محمد محمود فايد
باحث في الثقافة الشعبية والفنون وعلم النفس- مصر
يُطلِقُ المخ البشريّ موجات وأشعة تنتشر لمسافات هائلة، وتلتقطها أمخاخ بعضهم بشكل تلقائي، حيث تتداخل مع طاقاتهم الداخلية. وقد تتلاقى الطاقة المُلتَقَطة مع طاقاتهم الأساسيّة في طول موجي واحد، فيستفيدون منها، وقد تتنافر، فتزعجهم. أمّا أولئك الذين يتميّزون بقابليَّة شديدة للتأثُّر بالطاقات الخارجيّة أكثر من غيرهم فيُطلق عليهم "ذوو الإحساس الفائق".
تتأثَّر طاقة الإنسان، عمومًا، بنوعين من العوامل، هما: البيئة الخارجيّة، والمتغيّرات النفس- جسمية الداخليّة. أمّا ذوي الإحساس الفائق خصوصًا، فيتميّزون بقابليَّتهم الشديدة للتأثُّر بالطاقات الخارجية التي تأتيهم في شكل إشارات وموجات أشعة وغيرها، حيث تمرُّ عبْر مسارات خاصة لتمنحهم المزيد من موجات الأشعة ذات الأطوال المختلفة، والتي تحتاج لمخ قويّ، يستطيع أن يتحمَّل كثافتها، وينظِّم عشوائيّتها، لينتقي منها ويقارن، ويربط ما تحمله من تفاصيل بما اختزن في الذاكرة من معلومات، ليستفيد منها فكريًّا.
والإنسان المرهف، كالرادار يستقبل ويرسل إشارات، بشكل يفوق الآخرين سرعةً وكثافةً وعمقًا. وذلك لأنَّ الله زوَّده بجهاز عصبي فائق الحساسية يلتقط، على مدار اليوم، كمًّا هائلًا من تلك الموجات الخارجية التي تخترق طاقته الداخلية، وقد تتنافر أو تتحد معها. الأمر الذي يثقل كاهله بتراكمات لطاقات لا تمت له بصلة!
هذا الأمر يتطلّب من الأشخاص فائقي الحساسيّة الانتباه، وترتيب الأولويّات في الانتقاء النوعي للموجات وإدارتها، لتجنُّب المشكلات المحتملة. فهذه الفئة من الناس حادَّة الإحساس، تتحمّل من موجات الأشعة ما لا يتحمّله الآخرون، بحيث تتكثَّف مشاعرهم، ويرهف إحساسهم، وتتعمّق استجاباتهم تجاه معظم المثيرات والموضوعات، بشكل قد يستهلكهم، أو يودي بهم فجأة؛ لنقص الطاقة. وهؤلاء الأشخاص يظلون عرضةً لنوبات من الانهيار العصبي، أو التوتر، أو الاكتئاب أو القلق، وذلك بسبب استجاباتهم لهذه الموجات المكثَّفة التي تخترقهم عنوة!
لا نغالي إذا قلنا إنَّ هذا الأمر يشبه المعركة داخل المخ، حيث تتنازعه طاقات شتى نتيجة الإحساس الفطري المفرط عند هذه الفئة، الأمر الذي قد يعاني معه بعضهم من أمراض الحساسية المختلفة التي تصيب أجهزتهم التنفسية أو الدموية أو الجلدية، وغيرها.
لذلك، يهربون من الضجيج والمثيرات والسلوكيات السلبية وغير الأخلاقية. ويميلون، عادة، للهدوء والتأمل والأخلاق الرفيعة، لما يوفره ذلك من اتزان وتناغم يؤثر على تكوينهم البيولوجي، وارتقائهم الثقافي.
وترى د.حسنية موسى في دراستها القيِّمة "القدرات التنبؤيّة" أنَّ المخ يطلق موجات وأشعة رصدها العلماء بأدق الأجهزة الإلكترونية، لها صفة الترابط Coherent وخصائص أشعة الليزر، وغيرها. وأنها تعمل في مجال الموجات فوق البنفسجية، وتنتشر لمسافات هائلة، وتلتقطها أمخاخ بعضهم بشكل تلقائي، حيث تتداخل مع طاقاتهم الداخلية. وقد تتلاقى الطاقة المُلتَقَطة مع طاقاتهم الأساسيّة في طول موجي واحد، فيستفيدون منها. وقد تتنافر، فتزعجهم.
