شعر: صالح لبريني
شاعر من المغرب
لَنْ أفتحَ صُنْدُوقَ الْحيَاة
سَأبْعثُ بِمَا تَبَقّى مِنْ رَسائِلَ
سَأَحْفِر هاويةً لِلْحَنِينِ بِلَا مَنَاسِك
وبِصمْت ورِعٍ فِي عَقِيدَتِه
سَأرفعُ صَوْتِي فِي وَجْهِ هَذا الْفَرَاغ
وَأَدْعُو القُبّرَاتِ كَيْ تَشْهَدَ عَلَى انْتِحَارِ الْخَطَاطِيف
وَضَآلَة حَفِيفِ الرِّيحِ سَاعَةَ الْعُزلَة
أَظلُّ كَمَا أنَا مُتَفَرِّدًا فِي شَارِعٍ يَصْهلُ بِدَلَالِ الظَّهِيرَة
وَيَكْنسُ خَطَوَاتِي التّائِهَةَ علَى الرَّصِيف
لَا أَحَدَ مَعِي سِوَى ظِلّ خَجُول مِنْ شَمْسٍ تُوَدِّعُ الْمَدِينَة
وتَنَامُ عَلَى نَاصِيَةِ النِّسْيَان
آنَذاكَ
لَنْ أَغْلِقَ النَّوافِذ/ الْأَبْوَابَ/ الْمَفَاتِيحَ سَأَدَعُها تَرْتاحُ عَلَى مِسْمار مَغْروزٍ فِي بَيْتِنا الْقَديم
لَنْ أُرْبِكَ الْغُرْفَة، خَزائِنَ الذِّكْريات،
لَنْ أُطْفِئَ حَرائِقَ التِّيه، وَجَعَ الْأَرْض، دَهْشةَ السَّمَاءِ مِنْ عَربَاتِ الموْتى الْقادِمَةِ مِنْ حَرْبٍ بَارِدَة
لَنْ أَمْدَح الرِّيح/ الشِّتاء/ الشَّمْس/ النَّهَار/ كُشْكَ الصُّحُف/ مَكْتَبَةَ الْأَوْهَامِ المُزْدَانَةَ بِخَيَالِ الشُّعَرَاء،
وَحَيَاةِ شَخْصِيَاتٍ فَاشِلةٍ فِي تَكْسِيرِ بَرْنامَجِهَا السَّرْدِيِّ، وَخَلْقِ أُفُقٍ مُشْرَع عَلَى التَّأْوِيل/ قَاعَاتِ السِّينِمَا
الَّتِي تَفْتِلُ عَنَاكِبَ الْفَرَاغ/ خَشَبَاتِ الْمَسْرَحِ الَّتِي خَانَتِ النَّصَّ، وَنَامَتْ عَلَى خَرَسِ الْأَضْوَاء/ الْجِبَالَ الّتِي
تَملَّصَتْ مِنْ حَقيَقة الْمَاء، والْتَحَفَتْ رَمْلَ السَّرَاب.
لَنْ أَخُونَ بَيَاضَ اللُّغَة/ أشْعارَ هُومِيرُوس/ جَحِيمَ دانْتي/ الْمَرْكَبَ السَّكْرَانَ لِرَامْبُو/ الشَّكَّ الدِّيكارْتِي/ صَيْدلِيَةَ أَفْلَاطُون/ بَيْتَ الْمَعرِّي الْمُشْتَعِلَ بِاسْتِعَارَاتِ الْعَمَى/ أَمَانِي الْمُتَنَبِّي الَّتِي لَعقَهَا خَيْبَةً فِي انْتِظَارِ كَافُورَ الْإِخْشِيدِي/ مَطَرَ السَّيّاب الَّذِي غَادَرَ الْعِرَاق/ حِصَانَ مَحْمُودَ دَرْويشٍ الَّذِي تَرَكَهُ وَحيدًا قُرْبَ مَوْتِ الْعَشيرَة بِلا لِجامٍ/ صَالِحَ الشَّكْدالي لِعَبْدِاللهِ رَاجِع الْوَليَّ الّذِي تَأَبَّطَ جُنُونَه الْمُعَقْلَنَ وَتَاهَ فِي الصَّحراء/وَكَأْسَ الْمَجَاطِي نِكايَةً فِي ضَيْقِ الْعِبَارَة...
