نوافذ ثقافيّة

محمد سلّام جميعان

شاعر وناقد أردني

mjomian@gmail.com

ثقافة عربيّة

 

شهداء النهضة العربية/ فوزي الخطبا

عبْرَ كتبٍ نادرة وصحف متنوعة يسافر الباحث فوزي الخطبا ليكتب سيرة شهداء النهضة ‏العربية الّذين لوّنوا رايات التحرير بأرجوان دمهم، وصعدوا أعواد المشانق في سبيل مجد أمّتهم ‏العربية. وهو إذ يسطّر سيرة هؤلاء الأعلام فإنه يعيد الوجدان العربي إلى ما كان عليه تاريخ هذه ‏الأمة الماجدة في مطلع القرن العشرين؛ فيرى القارئ في سيرتهم قناديل هدى ومشاعل نور ‏تبيِّض وجه التاريخ في زمن غلب عليه السواد، فدقّوا نواقيس الحرية والثورة برؤية ثاقبة لمسار ‏حركة التاريخ لخلق حالة من الوعي الحقيقي الذي يتقدّم بالأمم وينهض بالمجتمعات التي ظلت ‏تعاني من واقع مرير في كلّ شؤون حياتها.‏

ويوضِّح الباحث مسار هدفه من كتابه هذا بأنَّ "الغربيين قد وجدوا من رجالهم مَن ينقّب عن ‏أعلامهم ويستقصي مناقبهم، بل بالغوا في إبراز آثارهم ومآثرهم وتغاضوا عن مثالبهم لبلوغ ‏العظمة والمجد والكمال، أمّا نحن العرب فكأنَّ بيننا وبين رموزنا وأعلامنا حواجز حالت دون ‏معرفة ما قدَّموه من تضحيات جسام في سبيل رفعة هذه الأمة"(ص7).‏

وحين يطالع القارئُ الكتابَ يقف فيه على تيارات فكرية وسياسية، وأعلام في الفكر والرأي ‏والأدب، ومسارات للسياسة العربية والدولية، ومشاهد للصراعات بلورت جميعها الشعور العربي ‏الذي التقى قادته مع أهداف النهضة العربية وحامل مشعلها في مطلع القرن العشرين.‏

وفي مقدمة كتابه يلقي الباحث الضوء على بواعث إعدام هذه الكوكبة من الشهداء، وما قيل فيهم ‏من أشعار، كقصيدة النائحة التي سطّرها الزهاوي في أكثر من مئة وستين بيتًا، ومطلعها: على ‏كلِّ عودٍ صاحبٌ وخليلُ/ وفي كلّ بيت رنّة وعويلُ.‏

في الكتاب الذي يقع في 237 صفحة حديث عن 31 شمعة عربية أضاءت سماء العرب، ‏وأغنت مؤلَّفاتهم التي جاء الباحث على عرضها وتحليلها، ما يغني معرفة العرب بتاريخهم المجيد ‏وخروجهم من بؤس الواقع إلى فضاء المجد والحريّة.‏

 

الجغرافيا التاريخية للديار الكركية/ محمد بشير الرواشدة

من وعورة الجغرافيا وتضاريسها، يطلع علينا الباحث بهذا الكتاب النفيس ليفكّك العلاقة الجدلية ‏بين التاريخ والجغرافيا، ويعيد بناءها وفق أبعادها الإنسانوية، فيبدو الزمان والمكان ناطقين من ‏خلال التعليل والتحليل والمقارنة، بعيدًا عن الاجترار الأصمّ الذي ينكفئ عليه باحثون آخرون. ‏فميزة هذا الكتاب كذلك أنَّ مؤلِّفه كتبه بوجدان عريق ومخلص، فبدا كأنّه صيحة في الغافلين عن ‏أناشيد الجغرافيا وهمسات التاريخ، فظهر المكان المبحوث (الكرك) ناطقًا بدورة الإنسان في هذا ‏الجذر المؤابيّ الذي كان وما زال بؤرة استراتيجية تؤدّي دورها في كافة أشكال التحوّلات، ‏فالطبيعة تمنح خصائصها للإنسان وتطبعه بطابعها الصلب، حتى لكأنَّ الطبيعة التي تتأبّى على ‏عوامل الحتّ والتعرية قد منحت أخلاقها لإنسانها الذي تعاقب على سكناها.‏

ففي التمهيد الذي تصدَّر الكتاب تأسيس لفكرة الكتاب وأهدافه، وإجابة عن كثير من الأسئلة ‏المعرفية التي تُولِّد في ذهن القارئ عصفًا تاريخيًّا يعيده إلى تجديد انتباهه البركانيّ وفتح نوافذه ‏الفكرية على هذا الانصهار التاريخي في بوتقة المكان والزمان والفكرة، ليعيد تجديد هويته ‏الحضارية بعيدًا عن الصدوع العارضة في لحظات التشكُّل الجديد، فكما بدأ الكتاب بهذا الهدف ‏النبيل، ينتهي بذكر مزايا الكرك والديار الكركية مبسوطة في نقاط بدت لوحات مطرّزة على جيد ‏التاريخ.‏

 

الأمثال والمأثورات الشعبية الدارجة في الأردن/ إسماعيل أحمد ملحم

في الأمثال والمأثورات الشعبية تكمن الذاكرة التاريخية والمجتمعيّة، فتنبض بالبيئة واللغة ‏واللهجات المحلية والعادات والعقائد المثيولوجية، وتعكس تراث الأمة في تحوّلاتها عبر الأزمنة.‏

