوم الطالب بإنتاج ‏المعرفة، وهو ما يصطلح عليه بـ"التعليم البنكي".‏

من أجل تجاوز هذه الإشكالية، يتطلب الأمر تغيير فلسفة ونهج التعليم بحيث يصبح الطالب ‏متفاعلًا مع المعرفة؛ أي يتلقّاها في حين ويُعيد التفكير بها ويُعيد صوغها بحريّة وشغف، وأوَّل ‏ما يتطلبه ذلك هو البحث عن ميول هذا الطالب إن كانت سمعيّة أم بصريّة أم عمليّة، وإن كان ‏لديه ميولٌ أدبيّة أم فكريّة أم فنيّة، ويكون العمل بتوجيه الطالب ومساعدته على إنماء ملكاته ‏بحسب ميوله. هذا الأمر يتطلَّب وضع نهج وأسس للوصول ولكشف ميول الطالب واهتماماته ‏ابتداءً، ولا يمكن أن يحدث ذلك دون تطوير وسائل التعليم، من استخدام المختبرات والتكنولوجيا ‏الحديثة وغيرها.‏

نقطة ثانية تتعلّق بتعليم الفلسفة والتفكير الناقد، فلا ينبغي الاستكانة إلى أيّ معرفة يتلقاها الطالب ‏على أنها مسلّمات، بل يجب تحريضه على استلهام ملكته لكي ينتقد ويحاجج ويجادل مع أيّ ‏معرفة متلقاة، سواء في الكتب أو من خلال معلّمه. وهنا، نشير إلى ما يعانيه الطالب في مجتمعنا ‏من عقليّة قطعيّة (دوغمائية) تقوم على التسليم بما يعرفه أو يُعطى له نتيجة ثقافة الموروث ‏والتقلين والحفظ، والظنّ بأنَّ ذلك يساعد على حفظ هويَّتنا وحضارتنا دون النظر إلى الفارق ‏الزمني والمعرفي، بل يتلقى الطفل ذلك من صغره في المنزل، وتعزِّزه منظومة التلقين في ‏المؤسسات التعليمية، ولا عجب أنْ نشهد أنَّ أكثر هؤلاء الطلبة نجدهم في كليات العلوم الطبيعية ‏في جامعاتنا، على الرغم من فرضيّة أنَّ الطلبة في هذ الكليات هم من "أفضل" الطلبة في ‏التحصيل المعرفي عبر نتائج الثانوية العامة، وتفسير ذلك أنَّ ما انتهجه من وسائل لتلقي المعرفة ‏قائم على التسليم بالمعلومة المُعطاة مع غياب النقد والفلسفة في مدارسنا الأردنية، وأيضًا في ‏الجامعات إلى حدٍّ ما، فيصبح الطالب مستلبًا باستمرار لتلقي المعرفة دون نقد حقيقي، والتَّسليم ‏بوسائلها ونتائجها على الرغم من أنها قادمة من العلم الحديث، بينما يتلقّى الطالب في الغرب ‏علوم الفلسفة والنقد ويتعلّم منذ الصغر الابتعاد عن المسلّمات، ومحاولة التفكير بأن يبدع ويطوّر ‏في المعلومة المتلقاة من زمنه، والتفكير في نقلها إلى المستقبل من خلال تفعيل ملكته وتطوير ‏تلك المعرفة التي يريد.‏

يساوق ذلك الحاجة الملحّة إلى تعزيز الحريات البحثية والأكاديمية في المدارس والجامعات للمعلم ‏والأستاذ والطالب، دون قيود أو خضوع لأيّ سلطة سياسية أو اجتماعية كانت، وهنا نتساءل عن ‏حجم الإنفاق على البحث ودعم المشاريع البحثية ومدى انخراط الدولة والقطاع الخاص بها، أي ‏أن يكون التعليم منخرطًا في هموم وحاجات المجتمع، وألّا يكون التعليم من أجل التعليم وحسب.‏

ونتساءل أيضًا إلى أيّ مدى يقرأ الطالب العربي للمثقفين والمفكرين العرب الذي يحاولون تقديم ‏رؤى وتحليلًا لإشكالية التخلف العربي والعمل على الولوج إلى عصر النهضة، إذ تنحصر هذه ‏القراءات بين عدد من المختصين والمثقفين وبعيدة عن اهتمامات الطالب العربي.‏

 

