محمد سلّام جميعان
شاعر وناقد أردني
ثقافة عربيّة
المتنافي/ راشد عيسى
" المتنافي" ليس سِمةً لديوان شعر، وإنّما هو زُوّادة عُمْرٍ مُشبَعٍ بالمعادلات والمُنحنيات ما بين رغبوتٍ ورهبوت، مُتجسِّداً جُرحاً ولوعةً وأسىً في حياةٍ أمطارُها موسميَّة. ولأنَّ القصيدة تشتبكُ في المآل الأخير مع الواقع ومع الذات، فإنّ قراءة قصائد هذا الديوان لا تُحقِّقُ غايتها من دون الرجوع إلى كتاب" مفتاح الباب المخلوع" وهو سيرةُ حياة الشاعر، وهذا ما يكشف كيف يكتب راشد قصيدته بلذّة الوجع، ويكشف للقارئ العلاقة بين الباب المخلوع والمتنافي، ويضيئ جوانب متكاثرة على قصائد هذا الديوان، من حيث ينابيعها، فالقصيدةُ عند راشد تشقُّ الأرض لتطلع زهرة مورقة نَضِرة، تتشمس تحت فضاء الكون فتشعر أنَّها تتناغم مع إحساسك في كلِّ حالاته.
وفي الجانب الفنّي، يُعدُّ كتاب: " ترجيعات النصوص"، بَسْتَنَة معرفيّة تفوح منها أطايب تنحاز إلى لغة الشعر ومِخيالِها الانفعاليّ، وفيه رؤية للغة الشعر التي تتجسّد في هذا الديوان " المتنافي"، كما تكشفها افتتاحيته الشعريّة " ميثاق الشرف الشعريّ" حيث تنكشف الأبوّة الشعريّة في أمدائها المتعددة عبر تلاقحها مع كبار الشعراء العرب والعالميين، ما يشي بأنَّ الشعر هو سرّة هذا الكون. وهو الأمرُ الذي يرتبط ارتباطًا وثيقًا بمُلاوعات راشد الوداعيّة في آخِر هذا الديوان، فما بين مفتَتح الديوان وخاتمته ما يشبه علاقة الظلِّ بالضوء، في هذا الديوان يتراءى للقارئ نُبلُ اللغة، وجلال الإيقاع، والحِلية المُعجميّة، وبريق الصِيَغ، والمراوحة بين الصورة الصامتة والصورة النابضة؛ وهي المعادلة الجمالية واللغوية التي تحكم تجربة الشاعر راشد عيسى في دواوينه كافة.
بدون رصاصة واحدة/ محمد أزوقه
عنوان يلفت النظر في زمن شطَرَ الأمةَ الواحدة إلى طوائف وجماعات وجغرافيات وأديان ومذاهب وأعراق، تعيش في وهْمٍ مُبين من مشاعر التفخيم. فحين يفرغ القارئ من آخر سطر في هذا الكتاب، سيصيح بأعلى الصوت: لماذا يحدث كلُّ هذا لنا نحن العرب من دون أمم الأرض؟ لماذا إذن يظلُّ العربيُّ بين قتيل ومهاجرٍ ومُهجَّر؟ لماذا يبقى السادةُ ينعمون بما يقدحُ زند الغرائز، فيما الشعوب العربيَّة يمشي معها الموت والجوع والفواجع والمحن، كَظِلِّها؟ لماذا كلَّما أينعتْ في هذه الأمّة رؤوسٌ قالت " إمبراطورية الشرِّ": حان قطافها؟
وحين يفرغ القارئ من أثر صدى هذه الأسئلة، وما شاكلها من أخوات" لماذا"، سيعرف " كيف" يكون درب الخلاص من قلق "لماذا". فهذا الكتاب تكييف للواقعِ العربيِّ الملتبسِ، المفتونِ بشَعْرة معاوية، الطاعن أحلامَه بخنجر أبي لؤلؤة، المستيقظِ في الأزمنة الكابوسيَّة على خرائط العم سام الجديدة. حينها سيدرك الشيخُ العربيُّ، صاحب أكبر مُعجمٍ لغويّ، الفرْقَ بين السيِّدِ المالكِ والمملوكِ العاجزِ.
في هذا الكتاب يقدِّم المؤلف رؤية جديدة، برهانها الأرقام، ويخوض سجالًا عقلانيًّا بعيدًا عن الرومنسية، في رسم الطريق الجديد الذي يتمناه لأمَّته، يتوازى فيه الإصلاح السياسيُّ مع النهوض الاقتصاديّ. وبعيدًا عن التفصيلات والجزئيات، التي أتركها للقارئ، فإنَّ هذا الكتاب يؤطِّر معنى الحاجة للبقاء ويفعِّل الشعور بالانتماء لإطار جامع سياسيًّا واقتصاديًّا، لتنتظم رحلةُ الإيلاف بين أقطار الوطن العربي، فتأمنَ من جوعٍ ومن خوف. وقد يكون من فضول القول الزعم بأنَّ هذا الكتاب، يشكِّل مفتاح عمل للمثقفين والسياسيين والاقتصاديين، فقد انجدلت فصوله على نحو يدعو إلى التفكير والتفكُّر في مقاصده الكبرى، التي يأمل المؤلفُ تحقُّقَها " بدون إطلاق رصاصة واحدة".
