مهند النابلسي
باحث وكاتب وناقد سينمائي أردني
mmman98@hotmail.com
فيلم "باراسيت" أو "الطفيلي" تحفة سينمائيّة كوريّة مشحونة بالثيمات المتعدِّدة، فهو يعرّي ثيمة "صراع الطبقات" الضاري بطريقة فريدة غير مسبوقة، واستطاع الكاتب والمخرج الكوري "بونغ جوون" وببراعة هارمونيّة أن ينتقل بالمُشاهد من الفكاهة واليأس والسخرية إلى عناصر رعب سينمائي اجتماعي، ليسجِّل بهذا الفيلم أوج عظمته السينمائيّة المهنيّة.
يُقَدّمُ المخرج "بونغ جوون" عمله الدرامي اللافت هذا ضمن قصة "خياواقعيّة" حديثة ذات كوميديا سوداء بنكهة خاصة: حيث نتعرَّف على عائلة "بارك" بثروتها الطموحة الظاهرة، وهناك على النقيض منها عائلة "كيم" الفقيرة، التي تملك ما يسمى بالذكاء الشارعي (أي الفهلوة بالعاميّة المصريّة)، ولا شيء تقريبًا غير ذلك... وسواء حصل ذلك بالحظ أو بلعبة المصائر القدريّة؛ حيث يتمّ الجمع بين هذين المنزلين المتناقضين تمامًا لتجد عائلة "كيم" فرصتها الذهبيّة، ويتم ذلك عبر العقل المدبِّر للجامعي المثابر "كي وو" الذي ينجح بتوظيف وتوزيع أفراد عائلته الثلاثة للعمل كمشرفين نفسيّين وسائقين ورعاة لمنزل أسرة "بارك" الكبير الفارِه... ثم تتشكَّل قريبًا علاقة تكافليّة بين العائلتين: حيث تزوِّد أسرة "كيم" الأسرة الأخرى بخدمات متنوِّعة لا غنى عنها، مستغلّة ثراء وكرم وسذاجة أسرة "بارك" بخبث ودهاء وحسد، عندئذ يحدث تداخل طفيلي يكشف مدى استغلال أسرة "كيم" لتحقيق رخاء ورغد عيش نادر لم تحلم به، حتى تندلع أخيرًا معركة "وحشيّة" لأجل الهيمنة والمحافظة على المكتسبات، فيتهدَّد النظام البيئي/ الاجتماعي المعيشي الهشّ لواقع العلاقة "الطفيليّة" ما بين العائلتين.
والفيلم يعرّي ثيمة "صراع الطبقات" الضاري بطريقة فريدة غير مسبوقة، ليظهر الكاتب والمخرج الكوري "بونغ جوون" في أوج عظمته السينمائيّة المهنيّة، من خلال كوميديا سوداء عن الهوَّة الكبيرة بين الأغنياء والفقراء في كوريا الجنوبية. وحصل على ترشيح لجائزة أفضل فيلم وأفضل إخراج وأفضل سيناريو بالإضافة إلى أفضل فيلم ناطق بلغة أجنبية.
• عمل فاشل وسكن بائس وإهداء "حجر الحظ"!
تعيش عائلة "كيم" الفقيرة، المؤلفة من الأب "كي تايك"، والوالدة "شونغ سوك"، وابنه "كي وو" وشقيقته الشابة "كي جونغ"، يعيشون في شقة "تحت أرضيّة" لعمارة ويعملون جميعًا بوظائف مؤقتة منخفضة الأجر كتجهيز "كراتين" تغليف "البيتزا"، وتكافح الأسرة بلا هوادة لتلبية احتياجاتها المعيشيّة (حيث نرى أنَّ موظفة "البيتزا" ستقوم بخصم عشرة بالمئة من مستحقّاتهم لسوء الإنجاز)... أمّا "مين هيوك" الذي يستعد للدراسة في الخارج، وهو صديق الابن "كي وو"، فيقدِّم لعائلة "كيم" (حجر الحظ) المتوقَّع أن يجلب لهم الثروة والرخاء، وذلك عندما يقترح على صديقه "كي وو" الابن الشاب الذكي أن يلعب دور الطالب الجامعي لتدريس الإنجليزيّة لـِ"دا هايي" مراهقة أسرة "بارك" الثريّة.
• خداع محكم وتوظيف العائلة كلها!
