د. عماد الضمور*
*أكاديمي وناقد
إنّ الحديث عن الحركة النقديّة الأدبيّة في الأردن لا ينفصل عمّا تشهده الساحة النقديّة العربيّة من تطورٍ من ناحية، وعن مجمل الإبداع الأدبي من أجناس أدبيّة أفرزها المشهد الإبداعيّ في الأردن من ناحية أخرى؛ فهي حركةٌ دائمة التواصل بين المبدعين تحقيقًا لثقافة عربية واحدة، لا تنفصل عن تراثها الخصب، ولا تنقطع عن حركة الحداثة المستمرة في الامتداد والتأثير.
لعلّ المقام هنا لا يتّسع للحديث عن حركة النقد الأدبيّ في الأردن منذ بدايات الدولة الأردنيّة، التي تعود جذورها إلى مجالس الملك المؤسّس وما رسخته من دعائم حركة أدبيّة متكاملة، لذلك حاولتُ جاهدًا وضع ملامح لما استقرّ عليه المشهد النقديّ المعاصر في العشرين سنة الأخيرة.
لا شكَّ أنَّ المتلقي ينتظر من الناقد غربلةً حقيقيّة للكم الهائل من المنشورات الأدبيّة، وكلمة صادقة تمتح من معين العمل الإبداعي نفسه بعيدًا عن ثقافة التهميش أو التلميع، فكلتاهما قاتل للنقد، وسالب لجوهر العمل الأدبيّ.
إنّ الانطلاقَ من الجهد التأسيسي لروّاد الحركة النقديّة في الأردن أمرٌ مهم، وقاعدة راسخة للبناء النظريّ والتطبيق النصّي فيما يتعلق بتطوّر حركة النقد الأدبيّ في الأردن، فلا يمكن إنكار جهود عيسى الناعوري، وناصر الدين الأسد، وغالب هلسا، وإحسان عباس، ومحمود السمرة، وعبد الرحمن ياغي، وإبراهيم السعافين، ونصرت عبد الرحمن، وحسين عطوان.
اعترضت مرحلة الروّاد مجموعة من الصعوبات، تجلّت في إشكاليّة فهم المصطلح الغربي، وبخاصة المُترجَم الذي بقي حبيس المعنى الأجنبيّ أحيانًا، وغير قادر على اقتناص الظاهرة الأدبية حينًا آخر، وهذا أحدث إشكاليّة في فهم النص الأدبيّ، وتخبطًا في الأحكام النقديّة. أظهر هذا الجيل من النقّاد وعيًّا نقديًّا فيما يتعلق بكيفية تناول الظاهرة الأدبية، وإصدار الأحكام النقديّة انطلاقًا من روح العمل الأدبيّ، وارتباطاته الفكريّة وصولًا إلى أحكام نقديّة ذات صلة بالتراث تارةً وبالمصطلح الأجنبي تارةً أخرى، مع التردّد أحيانًا في التطبيق المنهجي، وبخاصة عند اختيار المنهج النقديّ، ومع ذلك تبقى فترة التأسيس صاخبة بالرؤى النقديّة الخصبة من حيث التفاعل والانتشار، كما هو الحال في كتابات عيسى الناعوري في مجال التأثر والتأثير، ورؤى ناصر الدين الأسد الثاقبة في بيان الجذر المعرفي للشعر الجاهلي، وما قام به محمود السمرة من تعميقٍ لأهمية المنهج النفسي في دراسة الأدب، وإسهامات غالب هلسا النقديّة وبخاصة فيما يتعلق بترسيخ الجانب الجماليّ في الأدب. فضلًا عن إسهامات إحسان عباس المهمة في ترسيخ الحضور الأسطوري في النص الأدبي، ودراسة شعر التفعيلة بقالبه الحداثيّ، وتشظياته الفكريّة المختلفة.
إنّ رؤى محمد شاهين الثاقبة في الأدب المقارن باتت مرجعيّةً مهمّة لكثير من الكتابات النقديّة التي حاولت رصد مظاهر التأثر والتأثير بين الآداب الإنسانيّة انطلاقًا من وعيٍّ عميق بأهمية التفاعل الحضاريّ في إكساب الأدب جوانب جديدة ذات جذر إنساني عميق، علاوة على نزوع إبراهيم السعافين إلى المنهج التاريخيّ في دراسة الأدب. وفي مجال الحفر المعرفيّ لدراسة الأدب الأردني؛ شعرًا ونثرًا، تظهر جهود سمير قطامي، وخالد الكركي، وزياد الزعبي، وخليل الشيخ، وهاشم ياغي، وذلك لرصد البدايات، ومقاربة الامتدادات الواضحة للحركة الأدبيّة في الأردن، وتفاعلاتها المستمرة مع الأحداث المختلفة.
