عن أهميّة الدَّرس الفلسفيّ

د. ضرار بني ياسين

باحث وأكاديمي أردني

 

تحفل الدَّعوة إلى ترتيب حضور الدَّرس الفلسفيّ، وطرائق التفكير العقليّ والتفكير النّاقد في ‏مجرى شؤوننا وحياتنا ومشكلاتنا، باهتمام أوساط مستنيرة تتَّسع رقعة حضورها بدرجة ‏متعاظمة. يترافق ذلك مع معضلة كيفيّة تخفيف وطأة التقليد المحافظ على مجموعة ‏الإحساسات السلبيّة الشعبيّة تجاه الفلسفة والتفكير الفلسفي، وتقديم تبرير مُقتنع بطبيعة ‏الضرورة التي تشكِّلها الفلسفة في حياتنا وشؤوننا، والّا ستبقى التّرسانة الصَّلبة والمدعَّمة ‏بالأحكام التحريميّة شغّالة في الوعي والإحساسات السلبيّة والعدائيّة الشعبيّة.‏

ذهب "كانط" وهو بصدد الإجابة عن سؤال "ما هي الأنوار؟" إلى تصدير هذه الإجابة ‏بالعبارات التالية: "إنَّ بلوغ الأنوار هو خروج الإنسان من القصور الذي هو مسؤول عنه، ‏والذي يعني عجزه عن استعمال عقله دون إرشاد الغير"، و"أنَّ المرء نفسه مسؤول عن حالة ‏القصور، عندما يكون السبب في ذلك ليس نقصًا في العقل، بل نقصًا في الحزم والشجاعة في ‏استعماله دون إرشاد الغير"، "تجرَّأ على أن تعرف. كُن جريئًا في استعمال عقلك أنت". ذلك ‏شعار الأنوار...‏

وقد لا يكون من باب المبالغة في القول إنَّ الريبة والشك عند ذِكْر كلمات من قبيل "العقل" ‏و"التعقل" و"الفكر" و"الفلسفة" تملأ فضاءنا الثقافي العربي عمومًا، وكأنَّ مثل هذه المفاهيم ‏أصبحت مدعاة للتفكير البِدْعويّ الموسوم دائمًا بالخروج على الاعتقاد والإيمان، وأنَّها لم تكُن ‏في يوم من الأيام السّمة الرئيسة للفكر العربي الإسلامي في زمن إبداعِه في العصور ‏الوسطى، عندما أصبحت الثقافة الإسلامية وكذلك الحضارة الإسلامية، تمثِّل الحضارة الكونيّة ‏في ذلك العصر.‏

وهكذا، فإنَّ المهمّة الصعبة تتمثّل في الإجابة عن سؤال يتعلق بالكيفيّة وليس بالمشروعيّة، في ‏ما يخص وجداننا الثقافي الوطني. كيف يمكن إدخال الفلسفة إلى مفاصل فضائنا الثقافيّ، ‏واشتغالاتنا العقليّة؟ وليس المقصود بالفلسفة هنا قطعًا التعاليم الدوغمائية (الوثوقية) الجامدة ‏لهذه المدرسة الفلسفية أو تلك أو هذا المذهب أو ذلك، بل المقصود هو إفراد عناية مُستنيرة ‏ومرنة بالدرس الفلسفي والمنهج الفلسفي بوصفه طريقة للتفكير العميق، وإنجاز الحلول العملية ‏للمشكلات التي تواجه الفرد والمجتمع على حدّ سواء. وهنا نكون بصدد تحديد فضيلتين ‏تخصّان الفلسفة، هما العقل العملي والعقل النظري.‏

بيدَ أنَّ هذه المهمّة ليست سهلة، ففي مجال التحقُّق الحياتي تنظر أغلبية الناس إلى الفلسفة ‏باستمرار بريبة وشك وكراهية، وبصفة خاصة أولئك النفر من الناس الذين تنصرف أذواقهم ‏الذهنية إلى ما هو عملي أكثر ممّا هو نظري، مع أنَّ ما هو مُنجزٌ عمليٌّ يُفترض أن يسبقه ‏منجزٌ نظريّ، لكي يتمَّ ما هو عمليّ على أفضل وجه.‏

