الفن في الأردن: مئة عام من العزلة

د. خالد الحمزة ‏

أكاديمي وفنان تشكيلي- جامعة اليرموك

 

 

 

‏"هل كان للفنّ التشكيلي حضورٌ فاعلٌ في حياة المجتمع الأردني طيلة القرن السابق؟"، سؤالٌ ‏يشكّل واسطة العقد في هذا المقال، لتتفرّع منه أسئلة منها: (ما حال تعليم الفنّ التشكيلي سواء في ‏المدارس أو الجامعات؟ وكيف تنظر المؤسسات الرسميّة ذات العلاقة بالثقافة إلى الفنون؟ وهل ‏تعتبرها ضمن أولويّاتها من حيث الرِّعاية الماديّة والمعنويّة؟ وما حال الكتابات في مجال النقد ‏الفني؟). في هذه المقالة محاولة للإجابة عن تلك الأسئلة وغيرها من أجل تشخيص حال الفنّ ‏التشكيلي في الأردن خلال قرن من الزمن.‏

 

أقتبس عنوان هذه المقالة من عنوان رواية "جابريل ماركيز" المشهورة "مئة عام من العزلة" ‏لأعبِّر عن حال الفنون التشكيليّة في الأردن بعد مرور ما يقرب من قرن على بداياتها البعيدة. قد ‏لا يكون التشابه بينهما في عدد الأجيال؛ فهي سبعة في الرواية ولكنها بخصوص الفنون التشكيلية ‏ثلاثة أو أربعة على أكثر تقدير. ولكن يوجد بينهما تشابه كبير بخصوص التقوقع والانعزال عن ‏المجتمع في حالنا، والانعزال عن العالم في حالة قرية "ماركيز". يدعو ما سبق إلى إعادة طرح ‏سؤال طرحه قبل زمن بعيد فنانون عرب وهو: هل كان سيتأثر العالم العربي في العصر الحديث ‏لو غاب الفنّ عنه؟ ونُعيد صياغة السؤال بخصوص الأردن: هل كان للفنّ التشكيلي حضورٌ ‏فاعلٌ في حياة المجتمع الأردني طيلة القرن السابق؟ أظنُّه سؤالًا يفتح الأبواب على كل القضايا ‏الأساسية التي ترتبط جوهريًّا بالفن وعلاقته بالمجتمع أو العكس. ويبرز من بين تلك القضايا الفن ‏في التعليم العام والجامعي، والمؤسسات المتعاملة مع الفن سواء أكانت رسمية أو خاصة، ورابطة ‏الفنانين، والفنانون أنفسهم أو الفنانات أنفسهن. وسأتناول كل قضية من هذه القضايا على حدة ‏بالترتيب نفسه على الرغم من تداخلها، وسأشير إلى بعض هذه التداخلات في مكانها. ‏

أولى وأعظم القضايا هي الفن في التعليم، وهو نوعان، كان يطلق على الأول التربية الفنية في ‏التعليم العام وأصبح يعرف بالثقافة البصرية، والثاني هو تعليم الفن على المستوى الجامعي سواء ‏أكان للمتخصصين أو لعامة طلبة الجامعة. أمّا بالنسبة إلى الأوَّل فإنَّ حصة واحدة أسبوعيًّا لا ‏تسمن ولا تغني، هذا بالإضافة إلى ندرة وجود المراسم والمشاغل المناسبة لممارسة الفنون على ‏أنواعها في المدراس على اختلاف مراحلها، هذا إذا افترضنا وجود متخصصين للقيام بمهمة ‏تدريس الفن. يعرف كل من له علاقة بالتعليم في الأردن النقص الحاد في عدد المدرسين ‏المتخصصين بمجالات تدريس الفن على الرغم من كثرة الخريجين المتخصصين. ويعرف كذلك ‏العقبات التي تعيق تعيينهم، ويمكن بشيء من المرونة التغلب على بعضها مثلًا بتعيين مدرس ‏متخصص لمدرستين أو أكثر بحيث تكون قريبة من بعضها بعضًا. نجد تطويرًا مستمرًا لمناهج ‏الفن في المدارس، ولكن تبقى هناك حقيقة يتم القفز عنها وهي أنه مهما وُضع من مناهج متقدمة، ‏تستفيد ممّا ظهر منها في العالم المتقدِّم وتتوزَّع بين كتب المعلمين وكتب التلاميذ، فإنه لا يمكن ‏الاستفادة منها ما دامت مشكلتا المشاغل والمتخصصين متفاقمتين.‏

