قصص

خولة الكردي

قاصة أردنية

 

أوَّل يوم في شهر العسل

كانت ليلة صاخبة من ليالي النيزك الملتهبة، تتراقص معه كأنَّها وردة تتهادى في ربيع ‏تشكَّلت أزهاره بعد شتاء طويل، يغنّي لها أغنية لن تتكرَّر، لقد حان الوقت وانتهت ‏فسحة الضحك والأُنس. ‏

تطير في السماء كأنها عصفور مهاجر، يجهِّز عشَّه من جديد، تلقي بجسدها على ‏سرير وارف في غرفة تشعُّ كالألماس، ستائر استبرق تموج كأمواج البحر الهادر في ‏صباح يوم جديد، تنام وتحلم ببدلة عريس سوداء وحذاء ملقى على الوسادة، الليل ‏يطوِّقها ويرمي بسهامه، فيصيب جسدها الممشوق بثوبها الطويل المنسدل. ‏

كطفلة أرخت جدائلها البيضاء، يعبث الهدوء بفكرها، تفتح موبايلها وتقول: "هل ‏ستتأخر؟ انتظرتُكَ طويلًا!!"، تصحو من كابوس داهمها صبيحة يوم زفافها، وعلى ‏ذاك المقعد أمام سريرها، ورود حمراء مع بطاقة مكتوب عليه: "انتظريني بعد يومين ‏سنبدأ رحلة جديدة!!". ‏

تُطرِقُ والأفكار تشنُّ حربًا على صمتها، انتَظَرَت فارسًا على حصان أبيض يأخذها ‏إلى عالم السعادة، قهقهاته لا تغادر أنفاسها، تفتح الخزانة؛ ثوبٌ يتلألأ كأنه نجوم في ‏فضاء لبس ثوبًا أسود، هيْمَنَ على باقي رفاقه، تمسكُهُ، يحدِّق بها كأنه طفل فقد أمّه، ‏عيناه تسألانها: "هذا أول يوم في شهر العسل؟".‏

 

أكثر من عشق

تَجْلِسُ وتفكِّرُ ما عساه يفعل، تقلّب دفتر الهواتف، تقول: "هذا هاتفه"، وَجَدَتْهُ بعد ‏تفحُّص في أرقام بلا هويّة. هناك عجوز مستلقية على السرير، تصرخ من قمّة ‏رأسها، يظهر أنَّ الزهايمر أخذ مأخذه منها. ‏

تضع قطعتين من السُكّر في كوب شاي، تدقُّ الساعة العاشرة، لم يحضر ذلك المتمرِّد، ‏تقول: "يا ترى هل نسي؟ أم وجد ضالّته في صندوق آخر؟". القمر يحاصره الظلام، ‏تنظر من النافذة وتقول: "ماذا عساه يفعل؟". سيارة أجرة تقف وسط الطريق، يخرج ‏السائق ويبدأ بتهشيم سيّارته!! عبثٌ لا ينتهي، إلى درجة الموت الأبدي. ‏

جاء موعد اللقاء الأخير، تسمع أصوات أقدام في الطابق العلوي، لا تستطيع النوم في ‏بيت فقد سكونه. يستمرّ الوضع متأزِّمًا يدفعه للقول: "ويلك من قادم الأيام، ما تراني ‏أفعل؟"، أيقتل ذاته أم سيرتحل بين الأمس واليوم!! يسأله قلبه: "تعشق؟! تَحَمَّل... ‏اشرب من كأس الأوجاع اللامنتهية"، تقبع خلفه خزانة قديمة، يبدو أنها لطفل لم ‏يتجاوز العشرين عامًا!!‏

 

آخر يوم

كلَّما حدَّقْتُ بصورتها تنهمر دموعي على وجنتي، مثل نار تساقطت على كومة ثلج، ‏تذكَّرتُ يوم كُنّا معًا نسير على شاطئ البحر، أمسكتُ بيدها وعاهدتُها ألّا أتركها مهما ‏حدث، نَظَرَت إليّ نظرة المودِّع الحائر، قالت: "هل أنت جادّة؟"، تعجَّبتُ من سؤالها!! ‏وأكملنا سيرنا والحديث طال بنا، ونسمات هواء البحر تداعب شعرها الطويل وفستانها ‏الأخضر الجميل، لم تبلغ العاشرة من عمرها بعد، هي صديقتي على الرغم من ‏صغرها، هي الضحكة على الرغم من آلامها، منذ ذلك الوقت سافَرَت إلى حيث الدواء ‏والعلاج، انتظرتُها طويلًا، لكن بلا فائدة!! كأَّنني أبني قصورًا من رمال، حاولتُ ‏التقاط خبر عنها، فجاءني ما خشيتُ منه دومًا، ماتت صغيرتي وما زلتُ أرى آثار ‏خطواتها قابعة على شاطئ البحر.