وتستمر الحركة النقديّة صاخبة وراصدة لمختلف الاتجاهات الفكريّة والتشكيلات الفنيّة كما في كتابات إبراهيم خليل، وإبراهيم العجلوني، وعلي الشرع، وأحمد الزعبي، وفخري صالح، وغيرهم من النقّاد، حيث باتت المنهجيّة النقديّة أكثر عمقًا وقربًا من جوهر النص الإبداعيّ. إنّ من أهم المؤثرات في حركة النقد الأدبي في الأردن اختلاف المدارس الفكريّة والأدوات النقديّة التي امتلكها النقاد، وهذا أمرٌّ طبيعيّ في ظلِّ اختلاف المنابع الثقافيّة والرؤى الفكريّة والقدرة على توظيف المناهج النقديّة، وامتلاك أكثر من لغة، فضلًا عن الصراع المستمرّ بين القديم والجديد. يظهر في هذه المرحلة المهمّة من تاريخ حركة النقد الأدبي في الأردن صوت الناقد إحسان عباس عاليًا بوصفه ناقدًا مستشرفًا ممتلكًا لأدوات الناقد، ببصيرته الثاقبة، وهو متجذّرٌ في التراث، بعيد الرؤى في محاولته قراءة الشعر من منطلق حداثي متأثرًا بنقاد غربيين، ومستخلصًا أفكاره من حصيلة معرفيّة ذات جذر حضاري عميق كما في كتبه: "فن الشعر"، و"اتجاهات الشعر العربي المعاصر"، و"بدر شاكر السياب؛ دراسة في حياته وشعره".
لقد أظهر النقاد الأردنيون اهتماماً نقديًّا واضحًا بقصيدة النثر، فظهرت كتابات مبكرة عند عبد الفتاح النجار، تأصلت فيما بعد على يد عز الدين المناصرة، ثم عبد الرحيم مراشدة؛ لتنبثق فيما بعد في كتابات النقاد مُبرزة إشكاليّة قصيدة النثر من حيث تصنيفها الأجناسيّ، وخصائصها البنائيّة منسجمة مع حراك شعريّ مهم أفرز كمًا هائلًا من الشعر المنثور. ومع ذلك فإنّ الجدل النقديّ مازال قائمًا حول طبيعة هذه القصيدة التي تبحث عن كينونتها، فهي ما زالت في طور التكوّن والتشكّل تبحث عن موقعٍ لها في الإبداع الأدبيّ المعاصر، إذ إنّ تداخل الأجناس الأدبيّة جعل من استخلاص تعريف ثابت لها أمراً شائكاً، ومع ذلك فإنَّه يمكن اقتناص أهم ملامح هذا الفن الأدبيّ، فهي تراعي الإيقاع والدلالة والذاكرة.
بات النقدُ الأدبيُّ في الألفيّة الجديدة بحاجة إلى مغامرة نقديّة جماليّة في جوهرها، فكريّة في دلالاتها وهي مغامرة تتطلب الثورة على تشكلات النص اللغويّة، وعدم الانقياد وراء رؤى المبدع، بل بعث أفكاره في قوالب جديدة تخضع لمكنون النص، وما يمكن أن يبعثه في الآخرين، وهي مغامرة موازية للمغامرة الإبداعيّة التي تحاول إيجاد مداخل متعددة، تناسب شعريّة النص الحداثيّ من جهة، وانعكاساته الفكريّة من جهة أخرى، في محاولة استجلاء قوانين التلقي التي يطرحها الخطاب ذاته، بهدف الكشف عن خصوصيته النصيّة من ناحية، وبيان طبيعة القوانين الإبداعيّة المنتجة للمعنى الشعريّ من ناحية أخرى، فكانت كتابات مجموعة من النقاد المتسلّحين بثقافة نقديّة متخصّصة وذوق جمالي قادر على اكتناه أسرار النصِّ العميقة، كما في كتابات: بسام قطوس، وغسان عبدالخالق، ومحمد عبيد الله، وعباس عبدالحليم، وشكري الماضي، ويوسف بكّار، وصلاح جرار، وعبد القادر الرباعي، وسامح الرواشدة، وزياد الزعبي، ومحمد المجالي، وعماد الضمور، ونضال الشمالي، ومحمد القواسمة، وعمر الربيحات، وحسام العفوري، وغيرهم من النقاد الأكاديميين الذين أثروا المشهد الإبداعيّ في الأردن.
