نص: فداء العايدي
كاتبة ومترجمة أردنية وباحثة في النقد الحديث
تَعَرَّفتُ في مهرجانٍ صغير في ألمانيا، على مغنِّيةٍ بريطانيةٍ مغمورة، اسمها "كاتي ميلوا".
كانت تؤدّي بثقةٍ احترافيّة، تستند إلى صِدقٍ باذخ، أغنيةً، تقول فيها:
Piece by piece
Is how I'll let go of you
وقبل بضع سنوات، كنتُ بحاجةٍ لا عقلانيّةٍ ماسّة، لاستحضار أغنيتها، لتكون الرّاعي الرّسمي لجرحي. مثلما كنتُ بحاجةٍ إلى استدعاء خطّة أمل دنقل، في طرد المرض من جسدِه، بإغماض عينيه، وتخيُّل السَّرطان يسيل من خلاياه، عبْر أطرافِه.
وذلك في مقاربةٍ مسكينة، لانتشال قلبي من حقل عوسجٍ جاف.
يظنُّ كثيرون أنَّ ألم النساء في الرحيل، مردُّه عجزهنّ عن استرجاع الرّاحل. أو حزنهنّ على مغادرته. حسْب.
ولا يعلمون أنَّ مصدر ألمهنّ الأكبر، هو ما يحرق أرواحهنّ من لسع الشَّفقة، ومُرِّ سلاف القلب.
الصِّراع القطبيّ المرير، الذي يعجنُ أرواحهنّ، في سعيهنّ لتنظيف قلوبهنّ من المادة المخدِّرة، بين كرامة الذات، ومطالبها الباكية المكبوحة، ووعيهنّ الدمويّ، بزيفِ الأمل، في نشوة المخدّر.
قد يتصرَّف البشر بنمطيّة، وقد يشذّون عن النَّمط.
لا أعلم إنْ كنتُ أقرب إلى نمطٍ كبير، أو إلى نمطٍ صغير، أو إلى اللّانمط، عندما أسأل الله، أنْ يمنَحَني القدرة على استلالِ قلبي، من بطن شجيرة شوك، فوْرَ اشتباكه فيها، حتى وإنْ دَمِيَ.
ليس لأجل حقّ القلب فقط؛ بل لأنَّ تحوُّل الورد إلى شوك، هو علامة انتهاء الرَّبيع، وطرد المسرّات.
لطالما كنتُ أخشى أنْ أكونَ مثل "بيلي واتلينغ" Belle Watling، بالنِّسبة لـِ"ريت بتلر" Rhett Butler في "ذهب مع الرّيح".
لكنّني وللأمانة الروائيّة، أفضل منها بقليل.
إنني أهمّ من "كومبارس"، وأقلّ من ممثلةٍ مُسانِدة.
لكن هذا لا يمنع أنْ أُنتِجَ فيلمي الخاص.
أيها الجمهور:
لقد كنتُ في دنياي الهادئة، أتذكَّر غياب أبي، فأبرُد، ويُعجزني انكسار ظهري. فألوذ ببقايا العائلة.
وأستلطفُ قربَ البحر. وحنوّ أمواجِه على بوْحي.
إلى أنْ تورَّطتُ بتتبُّعي، لندائه. فابتلَعَني.
لقد تورَّطتُ بتتبُّعي، لنداء بحرٍ ابتلَعَني.
وفي الأعماق، طوَّقني فخُّ الزَّمن.
فتحسَّستُ أنوثتي، وامتحنتُ عقلي، وتأمَّلْتُني، بكلِّ ما في تعامل شرطيٍّ متعسِّف، مع مواطنٍ محترم، من إهانة.
ثم عدَلَ البحرُ عن تتويجي، قبطانًا على عرشِ الموج.
واحتَجَزَني في غياهِبِه المُعتمة مثل نفق. لا يتوِّجني، ولا يحرِّرني.
هذا هو سيناريو فيلم "النساء غير المكتملات".