عامر الصمادي
إعلامي ومدرب دولي ومترجم وكاتب أردني
amer2003@hotmail.com
يُعتبر الإعلامي الأردني هشام الدباغ واحدًا من أبرز الإعلاميّين العرب الذين تركوا بصمات واضحة في العمل الإذاعي والتلفزيوني العربي على مدى خمسة عقود خلت، وكان له حضور لافت على الشاشات ووراء الميكرفونات بسبب نوعيّة البرامج التي أعدَّها وقدَّمها، بالإضافة إلى الثقافة العالية التي تميّز بها، وتنوُّع المهارات التي يتقنها، والمجالات التي طرقها، فقد جمع بين الأداء الإعلامي الرّاقي والثقافة العالية والاطّلاع الواسع.
كان هشام الدباغ من أوائل مَن تخصّصوا بإعداد وتقديم البرامج الثقافية والفنية ذات المستوى العالي، بالإضافة إلى خوضه مجالات فنيّة أخرى مثل التمثيل وكتابة الروايه والشِّعر والتعمُّق الديني المتصوّف، ووصل به الأمر حدّ تفسير القرآن الكريم من زاوية صوفيّة. وأتاح له تنقُّله بين عدد من المحطات التلفزيونية والإذاعية في عدد من الدول العربية أن ينهل من مصادر متعدِّدة للعلم والمعرفة، والاستفادة من تجارب الكثيرين ممَّن زاملهم أو عمل معهم. وعلى الرّغم من استقراره منذ ما يقرب عشرين عامًا في دولة الإمارات العربية المتحدة، إلا أنَّه مؤخرًا كثّف من زياراته إلى الأردن للمشاركة بالحياة الثقافية والإعلامية من خلال تقديم العديد من البرامج الإذاعية في عدد من الإذاعات الأردنية، وإلقاء المحاضرات في منابر ثقافية مختلفة، خاصة ما يتعلق بالتصوُّف والنظرة الجماليّة للحياة.
وُلد الدباغ في مدينة يافا عام ألف وتسعمائة وثمانية وثلاثين، وهو حاصل على درجة الدكتوراه في الفلسفة الإسلامية من جامعة البنجاب في باكستان، وعلى درجة الماجستير في الفلسفة الإسلامية من الجامعة نفسها. كما حصل على درجة الماجستير في التاريخ من جامعة القديس يوسف في بيروت.
بدأت مسيرته الإعلامية عندما كان طالبًا في قسم الفلسفة بجامعة دمشق، وكان ذلك في عهد الوحدة بين مصر وسوريا عام 1961 حيث أعلنت الإذاعة السورية عن مسابقة عامة لتعيين مذيع، وتقدَّم للمسابقة ما يقرب من أربعمائة متسابق، وفاز الدباغ بالمركز الأوّل، وتمّ تعيينه مذيعًا في الإذاعة السورية، وكان ضمن المهام التي أنيطت به تقديم الرئيس جمال عبدالناصر للجماهير ومستمعي الإذاعة، ممّا حدا بالرئيس عبدالناصر أن يوفده للدراسة في معهد التدريب الإذاعي في القاهرة، وكذلك للعمل في إذاعة فلسطين التابعة لإذاعة صوت العرب خلال فترة الدراسة في المعهد. وبعد انتهاء الدراسة عاد لاستئناف عمله الرئيس في إذاعة وتلفزيون دمشق. وصادف أن شاهده وكيل وزارة الإعلام الكويتية الشاعر أحمد السقاف وهو يقرأ الأخبار من تلفزيون دمشق، فطلب منه العمل في إذاعة وتلفزيون الكويت، وكان ذلك في أواخر العام 1962، وبقي يعمل مع وزارة الإعلام الكويتية فترة طويلة مذيعًا للأخبار ومقدِّمًا للبرامج الثقافية والمنوّعة حتى عام 1974 (بحسب ما روى لي في مقابلة شخصيّة معه) إلى أن حضر العاهل الأردني الملك الحسين في زيارة رسمية لدولة الكويت، حيث أجرى معه هشام الدباغ مقابلة تلفزيونية