لقد اقتضت حركة النقد الأدبيّ في رؤاها المعاصرة تغيّرًا مهمًا في وظيفة النقد، حيث أصبحت تتجاوز الرصد والكشف إلى حوار معلن مع تقاليد النصِّ الشعريّ، وقوانينه الإبداعيّة؛ حيث لا تنفصل معايير الحداثة النقديّة عن فكرة النصِّ المؤسِّس، والتقاليد الموروثة التي يمكن أن يتأسّس عليها أيّ نص إبداعيّ؛ للوقوف على مظاهر التجديد في الشكل والمضمون. وهنا لا بدّ من توافر وعيٍّ نقديٍّ يتأسّس على معرفة متعمقة بالمناهج النقديّة، والفلسفات الفكريّة التي انبثقت منها؛ لتُشكّل قاعدة متينة تقوم عليها العملية النقديّة.
إنّ الناقد مطالب أيضًا بمجاراة حركة الحداثة الشعريّة، وامتلاك الأدوات النقديّة المناسبة لاقتناص اللحظة الجماليّة، والوقوف على مقاصد النص، ورؤاه الفكريّة، ولا يمكنه فعل ذلك من دون التسلّح بالمناهج النقديّة التي أفرزتها مرحلة الحداثة الشعريّة، وما بعدها، إذ لا يمكن الحديث عن نقدٍ حقيقيٍّ من دون وعيٍّ نقديٍّ مُتحصّل من معرفة كافية بالمناهج النقديّة الحديثة وتعلقاتها الفلسفيّة؛ ليتمكّن الناقدُ من استحداث أدوات قرائيّة مناسبة لخصوصية الإبداع الأدبيّ، ومتطلباته الفكريّة.
ولا بدّ من الإشارة في هذا السياق إلى أنَّ الحركة الأدبيّة في الأردن تشهد حالة من الانفجار الإبداعي، الأمر الذي يقتضي وجود حركة نقدية موازية، ترصد، وتحلل، وتصنّف، وتُظهر مواطن القوة والضعف في الأعمال الإبداعيّة بكلّ حياديّة وموضوعيّة وعلميّة، بعيدًا عن التعصب الأعمى أو الشلليّة.
ومن ناحية أخرى فإنَّنا نعيش أزمةً في النقد ناتجة عن أزمة في الإبداع، فتفاوت المستوى الإبداعيّ ينعكس على المستوى النقديّ، ويؤدي إلى حدوث فجوة واضحة بينهما، إذ ليس كلّ ما يُنشر من أعمال إبداعيّة يستحق القراءة، فقد ازدحمت الساحة الثقافيّة بدور النشر مثلما ازدحمت بالراغبين في نشر أعمالهم بغض النظر عن مستواها الفني، وهذا أثخن المشهد الثقافيّ بكثير من الكتب التي تقع في طور التجريب وليس الإبداع.
يظهر تأثيرٌ حقيقيٌّ للنقّاد خارج المؤسسة الأكاديميّة، على سبيل المثال؛ ما كتبه عبد الله رضوان، وفخري صالح، وأحمد المصلح، ونزيه أبو نضال، وزياد أبو لبن، ونضال القاسم. أمّا صوت المرأة الناقدة فكان واضحًا وظهر مبكرًا من خلال كتابات أمينة العدوان، واستمر بخطى واثقة في كتابات رزان إبراهيم، ومريم جبر، ورفقة دودين، ومها العتوم، وجودي بطاينة، ومها المبيضين، وامتنان الصمادي، وسناء شعلان، ومنتهى الحراحشة، وصبحة علقم، وغيرهن من المبدعات الأردنيات. وفي مجال النقد الموجّه لأدب الأطفال، فإنَّ أسماء نقديّة ظهرت راصدة لأهمية هذا الأدب واتجاهاته الفكريّة، وضروراته الفنيّة، كما في كتابات: عمر الأسعد، وزليخة أبو ريشة، وراشد عيسى، وإبراهيم الكوفحي، وموفق مقدادي.