ولذا فإنَّ الفلسفة تبقى موضع شكّ ورفض إذا ساد اعتقاد بأنَّها ذات منابع وأصول فكرية ‏وثقافية أجنبية، أو أنَّها من العلوم الدخيلة، فالصعوبة المعتادة لإدخال ما يُخالف الذوق والفكر ‏الشعبي والاعتقاد السائد في جميع الأزمنة تتماهى مع واقعة أنَّ هذه الأفكار الفلسفية ذات ‏أصول بعيدة عن ثقافتنا ودخيلة وغريبة. هنا يمكن أن يُنظر إلى الشأن الفلسفي بوصفه أجنبيًا ‏من ناحية عرقيّة أو ناحية فكريّة دينيّة ومذهبيّة، ولا يُنظر إليه بوصفه خاصيّة أو صفة ‏متنامية للعقل من حيث هو عقل بشري على العموم، ذلك لأنَّ التفكير لا يتعلّق بجنس أو لون ‏أو عرق، وإنَّما هو خصيصة مائزة للعقل الموهوب للبشر يمتاز به الناس جميعًا، وبما هو ‏ملكه قادرة على التكفير والنظر في قلب حياة ومشكلات الأفراد والجماعات.‏

وهكذا فالنشاط الفلسفي أوَّلًا وأخيرًا سمة العقل الإنسانيّ على العموم، في مسيرة صيروراته ‏وتجلّياته التاريخية، ولا يمكن للإنسان أن يُعدّد البداهات التي يحوزها دون أن يبدأ ببداهة ‏الفلسفة بوصفها سؤالَ العقل في قضيّة المعرفة، وذلك أمام البداهات الأخرى، يُحاكمها أو ‏يفحصها، ويؤسِّس لها انطلاقًا من قوانين العقل نفسه.‏

وإذا سلّمنا نحن بهذا الإلزام فقد أدركنا أنَّ عمليّة المعرفة غير ممكنة ابتداءً، مع غياب السؤال ‏الفلسفي، بوصفه الشرط الضروري لأيّ معرفة ممكنة، ونحن هنا ما زلنا في حدود إمكان ‏المعرفة بمطلقها، لكننا إذا ضيَّقنا دائرة المعرفة وقصدنا أيضًا المعرفة العلمية بمطلقها، فإنَّنا ‏سنواجه كمًّا كبيرًا من المعضلات التي تقف في طريقنا إذا تخيَّلنا -لمجرَّد التخيُّل- إمكان قيام ‏معرفة علميّة دون نشاط فلسفي عقلي منطقي ومنظَّم، وذلك لأنه من غير المتصوَّر عند ‏العقلاء، تحصيل معرفة عظيمة دون مساعدة العقل المستند دائمًا إلى شرطه الفلسفي الملازم ‏له، وهذا ما شهد له العقلاء بالنَّظر إلى حقيقة ما أنجزه الغرب في القرون الثلاثة للحداثة ‏استنادًا إلى العقل الفلسفيّ. ‏

وإذا فهمنا وظيفة النشاط الفلسفي ضمن هذا الغرض المعرفي العلمي، فقد يكون بمقدورنا ‏تجاوز الإشكاليات العويصة التي حصرت الفلسفة في الإسلام في نطاق العلاقة مع الدين، وما ‏رافقها من سجالات تكفيرية أحيانًا. مع أنَّ كثيرًا من هذه السجالات كانت محكومة من طرف ‏خصوم الفلسفة بنظرة أيديولوجية- سياسية، أكبر من كونها قضية معرفية أولًا وأخيرًا؛ أولئك ‏الذين حاولوا استعمال النص الديني في وجه الفلسفة والفلاسفة وتجنَّبوا قصدًا فهم النص الديني ‏في إطار نظريّة المعرفة الدينيّة.‏

