حِصَان مَرْبُوط عِنْد سُور السَّحَاب

قصة: عبد الهادي شعلان

قاص مصري

 

 

الصَّباحُ بِكر، وبَشْرَة صغيري دافئة وعيناه ناعستان، أنا اشتريتُ الحصان الخشبيّ وتركته ملفوفًا ‏بسوليفان أزرق غامق، وخبّأته بالأمس حتى يكون أوَّل ما يتفتّح عليه قلبه حين يستيقظ من النوم ‏الهانئ.‏

قديمًا أحببتُ الحصان الخشبيّ، ولم أركبه، فقط رأيته عند البائع ووقفتُ أمامه وأبي جانبي يحسب ‏النقود التي معه، وحين اندمجَتْ روحي مع الحصان رفعتُ قدمي لأركبه فاصطدمتُ بزجاج المحلّ ‏الذي يحجز الحصان عنّي؛ فسحبني أبي وعدنا للمنزل ونمتُ حزينًا.. أتاني الحصان الخشبيّ عند ‏سور الحلم ومسح دموعي وتركني أركبه وطار بي فوق السحاب، وانتشيتُ بلا جناحين، وقفز بي ‏بين أشجار الموز وقطفتُ الأناناس وتلذَّذتُ بالهواء النديّ، وتركتُه مربوطًا عند نهاية سور السَّحاب ‏وجلستُ تحت شجرة وغفوت.‏

عندما فتح صغيري عينيه في الصباح البكر قبَّلني فحملتُه وقلتُ له: "أغمض عينيك ولا تفتحهما إلا ‏إذا قلتُ لك"، فأغمضهما. مشيتُ به ووضعتُه أمام الحصان وتركتُه يتحسَّس الحصان وهو مغمض ‏العينين، وقلتُ: "هذه هديّتك"، وأكّدتُ: "لا تفتح عينيك". فاحتضنني بفرح رائع وهو مغمض العينين ‏وصرخ: "طائرة، طائرة كبيرة...". قلتُ: "افتح عينيك"، وتركته يفضّ السوليفان، ولم يضجّ بالفرح ‏حين شاهد الحصان.‏

رفعتُه علي الحصان الخشبيّ وتركتُه كي ينطلق طائرًا، لكنّه مكث دقيقة ورأيتُ الملل يحيط روحه، ‏ونزل من فوق الحصان، وتركني وخرج وذراعاه مفرودتان كجناحي طائرة وأغلق الباب وراءه ‏وهو يصيح: "طائرة، فووووووووووو".‏

نظرتُ للحصان، كان وحيدًا وكنتُ وحيدًا، تحسَّستُه وفضضتُ عنه باقي السوليفان وركبتُه برفق، ‏وأغمضتُ عينيّ، فرأيتُ أشجار الموز وقطفتُ الأناناس وتلذَّذتُ بالهواء النديّ، ورحتُ أصرخ: ‏‏"درجن درجن درجن"، وصوت صغيري يأتيني من الخارج طائرًا فوق السَّحاب: ‏‏"فووووووووووو"، فتركتُ الحصان مربوطًا عند نهاية سور السحاب وجلستُ تحت شجرة ‏وغفوت.‏