بمجرَّد تعيين "كي وو"، يتوظَّف باقي أعضاء أسرة "كيم" تتابعيًّا كعمّال مهرة، لا علاقة لهم ظاهريًّا ببعضهم بعضًا، ويبرمجون أنفسهم داخل حياة أسرة "بارك": حيث يبدأ "كي وو" علاقة رومانسيّة مع المراهقة "دا هايي"، فيما تعمل شقيقته "كي جيونغ" كمعالجة نفسيّة لابنهم الصغير الذي يعاني من متلازمة الحركة وعدم التركيز (والذي يلبس دائمًا قناعًا للهنود الحمر)، ويعيّن الأب "كي تايك" كسائق بعد أن تمَّت إقالة السائق السابق عندما اكتُشف بالصدفة أنه يمارس الجنس داخل السيارة (بفضل مكيدة دبَّرتها الشقيقة)... ثم أخيرًا يتم تعيين "شونغ سوك" لاستبدال مدبِّرة المنزل الحالية العتيقة "مون غوانج"، بعد أن استغلّت أسرة "كيم" حساسيّتها تجاه ثمرة الدرّاق، ليتم الادِّعاء بأنَّها مصابة بمرض السلّ المُعدي وتخويف ربة المنزل لإنهاء خدماتها (هذه اللقطات تحديدًا كانت مفبركة وبوليسيّة وغير مقنعة)!
• مفاجأة السرداب "التحت أرضي"!
عندما تغادر أسرة "بارك" في رحلة تخييم مفاجئة، تحتل أسرة "كيم" القصر بأريحيّة ويكتشفون رفاهيّته... ثم فجأة تطرق الباب المربية السابقة المطرودة "مون غوانج"، مدّعية بأنها تركت شيئًا مهمًّا في الطابق "التحت- أرضي"، فتفتح مخبأ سريًّا خلف الخزانة، كاشفة بأنَّ زوجها "جون ساي" قد عاش لسنوات هنا للاختباء من حيتان القروض... وتتوسَّل لحفظ السر عن العائلة. لكنّ "غوانج" تدرك أنهم يمثلون عائلة واحدة، فتهدِّد بكشف عملية الاحتيال برمَّتها، ممّا يؤدي لمشاجرة كبيرة... فينقلب الأمر لمصلحتها وزوجها المختبئ، فتسعى لابتزازهم بإرسال فيديو لعائلة "بارك"، وتستعرض مونولوجًا سخيفًا ساخرًا (لا معنى له سوى التغزُّل المجاني بأميركا والغرب) من مذيعة كوريا الشمالية ذات العنفوان ومن "الزرّ النووي" لزعيم كوريا الشمالية، مشبِّهة إرسال الفيديو الابتزازي بالضَّغط على "الزرّ"!
• الحبكة الرئيسة: خفايا إجراميّة وهروب واكتساح مياه الصرف الصحي!
تتصل أسرة "بارك" بمدبرة المنزل "شونغ سوك" ويبلغونها بأنَّ الأمطار الغزيرة قد دمَّرت "رحلة التخييم" وبأنهم سيعودون للمنزل بعد حوالي ثماني دقائق، فتقوم أسرة "كيم" بإجبار "جون ساي" وزوجته مدبِّرة المنزل السابقة "مون غوانج" للدخول قسرًا للملجأ التحت أرضي، وتُدفع هذه الأخيرة للدخول بضربة قدم من قبل "شونغ سوك" المدبِّرة الجديدة؛ ممّا يسقطها فوق الدرجات وتتعرَّض لإصابة دامية بالرأس... وعندما تعود أسرة "بارك" للمنزل تخبرها السيدة "بارك" بأنَّ ابنها الصغير قد تعرَّض لصدمة منذ سنوات عند مشاهدته لشبح يخرج من الملجأ، ويبدو أنه شاهد "جون ساي" يخرج مرَّة خلسة من الملجأ، فتعرَّض لكابوس طفولي جعله يقدم على رسم صورة تخيليّة له ما زالت الأسرة تحتفظ بها وعاجزة عن فهم ملابساتها!
ثم مع وجود ثلاثة من أسرة "كيم" يختبئون بالقرب، يشكو السيد "بارك" لزوجته أنه بالرَّغم من كون "كي تايك" سائق كفؤ إلا أنه تنبعث منه رائحة كريهة مقزِّزة...