أُعجب من خلالها الحسين بشخصية هشام، فطلب منه أن يلتحق بالعمل في التلفزيون الأردني مديرًا للبرامج الثقافية ومذيعًا للأخبار، فتقدَّم باستقالته لوزارة الإعلام الكويتية إلا أنها رُفضت من قِبَل وزير الإعلام الكويتي الشيخ جابر العلي، وتمَّ إلحاقه منتدبًا للعمل كملحق إعلامي في سفارة الكويت في عمّان، مع قبول الوزارة أنْ يتمّ التنسيق بين عمله مذيعًا وكملحق إعلامي في السفارة الكويتية في عمّان، وبقي بهذين العملين حتى عام 1989 حيث تمَّ انتدابه للعمل في تلفزيون دبي، وبعد ذلك تمَّ انتدابه للعمل في تلفزيون أبو ظبي لمدة تسع سنوات، ثم عرض عليه الشيخ سلطان القاسمي حاكم الشارقة أن يعمل أستاذًا للإعلام في جامعة الشارقة حيث عمل لمدة خمس سنوات، وبعد ذلك عمل خبيرًا إعلاميًّا مع الأمم المتحدة وسفيرًا للنَّوايا الحسنة وكان مركز عمله في السودان، ثم عمل مع تلفزيون "سفن ستارز" في الأردن، وعمل بعدها في عدد من الإذاعات الأردنية منها إذاعة المملكة الأردنية الهاشمية وإذاعة الجامعة الأردنية وإذاعة هوا عمّان التابعة لأمانة عمّان الكبرى وإذاعة مجمع اللغة العربية الأردني، وما زال له عدد من البرامج المسجَّلة التي تُبثّ حتى اليوم من بعض هذه الإذاعات.
خلال مسيرته الإعلاميّة عمل الدباغ بالتمثيل السينمائي حيث قام ببطولة فيلم تركي بعنوان "رجل من الأردن" وفيلم مصري بعنوان "من أجل العودة" وقد شاركته البطولة فيه الفنانة صفاء أبوالسعود وسافر بعدها إلى هوليوود للعمل مع النجمة "لوريتا يونغ" في السينما، لكنه لم يوفَّق في ذلك، فساعدته "يونغ" على الظهور في الإعلانات التجارية الأميركيّة ممّا مكّنه من تكوين ثروة لا بأس بها في ذلك الوقت، وبالتالي التفرُّغ فيما بعد لإكمال دراساته العليا والتنقل بين كثير من الدول دون أن يؤثر ذلك عليه أو على عائلته. ويقول الدباغ إنَّ هذه التجربة كانت سببًا في كتابته لرواية (غرام في أميركا) التي نشرها فيما بعد، والتي استوحى أحداثها من خلال تجاربه في العمل بالوسط الفني الأميركي والعيش هناك لفترة من الوقت.
درَّس الدباغ التاريخ والحضارة الإسلاميّة وفنون الخطابة والإلقاء ومبادئ التحرير الصحفي في عدد من الكليات الجامعية وكلية التقنية العليا في مدينة العين وجامعة عجمان وجامعة الشارقة.
وهو عضو مؤسس في اتحاد الكتاب الأردنيين وعضو في مجمع اللغة العربية الأردني.
خلال مسيرته الإعلامية قدَّم الدباغ آلاف الساعات الإذاعية والتلفزيونية، وكان ما يميِّزه هو اللغة السلسة التي يتحدَّث بها، والثقافة العالية والواسعة، وقدرته على تبسيط المعلومات بحيث يفهمها الصغير والكبير؛ وبالتالي الوصول إلى قلوب وعقول المشاهدين والمستمعين بسهولة ويُسر، وهذا طبعًا أقصى ما يتمنّاه الإعلامي والقائمون على المؤسسات الإعلاميّة، لأنَّ ذلك يمكِّنهم من الانتشار وبالتالي تكوين الشعبيّة والحضورالإعلامي المؤثِّر، ومن ثم تحقيق أهدافهم التجارية أو السياسية إذا لم تكن المحطّة تعمل على أسس تجارية، فيكون لها تأثير على الرّأي العام وتوجيهه لمصلحتها.