وفي أعماق المخ أعلى الجذع الدماغي، يوجد الجسم الصنوبري، وهو بمنزلة عين ثالثة تتأثر، ضمن سبعة مراكز، بالطاقات، وهو أيضًا مركز لبثّها واستقبالها على شكل أشعة وموجات. كما أنه مركز البصيرة والفكر. وهو حسّاس للأشعة تحت الحمراء الحرارية حتى في ظلمات الليل. ويُعتقد أنه يشارك في استقبال وإرسال الأشعة غير المرئية، مثل: الأشعة فوق البنفسجية، والموجات الكهرومغناطيسية ذات التوترات العالية جدًا. ليقدِّم للمخ، بطريقة ما، معلومات تمكِّنه من الإلهام، والوصول بدرجة الذكاء إلى العبقرية إذا أحسن تصنيفها وتنظيمها وربطها بما في ذاكرته من معلومات وأفكار.
وطبقًا للعلماء، إذا توافرت هذه المؤشرات، يصنَّف هذا الإنسان، ضمن الفئة فائقة الحساسية الفطرية Highly Sensitive People والتي لا تزيد نسبتها بين البشر عن 15%. وهي من الظواهر البيولوجية المكتشفة حديثًا، وموهبة من الله تولد بها هذه الفئة، ممّا يجعلهم، سريعي الإحساس، حيث تتأثر طاقاتهم بغيرها من الطاقات المختلفة، سلبيّة كانت أم إيجابيّة.
لذلك، عليهم أن يحتاطوا، فلا يحيطوا أنفسهم سوى بذوي الطاقات الإيجابية، وأن يشكِّلوا منهم: فريق النجاح. أمّا إذا كانت بيئاتهم الخارجية تعجّ بالطاقات السلبية والهدّامة، فعليهم إعداد البيئة المناسبة للنجاح. وأن يتخذوا الإجراءات الحاسمة التي تضمن لهم طاقات أكثر إيجابية، لا تشوش رحلة التكوين، أو تبتعد بهم عن ارتقاء العقل.
لا يقتصر وجود هذه الفئة فائقة الإحساس الفطري على البشر فحسب، بل أثبتت الأبحاث وجودها في مائة كائن حيّ آخر، منها: الطيور، الأسماك، الكلاب، القطط، الجمال، وغيرها. الأمر الذي يؤكد أنَّ هذه الظاهرة، يتَّسم بها النظام البيئي بأكمله. لكنها، من ناحية أخرى، تفيد الإنسان الحساس، باعتبارها سمة تميِّزه ومصدرًا لقوّته العقلية، لأنّ من مزاياها أنّها تنقل له كمًّا هائلًا من المعلومات عبر بيئته وعالمه الخارجي، فتتراكم في عقله كما لو كان بنك معلومات متنقل، وإذا استطاع توجيهها، يستطيع أن يرتقي بمواهبه، وقدراته، ومهاراته بشكل يمكِّنه من الوصول إلى أعلى درجات التركيز، والارتقاء الفكري. فضلًا عن تميُّزه ببعض الخصائص والسمات الجسمية والنفسية، لعل من أهمها: قوة الشعور، اتخاذ القرارات الصعبة، دقة الملاحظة، الانطواء، قوة الحدس، سرعة الاستجابة، والانفعال التلقائي بالمثيرات الحسية والنفسية.
أمّا سلوكيّات الإنسان فائق الحساسيّة وأنشطته، فتكون عادةً مكثّفة على المستويات الفكرية، والجسدية، والعاطفية. ويستطيع تحليل وفهم الآخرين منذ التَّعامل الأوَّل؛ بل وقد يتَّخذ من المواقف المتقدّمة؛ ما يستنكره أو يستغربه الآخرون.