يواجه تعليم الفن على المستوى الجامعي مشكلات جمّة، ومنها الأعداد القليلة التي تلتحق بدراسة ‏الفنون في الجامعتين "الأردنية" و"اليرموك"، أما بقيّة الجامعات الرسمية والخاصة فليس لديها ‏برامج فنون، بل برامج تصميم جرافيك وداخلي. يحتاج البرنامجان في فنون الجامعتين ‏المذكورتين إلى التطوير بما يتلاءم مع ما يمور في المجالين العملي والفكري في عالم الفن اليوم. ‏ويعود عدم الإقبال على دراسة الفن، بالإضافة إلى العوامل الاجتماعية، إلى ندرة الوظائف في ‏مجال التدريس. وقبل ذلك كله هناك مشكلة في فهم وظيفة برنامج الفن؛ فما زال بعض القائمين ‏عليه يعتقدون بأنَّ الهدف منه هو تخريج فنانين، ويكفي أنْ نقولَ إنَّه زعْمٌ باطلٌ، إذ بحسب ‏دراسات الدول الاسكندنافية مجتمعة والمستمرّة منذ عقود لمدخولات كليات ومعاهد الفن ‏ومخرجاتها، فإنَّ نسبة مَن يستمرّون في ممارسة الفن أو احترافه بعد تخرُّجهم/ن لا تتجاوز ثلاثة ‏بالمئة. نعم هذا هو الواقع لديهم وذلك مع ما نعرفه من إعدادِهِم المتميِّز في المدارس بالإضافة إلى ‏دافع الرّغبة بدراسة الفن، وهما الأمران الغائبان في حالنا. إذن ما الهدف من تلك المعاهد؟ نجد ‏الهدف لديهم يتمركز في تعليم حرفة يمكن للمتدرب/ة بعد إتقانها أن ي/تكسب منها عيشه/ا. ‏ويبقى الفن الذي دُرِّبوا عليه مجالًا لهواياتهم. ونجد كذلك أنه لا يستطيع مَن استمرّوا في ممارسة ‏الفن تأمين متطلبات العيش المناسب في العقد الأوّل أو حتى الثاني بعد تخرُّجهم. ‏

لنا في كليات الآداب في الجامعات مَثَل جيِّد في هذه المسألة، فهي لا تزعم بأنها تخرِّج شعراء أو ‏روائيين أو قصاصين أو فلاسفة أو نقاد، ولكنها تعدّهم لاحتراف مهن ذات صلة بتخصصاتهم، ‏ومن لديه/ا القدرة على أن يصبح مبدعًا في مجال أدبي ما فإنه/ا قد نال/ت التأسيس المطلوب. ‏لفت انتباهي في كلية الفنون في جامعة "روتردام" الهولندية أنَّ البرنامج يحوي أكثر من مئتي ‏مادة دراسية نظرية وعملية، وكل طالب/ة ي/تصنع تخصصه/ا، إنَّ في ذلك لمرونة حقّة ‏واحترام لرغبة الدارس/ة، وإعداده/ا لحرفة مناسبة.‏