وَهَا أنَا أُرَتِّبُ الْعَالَمَ عَلَى إِيقَاعِ الرَّتَابَة
أَمْسَحُ وَجْهَ الْحَيَاةِ بِعِنَايَة فَائِقَة
أَرْكلُ الْهَوَاءَ بِقَدَمِي اليُمْنَى حَتّى يَتَهَاوَى أمَامِي
أضْحْكُ بِمِلْء فَمِي شَمَاتَةً فِي مَوْتٍ قَادِم،
وَأَعْزِف مُوسِيقَى عَلَى كَمَانٍ مَجْرُوحِ اْلأَوْتَار
لِلْعَرَبَاتِ الْعَابِرَة/ لِلْخُيُولِ الْمُطَهّمَة/ لِلْحُوذِي السَّكْرانِ بِنَبِيذِ الْبَارِحَة/ لِلْجُنُودِ الْعَائِدِينَ مِنْ نُزْهَةِ الْحَرْب/ لِلْحَبِيبَةِ الّتِي تَلُوكُ عُنُوسَتَهَا فِي انْتِظَارِ عَوْدَةِ قِطَارِ الْحَيَاة/ لِشَجَرَةِ التُّوتِ الّتِي تُرتِّلُ أَنَاشِيدَ الْكَنَائِسِ/تَهَالِيلَ اللَّه/ لِامْرَأَةٍ تَدُقُّ جَرَسَ الْمَسَاء/ أَرْعَى السُّهُولَ الَّتِي تَرْتَدِي سحْنَةَ الْخَرِيف/ الشَّوَاطِئَ الْعَارِيَةَ مِنَ النَّوَارِس/ الْأَنْهَارَ الَّتِي تَعْلَقُ الرَّمْل/ الْعَاصِفَةَ الَّتِي تَتَجَرَّدُ مِنْ الرِّيح/ الْجَبَّانَاتِ الَّتِي تُعِدُّ مَائِدَةَ الْعَشَاءِ الْأَخِير/ الصَّمْتَ الرَّاسِبَ فِي صِرَاطِ الصَّخَب/ وَالْغَابَةَ الَّتِي تُضِيءُ قَلَقَ الْأَيَائِل/ الَّتِي تُفِشِي عُزْلَةَ الْعَابِرِينَ.
لَنْ أُغَيّرَ مَجْرَى الطَّريٍقَ/ لَنْ أَفْتِكَ بِغُبَارِ الْعَشِيرَة/ لَنْ أُشْعِلَ مَصَابِيحَ الْحَيْرَةِ تَحْتَ أَعْمِدَةِ الْكَهْرَبَاء.
سَأَبْتَسِمُ فِي عُيُونِ الطُّفُولَة/ سَأَطْرُدُ الشُّيُوخَ مِنْ بَياضِ اللُّغَة/ وَأَحْرُثُ أَرْضَ جُمُوحِي بِاسْتعارَاتِ التّيه.