يهرب ثلاثة من أسرة "كيم" من القصر خلسة دون أن يلحظهم أحد، فيكتشفون أنَّ شقّتهم "التحت- أرضيّة" قد اكتسحتها مياه المجاري السوداء (الصرف الصحي) الناجمة عن الفيضانات المتسببة بفعل سقوط المطر الغزير، فيمضون ليلتهم في صالة ألعاب رياضيّة محليّة مجاورة، إلى جانب مئات آخرين شرَّدتهم الفياضانات والسيول...
• احتفال عيد الميلاد وعمليات القتل المفاجئة
في اليوم التالي بعد العودة من التخييم، تنظِّم أسرة "بارك" حفل عيد ميلاد كبير لابنها "دا سونغ" وتدعو الضيوف والمعارف والموظفين... ثم يعود "كي وو" للمخبأ متربِّصًا مع "صخرة الباحث"، لكن "جون ساي" ينصب له كمينًا قاتلًا عندما تسقط الصخرة منه، فيضربه مرارًا على رأسه بالصخرة وتنزف من جمجمته دماء كثيرة، ولكنه لا يموت (وهذه مبالغة غير منطقية)، فنرى عشيقته المراهقة وهي تحمله على ظهرها للطوارئ لاحقًا... ثم ينجح "جون ساي" بالخروج وهو مدمى الوجه فجأة من الملجأ ذاهبًا لحفل عيد الميلاد الصاخب في الحديقة ليطعن "كي جونغ" ويقتلها، وحيث يؤدي ظهوره المفاجئ لاحياء ذاكرة "دا سونغ" وحدوث نوبة فزع، وفيما يندفع "كي تايك" لمساعدة "كي جونغ"، يصرخ السيد "بارك" عليه بحنق لكي يقود "دا سونغ" عاجلًا للمستشفى... فيرمي له "كي تايك" بمفاتيح السيارة، التي سقطت تحت المتصارعين "شونغ سوك" و"جون ساي" ثم تتمكن "شونغ سوك" من قتل "جون ساي" باستخدام سيخ اللحمة الحاد الطويل... وفيما يحاول مستر "بارك" استرجاع المفاتيح من تحت هذا الأخير، متقززًا من رائحة "جون ساي" الكريهة، وغاضبًا من لامبالاة مستر "بارك" تجاه إصابات "كي جونغ" القاتلة وردّ فعله تجاه الرائحة الكريهة المنبعثة من "جون ساي" يقوم السائق الكهل بطعن وقتل سيده المستر "بارك" ثم يهرب مختفيًا دون أن يراه أحد!
• مقتل مستر "بارك" وومضات شيفرة "موريس"!
...بعد أسابيع، يستيقظ "كي وو" من الغيبوبة ليحكم عليه إلى جانب "شونغ سوك" لفترة تحت المراقبة بتهمة الاحتيال، وفي تلك الأثناء تموت "كي جونغ" متأثرة بجراحها، ولا يُعرف الدافع الحقيقي وراء قيام كل من "جون ساي" و"كي تايك" بقتل مستر "بارك"... ثم نلاحظ مشاهد من قصر "بارك" الذي تمَّ بيعه مؤخرًا، حيث يلاحظ "كي وو" ومضات ضوئيّة تنبعث بشيفرة "موريس"، توضِّح وصول رسالة سريّة من "كي تايك" الذي يعيش متخفيًا في ملجأ القصر السرّي تحت الأرض.
• العقاب الأبدي للجاحد القاتل!
يتعهَّد الابن "كي وو" بأنه في يوم ما سيكسب ما يكفي من المال لشراء القصر وإطلاق سراح والده المتخفّي والهارب من العدالة... ولكن وفقًا لكاتب ومخرج الفيلم "بونغ" فإنَّ النهاية الحقيقيّة الواقعيّة لا تشير لكون "كي وو" سيكسب ما يكفي من الأموال لشراء المنزل، ويصف "الحبس الذاتي" في السرداب السفلي بأنه بمثابة عقاب أبدي له على تمرُّده على النعمة وإجرامه بحق سيد القصر الذي أحسن إليه!
• أفضل أفلام العقد المنصرم!
