مِن أجل ترويج العناصر الرّائدة في التراث الثقافي والتاريخي لتركيا في جميع أنحاء العالم، في إطار برنامج خاص، تقوم وزارة الثقافة والسياحة التركيّة بتطوير برامج مواضيعيّة. في هذا السياق، تمَّ إعلان عام 2018 "عام طروادة" وعام 2019 "عام غوباكلي تبه". مع حرب طروادة الشهيرة التي تركت بصماتها على تاريخ العالم كانت طروادة في العصور القديمة رمزًا لنضال شعوب الأناضول ككلّ ضدّ الهجمات القادمة من الخارج. تمامًا مثل ما حصل في حروب "جناق قلعة" التي وقعت في المنطقة نفسها، وكذلك حرب الاستقلال فيما بعد.
"غوباكلي تبه" قلبت الموازين وخالفت ما هو سائد ومألوف حول أنظمة المعتقدات المعروفة في التاريخ وعلم الآثار. شغلت "غوباكلي تبه" غلاف مجلة "دير شبيغل" الألمانية تحت عنوان "حديقة الجنّة". ويحاول العلماء الآن فهم تاريخ البشريّة مرَّة أخرى مع "غوباكلي تبه".
يُعتبر اللوفيون من أهم شعوب بلادنا والتي هي عبارة عن منطقة جغرافيّة قديمة من الثقافات؛ حيث انطلقت منها الحضارة وازدهرت وامتدَّت نحو الغرب خطوة بخطوة. هذه الشعوب تتكوَّن من الشعوب المنتشرة على مساحات واسعة تحت أسماء مختلفة ويتحدَّثون لغات ذات صلة ببعضها بعضًا.
تمَّ إعلان عام 2020 "عام باتارا" والتي كانت عاصمة ليكيا، إحدى شعوب اللوفيين.
تقع باتارا داخل حدود مقاطعة أنطاليا اليوم، وكان لها ميناء يعتبر بمثابة بوّابة العالم لحضارة ليكيا الواقعة في شبه جزيرة تيكه. يعود تاريخ باتارا إلى 6000 سنة، واحتوت على قيم مهمّة طوال هذه الفترة.
تقع مدينة باتارا الأثرية داخل حدود قرية غلاميش في منطقة كاش، شرق نهر إيشين الذي يرسم الحدود الفاصلة بين محافظتي أنطاليا وموغلا. ويعود تاريخ المدينة إلى العصر البرونزي المبكر. أقدم وثيقة مكتوبة ورد فيها اسم المدينة هي النَّقش الهيروغلوفي باللغة اللوفية في معبد كايناك الذي يعود تاريخه إلى القرن الثالث عشر قبل الميلاد في يالبورت. مدينة باتارا الأثرية التي يعود تاريخها إلى الألف الثاني قبل الميلاد كانت مأهولة في الفترات البرونزية والهلنستية والرومانية والبيزنطية. وعندما تحوَّلت ليكيا إلى ولاية رومانية بأمر من الإمبراطور كلوديوس في سنة 43 بعد الميلاد، أصبحت باتارا عاصمة "ولاية ليكيا".
في السنوات الأخيرة، تمَّ التخطيط لتنفيذ أعمال الترميم والتعزيز في قوس ميتوس والمسرح والمنارة وحمّام الميناء ومعبد كورينث وقبر ماركيا التذكاري وكنيسة كايناك والشارع الرَّئيس وخزّان المياه وصهريج كورشونلو وسور المدينة.
بالإضافة إلى ذلك، تم تنفيذ أعمال التنقيب حول حمّام الميناء وبازيليكا ثيماروم، وتمَّ تنفيذ أعمال التنقيب وأعمال المستودعات في تاباجيك أكروبوليس، والبازيليكا، والحمّام الصغير وسور المدينة والمناطق المجاورة، وقد نُفِّذت هذه الأعمال كلها برخصة من الوزارة، وما زالت الأعمال مستمرَّة تحت إشراف أ.د.حواء إشيك.
"مونتيسكيو" الذي هو أحد أهم مفكّري عصر التنوير، وبعد فحص أساليب الإدارة المعروفة حتى ذلك الوقت يقول في كتابه "روح القوانين" المنشور عام 1748: "إذا كان عليّ أن أذكر مثالًا لجمهورية كونفدرالية كاملة، يمكنني أن أذكر ليكيا كمثال على ذلك". ولهذا السبب، تمَّت الإشارة إلى اتِّحاد ليكيا كنموذج معاصر مرّات عديدة خلال الدراسات الأوليّة لدستور الولايات المتحدة الذي تمَّ وضعه في العام 1787. وقد تمَّ ترميم مبنى مجلس اتحاد باتارا ليكيا، والذي يجسِّد مفهومي "الجمهورية" و"الديمقراطية"، من قِبَل رئاسة المجلس التركي الوطني الكبير.
كانت باتارا أيضًا عاصمة ولايات ليقيا وليقيا-بامفيليا التي أنشأتها الإمبراطورية الرومانية؛ أي المنطقة التي تمتدّ من فتحية إلى ألانيا اليوم.
قام الإمبراطور الروماني الشهير "نيرون" ببناء المنارة في باتارا من أجل سلامة البحّارة، وسيتمّ ترميم هذه المنارة وإعادة بنائها باستخدام موادها الأصليّة. هذه المنارة التي ستضيء من جديد ستكون رمزًا من رموز المستقبل الجميل لبلدنا.
كما أنَّ باتارا تُعتبر مميَّزة ومهمَّة بسبب أبوللو. القدّيس نيقولاوس المعروف بـِ"بابا نويل" وُلد وعاش ومات في باتارا. القدّيس ميثوديوس أحد أعظم القديسين المسيحيين مات في باتارا. قبر رئيس الأساقفة أوديموس، الذي شارك في مجلس إسطنبول عام 381 نيابة عن ليكيا، موجود أيضًا في باتارا.
تحتوي باتارا على إرث مهمّ للغاية يتعلّق بتاريخنا الحديث: أوّل محطة تلغراف لاسلكيّة للدولة العثمانيّة، بناها السلطان عبدالحميد الثاني، واكتمل بناؤها عام 1906، هذه المحطة هي تراث صناعي مهمّ للغاية في تاريخنا الحديث.
كان خط التلغراف اللاسلكي (بطول 850 كم) الممتدّ من محافظة قونية-جيليميس/ باتارا إلى ولاية طرابلس الغرب- مدينة درنة في ليبيا، هو المثال الوحيد على التكنولوجيا اللاسلكية في أوروبا التي تمتدّ على طوال هذه المسافات في تلك الفترة، وتأسَّست للمرَّة الأولى ضمن حدود الممالك العثمانيّة المحروسة. تمَّ الافتتاح الرسمي للمحطات في 31 آب/ أغسطس 1906، في الذكرى السنويّة لتنصيب السلطان.
تمَّ بناء المحطة المُقابلة لأوَّل محطة تلغراف لاسلكيّة للدولة العثمانيّة في مدينة درنة الليبيّة؛ المدينة التي كان مصطفى كمال أتاتورك يحارب الإيطاليين فيها كضابط عثماني. هذه الحروب الدفاعيّة التي جرت للدِّفاع عن ولاية طرابلس الغرب هي أولى الحروب التي شارك فيها مصطفى كمال وأصيب بعينِه في مدينة درنة.
بقايا محطّاتنا في باتارا التي قصفتها البحريّة الإيطاليّة بعد وقت قصير من إعلان حرب طرابلس الغرب، ستبقى رمزًا لعلاقاتنا التاريخيّة مع ليبيا.