وَأَنَا فِي غَابَة هَذَا اللّيْل
أُسرّحُ ذَاكِرَتِي فِي مَاءِ الْعُمْر
أرَانِي مَحْفُوفًا بِأَشْجَارِ الدِّفْلَى
وَأَعْشَابِ الْبَرَارِي
وَذِئَابِ السُّهُوب
وَعَصَايَ تَقُودُنِي إِلَى فِجَاجِ تًنْتَخِبُ الصَّمْتَ
وَتَنْتَبِذُ زَاوِيَةَ الْهُدْنَةِ
هُنَاكَ عَلَّمْتَنِي النُّسُورُ لُغَةَ الْأَعَالِي
الْعَصَافِيرُ مَجَازَ السَّمَاءِ
الْجِبَالُ كَيْفَ أَفْتَحَ مَنَازِلَ الآتِي
وَلَا أَلْتَفِتَ خَلْفِي
حَيْثُ الْكِلَابُ تَعْوِي عَلَى قَوَافِلِ الْغُنْبَاز
وَالنّعِيقُ يَشْدُو خَرَابَ الْأَرْضِ
وَقُدّامِي سُحُبٌ تُلَقِّحُهَا أَمْصَالُ الْمَوْتَى
وَلَا يَدَ تَنْتَشِلُ صَوْتِي الْهَارِبَ فِي الْمُنْحَدَرَات
خَطْوِي الْغَارِقَ فِي طَمْيِ التُّرَاب
ظِلِّيَ الضَّئِيلَ فِي عَتَمَاتِ الشَّمْسِ
فَتَرَانِي الْأَرْضُ مُجَرَّدَ غَابَةٍ تُمَزِّقُ خَيْطَ الْأُكْسِجِين
تَخْنُقُ الْمَسَالِكَ بِضَلَالَةِ الْمَجَانِين
وَتَرْمِي تَجَاوِيفَ الْجَحِيمِ بِقَذَائِفِ اللَّعَنَات
هِيَ قِيَامَةٌ أُخْرَى
الْجَثَامِينُ تُصَوِّبُ أَكْفَانَهَا خَارِجَ الْمَقَابِرُ
تَنْسَلِخُ مِنْ طِينِهَا الْأَوَّلِ
تَكْتُبُ بِصَلْصَالِ الْبِدَايَاتِ عَوْدَهَا الْأَبَدِي
تَصُولُ بِأَعْلَى حَيَاتِهَا فِي أَرْضٍ تُبَدِّلُ تُرَابَهَا/ مَاءَهَا/ هَوَاءَهَا/ سِيرَتَهَا الْأُولَى
وَتُشْعِلُ نَارَ النِّهَايَات
وَاَنْتَ تُطِلُّ مِنْ جُثَّتِكَ فَارِغَ الذِّكْرَيَاتِ
مُثْقَلًا بِفَائِضِ الدَّهْشَةِ
تَرَى الْخَرَابَ يَنْتَعِلُ الْأَرْضَ
وَيَفْتَرِسُ وَرْدَ الشُّرُفَات
وُلِدْتُ فِي صَيْفٍ نَحِيلٍ
لَا أَبَ لِي
لَقيطُ الْحَيَاةِ
طُرِدْتُ مِنْ رَحِمِ امْرَأَةٍ لَمْ تَقْتَرِفْ خَطِيئَةَ
أَحَبَّتْ أبِي الْمَجْهُولَ
وَكَانَ الَّذِي أَكُونُ:
ظِلٌّ فِي غَابَةٍ كَثِيفَةِ الْهُدْنَة
مَاءٌ ذَاهِبٌ إلَى مَجَارِيهِ دُون كَلَل
نَشِيدٌ يَعْلَقُ عَلَى نَاصِيَةِ الْجِبَالِ الْبَعِيدَة
مُشَرّدٌ عَلَى رَصِيفٍ قَانِتٍ فِي الْخَوَاءِ
بَارِدٍ كَثَلْجِ فَبْرَايِر
قُرْبَ نَافُورَةٍ تَعْرِفُ مَلَامِحَ ظِلِّي
أَرْتَدِي فَرَاغَ اللَّيْلِ
عُرْيَ النَّهَارِ
وَأَبْتَسِمُ لِلْبَعِيدِ الْمُسْتَحِيلِ
أَنْفُضُ عَنِّي خَطَايَا أَبِي
وَاَدُسُّ فِي جِرَابِي بَعْضَ صُرَاخِي
وَأَبْكِي فِي دَوَاخِلِي كُؤُوسَ الْعَدَم.