ما بدا كوميديا في البداية تحوَّل تدريجيَّا لعمل حانق غاضب مع هجاء اجتماعي لافت... في فيلم يلائم عصرنا الراهن ويوفر لنا وضوحًا ورؤية واقعيّة صادمة مع تحدٍّ صارخ للتوقعات: وتكمن العبقرية بطريقة تحويل الذلّ إلى الاستياء، وبتحويل الخيال إلى واقع معاش، ثم يتحوّل الشريط إلى حقيقة مُرَّة حتى لو لم يصبح مستساغًا في مراحله الأخيرة. وهو يكاد يكون فيلمًا كاملًا: ابتداء من استخدام "بونغ" للأطر السينمائيّة واللغة البصريّة وطريقة التحكُّم بالأمزجة المتقلبة، وصولًا للأداء التمثيلي المبهر لجميع الكادر، وربما يُعتبر واحدًا من أفضل عشرة أفلام للعقد المنصرم.
• عشر ثيمات مختلفة!
قدَّم المخرج الكوري "بونغ جوون" واحدًا من أعمق الأفلام، وببراعة هارمونية انتقل من الفكاهة واليأس والسخرية إلى عناصر رعب سينمائي اجتماعي غير مسبوق ربَّما، فقد أدخلنا كمشاهدين لحوالي عشر ثيمات مختلفة، مقدمًا الأفضل من كل نوع، وبدا وكأنه يستعرض بوفيه متنوِّع... أثار فينا حب السينما الاجتماعيّة الدراميّة ذات الكوميديا الداكنة، وقدَّم إنجازًا سينمائيًّا فريدًا، فهو يجمع ما بين الضحك والإزعاج والغموض في الوقت نفسه، مع سرد وتمثيل مذهل جاذب.
• تصميم المشاهد والإنتاج
كان تصميم المشاهد لافتًا في الفيلم، وتحديدًا بطريقة بناء قصر الثريّ "بارك" المُطلّ من شرفته على حديقة نصف دائريّة خلّابة، فقد كان على المعنيين (وفي مقدمتهم المخرج) تذكُّر وضع الشمس خلال الإطار الزمني للتصوير، حيث انغمس مدير التصوير بتحديد مواقع وأحجام النوافذ المطلّة وفقًا لذلك، وكانت هناك حاجة ماسّة لإضاءة غير مباشرة أحيانًا من مصادر ضوء "التنغستن" الصناعيّة، وقد واجهت طاقم العمل صعوبة في تحديد زوايا التصوير الملائمة، لذا فقد تطلَّب الأمر زيارة موانئ دبي عدة مرات للتأكُّد من حركة الشمس في كل مرَّة!
• رحلة سينمائيّة متوازنة تصوِّر صراع الطبقات ودور الطفيليّات!
يلقي الكاتب/ المخرج "بونغ جوون" نظرة عميقة سينمائيّة متداخلة على التسلسلات الهرميّة الاجتماعيّة الحديثة وصراع الطبقات، فاضحًا دور الطفيليات التي لا يتم عادة الانتباه لها. كما أنه يلعب بمهارة على تقليب مزاج الجمهور المأخوذ... مع تصاعد السخرية في معظم المشاهد وتغلغل عناصر الفكاهة بطريقة عرض المكائد...
يعتبر الشريط بمثابة رحلة سينمائية حيويّة، توازن ما بين العواطف القلبيّة المرهفة والتوتر المتصاعد المثير... وكل ذلك يصبّ في سياق إمتاع المشاهد وجذبه للشاشة... كما يعتبر بمثابة فيلم مسلٍّ ومدهش تمامًا، ذكي وممتلئ بالحيوية: تحفة مدهشة جاذبة تنطبع بالذاكرة، وعمل متماسك من البداية للنهاية مليء بالانفجارات الكبيرة والعجائب الصغيرة، تمامًا كرحلة بريّة غامضة شيّقة: حيث يلقي نظرة "ماركسيّة" حديثة للغضب الطبقي العارم بطريقة أخّاذة تنفذ لأعماق المشاهد دون أن يشعر.
• حصد الجوائز العالميّة
قال مخرج الفيلم إنه فوجئ وشعر بفرحة غامرة عندما حصل فيلمه على ستة ترشيحات لجوائز الأوسكار، وهي المرة الأولى في تاريخ صناعة الأفلام في كوريا الجنوبية وإشارة إلى أنَّ اللغة لم تعُد عائقًا أمام النجاح العالمي.
فاز الفيلم أولًا بسعفة مهرجان "كان" الذهبيّة للعام 2019، وحصل على إشادة واسعة من مجمل النقاد مع إجمالي 148 مليون دولار في عروضه العالميّة (ونسبة 99% على موقع الطماطم الفاسدة النقدي الشهير)، حيث يُعدُّ ثالث أعلى دخل لفيلم كوري جنوبي... ثم حصل على ستة ترشيحات للأوسكار منها أفضل مخرج وفيلم، كما فاز بجولة الـ"غولدن كلوب" كأفضل فيلم أجنبي، وحصل على أربعة ترشيحات للأكاديمية البريطانية.