تحفل الدعوة إلى ترتيب حضور الدرس الفلسفي وطرائق التفكير العقلي والتفكير الناقد في ‏مجرى شؤوننا وحياتنا ومشكلاتنا باهتمام أوساط مستنيرة تتَّسع رقعة حضورها بدرجة ‏متعاظمة. وهي دعوة تزداد رسوخًا وتُصادف أنصارًا كثيرين. وبطبيعة الحال فإنَّ ذلك ‏يترافق مع معضلة كيفيّة تخفيف وطأة التقليد المحافظ على مجموعة الإحساسات السلبيّة ‏الشعبيّة تجاه الفلسفة والتفكير الفلسفي، وتقديم تبرير مُقتنع بطبيعة الضرورة التي تشكِّلها ‏الفلسفة في حياتنا وشؤوننا، والّا ستبقى الترسانة الصلبة الممتدّة طوال قرون والمدعَّمة ‏بالأحكام التحريميّة شغّالة في الوعي والإحساسات السلبيّة والعدائيّة الشعبيّة.‏

قد يستفزّ الكثيرين الذين يقضون على ضفاف التردُّد والحيرة والكسل الفكري، القول إنَّ ‏التفكير الفلسفي يرافقه حضور الشكّ والنّقد وتعليق الحكم النهائي، وهذه عناصر لازمة للتقدُّم ‏في المعرفة ونموّ العلم والثقافة والحياة الاجتماعية والسياسية، كما أنها تظلّ قاعدة مقبولة دائمًا ‏من الناحية الفلسفية، بيد أنَّ الحساسيّة الكبرى وربّما العدائيّة الصريحة تحصل إذا أُخذت هذه ‏الحقيقة بجديّة خارج سياقها المعرفي الخاص بحقول المعرفة العلمية والحياة الاجتماعية ‏والأخلاقية والسياسية، وطوَّرها الناس إلى أقصى الحدود، بحيث يمثُل في وهمهم أنَّ هذا قد ‏يبدو خطرًا على بديهيّاتهم الاعتقاديّة أو الدينيّة، وهذا ما يحصل دائمًا مع الدرس الفلسفيّ في ‏سياق الحياة العربية المعاصرة، مع التفاوت الواضح بين قطر عربي وآخر في مسألة إدخال ‏الدرس الفلسفي في المناهج المدرسيّة والجامعات، وهذا ما نجحت به عديد من دول العالم ‏العربي (مصر- سوريا- العراق- المغرب العربي).‏

إنَّ وضعيّة الإشادة التي تتَّخذها الخطابات النظريّة المؤكِّدة على أهميّة النشاط الفلسفي في ‏عمليّة خلق بيئة ثقافيّة عامة يحكمها العقل، من شأنها أن تشكِّل رافعه حقيقية للعمل والمعرفة ‏الجديدة، اللذين يتوقف عليهما مفهوم التقدُّم والنهوض اللذان تنشدهما الشعوب الحيّة التي تتوق ‏إلى ارتياد آفاق العقل والحضارة والعلم.‏

مثل هذه الوضعيّة تقدِّم سؤالًا جدّيًا حول حقيقة حضور الدرس الفلسفي في حياتنا الثقافية، ‏وكذا حول مسألة الرّهان على حجم التغييب غير المُبرَّر والعقيم للفلسفة وتدريسها في المدارس ‏والجامعات، إلّا عدد قليل من الأقطار العربية التي انتهت إلى ضرورة الدرس الفلسفي، ‏وأدرجته في مستويات التعليم الثانوي والتعليم الجامعي، وبعضها قطع شوطًا لافتًا في تدريس ‏الفلسفة.‏