المثقَّف وعصرَنة المعارف

يُضاف إلى ذلك، مشكلة أخرى تتمثّل في الحاجة إلى عصرَنة العلوم والمعارف، فبالنَّظر إلى ‏المواد التعليمية المقدَّمة في الجامعات نجد أنَّ ما تسمّى منها علومًا ومعارف حديثة لم تتجاوز في ‏أحسن الظروف منتصف القرن العشرين، بل إنَّ بعضها ترجع إلى بدايته، وهذا أكبر دليل على ‏أنَّ زمن المعاصرة إمّا أنه ليس لها معنى عندنا، أو أنه مختلط مع عصر الحداثة، وإمّا أنَّ هنالك ‏إصرارًا على أنْ نبقى خارج التاريخ.‏

وبالطبع، نجد هذه المشكلة في تناوُل العلوم الإنسانية في جامعاتنا أو في أبحاث الأكاديميين أو ‏المثقفين، خاصة علم الاجتماع والسياسة واللغويات وغيرها. وبلا أدنى شكّ، فإنَّ العلوم الدينية لم ‏تدخل أصلًا عصر الحداثة، لأنها تستند في معارفها إلى التفسير النصّي، وعلى الرغم من أنه ‏يمكن لها أن تدخل العصرنة في ما لو قبلت تدريس التأويل الحديث للنص الديني، والذي ما زال ‏بعيدًا عن جامعاتنا.‏

بناء على ذلك، ينبغي أن يتعلَّم الطالب المعارف والعلوم بحسب تطوُّرها التاريخي، ولكن أهمها ‏تلك المعارف التي هي في الزمن المعاصر، أي تلك التي ما زالت في طور التكوين، وما زال ‏الحجاج بها طازجًا وحثيثًا، ويحتاج المتعلم أن يندغم معها ويكون جزءًا من هذا الجدال المعرفي ‏والثقافي، فهكذا يولد المثقف، يولد من رحم توالُد الأفكار في عصرها وليس من خلال النقل عمّن ‏سبقونا، وهكذا يتمّ تعلُّم المُحاججة والمُناظرة ويكون من بعد الإبداع، وهكذا يُخلق المتعلّم ‏المعاصر والمثقف المحاجج والذي يساهم في المشاركة في رؤيته في الزمن المعاصر. باختصار ‏نحن بحاجة للولوج إلى العصرنة، أيْ عصرنة التعليم والثقافة وعصرنة المثقف من بعد.‏

يحتاج ذلك إلى حركة مكثّفة للترجمة للمعارف العلمية المعاصرة، ويساوقها في الوقت ذاته ‏تعزيز تعليم اللغات الأجنبية والتي ينبغي ألا تقتصر على الإنجليزية واللغات الأوروبية، بل تشمل ‏أيضًا الصينية واليابانية وغيرها من اللغات، وإنشاء مراكز بحثيّة تتناول آخر المستجدات في ‏المعارف العالمية، وربّما بحاجة أكبر إلى إنشاء مجلس علمي أردني، وآخر عربي.‏

 

المثقَّف وإمكان الإبداع

ينبغي للمثقف أن ينعم بالحريّة، ولا نقصر الأمر على الحاجة لهذه الحرية أمام السلطة السياسية، ‏بل أيضًا أمام السلطة الاجتماعية، فالمفكر أو الباحث أو الأكاديمي ينبغي أن يعيش حالة من ‏الحرية أعلى من أيّ وضع آخر، ولا يخضع لأيّ قيد، بل إنَّ المطلوب منه هو النقد والتحليل كي ‏يلج إلى حالة الإبداع. يمكننا جميعًا أن نلاحظ حجم القيود "الذاتية" للباحث أو المثقف في تناول ‏أيّ مسائل تتعلّق بالسياسة أو التفكير الديني أو نقد المجتمع، ممّا يجعله –وللأسف- عرضةً ‏للمساءلة على المستوى القانوني والاجتماعي، فكم من نص قانوني يقيِّد تلك الحرية تحت دواعي ‏السلم المجتمعي أو المسّ بالمقدَّس أو غيره.‏

المثقف بحاجة -أيضًا- إلى أن يحظى بمكانة مرموقة ويُنظر إليه بوصفه مرجعًا ثقافيًا ومعرفيًا، ‏يدفع باتجاه المعرفة قدمًا ويقارب من خلالها قضايا الفن أو السياسة أو نقد التراث أو المجتمع، ‏وعلى أرض الواقع من خلال تناول قضايا مجتمعه دون مجاملة أو مواربة، وأن يشعر أنه حر ‏طليق وصاحب إرادة ناقدة، ولكن -للأسف- فإنَّ معظم تلك الأبحاث والدراسات التي تُنتج في ‏الأردن، والعالم العربي عمومًا، إمّا أنها تكون خجولة في جرأتها، أو مجامِلة للمجتمع أو تبحث ‏في مسائل اجتماعية أو تراثية دون نقد حقيقي، أو تجميعًا لمعلومات ومعطيات تتعلق بما قدّم لنا ‏العلم من الغرب، أو انتقادًا للثقافة الغربية أو العالمية من باب إثبات حُسن سيرته وسلوكه تجاه ‏ثقافته، وبالطبع فإنَّ هذا الكلام ينطبق على مختلف العلوم، ولكن بشكل خاص العلوم الإنسانية ‏والدينية عمومًا.‏

