قصص قصيرة جدًا ‏

كتبها: لويس ماتيو دييث

ترجمتها عن الإسبانية: أمل العلي

كاتبة ومترجمة أردنية

 

 

الموت

أغمضتُ عينيّ وعرفتُ أنَّ هذا هو الموت. منذ ذلك الحين، وهذه الحياة التي أعيشها مثل نشوة ‏غير مُجدية ولا تُطاق. ليس ثمّة ما هو أسوأ من البقاء على قيد الحياة بعيدًا عن ذلك الصّفاء ‏الرائع.‏

 

وجهة

أتذكّر رحلة إلى بوينس آيرس انتهت في نيويورك، وأخرى إلى ليما قادتني إلى أثينا، وغيرها إلى ‏روما نقلتني إلى برلين‎.‎

كل الطائرات التي ركبتها تذهب إلى حيث لا يجب، ولكني معتاد على ذلك، لأنني غالبًا ما أغادر ‏المنزل إلى المكتب، وأقضي الصباح في سيارات الأجرة المتعاقبة التي تأتي وتذهب دون أن ‏أجرؤ على إعطائها عنوانًا محددًا. عندما أعود في فترة الظهيرة، لا أحد يعرف أيّ شيء عن ‏زوجتي أو أطفالي، وحين أتعب من البحث عن وجهتي الخاصة، أتوجّه إلى فندق ما للنوم.‏

لحسن الحظ، في تلك المناسبات وجدني والدي. لا أعرف ماذا سيحدث لي في اليوم الذي أكون ‏فيه وحيدًا.‏

 

الرسالة

كل صباح أصل إلى المكتب، أجلس، أشعل المصباح، أفتح الملف. وقبل أن أبدأ عملي اليومي، ‏أكتب سطرًا في الرسالة الطويلة التي أشرح فيها بدقة، منذ أربعة عشر عامًا، أسباب انتحاري‎.‎

 

حافلة

تصعد إلى الحافلة دائمًا من المحطة نفسها وفي الوقت ذاته، وقد جمعتنا ابتسامة متبادلة، لم أعُد ‏أتذكّر متى بدأت، في رحلة تافهة أصبحت ضمن رتابة عاداتنا. تنزل قبلي بمحطة وتلقي ابتسامة ‏عابرة أخرى تشير إلى الوداع الصامت حتى اليوم التالي. في بعض الأحيان عندما لا نلتقي، ‏أشعر بالبؤس يجثم على روتين الصباح كما الغابة المظلمة. عندئذ، ينهار اليوم إلى أشلاء ‏ويتحوّل الليل إلى وقفة احتجاجية طويلة وعصبية، حيث يهيمن عليه الشك بأنه قد لا يراها مرّة ‏أخرى‎.‎

 

الإهانة

أنتِ تستحقين كل ما فعلتُه بكِ عدا تلك الإهانة الأخيرة، على الرّغم من أنني أعترف أن لا شيء ‏يُحرّر أكثر ممّا يتم فعله باسم حُبّ خائن‎.‎‏ ما قلتِه له في الرسالة كان شنيعًا لأنه يتعلق فقط ‏بخصوصيّتنا، وأنا متيقن من أنه عندما بحث عن الشامة ووجدها في المكان السرّي الذي قبّلته أنا ‏فقط، بينما شجعتني بحماسة على القيام بذلك، شعر بالإحباط نفسه الذي يشعر به أيّ شخص عثر ‏على صندوق الكنز فارغًا بينما يسخر منه الشخص الذي سرقه بالفعل‎.‎

أعلم أنّ حبكِ هو خسارة نهائية وأنا أستسلم له، لكن سرّ تلك الشامة ينتمي فقط إلى شفتيّ. وكم ‏من مرّة عندما يحتاج مثل هذا الكنز الحميم، سيجد الفراغ المتبقي ممّن سرقه.‏

إهانة تجعلني أسيرًا وعبدًا وأنت المذنبة، ونحن الثلاثة يجمعنا البؤس لأنني سأستمر في حبكِ، ‏وهو لن يتمكن أبدًا من حبكِ تمامًا، وأنتِ لن تنسيني أبدًا، على الأقل طالما أنَّ الشامة تحتفظ ‏بذكريات قبلاتي ودموعي.‏

 

البئر

وقع أخي "ألبيرتو" في البئر عندما كان في الخامسة من عمره‎.‎‏ كانت إحدى المآسي العائلية التي ‏لم يخفِّف من وطأتها إلا مرور الزمن وظروف العائلة الكبيرة. بعد عشرين سنة، ذهب أخي ‏‏"إيلوي" ليجلب الماء من تلك البئر التي لم يعُد يقترب منها أحد أبدًا‎.‎‏ وجد في الدلو قنّينة صغيرة ‏بداخلها ورقة صغيرة مكتوب فيها: "هذا العالم مثل أيّ عالم آخر".‏

 

قلق

أمضيتُ الأسبوع كله مع هذا القلق المتزايد. حكّة لا تهدأ أرّقتني ولم تمنحني الراحة. حتى يوم ‏السبت، بعد الانتقال من مكان إلى آخر دون أن يهدأ لي بال، بقيت أشعر بالإغماء على مقعد في ‏الحديقة‎.‎‏ لا أدري إن كنتُ قد نمتُ مدّة دقيقة أو ثلاث ساعات. استيقظتُ على تلك الشائعة ‏الغريبة التي شعرتُ بها في داخلي، نفخة مثل أفواه جشعة. كان ثمّة صبيّ يراقبني‎.‎

‎-‎‏ انظري يا أمي! ‏

قال وهو يشير إليّ بأصبعه: "هذا الرجل يخرج النمل من أنفه".‏

 

جريمة

تحت ضوء الأباجورة بقيت الذبابة ساكنة. مددتُ سبابة يدي اليمنى بعناية. قبل وقت قصير من ‏سحقها سمعتُ صرخة، وبعدها ارتطام الجسم الذي سقط، ثم نداءات من باب غرفتي‎.‎

‏"لقد قتلتها"، قال جاري.‏

‏"أنا أيضًا"، همستُ لنفسي دون أن أفهمه.‏

المصدر: مجموعة القصص القصيرة جدًا "‏Los males menores‏"‏

https://bit.ly/2AaLFwV

عن المؤلف: كاتب وروائي إسباني ولد عام 1942 ببلدة بيابيلينو في ليون-إسبانيا.‏‎ ‎درس ‏الحقوق في جامعتي مدريد وأُبييدو، وأسهم ما بين أعوام 1963 و1968 في تحرير ‏المجلة الشعرية وبها نشر أولى قصائده‎.‎‏ أصبح أحد الأسماء ذائعة الصيت في السرد ‏الإسباني الحديث. وفي عام 2001 تم اختياره عضوًا في الأكاديمية الملكية الإسبانية. نال ‏عدة جوائز خلال مشواره الأدبي، وهو عضو شبه دائم في معظم لجان تحكيم المسابقات ‏الخاصة بالقصة والرواية، تُرجمت أعماله إلى مجموعة من اللغات العالمية.‏