مداخلة د. زهير توفيق
رئيس جمعية النقاد الأردنيين
شكرًا للزميل الدكتور عماد الضمور لقاء ورقته القيمة وجهده الكبير، وتستوقفني في مقاربته التاريخيّة التحليليّة ورصد المشهد النقدي، القضايا التالية:
1- عدم وجود نظرية نقديّة عربيّة
أعتقدُ أنَّ هذه القضية التي تُثار بين الفينة والأخرى في سياق الحديث عن المشروع الحضاريّ العربيّ والاستقلال التاريخيّ للذات العربية، والتخلص من التبعية الشاملة وخاصة العلمية للغرب التي شغلت المفكرين العرب في المشرق والمغرب تحت مسمى الأصالة والمعاصرة، وما تفرع منها من ثنائيات ضديّة؛ أقول بلغة المنطق إنَّ هذه القضية ليست خاطئةً كاذبة ولا صادقةً صحيحة بل هي قضية خالية من المعنى؛ أي شبه قضية لا يمكن مقاربتها فكريًّا وتجريبيًّا؛ فهي قضية عقيمة غير منتجة؛ فقياسًا على النظريات النقدية الحديثة هي غربية بحكم ديناميكية الفكر الغربي المنتج للعلم والفكر والفن والنظريات المؤسسة، وليس بجهد مقصود لتأكيد خصوصية النقد الفرنسي أو الأمريكي ...إلخ.
2-التحقيب والتصنيف
تحتاج ورقة الزميل الدكتور عماد إلى تطوير، وإعادة النظر في موضوعات تحقيب مسيرة النقد في الأردن حتى يكون للمراحل وتسمياتها معنى في الحديث عن التأسيس والريادة، والنقد المنهجي والانطباعي وغيرها.
3- نقد النقد
يوجد في المشهد الثقافيّ النقديّ نتاجٌ كبيرٌ من الكتب والدراسات على مستوى النقد التطبيقيّ والانطباعيّ والتاريخيّ والنظريّ لغايات التدريس، وأعتقد أنَّ رفع مستوى النقد في الأردن والوطن العربي يقوم على أرقى أشكال النقد، وهو نقد النقد؛ أي متابعة الأعمال النقدية وتقييمها ونقدها سواء إسهامات النقد الأردنيّ أو العربيّ.
4-اتجاهات النقد
الحديثُ عن اختصاص الناقد ضمن قطاعٍ معين في النقد وقيام تياراتٍ واتّجاهاتٍ نقديّة كاملة ومتسقة مع ذاتها في الأردن طموحٌ سابقٌ لأوانه، ولكن من الممكن تطوير عمل جمعية النقاد الأردنيين من جمعية ثقافيّة إلى مدرسة نقديّة متعددة الاتجاهات والتيارات؛ كون الإبداع فرديًا، والنقد يحتمل العمل الجماعيّ والفريق الواحد.
وهمُ تأثير النقد في الأدب
مداخلة أ. سميحة خريس
روائية
كل التقدير للقامات الفكريّة التي اجتمعت حول هذه المائدة المستديرة لتدير حوارًا غاية في الأهمية حول النقد، حرصًا من القائمين على مجلة أفكار أن لا تضل النقود المحلية متناثرةً تعمل بمعزل عن بعضها البعض، ودفعًا لها كي تكون مؤثرةً في الساحة الأدبيّة.
سأتركُ الحديث عن اشكاليات النقد للمتخصّصين فيه، وسأتحدث من جانب كوني كاتبةً روائية، وأوجز حديثي في نقطتين، أولهما ضرورة التخلص من الوهم العام في أن النقد يؤثر في الأدب، وأتحدث عن تجربتي وتجربة قطاع واسع من الكتّاب، فلم نطوّر قراءاتنا في النقد إلا بعد نضوج تجربتنا في الكتابة والوصول إلى وعينا بضرورة النقد. لقد خضنا تجاربنا مستندين إلى أنَّ كلَّ كاتبٍ ناقدٌ، أو هكذا يجب أن يكون على الأقل، فخلال مسيرتنا الإبداعية تقدمت حاستنا النقديّة وقراءتنا الذاتيّة لأعمالنا، ولم نلتق بالناقد المتخصّص إلا في مرحلة متقدمة من نتاجنا الإبداعي. ويكون هذا اللقاء لاحقًا لإصدار النتاج الأدبي، مما يعني أنَّه توصيف له وبحث فيه، ولكنّه لم يكن موجّهًا أو معينًا للكاتب كي يجوّد نصّه الفني، سأستثني من ذلك الكتّاب الذين يُقبلون على قراءة النقد الأدبيّ بصورةٍ عامة، فهم من دون شك أعمقُ ثقافة، قادرون على الإفادة مما اطّلعوا عليه عند كتابة أعمالهم.
من جانبٍ آخر؛ ولأنَّ الساحةَ تعجُّ بكتّابٍ يسمّون ما ينشرونه نقدًا، وهو خليط من النقد الأكاديميّ، والنقد الانطباعيّ، أو الأخواني، وقليل منه هو بين النقد والانتقاد، وقليل آخر هو بين المديح والنقد، مما يؤدي إلى فوضي في تلقي النقد عند الكاتب، فالكتّاب الذين يضعون أقدامهم في أول المسيرة قد يصابون بتضخم الأنا، أو الانكسار، دون أن يجدوا من يوضّح الصورة ويضع نتاجهم في ميزانه الصحيح.
يقودني هذا إلى النقطة الثانية، التي يشكو منها معظم المبدعين في الساحة الأردنية، وهي انصراف النقّاد المجيدين عن النتاج المحليّ، إلا قلة تُعدُّ على الأصابع، ولهذا أسباب سمعتها من نقّاد ومن كتاب، إذ هناك ما يشبه التوجّس، وقد يصل حدَّ القطيعة؛ لأنَّ تقبّل البحث و"البحش" في العمل الإبداعي يثير حساسيّةَ بعض الكتّاب، كأنَّ فئةً لا تريد إلا سماع المديح، مما يدفع الناقد إلى الابتعاد عن افتعال معارك جانبيّة، رغم علمنا بأنَّ تلك المعارك حين تكون ممنهجةً ولها مبرراتُها، تكون أكثرَ تأثيرًا في الحركة الأدبيّة مما نتصور. في السياقِ نفسِه تسودُ فكرةٌ عند فئة من النقّاد أنَّ الأدب المحليّ لا يستحق العناء، وينصرفون إلى أعمال عربيّة قُتلت بحثًا، إذ يجدون مساندةً حقيقيّة من تلك الدراسات التي سبقت دراستهم عن العمل ذاته.
نعم، النقدُ من حيث هو إبداعٌ يحتاج إلى أكثر من وقفة ومراجعة، لكن علاقة النقّاد بالساحة الثقافيّة والإبداعيّة تحدّد دورهم ومدى تأثيرهم، وأهمية ما يطرحون من أفكارٍ ونظريات، لا يجوز أن تضلَّ حبيسةَ الكتاب الأكاديمي، ولكن يجب أن تسهم في حراك الإبداع المحليّ، وتعيد ترتيب البيت الثقافيّ.