 

المثقَّف والتَّشابك مع الخطاب العالمي

أبرز ما يمكن الحديث به حول علاقة المثقف بالخطاب العالمي يقع في مسألتين، أوَّلهما الفلسفة ‏وثانيهما حقوق الإنسان، بالنسبة إلى الفلسفة وإنتاج المعرفة، فنجد مثقف العالم العربي ما زال ‏عند سؤالٍ طُرح قبل أكثر من قرن، وهو لماذا تقدَّم الغرب وتأخَّرنا نحن؟ ممّا جعلهم ينتهجون ‏إمّا إلى نقد التراث العربي الإسلامي ودونما جرأة كافية، وإمّا الذِّهاب إلى الآخر، وهو الغرب، ‏ومحاولة محاكاته والتعليم من أدبيّاته الفلسفية، وإمّا التوفيق بينهما. وهي جميعًا خطابات استلاب ‏وتلقٍّ وتلقين أكثر منها إنتاجًا للمعرفة.‏

إنَّ المثقف العربي، والأردني، مطلوب منه محاكاة متطلبات الحياة المعاصرة، والعمل على ‏تجاوزها من بحث ونقد ذاتي للسؤال المعرفي أساسًا، حول السلطة والمجتمع والثقافة وفلسفة ‏العلم، محاولًا الخروج برؤية ذاتية، ولكن من خلال إعادة طرح السؤال عالميًّا.‏

أمّا بالنسبة إلى حقوق الإنسان، فهي لا تقل إشكالية عن الفلسفة، فنحن ما زلنا نرفض خطاب ‏حقوق الإنسان، بحجة أنه بدعة غربية ودونما الالتفات بدءًا إلى مشروعية هذا الخطاب، الذي ‏يسعى إلى إدماج العالم بمنظومة عالمية، حيث يتم رفضها لدى الكثيرين من باب المحافظة ‏والخوف على إرثنا التاريخي وهويتنا التي تجمّدت عند القرون الوسطى.‏

إنَّ حقوق الإنسان هي تأكيد على أنَّنا جزءٌ من العالم المعاصر والقائمة على الحقوق الطبيعية، ‏ولكن يبقى السؤال هل ينبغي أن نتلقّاها من الأمم المتحدة دونما اعتبار لأيّ خصوصية، أم ‏نرفضها؟ وما هو دورنا؟ إنَّ إنتاج المعرفة الحقوقية يتطلب منّا أن نتفاعل مع المنظومة الدولية ‏كي نساهم في تطويرها، لأنَّ حقوق الإنسان هي مبادئ كلية عالمية تشكل الحد الأدنى بما توافَقَ ‏عليه العالم، وبإمكاننا أن نفكر بإنتاج معرفة حقوقية بأن نزيد ونكمل إلى ما ذهبت إليه الدول ‏الأخرى، وليس العمل على رفضها. أي أنَّ البحث يكون بتحليل خصوصية مشاكلنا والارتقاء بها ‏بخطاب عالمي بمبادئه الإنسانية الكلية دونما الانكفاء على المبادئ الخصوصية.‏

ولإنتاج هذه المعرفة، يتطلّب ذلك منّا تعزيز أساسيات الحرية الفكرية والبحثية التي سبق الحديث ‏حولها، وتعزيز دور المجتمع المدني وجعله جزءًا من هذا الاحتكاك والتفاعل لتطوير حقوق ‏الإنسان في مجتمعنا وعلى المستوى العالمي. فمساهمات الدول العربية في تطوير اتفاقيات حقوق ‏الإنسان ضئيلة جدًا، والسبب ذاتيّ؛ لأنَّ جامعاتنا ومفكّرينا ومثقفينا وفقهاءنا القانونيين ما زالوا ‏في طور التلقي وعدم الإبداع، فكيف يمكنكَ أن تساهم في تطوير الفكر العالمي الحقوقي إنْ لم ‏تكُن حُرًّا في إنتاجكَ المعرفيّ في بلدك!‏