والواقع أنَّ الإجابة عن هذا السؤال المُلحّ تنطوي على جانبين:‏

الجانب الأوَّل، هو أنَّ وعينا الشعبيّ العموميّ، وربّما إلى حدّ ما وعينا الثقافيّ النخبويّ، ما ‏يزال محكومًا بآراء وأحكام تنتمي إلى الخطاب التقليدي المعروف، الذي وقف من الفلسفة ومن ‏العقل عمومًا موقفًا مناهضًا وحتى عدائيًّا، ومشكِّكًا بمقاصد الفلسفة والفلاسفة، ومفتِّشًا في ‏ضمائرهم (الفلاسفة) ونواياهم بخصوص موقفهم من الاعتقاد والدين، وهو شك إذا أُخذ على ‏محمل النَّقد والفحص، ليس بريئًا ولا خالصًا، مثلما أنه موقف يصدر عن عقل لا طاقة له ‏أصلًا على السؤال الفلسفي وعلى الأفكار التي تحتاج إلى إعمال العقل وكشف قوانينه وقدراته ‏في الانفتاح على العالم والإنسان والطبيعية والحياة والقيم، وتقديمه إجابات حول مُشكلات العلم ‏والتقدُّم في نطاق تاريخ المسيرة الإنسانية. وفضلًا عن ذلك كله، فإنَّ أصحاب هذا الموقف ‏عُرفوا دائمًا في تراثنا وتاريخنا الثقافي العربي الإسلامي بكونهم يزعمون امتلاك الحقيقة كما ‏يفسّرونها هُم.‏

وعلى امتداد قرون أصبح لهؤلاء الصَّوت الأعلى في الفضاء العمومي لمجتمعات العرب ‏والإسلام، وكرّسوا عبْر مقالات وأحكام ساذجة في كثير من الأحيان صورة من الكراهية ‏والاحتقار للفلسفة والمشتغلين بالفلسفة والأمور العقليّة عمومًا في أوساط العامة كما في بعض ‏الأوساط الثقافيّة، وأصبحت كلمة "فلسفة" مثار ازدراء توشك أن تدفع بصاحبها إلى مصاف ‏الكفر والجحود بالدين، وهي تهمة جُزافيّة أطلقها هؤلاء الخصوم المعاندون. وفي الواقع إنَّ ‏الازدراء والعداء ليس للفلسفة بحدّ ذاتها أو الفلاسفة، إنَّما بالأحرى هو عداء للعقل نفسه، من ‏حيث أنه لفرط سذاجتهم يعتقدون أنَّ النَّقل (الشَّرع) لا يحتاج إلى العقل لفهمه وتفسيره، وتلك ‏نظرة جامدة متكلّسة كسولة ناحية الدين وناحية المعرفة معًا. ‏

أمّا الجانب الثاني، فيتمثَّل في حالة من حالات القصور في الوعي بأهميّة الدرس الفلسفي، ‏والوظيفة النقديّة التي تلعبها الفلسفة في الثقافة الاجتماعية والإنسانية، ودورها الخطير في ‏ترتيب الفكر وتنظيمه ليكون أكثر جدوى في حلّ مشكلاتنا ومعضلاتنا الكبرى التي نواجهها.‏

وأيًّا كانت وجهة النظر التي نتَّخذها تجاه الفلسفة، فإنَّنا يجب أن نعترف أنَّها تشكِّل فعاليّة عقليّة ‏فكريّة تحاول فهم العالم والإنسان والمجتمع والقيم، فهي لصيقة بالحياة، على الرغم من ‏وصمها بالتجريد الميتافيزيقي. وأنَّ ما تتَّصف به الفلسفة من شموليّة وعقلانيّة وتجريد يجعلها ‏ذات طابع كوني يتخطّى حدود القوميّات والأوطان، ويجعلها من أهم وسائل التفاهم والتخاطب ‏والتواصل بين أبناء البشر عمومًا.‏

يجب أن لا نجحد الحقيقة التي تقول إنَّ المستوى الثقافي لأيّ مجتمع يُقاس بمقدار شيوع العقل ‏والتفلسف فيه، فتقدُّم الأمم وتطوُّرها علامة مميَّزة على رقيِّ تفكيرها الفلسفي وشيوعه كثقافة ‏عموميّة عند أبناء هذا المجتمع، وعلى العكس فإنَّ تدهور الثقافة وضمورها وكسلها العقلي هو ‏النتيجة الواضحة لضعف التفكير الفلسفي وحضوره فيها. فالتطوُّر الثقافي والتقدُّم المعرفي ‏والعلمي للأمم يتساوق مع التطوُّر الفلسفي فيها رقيًّا وانحطاطًا.‏

