د. جورج كلّاس
عميد كلية الإعلام - الجامعة اللبنانية (سابقًا)
أستاذ مشرف في معهد الدكتوراه (الإعلام والاداب) الجامعة اللبنانية
في كتابه "تاريخ الاتِّصال والإعلام العربي، الحاضر الرقمي، رؤية جديدة لتاريخ الأمة العربيّة" وظَّفَ د.عصام الموسى مَدارِكَه الواسعة وعلميّته الرصينة وخبرته العميقة في مجالات المعرفة والإعلام والتعدُّدية اللغويّة ليُؤَكِّدَ أَنَّ (تقنية وضع المصطلح) هي أساس وركيزة كلِّ علمٍ تخصُّصي. ويرى الأستاذ الدكتور جورج كلّاس أنَّ هذا الكتاب مرجع علميّ موثوق يُستنَدُ إليه في الدراساتِ والبحوث المتخصصة، الحضاريّة والتواصليّة، واستراتيجيّات بناء الجسور الحضاريّة والثقافيّة بين الشعوب، تَوصُّلًا إلى عمليّة التوفيق بين الإعلام الكلاسيكي والتواصل الرقمي الذي سيكونُ من أبرزِ التحوُّلاتِ في حضارة الألفيّة الثالثة.
• أوَّلًا: مدخلٌ إلى فضاءِ النَّص
يتناولُ البروفسور عصام سليمان الموسى، بجديد إصداراتِه العلميّة في حقل التواصل والإعلام، "تاريخ الاتصال والإعلام العربي، الحاضر الرقمي، رؤية جديدة لتاريخ الأمة العربية"(*)، الكتاب الذي أعادت وزارة الثقافة الأردنية طباعته ونشره في حُلَّةٍ جديدة مُيَسَّرةٍ، موضوعًا رائدًا وغيرَ مَسْبوقٍ في مجال العلوم الإنسانية المفتوحة المسارات بين التخصصات التي تتكامل عناصرها، وتتلاقى أهدافها لصياغةِ مُبتَغىً واضح لمقاصد علوم (الإعلام والتواصل) وكيفية توظيف فنونهما لخدمة الفكر العربي تخصيصًا والحضارة الإنسانية في نطاقٍ أَوسَع وأشمل. وهذا ما حرص المُؤلِّفُ على صياغته بأسلوبٍ سرديٍّ مُبسَّط، وتقديمه وثيقةً تأريخية فريدة، أَوْرَدَ فيها معلوماتٍ كاثَفَ مُعطياتِها من أُمَّاتِ المصادر العتيقة والمراجع الحديثة المبنيّة على أصولٍ معرفيَّة، ما جعل من هذا الكتاب سِفْرًا علميًّا يحكي مسيرةَ الاتصال العربي، ويفصِّلُ مستويات تكامله مع الواقع الرقمي االعالمي، الذي فَرَضَ على وَضْعِيَّةِ الإعلام الراهِنِ تَحَوُّلاتٍ جَذْرْيَّةً بَدَّلَتْ من مُستَوياتِ وفَنِّيَّةِ إنتاجِ الموادِ الإعلاميَّة وطريقةِ ترشيدِ استهلاكها وكيفية توظيفها لخدمة الخير الإنساني والانفتاحي، على قاعدة أنَّ (الإعلام خِدمة) أكثرَ منه (سلطة). وهذا الارتقاءُ في توصيفِ الرسالةِ التواصليةِ وإدخالِ تجديدٍ على مُحَدّداتِها التقليدية، جعلَ من هذا الكتاب مدخلًا علميًّا رَصينًا ثُنائِيَّ الأهداف، يفيدُ منه الإعلامي المُحتِرِفُ، الذي يريد أَنْ يعرفَ المزيدَ عن تاريخية الاتصال وفنونه، والمُثقَّفُ الذي يَعرِفُ ويريدُ أَنْ يَعرفَ أكثر حول خصائص الإعلام الرقمي وتفاعلاتِه وكيفية الإفادة من مُكَوِّناتِهِ.