إنّ الدور الذي تقوم به وزارة الثقافة مهمٌّ في تحفيز حركة النقد الأدبيّ في الأردن من خلال مجلاتها المنشورة، وبخاصة (مجلة أفكار) التي تُعدّ تاريخًا مرجعيًّا مهمًّا لحركة النقد الأدبيّ؛ لمساهمتها في نشر الإبداع الأدبيّ، وتنشيط الحركة النقديّة على صفحاتها وعبر أعدادها المتلاحقة، فضلًا عن دورها في رفد المشهد النقدي العربيّ بدراسات نقديّة ذات معايير علمية ومنهجيّة واضحة.
كذلك جاءت الملاحق الثقافيّة الأسبوعيّة في الصحف اليوميّة ذات حضور واضح في المشهد النقديّ، إذ أسهمت في تنشيط الحركة النقديّة، ومتابعة كثير من الإصدارات الشعريّة والنثريّة، وبخاصة في ظلِّ تأثر الخطاب النقديّ بثقافة العولمة، وامتداد تأثيراتها إلى مناحي الحياة كافة.
على صعيد مؤسسي جاءت رابطة الكتّاب الأردنيين لتمارس دورها الإبداعيّ في تحفيز المشهد النقديّ ورفده بطاقات فنيّة جديدة؛ ليخرج النقد عن الرؤية الانطباعيّة إلى رؤى منهجيّة أكثر وضوحًا. وفي السياق نفسه تشكّلت جمعية النقّاد الأردنيين؛ لتؤدي رسالة فكريّة مهمّة في مجال النقد الأدبيّ، وذلك من خلال إصدار مجموعة من الكتب النقديّة، وعقد المؤتمرات النقديّة المتخصّصة التي تسعى إلى إقامة حركة نقديّة قادرة على متابعة المنجز الإبداعيّ بخصائصه الفنيّة، ومضامينه الإنسانية العميقة.
وتظهر أمام حركة النقد الأدبيّ في الأردن ضرورة ملحة لضبط إيقاع حركة النشر الكثيفة في مجال الفنون السرديّة، ومحاولة الخروج بتصوّر نقدي واضح يحدّد اتّجاهات الإصدارات الجديدة، ومدى قدرتها على تحقيق متطلبات السرد الإبداعيّ من الناحيتين الفنيّة والفكريّة، وبخاصة بعد فوز مبدعين أردنيين بجوائز عربية وعالميّة مهمة.
لقد تأخر النقد في جنس القصة القصيرة قياسًا لنقد الأعمال الروائية التي حققت حضورًا لافتًا ومبكرًا، كما هو الحال في إبداعات تيسير سبول، وغالب هلسا، ومؤنس الرزاز، وغيرهم من القاصّين والروائيين الأردنيين الذين وضعوا القصة القصيرة والرواية في طريقهما الصحيح، وهذا يُظهر أهمية سلطة الناقد في ترويج النصِّ الإبداعيّ، وإكسابه أهميّةً خاصة.
لكن حركة النقد الأدبيّ في الأردن برزت بشكل واضح الملامح في بداية التسعينيات من القرن الماضي، حيث تأسّست على علاقة وثيقة بالمكان الأردني، وهموم ساكنيه، الأمر الذي أسهم في تحقيق حركة نقدية بمنهجيّة فاعلة، ضاعف من وهجها ما شهدته الجامعات الأردنية من حراكٍ نقديٍّ فاعل، أذكت جذوته أقسام اللغة العربية وآدابها التي سعت من خلال إقامة مؤتمرات النقد الأدبيّ المتخصصة، إلى إشاعة جوٍّ نقديّ قادر على تحقيق تفاعل حقيقي بين النصِّ الإبداعيّ وجمهور المتلقين، وقد برزت جامعة اليرموك مبكرًا في هذا المجال من خلال إقامتها لمؤتمرها في النقد الأدبي بشكل دوري،ّ وبحضور عربي لافت لأبرز النقاد في الوطن العربي.