ونأتي الآن إلى أمر آخر يبني على ما أسَّسته الثقافة البصريّة في المدرسة؛ ألا وهو تهيئة للتعمُّق ‏في الثقافة الفنيّة من خلال متطلبات إجبارية واختيارية لعامة الطلبة الجامعيين. إنهم مستقبل ‏الساحة التذوقيّة التي يمكن لها أن تتفاعل مع الفن وتقدِّره. إنَّ إعداد مراسم ومشاغل تناسب ‏مجالات الفن التشكيلي داخل الجامعة والتشجيع على الانخراط في نشاطاتها مفيد كثيرًا، حيث ‏تُعتبر الممارسة الفنيّة، وفي أيّ نوع منها، من أحسن الأبواب التي تعمل وتؤثر عل تعديل النظر ‏إلى الفن وإلى الحياة. يساهم مثل هذا التوجُّه في الجامعة في رفع الذائقة الفنية لدى طلبة الجامعة ‏والعاملين بها ولدى المجتمع المحلّي أيضًا. ويساهم في تفعيل تذوُّق وتقدير الفن، كذلك قيامُ ‏الجامعات بتكوين مجموعات فنية متنوِّعة من أعمال الفنانين المعاصرين بحيث يضمّها متحف ‏خاص داخل كل جامعة أو في المدينة التي تتواجد فيها. يعمل متحف الجامعة مثل أيّ قسم ‏أكاديمي في التثقيف الفني من خلال أنشطة متنوِّعة تتصل بمجموعته خاصة أو بالفن عامة. ‏تتأكد أهمية هكذا متاحف في جامعات المدن التي تخلو من قاعات العرض، وتشجِّع الفنانين ‏الممارسين من خلال اقتناء أعمالهم. وتربط مثل هذه المتاحف بين الأكاديمية والمجتمع المحلي ‏بمؤسساته الداعمة وبأفراده المستفيدين منه.‏

تنظر المؤسسات الرسمية ذات العلاقة بالثقافة إلى الفنون باعتبارها ترفًا لا ضرورة له، أو ليست ‏من الأولويات من حيث الرعاية المادية والمعنوية، وعليه فإنَّ ما تقدِّمه من دعم إلى الفنانين يكاد ‏لا يذكر. إنَّ شراء عمل صغير بمبلغ زهيد كل عام أو عدة أعوام لا يقيم أودًا ولا يساعد الفنان ‏في الإنفاق على معيشته ومرسمه وعلى أدواته وخاماته. ما زالت ميزانيّة دعم الفنون في الأردن ‏بعد كل هذه السنين ضئيلة، ولا تساعد على عمل مبادرات تشغل الفنان فيما يعود على المجتمع ‏بالرقيّ الذَّوقي من خلال المشاريع المنغمسة اجتماعيًّا وثقافيًّا أو من خلال المشاريع الفنية ‏المتصلة بالأماكن العامة. نقول ذلك بعد أن فضحت الجائحة "الكورونيّة" مدى التقصير في دعم ‏الفنانين، وعمَّقت فقر الفنانين الذين ظنّوا، وبعض الظن إثم، أنَّ بإمكانهم أن يكون دخلهم من فنّهم ‏فقط. قامت الولايات المتحدة الأميركية، وهي أم الرأسمالية حتى لا يُقال لسنا دولة اشتراكية، ‏بدعم الفنانين بالأموال وذلك بالطلب منهم القيام بمشارع تجميليّة في المدن بغرض تشغيلهم وذلك ‏في الثلاثينات من القرن المنصرم أي في فترة الركود الاقتصادي المشهورة في التاريخ الحديث. ‏أنْ تُعاد إلى الخزينة في نهاية العام مبالغ كانت مخصَّصة للصَّرف على الثقافة في الوقت الذي ‏يأكل فيه فنانون أعمالهم فتلك مصيبة. ويفسَّر هذا المجاز بأنَّ المصورين منهم مثلًا يرسمون ‏على لوحاتهم السابقة بغرض الاستمرار في الإبداع لئلا تصدأ أفكارهم وتخور مهاراتهم. ولدينا ‏مَثَل معاصر كذلك في دولة أوروبية هي ألمانيا، لقد خصَّصت وبدأت في تقديم الدعم منذ بداية ‏الجائحة في آذار 2020 إلى فئات المشاريع الفردية الخاصة والفنانين، وقد بلغ المبلغ المرصود ‏للدَّعم خمسين بليون يورو. وشمل الدَّعم دفع مستحقات إيجارات المراسم والمشاغل ونفقات ‏الحياة العادية بالإضافة إلى إمكانيّة حصولهم على قروض ميسَّرة طويلة أمد التسديد.‏