• ثانيًا: تقنيةُ التقويم العلمي للكتاب
في قراءتنا الوصفيّة والتحليليّة، لهذا الأَثرِ الكِتَابيِّ القَيِّم، والجامع بين علوم الأوابدِ والتاريخ والفكر والعصر الصناعي وصولًا إلى الحاليَّةِ الرقميَّة، تأكَّد لنا، بعدَ تحليلاتٍ مقارنة للإصداراتِ العربية والأجنبية التي عالجت مواضيع إعلامية واتصالية، أَنْ البروفسور عصام الموسى يُقَعِّدُ لأُسُسٍ علميةٍ جديدةٍ في طريقةِ تأريخِ مصدريَّةِ الفكرة والمعلومة، ويطرَحُ إضمَامَةَ مَفَاهيمَ مفصلية حديثة في أصولِ التعاطي مع خصائص الكلام والكتابة والرسوم وإشارات الاتصال المُدَعَّمِ بِوضُوحيَّةٍ صلبة. وهذا ما يساعدُ على إعادة إنتاجِ رؤيةٍ جديدة لحركيَّةِ الاتصال التقليدي والرقمي، وقياسها على حاضر الواقع العربي، في كل مراحل حضارته العريقة والحديثة.
هذا النموذج الحديث من الدراساتِ التأصيلية الموغلة نَبْشًا وتقْميشًا ورَصْدًا في متابعةٍ لحركيَّةِ تطوّرِ طبيعة الاتصال العربي ببدايات نشأته، وتوصيف وظائفه وتحليلِ مُعطياتِه على ضَوْءِ خُصوصِيَّاتِ علومِ التواصلِ وتحديثاتها المستدامة، نجحَ بتقديم مواكبةٍ دقيقة لمستويات تطوّر فنون القول والتفكير وخطوط تَلازُمِها مع تقنيات التواصل التَعبيري الواضح المعاني والمُحَدَّدِ الدلالات، مع كل ما استوجَبَهُ النَاموسُ العلميُّ من تَخَيُّرٍ دقيقٍ للألفاظِ واستنباطٍ لعبارات واستِخدامٍ لمصطلحات تخصُّصيَّةٍ دقيقة، جهد الدكتور الموسى لاعتمادها كتقنيات تعبيرٍ مُتخصِّصةٍ والتعريف بها، واعتبارها (المداخلَ الفَهميَّة الأساسية) لعلوم الصحافة والاتصال والتواصل الرقمي.
والواضح الجلِيُّ أنَّ المؤلِّفَ وظَّفَ مَدارِكَه الواسعة وعلميّته الرصينة وخبرته العُمقِيَّة في مجالات المعرفة والإعلام والتعددية اللغوية، وهو المًتَضلَّعُ من الإنجليزية تخصُّصًّا وكتابَةً وتدريسًا، ليُؤَكِّدَ أَنَّ (تقنية وضع المصطلح) هي أساس وركيزة كلِّ علمٍ تخصُّصي. وهذا الأسلوب التَعبيري المركّز والدقيق يشيعُ في كل مفاصل الكتاب، حيثُ تتوزَّعُ المصطلحات مُعحَمِيًّا على ثلاثة مستويات:
- المستوى الإعلامي الدقيقُ التخَصُّص، والذي يتشعَّبُ إلى الصحافة الورقية، والإعلام الإذاعي والتفزيوني، والتواصل الرقمي.
- المستوى التاريخي- الحضاري، حيث أرَّخَ لبدايات لغة الإشارات واللفظيات والنقوش والكتابة، كظاهرة إنسانية.
- المستوى اللغوي- التَعبيري، حيث يظهر أثرُ الاستخدام الصحيح للمصطلحات، من خلال التركيز المنهجي على جوهرِ المَعنى المقصود، ما أضفى على الأسلوب العام للكتاب طابَعَ الجديَّة الأكاديمية و(الكتابة المسؤولة)، التي تنعكس فيها شخصيةُ الدكتور عصام الموسى وعلميَّتُهُ ونَقَاوةُ تفكيره، التي أَحَلَّتْهُ مَكَانةً مرموقةً في العُلومِ البحثيّةِ المركّزَة في تاريخِ الاتصال والإعلام العربي، حيثُ أرَّخَ حضارةَ الاتصال والتواصل بِحِرفيَّةٍ أكاديميةٍ مسؤولة وذائقةٍ فكريةٍ ونَوعِيَّة، كَأَوَّلِ باحثٍ عربيٍّ يؤرِّخُ لحضارة (التواصل) بمَنظُورٍ علميٍّ مُقارَن.