إنّ التراجع في المشهد النقديّ الأردني غير منفصل عمّا يشهده النقد العربيّ من ضعف أيضًا؛ وذلك لغياب منهجٍ نقديٍّ عربيٍّ واضح المعالم، فضلًا عن أن تعدديّة المصطلح النقديّ أفقدت كثيرًا من الدراسات النقديّة بريقها الإبداعي، وقدرتها على سبر أعماق النص. وهذا يكشف عن وجود أزمة نقد حقيقيّة على مستوى الوطن العربي، إذ يحتاج النقد إلى تطوير النقّاد لأدواتهم النقديّة في ظل متغيرات سياسيّة وفكريّة وتكنولوجيّة، وضرورة البحث عن جذور تراثيّة لإبداعنا المعاصر بعيدًا عن الانبهار بكلّ جديد، وهذا يتطلّب تبنّي فكر نقدي واضح المعالم قادر على هضم المناهج الجديدة دون أن يفقد الناقد شخصيته الإبداعيّة أو هويته القوميّة، وبخاصة في ظلِّ تداخل الأجناس الأدبيّة من سرد ودراما وشعر ومسرح وسينما وفن تشكيلي، وتعدد نظريات الخطاب وتحليل النص، وظهور الأدب الرّقميّ بتجلياته الإبداعيّة الخصبة وفضاءاته الرحبة.
ولعلّ من المناسب الحديث في هذا المجال عن قضايا مهمة ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالنقد الأدبيّ في الأردن، يتصل بعضها بغياب المنهج النقديّ في كتابات كثير من النقاد الأردنيين، أو عدم ثبات الناقد الأردنيّ على منهجٍ نقديٍّ واحد قادر على تشكيل علامات بارزة في المشهد النقدي، أو تكوين ما يشبه المدرسة النقديّة التي يسير على نهجها الآخرون، وبخاصة فيما يتعلق بالقضايا الموضوعيّة والفنية التي تخصُّ الأدب الأردنيّ بمختلف أجناسه الأدبيّة. لذلك بقي التجريب النقدي ملازمًا لمعظم الكتابات النقديّة، فمرةً نجد الناقد يُطبق المنهج السيميائيّ، ومرةً أخرى نجده يدرس الأديب نفسه وفق المنهج النفسي مثلًا.
أمّا القضية الأخرى ذات الأهمية البالغة في المشهد النقديّ في الأردن فتتمثل بتحديات الأدب الرّقمي، وما يفرضه على حركة النقد الأدبيّ من متطلبات مهمّة بعيدًا عن اجترار كلّ ما يُقال عن الثورة الرّقمية، إذ لا بدّ من دراسات نقديّة قادرة على فتح آفاق جديدة تستوحي أفكارها من طبيعة التفاعلات النقديّة بالأدب التفاعليّ أو الأدب الرقميّ.
إنّ ولوج النقد الأدبيّ في الأردن إلى هذا العالم الواسع من الرؤى بحاجة إلى فهم أكبر للحالة الأجناسيّة لهذا الأدب، وإدراك ماهيته الإبداعيّة بعيدًا عن التردد في دراسة هذا الأدب، وجعله مفتاحًا لمئوية جديدة للنقد الأدبيّ في الأردن؛ فثمة علاقة وثيقة تربط النص متعدد الأجناس بالنص المترابط الذي يعتمد وسائط تكنولوجيّة لتحقيق وجوده ترسيخًا لنظريات نقديّة عرفها النقد المعاصر مثل:" موت المؤلف" و" غياب المركز" و" النص المفتوح" وبعيدًا عن تعددية المصطلح واضطراب المنهج.
ولا بدّ من الإشارة في هذا المجال إلى أهمية ضبط المحتوى الأدبي المنشور وغربلته، ثم تصنيفه وفق الأجناس الأدبية؛ ليتسنى الحكم عليه فنيًّا وموضوعيًّا، وهذا يُحتم على الناقد الأدبيّ وضع ضوابط وأحكام نقديّة واضحة، وصارمة حول المحتوى الأدبي الالكتروني تستند إلى ذائقة فنيّة وجماليّة.
وفي مجال نقد الأدب التفاعلي فإنَّ واقع الدراسات النقديّة الأردنية ما زال متواضعًا، إذ ظهرت موضوعات الأدب التفاعلي وتحليلاته النقديّة في كتابات أحمد رحاحلة، ونضال الشمالي، ومصلح النجار، ومحمد سناجلة الذي فتح باب الدراسات النقديّة حول هذا الموضوع.