الفلسفة بما تقدِّمه من أسئلة جذريّة، وبما تمتاز به من نزعة النَّقد والمراجعة والجرأة في ‏البرهان العقلي، تظلُّ وظيفتها تحرير الإنسان من الجمود في الخطاب والتفكير والانغلاق، ‏والخروج من قمقم العقل المنغلق على نفسه وحقائقه الخاصة، والمبادرة في خوض كل ‏الأسئلة العميقة التي يعتمد فيها تطوُّر الأمم، ويتوقَّف على إجاباتها خلاصها من الضعف ‏والتبعيّة.‏

إنَّ الإنسان الذي يتحصَّل على قسطٍ من الاهتمام بشؤون العقل والتفكير الفلسفي السليم، لا بدَّ ‏سيكون بمقدوره أن يحاكم الأفكار التي يحملها أو تواجهه، مثلما أنه لا يعود ينظر إلى الأفكار ‏التقليدية الراسخة على أنها حقائق نهائيّة ومطلقة تسمو فوق النِّقاش وترتفع على الجدل ‏والمُراجعة والنَّقد والتَّمحيص، وإنَّما على أنَّها أفكار وأحكام حتى لو ثبُت صحَّتها النسبيّة، إلّا ‏أنَّها لم تبلغ درجة اليقين أو الحقيقة بصورة نهائيّة.‏

مثل هذا النَّشاط العقلي الفلسفي من شأنه أن يُساعد على شيوع روح التَّسامح الفكري والتَّعايش ‏المذهبي والفكري التعدُّدي بين أبناء الوطن الواحد وبين شعوب الأرض. ‏

وإذا كانت الفلسفة تمثِّل النَّقد الحُرّ للأفكار، فإنَّ وضع أيّ قيود عليها يُعدُّ لجمًا وقيدًا على ‏الثقافة، وكل مجتمع تَعمَّدَ -من خلال بعض نخبه المسؤولة والمُسيطرة- إلى فرض القيود على ‏التفكير الفلسفي الحرّ، وعلى نشاط العقل بما هو قوام المجتمعات الناهضة، مهما كانت الذَّرائع ‏والأسباب، هو مجتمع يسعى حثيثًا إلى تخلُّفه الثقافيّ، وتكريس معوّقات تقدُّمه بيديه، لأنه ‏ينتهي في آخر المطاف إلى صبِّ الفكر والثقافة في قوالب جامدة تكتسب مع الزمن صفة ‏التقديس، فلا يجرؤ أحد على مناقشتها إلّا تحت طائلة العقاب الصارم. وهو أيضًا مجتمع ‏تتخلّف فيه الثقافة وينحطّ الفكر، ويتخلّف معهما المجتمع نفسه، بل وحتى كلّ ما هو إنسانيّ ‏بمعنى من المعاني.‏

لا يمكن فهم الإصرار على غياب الدَّرس الفلسفي في مؤسّساتنا التعليميّة المختلفة، والإمعان ‏في تجاهل هذا الغياب، والعمل على تكريسه، ومحاربة كل دعوة إلى ضرورة إدراجه في ‏المدارس والجامعات، باعتباره الحامل الموضوعيّ للأسئلة التي تخصُّ العقل والعلم والحريّة، ‏إلّا باعتباره علامة تغييب للوعي والعقل، وإحباط لمشروع النهضة الذي تتوق له مجتمعاتنا ‏منذ أكثر من قرنين، وما زالت تعاين الضّعف والتأخُّر في حياتها وحضورها في هذا العالم.‏

إنَّ التحديث التقني الذي يفرض علينا أنماطًا استهلاكيّة لا تنتهي، يبقى قشرة برّانيّة في حياتنا، ‏لا شأن لها بجوهر النَّهضة والتقدُّم والحريّة والتَّغيير، فمن دون الحداثة العقليّة لا يجدر بنا أن ‏نسهب في الحديث عن تجديد مشروعنا النهضويّ الخاص بنا.‏