من هذه النَّظرة العلميّة الدقيقة وبالارتكازِ إلى المخزونِ المعرفيِّ الواسع، يُتَوِّجُ الدكتور عصام سليمان الموسى، أستاذ الإعلام في جامعَة اليرموك وجامعات عربية وأجنبية، مجْموعَاتِه الكتابِيَّة الثريَّةَ النَوْعِيَّة والمُتَنَوِّعة، والمُوَزَّعة بفنِّيّةٍ أسلوبيةٍ راقيةٍ، ووِفقَ تَنَوُّعٍ مايزٍ للنتاجاتِ التي تَرَكَتْ تَحَوُّلاتٍ دالَّةً في الحركةِ الفكريَّةِ الأردنية الحديثة، بأَثَرٍ أكاديمي أصيلٍ عَنْوَنَهُ بِحِرَفيَّةٍ علميةٍ وإحترافيةٍ إعلاميَّةٍ: (تاريخ الاتصال والإعلام العربي 150 ق.م - الحاضر الرقمي)، وهو الكتابُ الذي أَسَّسَ لمرحلةٍ جديدةٍ من الفكرِ التواصليِّ الرقميِّ المبني على مُرتكزاتٍ معرفية واسعة منذُ بدايات المعرفة الإنسانيةِ وبدائياتِ التواصل، انتهاءً إلى ما واكبَ حضارةَ الاتصال وتطوّراتِ تحديثاتها على مدىً تاريخيٍّ كثير الإيغال في (الزَمَنِ الحضاري)، الذي انطلقَ من عصور الاتصال الأولى (حوالي 8000ق.م) وحتى تَكَوُّن صورة المعلوماتية وشيوع التواصل الرقمي، الذي بَدَّلَ من حياة الشعوب في مسيراتها التاريخية ومساراتها التَطَوُّرِيَّة. ويحملُ هذا الكتاب في فصوله الثلاثة عشر، والمنتظِمَة صفحاته في 364 صفحة مُدَّعمة بمصادر ومراجع عربية 56 وأجنبية 63، رؤيةً جديدة لتاريخِ الحضارة العربية بالارتكاز على منظور الاتصال ونُشُوءِ فكرة التبادل المعرفي على مختلف المستويات النقشيَّةِ والكتابية واللَّفظِيَّةِ.
ويُؤسِّسُ هذا النوع من البحوث الأكاديمية، المازِجِ بينَ الصحافة وتاريخ الفكر والأدب وعلم الحضارات، لِنَمَطٍ جديدٍ من الدراساتِ الصَلْبَةِ المَبْنيةِ على رُؤيةٍ مَنهجيةٍ هادفةٍ لتقديمِ إضافاتٍ جديدة على التراث العلمي العربي، في فنون التواصل وعلوم التاريخ وتركيز تطلُّعاتٍ مُستقبليَّةٍ، كما تسعى إلى تَقعيدِ أُسُسٍ حديثةٍ لِفَهْمِ أسراريَّةِ الفكر العربي، بتراكماته التراثية والتَغَيُّراتِ التي فرضتها قواعد التماشي مع التطوّر الحضاري، حيثُ تحوَّلتْ المجتمعاتُ البشرية المُتراميةُ التوزُّعاتِ جغرافيًّا، إلى مُجتمعٍ كبير تتَداخَلُ فيه جماعاتٌ، تتفاعلُ حينًا وتتنافرُ مرّاتٍ كَثيراتٍ، مع حفاظ كلٍّ منها على خصوصياتها كَنُوَاةٍ ومُرتَكَزٍ حضور، على الرّغْم من التداخلات والتأثيراتِ والتأثُراتِ التي تتشابكُ بواسطتها مع خصوصيات وفرادات مجتمعات أخرى.
مع هذا الكتاب المَرجَعِيّ، يخلصُ القارئ إلى مُسَلَّمَةٍ ثابتة، هي أنه لَيْسَ بالإمكان مُقاربَة التاريخ الحضاري للشعوب دون الانطلاق من إشارات الحضارات الأولى المايزِةِ لعلاماتها الفارقة، مُستندًا في بحوثه المركَّزة التي انتظمها محطَّاتٍ تاريخيّة، بدءًا من الرسوم الأولى التي ولَّدت ثورات اتصال معرفية، مُفصِّلًا عصورَ الاتصال الخمسة الأولى 8000ق.م. بداية استخدامِ الرموز عند السومريين، وصولًا إلى الحاضر الرقمي، مع ما تتطلَّبه من بحث حول مركزية الاتصال في الحضارة الإنسانية، وانعكاساتها الإيجابية على المجتمعات والتطورات البشرية.