• ملاحظات ذات دلالة
- كانت سرعة تنفيذ سيناريو الخداع سريعة ومفبركة، وخاصة في ما يتعلق بسرعة طرد السائق دون مساءلته، كما بموضوع استبدال مدبرة المنزل العتيقة بتعريضها لقشور الدرّاق لإثارة الحساسية عندها واتهامها بالسل!
- يقول رب الأسرة الفقيرة إنه من الأفضل عدم وجود خطة، لأنك تصبح حرًّا ممّا يسهِّل أفعال الخيانة والقتل الغادر، ويجنِّبك تحمُّل المسؤولية والشعور بالذنب، ولكنه نسي أنه والآخرين نفَّذ خطة الابن الطفيليّة بحذافيرها!
- سيناريو مسلسل القتل في حفل عيد الميلاد لم يكن مقنعًا تمامًا، وتخللته الفوضى والعبثيّة؛ وخاصة في ما يتعلق بحافز رب الأسرة الفقيرة لقتل سيده الذي أحسن إليه وهروبه متخفيًا بهذا الشكل الغريب... كذلك فإنَّ سرعة نجاة وتشافي الشاب من ضربات حطَّمت جمجمته وألحقت به ارتجاجًا خطيرًا بالدماغ، لم تكن مقنعة... ثم عدم معرفتنا لمصير الأم والمراهقة والصبي حيث اختفوا تمامًا من المشهد، وكذلك نسيان مقتل شقيقة الشاب التي قتلت طعنًا وغدرًا من زوج المدبرة السابقة بلا مبرر... كان على المخرج الفطن أن يتذكر كل ذلك بشكل ما في نهاية قصته.
- يعاني الفيلم من إطالة زائدة في آخر نصف ساعة، ولكن روعة الإلمام بالتفاصيل الشيِّقة والتمثيل المدهش جعلتنا ننسى ذلك ونستغرق في المتابعة بشغف.
- مشهد الأسرة الفقيرة وهي تستغلّ غياب الأسرة الثريّة للتنعم بالجلوس في صدر المنزل الفاره المطلّ على حديقة أخّاذة، كان معبِّرًا ومنولوجيًّا وخاصة بطريقة مناقشتهم لجدوى نجاح خطتهم المحكمة: فالصراصير تختفي فورًا مع ظهور الضوء... وطريقة استفزازهم الودّي لبعضهم بعضًا... ثم قصة انكشاف أمرهم فجاة مع المدبرة القديمة، لكنّ طريقة ابتزازهم بالفضح بقصة "مذيعة كوريا الشمالية والزر النووي لاوون" كانت حشوًا مجازيًّا طريفًا، لكن –تقريبًا- بلا مغزى!
• خلاصة أخيرة: تضخُّم عيوب الرأسمالية المتوحشة
تتضخَّم عيوب الرأسمالية المتوحشة مع مرور كل يوم، فتجذبنا وقائع هذا الشريط للحقائق القاسية المتمثلة في عدم التوازن واللامساواة الاقتصادية الكبيرة بتوزيع الدخل بين البشر: ضمن حكاية إنسانيّة- اجتماعيّة قاسية مرعبة، تُظهر أنَّنا جميعًا محاصرون "فقراء وأغنياء" في نطاق نظام يحرمنا من إنسانيّتنا مقابل الادِّعاء والاستعراض والزخارف البالغة الكلفة... إنه عمل سينمائي مذهل من حيث التوازن ما بين النغمات والثيمات، مع قدرة إخراجيّة فذّة لعناصر الإبداع السينمائي العصري من خلال عدم إغفال أدق التفاصيل وواقع حياة الشخصيات وصراعاتهم وتناقضاتهم، فهو لا يركز فقط على أوجه القصور في النظام الرأسمالي المرعب المهيمن، بل يشير لواقع كارثي سيتَّجه له عالمنا إذا لم نفعل شيئًا جذريًّا متوازنًا لمواجهة هذا الوضع التناقضي "الكابوسي"، وقد دقَّ هذا الفيلم جرس الإنذار وسيبقى مؤشِّرًا مؤلمًا لسنوات قادمة!