كريم معتوق
شاعر إماراتي
ليس من حزنٍ على بابي
ولكنْ..
طرْقةُ البابِ حزينةْ
ليس مِن قافلةٍ للهمِّ في صدري
ولكنْ..
لِمَ لا تتّسِعُ الآنَ لأضلاعي المدينةْ؟
صغُرَتْ، ضاقتْ إلى أنْ لا أراها
رغمَ أضواءِ الفَوانيسِ
ففي صدري ظلامٌ وسَكينةْ
فتخيّرْتُ بلاداً
ليس فيها وجعٌ يشبهُني
أو لسانٌ عربيٌّ واحدٌ يسألُني
فتخيّرتُكِ روما
ومعي الغُصّةُ في القلبِ دَفينةْ!!
***
ها هي الأجراسُ في روما
وهذا الفَتيكانْ
يُعلن الآن صلاةً تغسلُ الشارعَ
من طينِ الضغينَةْ
بائعاتُ الورد مثلُ الوردِ ألواناً
ومثلُ الشجرِ الشامخِ في الشارع عُمراً
لم أجد وصفاً يُحاكيها
ولا شبْهَ قَرينةْ
فتُحيِّيكَ ابتساماً
قُربَها عازفُ قيثارٍ
يُريحُ الشارعَ المكتظَّ بالألحانِ
كوبُ الصدقاتِ، الطِّيبُ في روما الحصينةْ
وصغارٌ يقذِفون النهرَ؛
صيادٌ بلا صيدٍ، رجالٌ يلعبون النَرْدَ
( بُنْجورْنو) صباحاً تملأُ الشارعَ
أفراحاً وزينةْ
والخُطا في مفْرِقِ الشارعِ تُغْري
بائعاتٍ للهوى والحبِّ
ها أنتَ غريبٌ
فاقتربْ من ساعةِ الأُنس الثمينةْ
لستَ إلا عابراً
ضاقتْ بلادُ العُربِ
أنْ تحملَ أنفاسَكَ فانزَعْ
هيبةَ الشِعرِ الرَصينةْ
وادخُلِ الحانةَ واطلبْ ما سيُنسيكَ
وما يُغرِقُ فيكَ الصحوَ
ما يُطفِئُكَ الآن ويُعْميكَ
وكُن في (البارِ) إنْ شئتَ رَهينةْ
هذه المرأةُ في زاويةٍ تشربُ كي تنسى أَساها
"جاوِرِ المُسْعَدَ كي تَسعدَ"
ها أنت غريبٌ
هذه المرأةُ كالبئرِ على سرّكَ في ( روما ) أمينةْ
فتقلّدْتُ حُسامَ المالِ إنْ شاءتْ
تهيّأتُ بأمثالٍ من الحكمةِ قيلتْ
شَكِّلِ المرأةَ أنَّى شئتَ إنْ كانت عَجينةْ
فتقدّمتُ وسلّمتُ وعاينتُ التفاصيلَ
فقد كانت بما يكفي
لهذا الرجُلِ القادمِ من شرقٍ حزينٍ
بابتسامٍ كاذبٍ مدَّ كمينَهْ
فبدأْنا بالأحاديثِ عن الإسلامِ والإرهابِ
عن جَدوى حُضوري
وانكسَرنا بحديثِ الحبِّ و...، ضحِكْنا
حين لمّحتُ بأشياءَ مُشينةْ
وتناسيتُ مقامَ الحزنِ والشِعرِ
تهيّأتُ إلى غابتِها الكُبرى
فقد جمّلَها الخمرُ بدتْ أحلى
وإنْ كانت سَمينةْ
وعلى سابعِ كأسٍ
طارَ فينا الضِحْكُ
أصحاباً غَدوْنا
ما معي من هيْبةِ الأمسِ وقارٌ
فكأنَّ الأسدَ الجائعَ
قد أبْدَلَ (بالبارِ) عَرينَهْ
***
ومع الصبحِ تنفَّستُ بكائي
عادَ لي الخطُّ العُروبيُّ
تذكّرْتُ مصاب الأمّةِ الكبرى
شَتاتٌ بعدَه حربٌ لعينةْ
وصراعُ القـتْلِ شيعيٌّ وسنيٌّ
مسيحيٌّ وكرديٌّ وشرقيٌّ وغربيٌّ
مجرّاتُ الأذى في الوطن الواحدِ
قد نكّسَتِ الآنَ جبينَهْ
بيَدي كلُّ ذُنوبِ الأرضِ
إني شاعرٌ
لم يغسلِ الأرضَ سلاماً
قلتُ يا نوحُ: السفينةْ!!
إنَّني أحمِلُ زوجينِ من الخوفِ
وزوجينِ من الحُزنِ وزوجينِ من القهرِ
أنا السجّانُ والسجنُ، سجينٌ وسجينةْ
يا نبيَّ اللهِ هل حدَّثْتَ أيوبَ عن الصبرِ
ويعقوبَ عن الحزنِ؟!
بنا مليونُ أيوبَ ويعقوبَ
إذا فاضَ من القلبِ أنينَهْ
يا نبيَّ اللهِ ما مِن جبلٍ يعصِمُ في الشرقِ
ولا الجُودِيُّ في الأرضِ
وها قد أقبَلَ الطوفانُ للعُرْبِ
فعُدْ معجزةً كبرى لكي تحمِلَنا منكَ السفينةْ
فتلاشيْتُ بضعفي
لم تكن روما سوى رشَّةِ عِطرٍ
وعرفتُ الآن أسبابَ شَقائي
ولماذا طرْقةُ البابِ حزينةْ!.