 

المثقَّف والإنتاج الصِّناعي

قد يبدو أنَّ علاقة المثقف بالصناعة بعيدة وليست ذات علاقة، وفي الواقع أنَّ للمثقف دورًا مهمًّا، ‏فإذا كنّا مجتمعات استهلاكية معرفية (من التراث أو من الغرب)، فنحن قد أخذنا ذلك ربما من ‏نمط استهلاكيّتنا للإنتاج الصناعي الغربي أو بالعكس، حيث إنَّنا مجتمعات مُستهلِكة في كل شيء، ‏وإنتاجنا الصناعي ما زال غضًا وغير قادر على المنافسة.‏

يحضرني نقاش مع أحد أساتذة الاقتصاد في الأردن ذات يوم، كنتُ أساله محتجًّا ومستغربًا لماذا ‏نسبة الزراعة في الأردن لا تصل إلى 4% من الناتج المحلي الإجمالي؟ فأجابني وهو معتدّ برأيه ‏إنَّ الزراعة إنتاجٌ بالٍ ولا قيمة حقيقية له. أعتقد أنَّ هذا الكلام خطير وهو لبّ المشكلة، إنَّ إنتاج ‏أي بلد صناعي لا يكون إلا بعد أن يؤمِّن لنفسه الاستقلال الذاتي الاقتصادي، ولا يكون ذلك إلا ‏من خلال تجاوز الأساس له من خلال تأمين الغذاء؛ وهو ما يتطلّب بالطبع تطوير الزراعة، ومن ‏بعد يكون هنالك تفكير أوسع بأن يتعلم الإنسان أساسيات الإنتاج والصناعة الغذائية، وبعد أن ‏يكون قد نَمّى ملكة الإنتاج لديه، فإنه يعمل على تطوير بقية الصناعات، وكما تمَّ استخراج القمح ‏والزيتون من الأرض يمكن استخراج المعادن والعمل على تصنيعها.‏

يكمن هنا دور المثقف في التركيز على فلسفة الإنتاج الصناعي وأهميّته، فلا فرق بينهما، إنَّ ذلك ‏يتطلب منه نقد السياسات الاقتصادية والتفكير بحلول عملية وناجعة، ما يقودنا أيضًا إلى التفكير ‏مليًّا بعملية تشبيك القطاع الخاص بأبحاث يقيمها الأكاديميون بالجامعات، وعلى الدولة أن ترسم ‏سياساتها الاقتصادية وليس الأمنيّة فقط من خلال إشراك كل مَن ينتج المعرفة من الباحثين ‏والمثقفين وفئات المجتمع الإنتاجية لوضع الخطط والبرامج وتوجيه الاقتصاد الوطني.‏

خلاصة القول إنَّ دور المثقف كبير ومهم لأيّ مجتمع، ونحن ما أحوجنا إلى سماع صوتهم ‏وإشراكهم في رسم السياسات الوطنية لتعزيز الإنتاجية بكل أشكالها، وأن نحيد عن تنميط صورة ‏المثقف بأنه ذاك الشخص القابع بالبرج العاجي يعمل على تقويم المجتمع من خلال الإشارات ‏العابرة إلى مكامن الخلل، إذ ينبغي أن يكون دور المثقف هو مشروع النهضة في العالم العربي ‏إذا ما أردنا أن نسيِّر عجلة إنتاج المعرفة في القرن الحادي والعشرين، وإلا بقينا نعيش أزمات ‏تنتج أزمات جديدة ولا متناهية.‏

 

نحو خطّة استراتيجيّة لدَوْر المثقَّف

نحن مدعوّون جميعًا إلى رسم خطة استراتيجية لتحويل دور المثقف كفاعل وطني؛ بدءًا من ‏إعادة النظر بسياسات التعليم، ومن ثم البحث في عصرنة العلوم، وتحقيق الشروط الموضوعية ‏للإبداع، وصولًا إلى كيف نتشابك مع الخطاب العالمي، وأخيرًا التفكير في دور المثقف السياسي ‏والإنتاجي والصناعي. لا أقول ذلك من باب وضع خطط استراتيجية كباقي الخطط الوطنية ‏للتباهي بها أمام الشعوب والدول المتقدمة دونما إيلاء العناية الكافية ليكونَ لها موضعٌ للتطبيق، ‏بل أن تكون مشروعًا حقيقيًا تساهم به كل مكوّنات المجتمع من الحكومة والمجتمع المدني ‏والقطاع الصناعي والجامعات للبحث عن دور للمثقف في الفاعلية الإنتاجية. فهل من مجيب؟