إشكالياتٌ ورؤى نقدية في قصص الأطفال لرزان إبراهيم.

د.عباس عبد الحليم عباس
أكاديمي وباحث أردني
ينطلق هذا العمل للأستاذة الدكتورة الناقدة والأكاديمية رزان إبراهيم من حقيقة مفادها أنَّ الكتابة للأطفال (عمل صعب) وهذا نابع من إشكالية المشترك بين الأطفال والكبار، إذ إنَّ الرهان على هذا المشترك هو الذي يحسم موضوع النجاح في التواصل مع الصغار، وهنا تكمن أهمية تحفيز الأديب كي يدرس جمهوره من الأطفال دراسة علمية ، معتمداً على ما توصل إليه علماء التربية وعلم النفس؛ لأنَّ الكتابة للأطفال تغدو أمراً ناقصاً إن تعذّر فهم الأديب لعالم الأطفال، أو بقي عالقاً في عالم الكبار الذي عاشه، غير قادر على تفهم المستجدات أو المثيرات الجديدة التي يتعرض لها الأطفال هذه الأيام ، مع ضرورة الأخذ بعين الاعتبار اهتمام الكاتب بالجوانب الفنية، في العمل المكتوب للأطفال، إضافة الى الجوانب التربوية والنفسية التي عرفها عن المرحلة العمرية التي يكتب لها.
• التاريخُ والحكاية الشعبية
وتشير الباحثة إلى ضرورة معرفة رأي الطفل فيما يكتب له، وما الذي يرغب فيه؟ ففي الفصل الأول (قصص الأطفال والمادة التراثية) ترى أنّ ثمة اختلافاً بين التاريخ والحكايات الشعبية، وأنَّ على كتّاب الأطفال أن يقوموا بتحوير الحكاية الشعبية لتحوي قيماً تربوية وإنسانية مناسبة، وقد يتطلب الأمر من الكاتب أن يكون دقيقاً في اختياراته بحيث يبتعد عن النصوص التي تقدم تفاصيل الذبح والقتل المستقاة من التاريخ، وتؤكد أن الرسالة التي يريدها القاص أو المبدع لن تصل إلى الطفل ما لم تمتلك قالباً فنياً ملائماً.
وفي الفصل الثاني (ثنائية الخيال والواقع) تنحاز المؤلفة إلى فكرة التأثير المتبادل بين الخيال والواقع في عالم الطفل، وتشير إلى أنَّ الطفل الذي يحلم ويتخيل هو طفل أقرب إلى عالم الإبداع من ذلك الطفل الذي يبقى محصوراً في عالم الواقع، وهذا ما تؤكده أمثلة لأعمال قصصية عديدة قامت المؤلفة بتحليلها، وفي مقدمتها (جنان في بيت يا ليت) للكاتبة إستريد ليندجرين. فهدف هذه القصة فتح المسار الاتصالي بين الوعي واللاوعي لدى الأطفال، وشحن خيال القارئ الطفل تبعًا لذلك، لنحقق مقولة "آينشتاين" (الخيال أهم من المعرفة).
أمَّا الفصل الثالث الموسوم بعنوان (فلسطين في قصص الأطفال) فيقود الكاتبة إلى نظرة في أدب الطفل عند اليهود لتوضح لنا كيف يربون أولادهم على القيم اليهودية والتنشئة السياسية التاريخية حسب الرؤية الصهيونية، لذلك فإنَّ رؤيتنا التي تقيم اعتباراً كبيراً لتوفير أسباب الغبطة للأطفال لا تمنع من التركيز على البناء الفكري الذي يؤسس لعلاقة متينة بين الطفولة وتاريخها وحقّها الذي ينبغي أن يسترد، سواء من خلال رمزية الحيوان، أو رمزيات أخرى قد يوظفها الكاتب لإيصال رسالته.
في الفصل الرابع (العنف في قصص الأطفال) ترصد المؤلفة تجلّي العنف وآليات محاربته في أدب الأطفال، وقد رصدت هنا أنواعاً من العنف والتنمر والتمييز العنصري الذي نريد أن نتحدث عنه في قصصنا المكتوبة للأطفال. وشدّدت على أهمية الأدب المخصّص لتقليص مساحة العنف في حياة الطفل اليومية؛ فهو أدب عماده روح التسامح وكرم الأخلاق، والحث على ترسيخ فكرة التعايش السلمي بين أفراد المجتمع الواحد، وهنا يجب مخاطبة عقل الطفل ووجدانه وذائقته الفنية في الوقت نفسه.
وتتناول في الفصل الخامس موضوع (التبسيط العلمي) ففيه تدعو المؤلفة لتوظيف أدب الأطفال في نشر المعرفة العلمية بينهم، وتشير إلى ما فعله "ستيفن هوكينغ" الذي نشر سلسلة خيال علمي للأطفال بهدف توجيه اهتمامهم وتحفيزهم نحو هذا الباب، وهذه الدعوة بالطبع تحتاج الى كتّاب قادرين على الانتقال من حالة كتابية تتسم بالجفاف، إلى نوع من الكتابة المفعمة بالمتعة والتسلية؛ لأنَّ نجاح القصة ها هنا مرهون بامتلاك الأدوات اللغوية والشكلية قبل الأفكار والأهداف. وإلا كان الإخفاق مصير العمل. ومن خلال مناقشتها لعدد من الأمثلة والنماذج الناجحة والفاشلة تؤكد وجوب الفصل بين ما يكتب للاطفال من معارف وعلوم، وما يكتب لهم من أدب، فبين أن تكتب للأطفال، وبين أن تنشئ أدباً للأطفال، فارق شاسع.
