رمضان الرواشدة
إعلامي وروائي أردني
في منتصف السبعينيّات، من القرن الماضي، كانت مكتبةُ أمانة عمّان بشقّيها: العامّة والأطفال تعجّ بالروّاد الباحثين عن القراءة والمعرفة من الأعمار كلّها. ومع افتتاح مكتبة مركز هيّا الثقافيّ، في الشميساني، وجد الأطفال متنفّساً لهم يجمع بين اللعب والثقافة. وكانت المكتبةُ المتنقلة في المحافظات، توزع الكتب، شبه المجانية.
أذكر أنّ ندوات رابطة الكتّاب الأردنيّين، في ثمانينات القرن الفائت، كان تعجّ بالحضور، وكنّا؛ مجموعة من طلّاب جامعة اليرموك، لا نفوّت ندوة من ندواتها. ربّما كان الحراك الوطنيّ، سبباً رئيساً من الأسباب، ولكن أيضاً، كان للثقافة دورها في عمليّة التنوير، والتثاقف المبنيّ على حراك أدبيّ رفيع.
وكانت وزارة التربية والتعليم، تقيم مسابقاتٍ سنويّة، في العاصمة، عمّان، والمحافظات، لأوائل المطالعين من الطلبة؛ مما كان يشجّع على القراءة واقتناء الكتب.
أمّا وزارة الثقافة، فقد فعلت خيراً بمشروعها الكبير، مكتبة الأسرة، الّتي تقدّم الكتب الأدبيّة والسياسيّة والاجتماعيّة والفلسفيّة أردنيّاً وعربيّاً وعالميّاً، للقرّاء بأسعار رمزيّة ومناسبة حتّى للأسر محدودة الدخل.
مع تصاعد سطوة وسائل التواصل الاجتماعيّ، تراجع الدور الّذي كانت تلعبه الرابطة والوزارة، وكلّ دور النشر. في معرض عمّان الدوليّ للكتاب، الّذي أُقيم في شهر أيلول، الماضي، لاحظت مدى تراجع شراء الكتب الفكريّة والفلسفيّة والأدبيّة ومدى الغياب الكبير، حتى للمثقفين، عن الندوات وتوقيع الكتب الجديدة من قبل المؤلفين.
من يعلّق الجرس؟
تلعبُ وزارةُ الثقافة دوراً، كبيراً، كمحرّك للثقافة، وليس صانعةً لها، في إعادة الاهتمام بالكتاب والقراءة والثقافة والفكر، أوّلاً؛ من خلال اجتراح آليّات جديدة تستفيد من ثورة المعلومات، وخاصّة، توفير الكتب الإلكترونيّة على منصاتها، وبعضها معمول به حاليّاً، ولكن ليس إلى درجة كبيرة.
كما يمكن للوزارة التأسيس، مع وزارة التربية والتعليم، للعودة إلى المسابقات الوطنيّة على مستوى المملكة، وعلى مستوى المحافظات مثل مسابقة أوائل المطالعين.
لا يمكن الركون إلى الأدوات القديمة، أو السائدة بالعقليّة الإداريّة نفسها، ولذا لا بدّ من مواكبة التطوّر، في مجال ثورة الاتّصال المعرفيّة، للوقوف على حاجات القرّاء والمطالعين، وتشجيعهم، لا أن نكتفي، فقط، بشراء نسخ من المؤلّفين ووضعها على أرفف المستودع، أو توزيع، بعضها، على مكتبات المحافظات الّتي قد لا يزورها أحد.
تلعب المهرجاناتُ الثقافيّةُ الكبرى، دوراً، أيضاً، في تحفيز النشاط الثقافيّ والإقبال على اقتناء الكتب وقراءتها، الوطنيّة والعربيّة والعالميّة؛ لأنّه دون وجود الإنسان الأردنيّ المثقّف، المزوّد بالمعرّفة، فإنّه لا يمكن أن نلج الحقب القادمة، مع كلّ ما فيها من تطوّر وتقدّم هائل، نكاد بشقّ الأنفس اللحاق بها، لنضع لنا مكاناً تحت شمس المسكونة الساطعة.
من يمتلك المعرفة والثقافة، يمتلك باقي وسائل التقدّم، وفي الدول المتقدّمة تعتبر وزارة الثقافة، وزارة سياديّة تماماً، مثل كلّ من وزارات الداخليّة والأمن أو الخارجيّة ولديها موازنات كبيرة مرصودة للثقافة وتعزيز القيم بالهُويّة الوطنيّة.
في المئويّة الثانية، من عمر الدولة الأردنيّة الحديثة، ما زلنا بحاجة إلى تعريف الناس ببطولات الآباء المؤسّسيّن، من خلال الكتاب والدراما التلفزيونيّة والسينمائيّة والمسرح، من أجل أن تعرف أجيال، شباب اليوم، بطولات وتضحيات الأردنيّين، الأوائل، من أجل الحفاظ على الأردنّ وأمنه؛ بلداً عصيّاً على كلّ من يحاول المساسَ به.
ثمّة حاجة إلى خطّة وطنيّة، شاملة، لا تقتصر على وزارة الثقافة فقط، بل تتعدّاها إلى كلّ مفاصل الدولة الأردنيّة، وتكون الوزارة رأس الحربة فيها، من أجل إعادة الاعتبار للثقافة، ونشرها وترسيخ ضروراتها في عقول وفي أذهان الأجيال الشابّة والقادمة.
فالثقافةُ هي روحُ الأمّة المقاومة، والدولة الّتي لا تعلي الشأن الثقافيّ كشأنٍ سياديٍّ مهمٍّ لا مكان لها تحت الشمس.