• ثالثًا: بين الرَّكائز والتحوُّلات
اللّافِتُ في مضامين هذا الكتاب المرجعي، وأعتقد أنه أوّل مُؤلَّفٍ علمي يتناول تطورّات بيئتنا الحضارية، من منظور اتصالي، هو تناوله لمظاهر الاتصال في حضارتَيْ (ما بين النَهرين) و(وادي النيل)، بأسلوبٍ تَعَقُّبيٍّ ورؤيةٍ عُمقيَّةٍ وموضوعية. فضلًا عَمَّا ضَمَّنهُ الدكتور عصام الموسى من بحثٍ مُفيضٍ ومُفيدٍ يتعلق بثورة الأبجدية الالفبائية في بلاد الشام، مع تعريفٍ لمُحَدِّداتِ الأبجديات الفينيقية والآرامية والعربية القديمة، بما يُمَهِّدُ للكلام التفصيلي عن ثورة الاتصال الأولى وعلاقتها بالحضارات العربية والفارسية واليونانية والرومانية بين (1500ق.م و150ق.م). وتأسيسًا على هذا الذُخْرِ من المعلومات التاريخية والأسانيد الأثرية، وظَّفَ البَاحِثُ ثقافته الأنسكلوبيدية الغنيَّة المدارك والنَوعيَّة المعارف، للانتقال إلى دورِ العرب الأنباطِ في ثورة الاتصال الأولى بين (150ق.م و106م)، ومُتعرِّضًا للحضارة الورقيّة في العصر العباسي وأثرها في ترخيم النشاط الأدبي الشعري والروائي والعلمي، وصولًا إلى انعكاسات منع إدخال المطبعة، وحالة الجمود الفكري والوقفية الحضارية بين (1439م و1916م).
• رابعًا: بانوراما الاتِّصال الحضاريّ
هذه التمهيداتُ المازجة بين عِلمَيْ التاريخ والحضارة الإنسانيّة، أَفضَتْ إلى نظرية (تعميق الشفاهية) التي أَبْدَعَ الدكتور الموسى بتفصيلها وشرح مظاهرها وتأثيراتها على التطوُّر الاتصالي، وفتحَ الأذهان للتفاعل معها من حيث هي المدخل إلى بناء علاقات تواصل وتلاقٍ على مستويات الحوارات الدينية والحضارية، بما يُوَفِّرُ إمكاناتٍ جيِّدة للتواصل الثقافي وتلاقُحِ الحضارات. ولعلَّ ما أستَشِفُّهُ من أفكارِ الدكتور عصام هو سَعيُهُ للانتقال من الكلام عن مفهوم (تعايش الحضارات) إلى (نظرية تكامل الثقافات)، حيثُ يَعتَبرُ أنَّ الاتصال الجيِّد يُمهِّدُ إلى التواصل المُحترم والمفيد لكل الأطياف المُشاركة في عملية (التثاقف المفتوح)، وهذه أفضل وأقصرُ وأسلَمُ الدُّروب إلى صناعة السلام بين الشعوب، على قاعدة الاحترام المجتمعي والتاريخي وحفظ كرامة الكيانات الحُرَّة والمستقلّة.
وزُبدَةُ الكلام في هذا الأثر المعرفيّ الفريد، هو التوقُّف مليًّا عندَ الصورة الرقميّة وأثرها على الإعلام العربي بكلِّ فنونه وتوجُّهاته، وتَفْنيدِ التحديَّاتِ التي اعترضَتهُ في بداية تعامله مع الإعلام الرقمي منذ 1990، إلى الزمن الحَاضِر الذي يترك إِرهاصَاتِهِ على الساحة الإعلامية العربية بشكلٍ واسع وتركيزٍ عميق.
"تاريخ الاتصال والإعلام العربي"، كِتابٌ استثنائيُّ الطرح والمعالجة والاستخلاص، يُضاف إلى نتاجات الدكتور عصام سليمان الموسى الأربعة عشر والموزّعة بالعربية والإنجليزية بين الإعلام والحضارة والرواية والقصص القصيرة، مما يَدُلُّ إلى الذُخْرِ الثقافي والفكري والذائقة الأدبية التي تربَّى عليها في بيته الوالديّ، حيث كان للأستاذ سليمان الموسى جولاتٌ تأريخية وفكرية، تشهد لها المكتبة العربية والمنابر الأكاديمية والمنتديات الفكرية في الأردن والخارج.