غولة ستّي في القدس/ حسام درويش عبد اللطيف
هذا الكتابُ يَجمعُ ما بين التاريخ، والخيال وأدب الرحلة والمغامرة، ويطوف بقارئه بين حارات القدس وأزقّتها، ويسرد قصصًا وذكرياتٍ من التراث المرتبطة ببعض مظاهر البلدة القديمة، ما قبل الاحتلال، فيخرج القارئ عند فراغه من قراءة الكتاب بمعرفة جيّدة عن القدس وتاريخها وتنوّعها الثقافيّ الغنيّ، وتزداد معرفته ببعض الكلمات القديمة والمظاهر التراثيّة. لهذا يجد في صدر الكتاب فيضًا من الكلمات التي تطلق على أدوات أو أماكن مفسّرًا دلالتها الشعبيّة، ليكون القارئ على بيّنه واطّلاع على دلالاتها حين ينغمر في قلب السرديّة المقدسيّة.
ويؤكّد هذا الكتاب عبر سرديته الحكائيّة أنَّ القدس بحواريها وأزقتها وعتباتها وأروقتها والحكايا والأشعار والتراتيل التي كانت تلهج بها ألسنة الساكنين والزوّار والحجّاج، ما زالت باقيةً تعانق الزمان والمكان والإنسان والثقافة، لتشكِّل المخيلة النّشطة والذاكرة الأزليّة التي تحتفظ بالكثير من الأسرار والكنوز.
فهذا الكتاب – عبر تناوله الموروث الثقافي الشعبي المقدسي- يشكل مظهرًا من مظاهر الدفاع عن الذات وحصن منيع في وجه محاولات الطمس والتزييف. وما سردية الغولة فيه إلا ملمح من ملامح التراث الشعبي المقدسي، استطاع الكاتب أن ينقلها من التسلويّة والأحدوثة الخرافيّة إلى نسقها التاريخيّ، والكشف عن الغنى الثقافيّ ودوره في المواجهة والصمود. ففي هذا الكتاب يبرز المتخيّل الواقعيّ في أجلى صوره.
ثقافة عالميّة
"دروسُ السلطة" / "فرانسوا هولاند"، ترجمة: حسين عمر
حين يكتب السياسيون في بلاد الغرب مذكّراتهم يكتبونها بشفافيّة عالية، فيدوّنون للقارئ كيف يعيش رئيس البلاد حياته اليوميّة، وكيف يتّخذ القرارات في اللحظات العصيبة والحرجة، وكيف يواجه تدني شعبيته لدى الأوساط المقرّبة منه. وهو ما يسطّره الرئيس الفرنسي السابق "هولاند" في مذكراته التي حملت هذا العنوان، يروى فيه تجربته السياسية في الحكم (2012-2017).
وفيه كذلك يبدي وجهة نظره في الأزمة التي تضرب الديمقراطيّة الأوروبيّة ومستقبل اليسار الإصلاحي والأسباب التي قادته إلى الامتناع عن الترشح لولاية رئاسية ثانية. وهو ما يجعل من هذا الكتاب وثيقةً مهمّةً في قضايا ممارسة السلطة، دون الحساسيّة التي يمكن أن تحول بينه وبين التطرُّق للأخطاء التي ارتكبها خلال حكمه لفرنسا.
فمن القضايا التي عبّر فيها الرئيس السابق عن ندمه: تجريد الفرنسيين ذوي الجنسية المزدوجة من جنسيتهم لتورُّطهم في عمليات إرهابيّة، وهي المسألة التي أدت إلى خلق شرخ سياسي كبير في صفوف الحزب الاشتراكي والنواب الاشتراكيين في الجمعية الوطنيّة.
وليتأمل معي القارئ عبارة "هولاند" التالية في هذا الشأن: "لقد قلّلتُ كثيرًا من مدى الصدى العاطفيّ الذي يمكن أن يسببه هذا المشروع في المجتمع الفرنسي. كنت متيقنًا أنّ مشروع القانون لن يهدّد الحريات العامة والفرديّة ولن يخلّ بمبادئ العدالة والمساواة بين المواطنين. لكن في نظام ديمقراطي، لا يكفي فقط أن تمتلك الحق، بل عليك أيضًا أن تقنع الآخرين". بهذا الحسّ الراقي يبوح رئيس دولة للعالم حتى بأسرار حياته الشخصيّة.