من حق أصحاب قاعات العرض الخاصة أن يبحثوا عن مصالحهم وأوّلها تحقيق الربح، ولكن ‏في غياب المشاريع الفنية الرسمية والخاصة فإنَّ بعضهم يتعثر إن لم بجد بابًا في الخليج لتسويق ‏الأعمال الفنيّة. إنَّ عدد قاعات العرض في عمّان، وهذا ديدنها حتى في البلاد المتقدمة وهو ‏التمركز في المدن الكبيرة نسبيًّا، قليل بحيث أنه لا يفي بالمطلوب. لدى أغلب هذه القاعات برامج ‏للعروض بقوائم طويلة قد يستلزم فنانًا راسخًا سنتين أو ثلاث ليجد الوقت المناسب لإقامة ‏معرض لأعماله. ولا يجد الشباب الداخلون إلى المجال فرصة للعرض فيها. إنَّ تسويق الأعمال ‏الفنية متعثِّر قبل الجائحة بسنوات، إذْ لم يعُد باستطاعة فئة أعلى متوسطي الدخل اقتناء الأعمال ‏بسبب ضغوط الحياة المعيشية في الوقت الذي أحجمت فيه فئة المقتدرين عن شراء اللوحات ‏الفنية بسبب حالة ترقُّب اقتصادي غامضة. ‏

أمّا مشكلة رابطة الفنانين التشكيليين فهي مجموعة مشاكل متداخلة، منها ما يكمن في الإدارات ‏المتعاقبة والعلاقات بينها وبين عموم المنتسبين إليها من جهة، ومنها ما يتصل بعلاقاتها مع ‏المؤسسات الأخرى المعنيّة بالفنون كوزارة الثقافة وأمانة عمّان وغيرهما من جهة أخرى. ينتسب ‏إلى الرابطة ما يقرب من ثلاثمئة عضو والملتزمون/ات منهم الآن بتسديد اشتراكه/ا لا يتجاوز ‏عددهم الثلث. ويعود هذا التقاعس عن التفاعل مع الرابطة إلى طرفي المسألة، الإدارات وكيفية ‏إدارتها للأولويات من جهة، وما يطمح إليه الأعضاء من جهة أخرى. والسؤال الذي نسمعه دائمًا ‏من قِبَل الأعضاء هو: ماذا يمكن للرابطة أن تقدِّمه لأعضائها؟ أو بشكل مباشر: ماذا ستفيدني ‏الرابطة؟ إنه سؤال مشروع إذْ إنَّ إقامة أيّ مؤسسة ينبغي أن يكون لها أغراض واضحة فيها نفع ‏للحالة الفنية ككل وللأفراد كل على حدة. لا يمكن لهذه المؤسسة في ظلِّ اشتراكات الأعضاء ‏الضئيلة والدعم المحدود المقدَّم من وزارة الثقافة، والذي يُصرف معظمه على أجر المقرّ، أن ‏تقوم لها قائمة. ينبغي التفكير في الحصول على مقرّ مجاني مناسب من الأمانة أو من أيّ جهة ‏أخرى لتوفير الميزانيّة للصّرف على تحقيق أغراض الرابطة الأخرى. وقد يكون الحل الأجدى ‏هو دمجها مع إحدى النقابات القريبة منها لتصبح الأمور أكثر جديّة من حيث الإدارة المهنيّة ‏والماليّة. وعندها سيكون لها دور من خلال قوانين ملزمة في النواحي الفنية في مجالات شتى ‏كالمعارض التي تقام والمشاريع الفنية في الأماكن العامة. إنَّ نسبة 2% للفنون من ميزانية أيّ ‏مبني عام يُقام سواء أكان رسميًّا أو خاصًّا، وتعمل به كثير من الدول ومنها بعض البلاد العربية، ‏كفيلة بتغيير الوضع رأسًا على عقب. نقول ذلك ونحن نرى في الواقع الحالي بعض المؤسسات ‏السياحية الدولية تصرف بعض الأموال على اقتناء الأعمال الفنية، بسبب المعايير الدولية، ‏ويغلِّف هذا الأمر الكثير من الغموض فيمَ يُصرف ولِمَن يُصرف وكيف يُصرف، كما نلحظ ‏اعتمادًا كبيرًا من قِبَل بعضها على نسخ مطبوعة من الأعمال الفنيّة مكرَّرة في أماكن كثيرة من ‏المبنى، أو أنَّها تحصل على أعمال قليلة القيمة الفنيّة عن طريق تشبه المقاولات وبأسعار يأبى ‏كثير من الفنانين القبول بها. نحتاج دومًا، كما في كل مجالات العمل في مسائل المشاريع العامة، ‏إلى مَن يضبط ويحدِّد ويحكم بسقفٍ عالٍ من الموضوعيّة والحياديّة والشفافيّة. ‏