• خامسًا: تقويمٌ عام
وانطلاقًا من كون هذا الكتاب يشكِّل نقطةَ الدائِرَةِ في علم التواصل الاجتماعي والتكامل بين الثقافات والحضارات، فإنه سيكونُ (مُرتكَزًا علميًّا) مُعتَمَدًا في مراكز البحوث وكليات ومعاهد الإعلام العربية، كمرجعٍ علميٍ موثوق يُستنَدُ إليه في الدراساتِ والبحوث المتخصصة، الحضارية والتواصلية، واستراتيجيات بناء الجسور الحضارية والثقافية بين الشعوب، تَوصُّلًا إلى عملية التوفيق بين الإعلام الكلاسيكي والتواصل الرقمي الذي سيكونُ من أبرزِ التحوُّلاتِ في حضارة الألفيّة الثالثة.
• سادسًا: (النظريّة) وعلامات التَّمايز
العلامةُ المايزةُ لهذا المُصَنَّفِ، الذي يُحمَلُ (نظرية عصام الموسى) ويتَّصف بالتأصيل العلمي، حول نُشوءِ حضارة الحرف والنَقْشَةِ والإشارة والكلمة والملفوظة والملحوظة والرسمة والصورة والفيلم، أنَّه يفتحُ البابَ أَمامَ دراساتٍ وأطروحاتٍ، تتناول فَرعِيَّاتِ علم الاجتماع الإعلامي، وعلم النفس الإعلامي، ومنها إلى التأثيراتِ المُستَقبلِيَّةِ للإعلام والتواصل الرقمي، وكيفية التوفيق بين عوالم مختلفة وشعوب وأجناس مُنَوَّعة لخلقِ منظومة إشارات مُتَّفَقٍ عليها، تُسهِّلُ التأسيسَ لنظامٍ تواصلي عالمي، وِفقَ قِيَمٍ ومواثيق عامة، بما يُشبِهُ مَنْظومَةَ الالتقاءِ حول (أبجديّاتٍ تواصليّةٍ مُوَحَّدة)، تكون بمثابة آليَّةٍ تطورِيَّةٍ لحضارة الاتصال ونُمُوِّ ثقافةِ الجماعات (المفتوحة الحدود) فكريًّا وعلميًّا وإعلاميًّا.
في تحليلٍ لعناصر العنوان، يتبيَّنُ للناظِرِ في دلالة المُفرداتِ وأبعاد المَعنى ومقاصد المُصطلحاتِ التي وظَّفها لخدمةِ (صناعة العنوان)، أنَّ البروفيسور الموسى يُزاوِجُ في تكوين نظريَّته الابتِكاريّة بين عَتَبَتَينِ من عَتباتِ المعرفة، هُما (الرُّؤية) و(الرُّؤيا).
وإذْ يَتضِحُ للقارئ أنَّ المؤلِف تَعمَّدَ أَنْ يُضَمِّنَ عنوان كتابه عبارة (رُؤية جديدة لتاريخ الأمة العربية)، فإننا من حيثُ نَحنُ عارفونَ المسارَ الفكري الارتقائي للدكتور عصام الموسى، ومواكبون لمسيرته الفكرية والنضالية، نتوقَّعُ أَنْ يؤسِّسَ هذا الكتاب (لِرؤيا عربيّة) تَتبَصَّرُ مجتمعاتنا من خلالها المستقبل الحضاري للكلمة ودور الإعلام والتواصل في بناء الكيان الرقمي العربي.
وعلى ثنائيّة (الرُّؤية) الباصرة، و(الرُّؤيا) الحالمة، يبني الدكتور عصام الموسى نظريَّته التواصليّة حول (المستقبل الرقمي)، بعد أَنْ أمعَنَ بدراسة (الحاضر الرقمي)، وقدَّمه للعالم العربي، مَرْجِعًا علميًّا (صُنِعَ في الأردن).
- - - - - - - -
(*) الطبعة الأولى صدرت بدعم من عمادة البحث العلمي في جامعة فيلادلفيا.