لحظة صفاء

‏ ‏

قصة: ليمار عمر المومني

كاتبة أردنية

 

 

بدأتُ العمل في المصحّة العقليّة بعد تخرُّجي في كليّة الطب النفسيّ مباشرة، كان سبب ‏دخولي الأساسي لهذه المصحّة بالذات، التي يمتلكها أحد المستثمرين في القطاع ‏الخاص، هو دخول أخي التَّوأم الذي يكبرني بثلاث دقائق إلى هذه المصحّة.‏

‏ ‏

أخي مُصاب بانفصام الشخصيّة؛ حيث إنَّه ادَّعى بأنَّه أنا، وفي أحيان أخرى كان ‏يدَّعي بأنّه أبي وحتى أمي. بدأتُ ألاحظ أنَّ أخي لا يكون في غرفتِه في أوقات ‏مُناوباتي، وعندما أسال زملائي الأطبّاء عن أخي كانوا يضحكون ويقولون: "ها قد بدأ ‏مجدّدًا...". لم أكُن أعرف ما الذي يعنونه، لكن في الحقيقة هذا لا يهمّ.‏

‏ ‏

كنتُ أحلم أحلامًا مزعجة تدور حول أخي، وأشاهدُ يوميّات غريبة لبعض الناس ولا ‏أدري متى وأين التقيتُهم. كنتُ أستيقظ على مكالمات أخي في منتصف الليل، لكنه لم ‏يكُن يتكلّم أبدًا على الرّغم من توسُّلاتي إليه كي يقول أيّ شيء، لقد كان يكتفي فقط ‏بمضايقتي. في الصباح اتفقَّد هاتفي النقّال... فلا أعثر على رقمه في المكالمات ‏المُستلمة.‏

‏  

الأدوية المُضادة للذّهان ومنها "الكلوزابين" أفادت أخي كثيرًا، وهي مفيدة في معالجة ‏الاكتئاب أيضًا، وبسبب الضغوطات التي أتعرَّض لها في البيت والعمل قرَّرتُ أن ‏أجرِّبها. بمجرَّد مروري بجانب زملائي يبادرون بالضَّحك مجدّدًا ومجدّدًا، وفي إحدى ‏المرّات سمعتُ تمتمات: "ألم يجرِّب أن يأخذ صورة لنفسه وهو يدَّعي بأنه أمّه؟"، ‏وبمجرَّد سماع هذه الكلمات تذكَّرت أحد أحلامي المُزعجة حيثُ وضعتُ على الشاي ‏الملح وبدّلتُ الماء العادي بماء حوض السمك؛ حينها قرّرتُ أذيّة نفسي وأنا بالحلم.‏

‏ ‏

استيقظتُ من شدَّة الألم في ذراعي اليسرى، كان الجرح في ذراعي تمامًا كما رأيتُه ‏في الكابوس. ذهبتُ إلى المطبخ لتعقيم الجرح، ثم تناولت "الكلوزابين". ذهبتُ للحمّام، ‏نظرتُ في المرآة، لم أرَ وجهي، بل رأيتُ وجه أخي! ‏

لحظة، ليس لي أخ. ‏

بدأ تأثير الدواء، وبدأ ذهني يصفو. ‏

ليس لي توأم، ليس لي أخوة على الإطلاق. أنا وحيد أمي وأبي.‏

‏ ‏

أمي وأبي توفيا في حادث سيارة قبل سنتين. من يومها بدأت مشاكلي وكوابيسي التي ‏لا تنتهي.‏

عرفتُ الآن مَن أنا. ‏