الإبداع الفني كغيره من أنواع الإبداع قائم على التمرُّد والتفكير الحُرّ وتحقيق الجديد المبتكر. ‏والموهبة هي نسبة يسيرة من القدرة على الإبداع، إذْ إنَّ النسبة الأعظم تقوم على بذل الجهد ‏والعمل بلا حدود في التدرُّب وبعده في مكابدة الممارسة الفنية للوصول إلى منجز ذي قيمة. عدم ‏المعرفة وعدم متابعة الفكر فيما يُنتج ويُكتب في العالم في زمن الصورة والتضخُّم المعرفي لا ‏عذر لأحد فيه إذا أراد أن يكون فنّانًا متميّزًا. لقد انتقلتُ هنا إلى أسّ القضايا ألا وهي ‏الفنانون/الفنانات أنفسهم/ أنفسهنّ. يوجد أجيال من الفنانين التشكيليين قد لا يعرف بعضهم بعضًا، ‏فالجيلان الأوّل والثاني منعزلون بفنِّهم أو بأمور حياتيّة أخرى، والثالث لا يعرف قدرهم بسبب ‏الجهل أو التمرُّد المتطرِّف. لدينا في الحالة الفنية في الأردن ما يدعو إلى الاستغراب وهو إنكار ‏الأساتذة سواء أكانوا من المؤسِّسين أو اللاحقين، وهذا الواقع لا تراه في البلاد الأخرى حتى في ‏البلاد العربية كمصر والعراق. تتلخَّص المشكلة في غياب المعايير التي تحكم المُنجَز ومكانته ‏ومدى قيمته. وعلى سبيل المثال غالبًا ما تسمع من فنان/ة إذا أقام/ت معرضًا لأعماله/ا: "إنَّ ‏المعرض قد نجح نجاحًا باهرًا". وأتساءل: "كيف عرفت؟!"، يحدَّد مدى نجاح المعرض في البلاد ‏المتقدمة بقدر تحقيق درجات متقدمة في عدة نواح منها عدد المقالات النقدية التي تناولت الأعمال ‏المعروضة وما يتضمّن ذلك من مكانة النقّاد وشهرتهم ووسائل النشر التي ظهرت بها تلك ‏المقالات، ويحدَّد نجاحه كذلك بعدد زوّار المعرض، وعدد الأعمال المقتناة من المعرض وغيرها ‏من العوامل، الأمر المفقود تمامًا في حالتنا. أمّا فيما يخص النقد الفني فإنَّ الجادّين فيه قد عزفوا ‏عنه لأسباب عدّة منها عدم توفر المنابر المناسبة والمجزية ماديًّا ومعنويًّا. وهناك كتابات كثيرة ‏تزعم أنها في الفنّ ولكنّها لا تنمّ عن رؤية ولا تكشف عن عمق في فهم ما جرى ويجري في ‏عالم الفنّ اليوم. الوصف السطحي الناقص لبعض الأعمال ومقتطفات من السِّيَر المكرَّرة ‏والنصوص المحفوظة لا تصنع نقدًا يفيد منه الفنانون أو قراء هذه الكتابات السقيمة. ‏

هذه هي الحال الفنيّة في الأردن خلال المئة عام المنصرمة وما آلت إليه، إنَّها تحتاج إلى جهود ‏جبّارة ومخلصة لتفكيكها ومعالجتها.‏