وفي هذا الكتاب أكثر من ألف ومئتي مثل ومأثور شعبي، كشفت في مجموعها عن إيقاعات تنوُّع ‏المجتمع وتأثُّراته بمجتمعات بلاد الشام. وميزة هذا الكتاب في أنه اعتمد المصادر الشفوية، وهو ‏ما يجعله أقرب للحياة اليومية وتفاعلاتها الاجتماعية في المناسبات والأحداث، فضلًا عن دقة ‏الضبط اللغوي للمقولات التي تلقّاها المؤلف شفاهًا من أفواه الرواة.‏

ينقسم الكتاب إلى ثلاثة فصول متعاضدة في موضوعها ومتمايزة في بنائها. ففي الفصل الأول ‏وقف الباحث على الأمثال والمأثورات المتداوَلَة مرتّبة ترتيبًا أبجديًّا مع إيجاز في شرحها ‏وتوضيحها، وخصّ الفصل الثاني بالحديث عن مأثورات المناسبات والمناجاة مرتّبة بحسب ‏المناسبة والحدث، ووقف في الفصل الثالث على الأساليب المأثورة في العمارة الريفية ومأثوراتها ‏الغنائية وخاصة في قرى شمال الأردن، ليكتمل الكتاب البالغة صفحاته 301 صفحة.‏

وفي الكتاب إطلالة جميلة عل التحوُّلات الصوتيّة التي اعترت طريقة نطق الأمثال، وعلاقتها ‏بالعربية الفصيحة، كما تعكس هذه الإطلالة البنى الاجتماعية للمجتمعات المحليّة والقيم الحاكمة ‏لها، ممّا يجعله مندرجًا في سياق التاريخ الاجتماعي للأردن بما فيه من إضافة نوعية للمادة ‏الشارحة والتحليلية. ‏

 

ثقافة عالميّة

رواية" القارئ"/ برنهارد شلينك، ترجمة: تامر فتحي

يرتبط المراهق "مايكل" بسنواته الخمس عشرة بعلاقة غير متكافئة مع "هانا" السيدة الثلاثينية، ‏التي تختفي من حياته فجأة، وذات يوم يشهد "مايكل" محاكمة لعدد من السجّانات إبّان فترة الحكم ‏النازي، لعدم استجابتهنّ لاستغاثة السجينات الأسيرات، وفي غمرة المحاكمة يسمع "مايكل" ‏صوت "هانا" التي كانت ضمن المتهمات. ‏

‏ ويتماهى صوت "هانا" مع صوت إحدى شخصيات الرواية وهي تقول: "الجلّاد ليس خاضعًا ‏لأيّ أمر، إنه يؤدّي عمله، ولا يكره الناس الذين يعدمهم، ولا يأخذ ثأره منهم، إنه لا يقتلهم لأنهم ‏عقبة في طريقه، أو لأنهم يهدِّدونه أو يهاجمونه. إنهم مجرّد أمر غير ذي بال بالنسبة له، لدرجة ‏أنَّ بوسعه أن يقتلهم بالسُّهولة نفسها التي يمكنه بها ألا يقتلهم".‏

من زاوية أخرى تريد الرِّواية تأكيد أنَّ الأخلاق فوق جميع الأوامر الأخرى‎.‎‏ فـ"هانا" أقدمت على ‏تصرُّفاتها في ظلِّ دولة كانت ترى في تلك الأفعال أمورًا قانونيّة. لكنَّ الفرد يتحمَّل (المسؤوليّة ‏الإجراميّة) على أفعاله، بينما يتحمَّل النظام السياسي (المسؤوليّة السياسيّة)، فـ"هانا" مجرَّد ‏موظفة، والشرّ الذي قامت به يدلُّ على شخصية سطحية تخلو من العمق. فالشرّ ليس شيئًا جذريًّا ‏في تركيبتها النفسيّة. لكن هذا الأمر لا ينفي أيضًا مسؤوليّتها عن أفعالها. ‏

وتخلص الرِّواية إلى فكرة أنَّ آمالنا تُصاب بمقتل حين ندرك أنَّ القانون في الدول لا يرتبط دومًا ‏بقيم العدالة أو الإنسانيّة، فالعبوديّة كانت مشروعة قانونيًّا، والتمييز العنصري كذلك، فما الذي ‏يكفل لنا أن تكون القوانين عادلة؟

لاحقًا في الرِّواية تدرك "هانا" قبح جرمها، وتسعى للتكفير عنه، بالتخلُّص من أميّتها، فتتعلّم في ‏السجن القراءة والكتابة، وتقرأ ما يسمى أدب الضحايا، إلى جانب قراءة سِيَر الجناة، وخصّصت ‏أموالها للناجين من المحرقة بعد موتها‎.‎

مؤلف الرواية ينحاز إلى المقولة التي تؤكد الدور الأخلاقيّ للأدب، فـ"هانا" حين تعلمت القراءة ‏عكفت على قراءة الأدب بما يحمله من قيم إنسانية، تعيد سبر أغوار الذات الإنسانية، ومنح ‏‏(الأنا) تفرُّدها، وذلك ما كانت تفتقده "هانا" حين كانت تعمل في المعتقلات النازية بأسلوب آلي ‏يفتقر إلى إعمال العقل والعاطفة. بل إنَّ "هانا" قد أصبحت قادرة على تشكيل رأي نقدي أدبي ‏خاص بها كما في قولها: "قصائد جوته أشبه بالمنمنمات في إطار جميل".‏