وحول (روايات مرحلة الناشئة) يدور الفصل السادس فتلاحظ المؤلفة قلة كتّاب الرواية لهذه المرحلة الصعبة، والحساسة، فهذه الفئة العمرية من 13-18 سنة لها خصوصيتها التي تفضي إلى ضرورة اختيار المعارف الملائمة لها، حيث يجب التأكد من توافق ما يقدم لها من غذاء أدبي مع مستوى نموها، وتستشهد الكاتبة بأنَّه لا فائدة من محاولتك كتابة رواية مراهقة ما لم تكن أولاً أنت نفسك مراهقاً يمكن أن يتكلم بثقة، وثانياً يجب أن تكون على صلة يومية بالمراهقين، أباً أو باحثاً اجتماعياً أو طبيباً نفسياً، لتكون مطّلعاً على لغتهم ومشكلاتهم. وقد اتضحت هذه الأفكار من خلال العديد من النماذج الأدبية التي تحدثت عنها المؤلفة في هذا السياق.
وناقشت المؤلفة (القصص الشعرية) ذات اللغة المكثفة والصور المجازية التي تعبّر عن أفكار ومدركات خيالية، لذا تعمد المؤلفة في الفصل السابع إلى مجموعة من النماذج لإيضاح وجهة نظرها، منها: القصة الشعرية لبيان الصفدي (ذات نهار) فهي عمل يتعامل مع مفهوم الخيال باعتباره قناة يحقّق الطفل من خلالها ما يعجز واقعه عن تحقيقه، فتأتي كل مقطوعة قصصية محبوكة ضمن أجواء حوارية محكمة، في إطار موسيقي جميل:
"جلت... وفي كل البلدان
فامتلأت روحي أحزان
أدمى قلبي طفل جائع
مسكنه في الدنيا الشارع".
ومع الدعوة إلى ضرورة الخيال هنا، تحذّر المؤلفة من المغالاة فيه، فالمغالاة تفضي إلى ضخ كم كثيف من الأفكار المجردة، تدخل الطفل في متاهات عويصة، وتدفع به بعيداً عن هذا الفن الجميل.
وتختم الباحثة عملها بالفصل الثامن – الأخير- بـــ (ملاحظات استنتاجية) ملخصها أنَّ عودة الكتّاب إلى التراث العربي أمر ملحوظ، ولا شك في أن اعتماده مصدراً لأدب الطفل يعرّف الطفل بنواحيَ إيجابية مشرقة من تاريخ أمته.
كما يمكن تطوير الحكاية الشعبية لتصبح ملائمة للأطفال بحيث يبقى العنصر الأصلي للحكاية ثابتاً والتحوير يطال عناصر الربط وأشكال التقديم. وتضيف: "إنَّ الأطفال يقبلون على الأدب المفعم بالمتعة والتشويق لا المعني بالمعرفة المجردة، فالجانب الجمالي هو المركز دائماً والجانب التعليمي يأتي ضمن هذا الإطار". وتكرّر المؤلفة باستمرار أنَّ الكتابة للأطفال ليست عملاً سهلاً، فالأفكار النبيلة لا تكفي ما لم يتوفر الأسلوب الرشيق الممتع.
ومن ناحية أخرى تلاحظ د. رزان أنَّ عدد القصص التي تتحدث عن الصراع العربي الإسرائيلي غير كاف، وهذا يعود إلى أن زمن المقاومة والدفاع عن الوطن يبرز هذا النوع من القصص، في حين تقل العناية بها عندما تبهت هذه القيم. يضاف إلى ما سبق أنَّ إخراج كتب الأطفال يختلف كلياً عن إخراج كتب الكبار، فالتكلفة كبيرة بسبب التقنيات الطباعية والصور والألوان والطباعة المشكولة، فالطفل يحب اللوحات المرافقة للكلمات، وفيها يجب أن تراعى خصائص الطفولة وأمزاجة الصغار التي تختلف عن أمزجة الكبار.
وأخيراً؛ فإنَّ (كتاب اشكاليات ورؤى نقدية في قصص الأطفال) للدكتورة رزان إبراهيم يُعدُّ إضافةً جديدة لدراسات أدب الأطفال في مكتبتنا العربية، فهو يتضمن من الأفكار التي تثري موضوعات البحث العديد، وهي أفكار قابلة للحوار والنقاش، ويمتاز الكتاب كذلك باطلاع المؤلفة على نماذج كافية من أدب الأطفال، ومناقشة هذه النماذج مناقشة نقدية منهجية، كي توضح للقارئ الأصول الموضوعية والفنية الواجب توافرها في هذا الأدب.