"حكاية أصابع" وقصص أخرى ‏

‏ قصة: إنتصار عباس

قاصة أردنية

 

حكاية أصابع

أفْلَتَ الصَّغير يد أمِّه وركض مسرعًا حيث الفنّان الذي كان يرسم، وقد سحرته الألوان، وقف ‏مشدوهًا يحدِّق بدهشة المولود الجديد الذي يرى العالم لأوَّل مرَّة، يتعالى صوت ضحكاته ببراءة ‏طفوليّة غضّة.. وهو يمدّ أصابعه يحاول أن يتحسّس الألوان. تمنعه أمه من الاقتراب، لكنه زاد ‏تصميمًا ورغبة.. ‏

صار يروح ويجيء يملأ المكان صخبًا وفرحًا.. ناوله الفنّان فرشاة صغيرة قائلًا: "ترسم ‏معي؟!"، هزَّ رأسه يقول نعم، وبغبطة عارمة. ‏

تناول الفرشاة وصار يقلّد الفنّان ناظرًا إلى أمه بزهو وفرح، ثم شدَّها من ثوبها لتقترب. ‏وبصورة عجيبة مدّ رأسه الصغير ودخل في اللّوحة، صرخت أمه وبدأت تولول، ثم دخلت في ‏اللوحة تبحث عنه، استوقف المشهد المارّة ثم سرعان ما أخذهم الفضول ودخلوا في اللوحة واحدًا ‏تلو الآخر، وأصابع الفنان ترشق الألوان ببهلوانيّة عجيبة تشقُّ طريقًا جديدةً تحتضن الجميع. ‏

نهشت الغيرة قلب الشارع، وراح يدخل في اللوحة يتودَّد لتلك الطريق. حزنت الشجرة الواقفة ‏على جانب الطريق وركضت خلفه تدخل اللّوحة. وقف الفنّان وحيدًا، والناس تصفِّق وتغني ‏تظلّلهم الشجرة. ‏

الشارع يمتدّ أمامهم كالبحر يسافر بهم. ‏

أصابع الفنان التي امتشقت كل الألوان بدت عرائس متحرّكة تستهوي قلب الصغير، فراح يمسك ‏بها ويركض على طول الشارع يدخل في الطريق الجديدة، يهزّ الشجرة لتتساقط أوراقها، يملأ ‏اللوحة صخبًا وحياة، وبلحظة يقترب من الفنّان يشدّه إليه ويدخلان اللوحة..‏

 

حمّى الانتظار

 

مَرَّ العمر وهي تكتب له، وبعد طول غياب جاءها الردّ: "لم يكن ليصلني البريد، تهتُ في زحمة ‏الحياة ولهفة الانتظار.. أرسلي صورك علَّني أستدلُّ بها عليّ، فقد مرَّ زمن لم يطالعني فيها ‏وجهكِ، حتى المرايا رحلت عنّي ولم يعد وجهي فيها.‏

طارت أصابعها فرحًا وهي تكتب له: "أُصِبْتُ بحمّى الانتظار، ونقلتُ العدوى لكلِّ ما حولي، ‏حتى ساعي البريد انتقلت إليه العدوى.‏

زقزق الفرحُ في عيني ذاك الساعي وهو يردُّ عليها: "غزالة الروح وأيقونة عمري.. آه كم أحبك ‏‏… سأهزم هذا الفراق وأعود.."، ثم يغمض، يرى الفرح في عينيها وهي تقرأ الرِّسالة.‏

أخذ نفسًا عميقًا وهو يوقِّع باسم ذاك الحبيب..‏

 

ظلال حُلم

‏(1)‏

 

يرقب النافذة أنْ تُمطرَ ظلالَها في الشّارع... ‏

ظنَّه الناس تمثال شاعر..... ‏

ضمَّت الصبايا أشعاره إلى صدورهنّ وهنّ يجلسن حوله يأخذنَ صورًا تذكاريّة... ‏

كان غارقًا في النافذة، وكنتُ أحلمُ أنْ أكونَ هي..!‏

 

‏(2)‏

 

في الصباح كان يرسم عصفورًا وكنتُ أرسم ظلّه..‏

يطير العصفور، وتسير الظِّلال...‏

في المساء تفتحُ الظلالُ صدرها للعصفور، ينام العصفور وتسكت الظّلال...‏