كما أعدَّ الدباغ وقدَّم برنامجًا تلفزيونيًّا بالتعاون مع مجمع اللغة العربية الأردني بعنوان (لغة العرب)، وكان أحد المعلّقين الرئيسين على برنامج شهير بعنوان (أحداث القرن العشرين) الذي يؤرِّخ لأهمّ أحداث القرن الماضي بما فيه من حروب وصراعات واختراعات وغيرها، وقدَّم برنامج "العالم من حولنا"، و"الإبداع والمبدعون" و"العلم في حياتنا"، وهي برامج حظيت بشهرة كبيرة وتمَّت ترجمتها إلى عدد من اللغات وبثّها في كثير من الدول. كما كتب الدباغ عددًا من القصائد التي لُحِّنت وغنّاها مغنّون عرب.
له عدة مؤلفات وأبحاث منشورة وأخرى غير منشورة في حقول الإعلام والسياسة والتاريخ الإسلامي، وصدر له عدد من الكتب والروايات الأدبية، ومن مؤلفاته:
- التفسير الصوفي للقرآن الكريم، وهو تفسير جامع مانع من وجهة نظر صوفيّة، يقع في قرابة ألف وسبعمائة وخمسين صفحة، حاول من خلالها أن يقدِّم رؤية عصرية لتفسير القرآن لا تختلف مع ما كُتب من تفسيرات سابقة، لكنّها تقدِّم نظرة جديدة قائمة على الأسس التي يؤمن بها المتصوّفة.
- كتاب التلفزيون أسرار وعجائب، وفيه سرد لتاريخ التلفزيون وتطوُّره، إضافة إلى الغوص في أعماق الفن االتلفزيوني بشكل عام.
- ترويض الشهوات- رواية.
- غرام في أميركا- رواية.
- محاورات وخواطر فلسفية وصوفية بحثًا عن السعادة في الدّارَيْن.
وله عدد من الأبحاث والدراسات غير المنشورة منها:
- التكوين الثقافي للمذيع
- العلاقات العامة وفن الخطابة
- دراسة في رواية (بنات الرياض) للكاتبة السعودية رجاءالصانع.
- ديوان شعري بعنوان (حب بين الارض والسماء).
ما زال هشام الدباغ يعيش متنقلًا بين دبي وعمّان والقاهرة مشاركًا بالحياة الثقافية والإعلامية العربية حيثما أمكنه ذلك، لكنّه يشكو من تجاهل المؤسسات الإعلامية لخبراته بسبب تقدُّمه بالسن محاولًا إيصال فكرة للذهنيّة العربيّة بأنَّ الإعلامي لا يؤثر عليه التقدُّم بالعمر، بل إنه كلّما تقدَّم به العمر ازداد خبرة ومعرفة وحضورًا على الشاشة وخلف الميكرفون، مستشهدًا بعدد من كبار الإعلاميين في العالم.
أصيب مؤخَّرًا بمرض عضال، ويعيش حاليًّا في القاهرة للعلاج بعد أن تبرَّع أحد معجبيه من الأثرياء بنفقات علاجه، وقد اتّصلتُ به عدَّة مرّات أثناء إعداد هذه المادة وأبلغني أنه يتعافى، لكنه أوصاني إذا ما حصل له مكروه -لا سمح الله- ولم يتمكن من العودة إلى الأردن بأنه يتبرَّع بمكتبته التي تحوي ما يزيد على ثلاثة آلاف كتاب إلى جمعيّة يافا الخيريّة.
شافاه الله وعافاه وأعاده لنا سالمًا معافى لننهل من علمِه الغزير وخبراتِه الكبيرة.